المقدمة

«سُبحانَ رّبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عمّا يَصفونَ وَسَلامٌ على المُرسَلينَ والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ»، الذي نصر رسوله الامين بعمه الناصر لدين الله أبي طالب والد أميرالمؤمنين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله المبعوث فينا رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه ومن والاه الى يوم الدين، وبعد:

زخر زمن البعثة برجال عظام كانوا المثل الاعلى بالايمان العميق بالله، والتضحية في سبيل اعلاء كلمة الحق، والعمل الصالح لخير البشرية، ففي حياتهم معين لا ينضب من الخبرة والعبرة والصبر والايمان، فلم يخنق الزمن اصواتهم على مر العصور، ولم يمح الكلام اثارهم من الاذان على مر الدهور.

وتراثنا الادبي حافل باولئك المشاهير والشعراء، وفي مقدمتهم أبو طالب بن عبد المطلب (85- 3 ق.هـ)، (540- 620م) عم النبي (صلى الله عليه وآله) عاش في الجاهلية بروح الدين الحنيف نابذاً العادات والتقاليد الذميمة، مهتدياً بروح التوحيد، آمن بالله وبكتبه وبرسله وملائكته واليوم الاخر، وعندما بزغ فجر الاسلام كان أول من ناصر الدعوة المحمدية، وذاد عنها، وحمى صاحبها، ودافع عنه، واول من اثبت دعائم اركان الاسلام وصدع صوته مغردا في مسامع الدهر نشيدا ايمانياً صادقا خالدا من خلال ايمانه المبكر بنبوة ابن اخيه نور الهدى، فاعزَّ الله الاسلام بعمه أبي طالب اشرف رجال قريش وحاكم مكة ورئيسها، والبطل في مواقفه للاسلام في صفاء سريرته، وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، ونبل اخلاقه، ولطف انسانيته، وعمق ايمانه.

ومن دواعي دراستنا لشعر أبي طالب أن الادباء لم يولوا شعره كما يستحق من الدراسة الادبية، فلم نعثر على كتاب أدبي مخصص يعطي صورة صادقة لفن هذا الشاعر، ولم تعطِ المظان صورة قريبة او بعيدة عن فن الشعر الاسلامي في زمن البعثة التي واكبت الجهر بالدعوة الاسلامية في قريش وانذار عشيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) الاقربين، التي امدها عشر سنين لازم فيها أبو طالب ابن أخيه مؤيدا وناصرا ومساندا ومؤازرا ومدافعا عنه أذى مشركي قريش، في الوقت الذي تعد هذه الحقبة الزمنية من أقدس حقب الادب الاسلامي في نفوس المسلمين؛ لأنها تمثل مرحلة الوحي، ونشر الدعوة الاسلامية، ومن المعروف أن الظواهر الادبية لا تتبلور وتكتمل في مرحلة الانتقال من حقبة الى اخرى مباشرة، ومن المسلم به ان شعراء مكة لم يتباروا في الدخول في زمام معركة شعرية حقيقية وقتذاك فقد نظروا الى الدعوة بامكانهم اخمادها ووأدها، ولذلك لم تكن في هذه الحقبة حركة ادبية واضحة، ولكن اصول الظواهر الادبية الاسلامية الجديدة وجذورها وجدت فيها، ولا سيما في شعر أبي طالب الذي يمثل تأصيل الظواهر الادبية في الادب الاسلامي، فيمثل شعره مرحلة مهمة من أدب تلك الحقبة، فحدود البحث تمتد لزمن قريب من هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) الى المدينة.

على أننا لا نغفل أن كثيراً من شعراء المشركين الذين ظهرت أسماؤهم بعد فتح مكة بتسعة عشر عاما من بعثة الرسول الكريم هاجوا شعراء الرسول (صلى الله عليه وآله) بيد انهم دخلوا الاسلام، فتحرج الرواة من ذكر اشعارهم التي هاجوا بها الاسلام، فلهذا السبب والاسباب التي ذكرناها آنفا كانت من دواعي إهمال تلك الحقبة المهمة في دراسة الادب العربي الاسلامي؛ لذلك كله وجدتُ فرصة سانحة في دراسة شعر أبي طالب، فحملت نفسي جاهدة على ركاب رحلة ممتعة نقطف من ثمارها دراسة جدية تأخذ بالحسبان تأصيل الظواهر الادبية على أن أبا طالب شاعر الاسلام الأول، يحفل شعره بالقديم والمتطور والجديد، فوجدتُ أن ادرسَهُ دراسة أدبية؛ لتوافر المعايير الفنية المؤثرة في المتقبل؛ لاستجلاء قيمتها المتدرجة ضمن شكل تعبيري تقني معين، والدراسة الأدبية أوسع مجالا في البحث وأرحب شمولا لدراسة الظواهر الادبية في شعره، متوخية الدقة والاحاطة والشمول في جميع شعره المتوافر لدي في ديوانه، والمتدافع منه، ومما ظفرت به من المظان؛ لاعطي صورة تقريبية من شعره على المستويين: الموضوع والفن، بما يليق بهذه الشخصية الفذة ناصر الرسول (صلى الله عليه وآله).

وقد وقع الاختيار على ديوان أبي طالب بن عبد المطلب صنعة أبي هفّان المهزمي البصري(ت257هـ) وصنعة علي بن حمزة البصري التميمي(ت375هـ)، بتحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، وهي طبعة محققة تحقيقا علميا تفوق الطبعات الاخرى، واشمل لشعر أبي طالب، وما لم نجده في هذه الطبعة عُدتُ به الى الطبعات الاخرى، واذا لم نظفر بما نريده في هذه النسخ المطبوعة للديوان راجعتُ الى بطون الكتب في سبيل اتقان عملي.

بلغ عدد الأبيات المدروسة الفاً وتسعة وعشرون بيتا وشطراً، واعتمدت في منهج البحث على التحليل الوصفي والموضوعي اللذين يجنحان الى تحليل النص واستنطاقه وابراز الحقائق فيه وما يرقد وراءها مراعية أصولاً عقلية مقررة، وحاولت في دراسة النص تحقيق الصلة التأريخية في عدم فصله عن ظرفه الذي ولد فيه من خلال الإفادة من الاشارات التأريخية القديمة التي عالجت سيرة حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) مع عمه أبي طالب وحرصتُ في منهجي على ابراز الشاهد أو أكثر بحسب ورود الظاهرة، لدعم تثبيت حقيقة كنت قد أشرتُ اليها، ولمعرفة الزيادات الفنية والتطور الذي نهض به شعر أبي طالب في الدراسة، ثم دراسة التفاصيل بحسب اهميتها، وأوردت إحصاء لكل ظاهرة أدبية مدروسة، وحرصت على أن أذكر مقدمة لكل مبحث وأتبع نهايته بخلاصة موجزة.

واستعنت في دراستي بمظان الأدب والبلاغة والنقد واللغة والتأريخ والأخبار والسير، واطلعت على غير قليل من الدراسات الادبية الحديثة فوجدت أنها تحتوي على آراء متباينة ونافعة.

وفي ضوء هذه المعطيات ومراجعة المادة انتظم البحث في تمهيد، وثمانية فصول: واهم النتائج التي خلصتُ إليها في خاتمته، وملحقين تابعين لمتطلبات الاطروحة، وقد اقتضت طبيعة موضوع الاطروحة ان امهد له بالحديث عن جانب من جوانب حياة أبي طالب مع مسيرة ابن اخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن جلَّ شعره في الرسالة وصاحبها، وقد أوجزت في الحديث عن ايمانه، وأومأتُ الى المراجع والدراسات للاطلاع عليها، لكثرة ما كُتب عن عقيدته، بيد أن البحث لم يغفل عن هذه القضية العقائدية التي ترتبط بشعره، ولا سيما في مرحلة مواجهته لطواغيت الشرك من قريش ولو بهذا الايجاز.

تكفل الفصل الاول في دراسة مصادر شعر أبي طالب وتوثيقه بسبب ما زرعه بعض الباحثين المستشرقين ومن تابعهم من الباحثين العرب من شك في شعره مما جعل الباحثين يقفون موقف الحيطة والحذر والتهيب والتردد فعزفوا عن دراسته، فكان من المفيد توثيق شعره.

وفي دراسة الموضوع كشف الفصل الثاني: الرثاء والفخر والمديح ابعاد علاقة الفنون الشعرية الثلاثة، وضمَّن الرثاء: الندب والتأبين والعزاء، واتجه الفخر الى سبيلين: الفخر الذاتي والفخر الجماعي، وسلك المديح مسلكين: المديح النبوي والمديح العام.

ونهض الفصل الثالث: شعر العقيدة بدراسة الابعاد العقائدية: التوحيد والتصديق، ومن دواعي الايمان بالرسالة المحمدية التصديق بمعجزاته ونصرته، وعرض موضوع النصرة مباحث جانبيه في الحث على الصبر والنصيحة والوصية تتعلق جميعها بمضامين محتويات هذا الفصل .

وعقدَ الفصل الرابع: العتاب والتحذير والتهديد والهجاء في بيان العلاقة بين هذه الموضوعات، فبرز في العتاب نوعان من العتاب: الشخصي والجماعي اللذان قادا الشاعر الى التحذير والتهديد وقد يسلك سبيل الهجاء في بعض الاحايين.

وفي دراسة الفن عرض الفصل الخامس: البناء الفني في شعره، فتضمن القصائد ذوات المقدمات وتعدد الاغراض فيها، وبناء القصيدة المباشرة والمقطوعات، وشملت بناء الغرض الواحد وتعدده، وعلى هذا أسس الرجز أيضاً.

وتطرق الفصل السادس: لغة شعره الى دراسة الالفاظ المتضمنة اسماء الأعلام: الرجال والنساء والقبائل، والامكنة، ولا سيما الأماكن الدينية، واتجه مبحث الصياغة الى دراسة الأساليب اللغوية: النفي والتوكيد والاستفهام والامر والنداء، وألحق في الفصل دراسة أثر الاسلام في لغة شعر أبي طالب.

وحفل الفصل السابع بدراسة الايقاع في شعره، ومن مظاهره: الوزن والقافية، واهم الظواهر الايقاعية: التكرار والتدوير والضرائر .

وتكفل الفصل الثامن بالصورة الفنية في شعره ومصادر الصورة المستمدة من روافد ثقافية: تراثية ودينية، ومن البيئة الحضرية في مشاهدات الشاعر اليومية، وفي مصادر الصورة البيانية نطالع الصور التشبيهية والكنائية والاستعارية.

وفي النتائج نصيب وافر في انبلاج الرؤية عن شعر أبي طالب القديم والمتطور والجديد على المستويين: الموضوع والفن.

واتبعت النتائج بملحقين هما من متطلبات الرسالة وثبت بالمصادر والمراجع.

بقي ان اقول: إن عليَّ أن أقرَّ بفضل جميل أسداه إليَّ الدكتور حاكم حبيب الكريطي عندما اقترح العنوان موضوعا للاطروحة والاشراف عليها ومتابعتها، فاثني عليه بجميل الدعاء، أدامه الله وأبقاه.

وبعد: قصارى ما نتمناه وعرضناه ونقدناه من هذا السفر النفيس لشعر أبي طالب على وفق ما تخيلناه، نظرنا فيه بعين الانصاف متوخين الحقيقة بدقة وحرص شديدين، وما شاء القارئ أن يتخيل صوراً نابضة بالحيوية، نسأل الله السداد في التفكير والقول، وأن يلهمنا الصواب والرشاد، ويجنبنا الزلل والعثار، إنه نعم المجيب والحمد لله رب العالمين.

هناء عباس كشكول

النجف الاشرف الاول من غرة رمضان المبارك لسنة 1428هـ

الثالث عشر من ايلول لسنة 2007م

 

***

 

« التمهيد »

جانب من حياة أبي طالب

 

من المفيد الايماء الى رئاسة أبي طالب في عمقها التاريخي، فهو ينتسب الى قصي بن كلاب من ذرية النبي ابراهيم (عليه السلام) الذي استطاع ان يوحّد قريش ويبعد خزاعة بعد معركة أريقت فيها دماء كثيرة، وحاز قصي شرف مكة كلها، فكانت بيده السقاية والرفادة والندوة واللواء والقيادة(1)، وهي من أهم المناصب الادارية في المجتمع المكي(2 و«كانت قريش وعامة ولد معد بن عدنان على بعض دين إبراهيم يحجون البيت، ويقيمون المناسك ويقرون الضيف، ويعظمون الأشهر الحرم، وينكرون الفواحش، والتقاطع والتظالم، ويعاقبون على الجرائم، فلم يزالوا على ذلك ما كانوا ولاة البيت» (3).

وقسم قصي المهام الادارية بين أولاده من بعده، فجعل السقاية والرئاسة لعبد مناف، والدار لعبد الدار والرفادة لعبد العزة وحافتي الوادي لعبد قصي(4)، وخلَّف عبد مناف من بعده هاشما وهو أول من سنَّ الرحلتين لقريش رحلتي الشتاء والصيف، وأول من أطعم الثريد للحجاج بمكة، وتولى الرئاسة والسقاية والرفادة(5)، ثم تولى عبد المطلب بن هاشم الرئاسة والسقاية والرفادة بعد عمه المطلب، وكان شريفا في قومه مطاعا سيدا(6)، و «أحسن قريش وجها وأمدَّه جسما واحلمه حلما واجوده كفا وابعد الناس من كل موبقة تُفسد الرجال، ولم يره ملك قط إلا اكرمه وشفَّعه» (7)، وقد اعطاه الله من الشرف ما لم يعط أحدا من آبائه، فجدد حفر بئر زمزم الذي كان على عهد نبي الله ابراهيم (عليه السلام) فاكرمه الله بسقاية زمزم(8) وحكَّمته قريش في اموالها، واطعم في المحل حتى اطعم الطير والوحوش في الجبال، وكان يقول لابنه أبي طالب: «أي بني: قد أطعمت الناس فانطلق بهذه الجزائر، فانحرها على أبي قبيس حتى يأكلها الطير، والسباع، ففعل أبو طالب ذلك فأصابها الطير والسباع فقال أبو طالب:

{من الطويل}

ونُطعِــمُ حتّــى تأكــــلَ الطـيرُ فَضْلَنــا          إذا جَعَلـــَتْ أيــدي الِمفيضِينَ تـرْعَدُ»(9)

وعبد المطلب «اول من تحنث بحراء.... وكان اذا أهلَّ هلال شهر رمضان، دخل بحراء فلم يخرج حتى ينسلخ الشهر، ويطعم المساكين وكان يعظم الظلم بمكة، ويكثر الطواف بالبيت» (10).

فقد كان من الموحدين(11) سنَّ «سُنناً نزل القرآن باكثرها، وجاءت السنة من رسول الله بها وهي: الوفاء بالنّذور، ومائة من الابل في الدية، وألا تنكح ذات محرم، ولاتؤتي البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل المؤودة، والمُباهلة، وتحريم الخمر وتحريم الزناء، والحدَّ عليه، والقرعة، وألاّ يطوف احدٌ في البيت عرياناً، وإضافة الضيف، وألا ينفقوا اذا حجوا إلا من طيب اموالهم، وتعظيم الأشهر الحرم، ونفي ذوات الرايات...فكانت قريش تقول: عبد المطلب ابراهيم الثاني» (12) وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إن الله يبعث جدي عبد المطلب امة واحدة في هيأة الانبياء وزي الملوك» (13).

وأولاد عبد المطلب عشرة ومنهم : أبو طالب والزبير وعبدالله والد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وامهم «فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم» (14)، وكان أبو طالب امتداداً للسلالة الرفيعة من اجداد النبي(صلى الله عليه وآله)، والوارث لقيمهم ومواقعهم الاجتماعية والسياسية، ولعلو مقامهم، وعراقة اصلهم، وعظم كرمهم، يفتخر أبوطالب بهم قائلاً:

{من المتقارب}

فإنّا بمكّةَ قِدْماً لنا

ومَنْ يَكُ فيها له عزَّةٌ

ونحنُ ببطْحائِها الرائسو

نَشَأنا فَكُنّا قليلاً بها

اذا عَضَّ أزْمُ السنينِ الأنامَ

 نَمانَي شَيْبَةُ ساقي الحَجيجِ

 

به العزُّ والخَطَرُّ الأعظمُ

حديثاً فعزَّتُنا الأقــــدمُ

نَ والقائدونَ ومن يَحـكُمُ

نُجيرُ وكُنّا بها نُطْعـــــــِمُ

وحَبَّ القُتَارُ بها المُعدَمُ

ومجدٌ مُنيفٌ الذُّرى مُعْلَمَ(15)

وأبو طالب عبد مناف تزوج من بنت عمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي(16)، وقد أنجبت من الذكور طالبا(17)، وبه يكنى أبوه، وعقيلاً وجعفراً وعلياً، وكان بين واحد واخر عشر سنين(18)، ومن الاناث ام هانيء، وجمانة، وريطة، وكان أبو طالب وسيماً جسيماً عليه بهاء الملوك، ووقار الحكماء، وكانت قريش تسميه الشيخ، وكانوا يهابونه ويخافون سطوته، فهو شيخ قريش، وسيد البطحاء، ورئيس مكة(19)،كما كان أبوه يلقب بذلك وهو سيد قريش ورئيسها وحاكمها والمطاع فيها حتى هلك(20).

لقد خلَف أبو طالب اباه في الزعامة للمزايا التي يتمتع بها من كريم الصفات، فألقت قريش امورها اليه، لانها رأت فيه شيخاً ذا رأي وعقل وخبرة وحكمة واخلاق وقدر، فهو الذي تلجأ اليه في مهماتها، وتعتمد عليه في ملماتها، وهو المطاع الرئيس المهيب مع فقره فلم يسُد في الجاهلية احد إلا بمال غير أبي طالب(21)، وعتبة بن ربيعة(22)، فقد كان أبو طالب «يبيع العطر، وربما باع البُر» (23) في وقت كان ينظر أهل مكة قبل الاسلام الى أن شؤون السيادة بيد الاثرياء، ولكن خُلق أبي طالب، ورجاحة عقله، وكرم نفسه، وعفة ضميره، هيَّأته لأن يسود ويعلو رأيه اراء الاغنياء، ويخلف اباه في زعامة قريش فعهد اليه عبد المطلب بسقاية حجاج بيت الله الحرام، ثم سلمها أبو طالب الى اخيه العباس بن عبد المطلب(24) و«أبو طالب أول من سنَّ القسامة في الجاهلية في دم عمرو بن علقمة، ثم اثبتتها السُّنة في الاسلام» (25).

وجمع أبو طالب الى جانب السيادة والحكم والشرف وعراقة النسب: الحلم والادب، فـ«لقد قيل لأكثم(26) ممن تعلمت الحكم، والرياسة، والحلم، والسياسة؟ فقال: من حليف الحلم والادب، سيد العجم والعرب أبي طالب بن عبد المطلب» (27).

 

إيمان أبي طالب ومسيرته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله):

تعرضت شخصية أبي طالب الى التكفير، وكان القصد من هذا التعريض الطعن بشخصية ابنه أميرالمؤمنين الامام علي (عليه السلام) من القادة والامراء والولاة الذين ساروا مع ركب السياسة الاموية، واتبع بعض المحدثين والمفسرين والمؤرخين ما خاضته السياسية الاموية بقصد او بغير قصد(28).

فقد بلغ اختلاف المسلمين بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولاسيما في عهد معاوية اوجه، فلم تشأ السياسية الاموية في مراحل التدوين ان تدع الثقافة تجري بعيدا عن سلطانها، فرسمت لها مسارا لا تتعداه، ومنها ان تمنع الحديث بسيرة الامام وأهل البيت وفضائلهم، والتبرؤ منهم في خطب الجمع وقنوت الصلوات، ورويت بذلك أخبار مفتعلة لاحقيقة لها، فذكر «أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية اخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلا يُرغَبُ في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: ابو هريرة وعمرو ابن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير» (29) وجدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى وأُلقي الى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم، ونساءهم، وخدمهم، واستمر في ذلك الفقهاء والقضاة والقرّاء والمراؤون والمستضعفون طلبا لرضا الحكام، ولنيل عطاياهم(30)، حتى قال قوم من بني أُمية لمعاوية: «إنك قد بلغت ما أمّلت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل! {يريدون الامام علي (عليه السلام)} فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكرٌ فضلاً» (31) واستمرت السياسية الأموية في هذا الحال امدا طويلا (32).

ثم جاء اهل الحديث والاخبار فوجدوا اخبارا واحاديث فدوَّنوها، ومنها قضية تكفير أبي طالب، وعندما جاء العباسيون وجهوا هذا الاسلوب نحو اغراضهم السياسية مثلما فعل الامويون.

فهكذا كانت مصادر الثقافة ومادة عقائدها(33)، وما جاء بخلاف ما تهوى السلطة السياسية فسوف يثير حفيظتها، فلا غروا ان نقرأ مؤرخا مثل ابن هشام يتجاوز عن حذف بعض ابيات من قصيدة لأبي طالب فيها اقذاع لمشرك، فعلى سبيل التمثيل لا الحصر انه اورد قصيدة رواها ابن اسحاق لأبي طالب في التعريض بالمطعم بن عدي ومن خذله من بني عبد مناف، ثم عقب عليها بقوله: «تركنا منها بيتين اقذع فيهما» (34)، وربما يكون المتروك قول أبي طالب:

{من الطويل}

رجالٌ تمالَوا حاسدينَ وبُغضَةً

 وَليدٌ ابوُهُ كانَ عبداً لجدِّنا

لأهلِ العُلا فَبَيْنَهم أبداً وتـْــرُ

إلى عِلجَةً زرقاءَ جالَ بها السِّحرُ(35)

على الرغم مما جاء به التاريخ بشأن الوليد من الكفر، عمد ابن هشام الى حذف هذين البيتين وربما كان في ذهنه ان أهل العلا أبا طالب ورهطه يبغضهم الخصوم لعلو شأنهم، ولاسيما اذا كان المبغض جده الوليد عبدا لجدهم ، فابن هشام يرى أن الوليد يتساوى معهم وإلا فان ابن هشام لم يحذف الابيات التي فيها هجاء لعبد شمس ونوفل وتيم ومخزوم وزهرة(36)، وهم بطون قريش، وانما خص الابيات التي فيها قذع للوليد فحسب؛ ولابن هشام عذره لانه لا يستطيع ان يثبت حقيقة تصطدم وعقائد الناس وما ترسخت عليه اهواؤهم فوجد نفسه منساقا وراء اثار الثقافة السياسية العباسية(37)، وهذا الحذف يمثل نقصا في تحديد الاصول الحقيقية لشعر السيرة وهو ما يعارض ما قصده ابن هشام من توثيق وتحقيق للشعر الذي ورد في سيرة ابن اسحاق مثل ما هو معروف(38).

إنَّ انقاص ذكر الحقائق، ووضع الحديث، وما جيء به من تكفير شيخ الابطح أبي طالب الموحد على دين آباء عبد المطلب كان يراد به غاية سياسية، وذلك للنيل من ابنه الامام علي (عليه السلام)، فقد قال أبو طالب مخاطبا بني قصي(39) في حصار الشعب مستنكرا بهذا الشأن :

{من المتقارب}

فكيفَ تُعادونَ ابناءَهُ

 

وأهل الديانةِ بيتَ الحســـــبْ(40)

ولا نريد ان نرد في هذا القضية، وذلك لتصدي اعلام المذاهب الاسلامية المختلفة لها، فأُلفت عشرات الكتب والبحوث في هذا الموضوع(41)؛ واكدوا أن أباطالب عم النبي (صلى الله عليه وآله) مطهّر من ارجاس الجاهلية، ومنزّه عن عبادة الاوثان، ومن الرعيل الاول من المؤمنين بالرسالة المحمدية وكان موحداً على دين ابراهيم الخليل(عليه السلام) قبل الاسلام ثم مسلماً وحامياً لابن أخيه ومدافعاً عن الاسلام بالوسائل كلها.

وما يهمنا في هذه الصفحات أن شعر أبي طالب كفيل بحل هذه الاشكالية، فهو شعر صريح يقيناً برسالة النبي (صلى الله عليه وآله) وبنبوته وامانته وصدقه، وما بعث من الحق من ربه، وأنه خاتم النبيين، وسقنا ذلك بالدليل النقلي والعقلي في آن معا من خلال الحديث عن كفالته لابن أخيه ورعايته له وهو صغير وتربيته وهو يافع، والوقوف الى جانبه ومؤازرته ومناصرته وهو كبير حتى وفاته، وهو يصرح بوصيته بنصرة النبي لاخوته وابنائه وعشيرته.

فعندما كان عمر النبي (صلى الله عليه وآله) ثماني سنين، تولَّى أبو طالب رعاية ابن أخيه الذي حرم من حدب الاب وحنان الام بعد كفالة جده عبدالمطلب له، وقد التزم أبوطالب بكفالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بناء على تكليف عبد المطلب له، فعندما حضرته الوفاة، اوصاه بحفظ رسول الله وحياطته(42)، وخص أبا طالب من دون سائر ابنائه بشرف هذه الكفالة لما عرف من ابنه من محبته وحنانه وعطفه على ابن أخيه، فهذا الحب العظيم دفعه الى رعاية ابن أخيه سواء اكلَّفه ابوه بهذا الامر ام لا، واشتركت معه زوجه فاطمة بنت اسد فتشاطرت الحنان والعطف والرعاية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (43) مع زوجها أبي طالب.

وتشرَّب النبي محمد(صلى الله عليه وآله) من الاخلاق الكريمة التي نبعت من عبد المطلب وابنه أبي طالب، وكأن الله لما اختار رسوله من بني عبد المطلب اختار لتنشئته هذا العم الفاضل الذي «كان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا الى جنبه، ويخرج فيخرج معه وصبَّ به أبو طالب صبابة لم يَصَبّ مثلها بشيء قط» (44) فقال في حبه للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) :

{من الكامل}

إنَّ الامينَ محمداً في قومهِ

 

عندي يفوقُ منـازِلَ الأولادِ(45)

وكُلِّف وجدا بحب ابن أخيه الذي جُبِلَّ عليه فقال:

{من الطويل}

لَعمري لقد كُلِّفتُ وَجْداً بأحمدٍ

 

واخوتِهِ دَأبَ المُحِبِّ المواصِلِ(46)

وعُني أبو طالب بابن أخيه فكان المربي والراعي والحارس والحافظ لوصية ابيه عبد المطلب، وكان من رقة أبي طالب عند النظر الى ابن أخيه تهمل عيناه شفقة ورحمة فقال:

{من الكامل}

فأرفَضَّ من عينيَّ دمعٌ ذارِفٌ راعيتُ فيهِ قَرابَةً موصولَةً

مثلَ الجُمانِ مُفَرِّقُ الأفرادِ وَحفِظتُ فيهِ وَصيّةَ الأجدادِ(47)

ان هذا الموقف يرتبط بيتم النبي(صلى الله عليه وآله) فهو اولى بالعطف والرحمة من غيره، ويبدو ان علّة بكاء عمه تعود الى ان يتمه يذكره بأخيه عبد الله والد النبي.

فقال:

{من الطويل}

ذَكرتُ اباهُ ثم رَقرَقتُ عَبرَةً

تَجودُ على الخَدَّيْنِ ذاتَ سِــــــجامِ(48)

وقد هيّأت القوة الالهية كفالة أبي طالب لابن أخيه وان يعلم من امر نبوته قبل البعثة وبعدها، فبشرت به الكتب القديمة والصحف السالفة المدونة عن الانبياء والعلماء من الامم الماضية من صفاته والبشارة به، وذكره ملوك البلدان: اليمن وفارس والروم وتوقعهم لبعثته وهجرته(49)، وحصلت ايات باهرة، ومعاجز قاهرة للعادة قبل ولادته وبعدها(50)، وبشر سيفُ بن ذي يزن عبدَ المطلب بأن له من صلبه نور النبوة(51)، وبشره اهل الكتاب بذلك ايضا، فذكر «أن اهل الكتاب يزعمون ان ابني هذا نبيُّ الامة» (52) يقصد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) واوصى ابنه أبا طالب قبل وفاته قائلا «يا أبا طالب ان لهذا الغلام لشأنا فاحفظه واستمسك به فانه فرد وحيد وكن له كالاب لا يوصل اليه بشيء يكرهه...يا أبا طالب ان ادركت ايامه فاعلم اني كنت من ابصر الناس ومن اعلم الناس به وان استطعت وإن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك فانه قريب سيسود ويملك ما لم يملك أحد من آبائي» (53).

ولمعرفة أبي طالب ببركة ابن أخيه يخرج به في يوم قحط وجدب، ويطلب منه ان يلصق ظهره بالكعبة، ويفعل الصبي ما يأمره عمه ويلوذ باصبعه نحو السماء وما فيها آنذاك غيمة، فيهطل المطر، ويخصب الوادي، وتحيا الارض وتنتعش(54)، فقال أبو طالب مستذكرا هذه الصورة بعد بعثة ابن أخيه:

{من الطويل}

وأبيضَ يُستَسقى الغَمامُ بوجههِ يَلوذُ بهِ الهُلاكُ من آلِ هاشِـــــمٍ

 

ربيعُ اليتــامى عِصـمَةٌ للارامـِلِ فهم عنـــدهُ في نِعمَــةٍ وفَواضِـــلِ(55)

و«لولا خاصّة النبّوة وسرّها لما كان مثلُ أبي طالب ـ وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها ـ يمدح ابن أخيه محمدا، وهو شابٌّ قد ربِّي في حِجره وهو يتيمه ومكفوله، وجار مجرى اولادِه بمثل قوله:

{من الطويل}

وتَلقوا ربيعَ الأبطحينِ محمداً وتأوي اليهِ هاشِمٌ، إنَّ هاشِمـــاً

على رَبوةٍ من رأسِ عنقاءَ عيطَلِ
عَرانينُ كعبٍ آخرٌ بعــــــــدَ أوّلِ

...فهذا شعر أبي طالب، ذلك الشيخ المبجل العظيم في محمد (صلى الله عليه وآله) وهو شابٌّ مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد ربّاه في حجره غُلاما وعلى عاتقه طفلا، وبين يديه شابا، يأكل من زاده، ويأوي الى داره، علمت موضع خاصيّة النبوّة وسرّها» (56).

ويعلم أبو طالب من اخبار الرهبان والكهان(57)، انه سيكون لابن أخيه شأن كبير، وانه سيملأ الدنيا نورا، وانه النبي المبعوث من رب العالمين وخاتم المرسلين، وقد اخبره الراهب بحيرا في سفرته الى الشام وبصحبته ابن أخيه عندما كان عمره اثنتي عشرة سنة، فعرّفه بامارات النبوة فيه، وأمره بالرجوع بابن أخيه لانه لا يأمن عليه دسائس الشرك ومكائد اليهود، فانهم إن عرفوا بعلامات نبوته لحقوا به الاذى وقتلوه، فرجع أبو طالب الى مكة حفاظا على ابن أخيه(58)، وكان رجال من اهل الكتاب وهم زرير وتمام ودريس قد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك السفر الذي كان مع عمه أبي طالب فارادوا ان يغتالوه فردهم بحيرا وذكرهم الله وما يجدونه في الكتاب من ذكره وصفته، وانهم ان اجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا اليه، فعرفوا ما قال لهم وصدقوه وتركوا النبي، وانصرفوا عنه(59)، فقال أبو طالب في هذه الحادثة شعرا :

{من الطويل}

فَرُحنا مع العيرِ التي راحَ اهلُها

فلَمَّا هَبطنا ارضَ بُصرى تَشرَّفوا

وجاءَ بَحِيرا عندَ ذلكَ حاشِداً

فقالَ: اجمعوا أصحابِكُم لِطَعامِنــا

فَلمَّا رآهُ مُقبِلاً نَحوَ دارِهِ

حَنى رأسَهُ شِبهِ السِجودِ وضَمَّــهُ
وأقبلَ رَهطٌ يَطلِبونَ الذي رأى

فَثارَ اليهم خِيفةً لِعُرامِهم

دَريسٌ وتَمامٌ وقد كانَ فيهم

فَجاؤوا وقد هَمُّوا بِقَتلِ محمدٍ

بِتأويلِهِ التَوراةَ حتى تَفَرَّقوا

فَذلكَ من اعلامِهِ وبيانِـهِ

 

شآمي الهوى والأصلُ غيرُ شَآمِ

لنا فوقَ دورٍ يَنظرونَ جِســــامِ

لنا بِشرابٍ طيبٍ وطعـــــــــــامِ

 فقُلنا: جَميعٌ نحنُ غيرَ غُــــــلامِ

 يوقِّيهِ حَرَّ الشَمسِ ظِلُّ غمـــامِ

الى نَحرِهِ والصَدرُ أيَّ ضُمـــامِ

 بحيرا من الأعلامِ وَسْطَ خِـــيامِ

 وكانوا ذَويْ دَهْيٍ مــعاً وعُـــرامِ

زُريرٌ، وكُلُّ القومِ غيرُ كَـــــــهامِ

 فَرَدَّهم عنهُ بِحُسنِ خِصـــــــــامِ

وقالَ لهم: ما أنتمُ بِطغــامِ

وليسَ نَهارٌ واضحٌ كظَـــــــلامِ(60)

فأورد في هذه الابيات بياناً لهذه الحادثة التي اوردتها كتب السير والتاريخ تؤكد معرفة أبي طالب بشأن ابن أخيه، وما قاله الراهب لم يزد أبا طالب ايمانا فحسب، وانما زاده خوفا على ابن أخيه، فآثر الرجوع به الى مكة لهذا السبب، ويبدو من هذه التفاصيل التي اخذها اهل السير والتاريخ من هذا النص الشعري انهم قد زادوا فيها ليقربوها من الجذر التاريخي وليس الشعري.

ويفصح النص ان أبا طالب يتمتع بعقلية عميقة باسرار نبوة ابن أخيه، ويكشف البيت الاخير عن اليقين الحقيقي لشخصيته المليئة بالايمان.

إنَّ ما زاد أبو طالب في الوصاية والحرص على ابن أخيه هو ما رآه ومن معه في ظل الغمام له، وميل الشجرة بظلها عليه(61)، فبلغت عناية أبي طالب بابن أخيه ورعايته له انه كان يصحبه معه في فراشه خوفا عليه، ويمضي ليله ساهرا لئلا يقتله احد(62)، وهكذا «شب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أبي طالب يكلؤه الله ويحفظه ويحوطه من امور الجاهلية ومعايبها» (63).

وفي اثناء رعاية أبي طالب للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) كان يعرف مخايل نبوته، وامارات بركته، فعلى الرغم من ان أبا طالب كان مقلا في المال غمرته بركة ابن أخيه، فمما يذكر انه اذا اكل عياله فرادى، أو جميعا لم يشبعوا واذا ضمت المائدة النبي(صلى الله عليه وآله)، فانهم يقومون منها وهم شبعى، وفي الطعام فضلة، فكان أبو طالب اذا حضر وقت الطعام يبدأ بابن أخيه ليشرب اللبن من القعب، ثم يسقي اولاده من القعب الواحد جميعهم، فيقول له: انه لمبارك(64) .

إنَّ أبا طالب له علم بنبوة الانبياء ويدرك ما تمر به نبوتهم من مراحل وظهور امارات، وما يظهر من بركة ابن أخيه، هو من امارات النبوة، وقد أقرّ بهذا ايماناً قلبياً، وفعلاً عملياً، وقولاً يقينياً.

ومن الإرهاصات التي سبقت الدعوة الاسلامية للنبي(صلى الله عليه وآله) نبع الماء من الارض لعمه أبي طالب فقد ذكر ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان مع عمه أبي طالب بذي المجاز وقد عطش أبو طالب وليس ثمة ما يطفيء لهيب عطشه، فذكر ما ألم به من عطش الى ابن أخيه، فأهوى النبي (صلى الله عليه وآله) بعقبه الى الارض فتدفق الماء منها، وناول عمه الماء فشرب(65).

ولولا ايمان أبي طالب بنبوة ابن أخيه لما طلب منه ما يعجز الحصول عليه، ولهذا كله كان أبو طالب يشاهد ارهاصات النبوة التي تصدر من ابن أخيه منذ صغره، وانه كان مؤمنا به نبيا مرسلا، فهو مؤمن به قبل بعثته، ولهذا يطلب منه أن يدعو الله له بالشفاء عندما كان مريضا فدعا النبي(صلى الله عليه وآله) له فشفي وقام نشطا معافى(66)، والمتأمل لهذا الامارات واضرابها قبل مبعث النبي يتبين له عمق عقيدة أبي طالب بابن أخيه قبل ان يبعث رسولاً.

ومما يدل على ايمان أبي طالب برسالة ابن أخيه عارفا بمقامه، الخطبة التي ألقاها عند تزويج السيدة خديجة (رضي الله عنها) عندما طلب النبي(صلى الله عليه وآله) من عمه أبي طالب أن يعقد على لسانه رباطه المقدس معها، فقال أبو طالب خاطبا: «الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذريّة إسماعيل وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً وجعلنا الحكّام على الناس وبارك لنا في بلدنا الذي نحن به، ثم إن ابن أخي محمد بن عبد الله لا يُوزن برجل من قريش إلا رجح ولا يقاس بأحد إلا عظم عنه، وإن كان في المال قلّ فإن المال رزق حائل وظلّ زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة وصداق ما سألتموه عاجله من مالي، وله والله خطب عظيم ونبأ شائع» (67).

وتكشف الخطبة عن التوجه الديني، فأبو طالب وابن أخيه من ذرية خليل الله ابراهيم (عليه السلام) وعلى منهج التوحيد في اتباع دين الله الحنيف، واومأ أبو طالب الى بيان قدسية بيت الله الحرام وتعظيمه فهو رمز للعبادة وكان من فضل الله على قريش انه جعل الرئاسة بايدهم، والتمس أبو طالب السمو في اخلاق ابن أخيه محمد (صلى الله عليه وآله)، فهو لا يساويه أحد من شباب قريش في البر والفضل والحزم والرأي والنبل والمجد فافصح أبو طالب من أعماق بصيرته عن الاشادة بالمعايير الاخلاقية لابن أخيه، وكشف عن قدرته الواعية وايمانه بهذه القيم التي ستعتمدها الرسالة المحمدية بوصفها منهجا اخلاقيا للرجل الذي اصطفاه الله قائدا للامة في المستقبل، وهو يقسم ان له «خطباً عظيماً ونبأً شائعاً»، وهذا ما اكدته بشارات اهل الكتاب: الاحبار من اليهود والرهبان من النصارى، وما تحدث به الكهان من العرب بأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) قبل مبعثه لما تقارب زمانه(68).

ومن بين الادلة التي تحكي ايمان أبي طالب وتصديقه دعوة ابن أخيه ما حكي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) «قال يوما لعمه أبي طالب اني ارى في المنام رجلا يأتيني معه رجلان فيقولان: هو هو، واذا بلغ فشأنك به والرجل لا يتكلم، فوصف أبو طالب مقالته هذه لبعض اهل العلم، فلما نظر الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: هذه الروح الطيبة، هذا والله النبي المنتظر؟

فقال أبو طالب: فاكتم على ابن اخي ولا تغري به قومه، فوالله ان قلت ما قلت، لَعَلِّي ما قلت، ولقد انبأني عبد المطلب انه النبي المبعوث، وأمرني أن استر ذلك كيلا تُغْرَى به الاعادي» (69).

ومن هذه المداليل اتخذ أبو طالب قرارا عقلانيا يتناسب مع وعيه الديني في التفكير الموضوعي في حزم امره، وقوة ارادته ومجاهدة نفسه لمواصلة المسيرة في الوقوف بجانب ابن أخيه ومساندته ومؤازرته وحمايته ومواجهة اعداء الرسالة في مجتمع تسوده النزعات والزعامات واختلاف الاديان.

فلما بعث ابن أخيه نبيا ورسولا وداعيا الى الخير ومبشرا ونذيرا لهداية الناس الى دين الحق، ونبذ العبادات من دون الله، كانت الدعوة في بدايتها سرية لمدة ثلاث سنين من مبعثه الشريف ثم امره الله ان يصدع بما جاء به، وان ينادي الناس بأمره(70)، وكان الامر موجهاً أولاً الى عشيرته الاقربين(71).

فكان لأبي طالب الاثر البارز في ارساء دعائم قيادة الا يمان في الاجتماع الذي دعا اليه الرسول(صلى الله عليه وآله) الذي عين فيه علي بن أبي طالب وصيه وخليفته من بعده، فنهض القوم وهم يقولون:

«قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع» (72)، فقال أبو طالب مخاطبا النبي(صلى الله عليه وآله) يسكن جأشه ويطلب منه اظهار دعوته:

{من البسيط}

لا يَمنَعَنَّكَ من حقِّ تَقومَ بهِ فدونَ نفسِكَ نَفسي مُتَّئبٍ

 

إبراقُ أيدٍ ولا إرعادُ أصواتِ
ودونَ كفِّكَ كفي في المَلَمّـــَاتِ(
73)

ان ما يدل على ايمان أبي طالب وانعقاد قلبه بالاسلام تشجيعه لابن أخيه (صلى الله عليه وآله) في دعوته، وفداء نفسه دونه، ومعاضدته في معانقة كفه بكف النبي، وادل من ذلك ترغيب اولاده علي وجعفر لمؤازرة ابن عمهما محمد (صلى الله عليه وآله)، فذكر انه «قال لعلي: أي بُنَي، ما هذا الدين الذي انت عليه؟ فقال: يا ابتِ آمنت بالله وبرسول الله، وصدقته بما جاء به، وصلَّيت معه لله واتبعته....قال {أبو طالب} له: اما إنه لم يَدْعك إلّا الى خيرٍ فالزُمه» (74) وانشد:

{من الكامل}

إنَّ الوثيقةَ في لزومِ محمــــدٍ

 

فاشدُدْ بصحــبتهِ عليُّ يَدَيــــْكا(75)

وأمر أبو طالب ابنه جعفراً أن يصلي مع النبي عندما كانا مارين في طريقهما ورأى النبي(صلى الله عليه وآله) وعلياً (عليه السلام) يصلّيان، فقال أبو طالب لجعفر «صلْ جناح ابن عمِّك، فجاء جعفر فصلى مع النبي (صلى الله عليه وآله) فلما قضى صلاته قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا جعفر وصلت جناح ابن عمك إن الله يعوضك من ذلك جناحين تطير بهما في الجنة» (76)، فانشد أبوطالب مسرورا ً:

{من المنسرح}

إنَّ عليّاً وجعفراً ثقتي

لا تخذلا وانصرا ابنَ عمِّكما

....

واللهِ لا اخذلُ النبيَّ ولا

....

نحنُ وهذا النبي أُسرتُهُ

عندَ احتدامِ الأُمورِ والكُرَبِ

أخي ابنَ أُمي من بينهم وأبي

 ....

يَخذُلُهُ من بَنيِّ ذو حَسَـــــــبِ

....

نضربُ عنهُ الاعداءَ كالشُّهُبِ(77)

ويحض أبو طالب أخاه حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) على اتباع دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) والصبر على طاعته، والثبات على دينه:

{من الطويل}

اصبرْ ابا يَعلى على دينِ احمدٍ

وحُطْ مَن أتى بالدينِ من عندَ ربّــــِهِ

فقد سَرَّني أنْ قلتَ إنكَ مُسلمٌ

وبادِ قريشاً بالذي قد أتيتهُ

 

وكُنْ مُظهِراً وفِّقتَ صابــــــــرا

بصدقٍ وحقٍّ لا تكن حَمْزَ كافِرا

فكُنْ لرسولِ اللهِ في اللهِ ناصرا

جِهاراً وقُلْ: ما كان احمدُ ساحـرا(78)

فليس أدل على ايمان أبي طالب من حثه ولديه: علياً وجعفراً (عليهما السلام) على مؤازرة ابن عمهما والصلاة معه، وحث اخيه حمزة على اتباع دين النبي، وسروره باسلامه، ثم تصريحه بنبوة ابن أخيه «لا اخذل النبي»، «وهذا النبي»، وهو يجود بنفسه دونه تارة، وتصريحه بلفظ رسول الله «فكن لرسول الله في الله ناصراً» طالباً من اخيه حمزة نصرة ابن أخيه ودينه تارة اخرى.

سبق ان قلنا ان النبي (صلى الله عليه وآله) انذر عشيرته الاقربين بعد تعيين ابن عمه علي بن أبي طالب اميرا ووصيا(79)، وبعد صعود النبي جبل الصفا واعلانه امام الملأ للنبأ العظيم(80)،فاحيطت قريش باخبار النبي ورسالته.

ساعدت هذه الاحداث الجديدة على نشوء مرحلة جديدة في مواجهة مشركي قريش، فوقف أبو طالب في صدارة هذه المواجهة؛ لاثبات دعائم الاسلام في المرحلة العلنية للدعوة، فكان يستقبل وفود بطون قريش، ويسمع لمطالبهم، وينقل رد النبي محمد(صلى الله عليه وآله) اليهم برفق وكلام جميل(81)، ثم يهون الامر على ابن أخيه قائلا: «امضِ على امرك وافعل ما احببت فوالله لا اسلمك لشيء ابدا» (82) ثم قال ابوطالب:

{من الكامل}

واللهِ لن يصلوا إليكَ بجَمْعهم

 امضِ لامرِك ما عليكَ غضاضةٌ

 ودعوتني وزعمتَ انكَ ناصحٌ

وعرضتَ ديناً قد علِمتُ بانهُ

لولا المَلامةُ او أُحاذرُ سُبَّةً

حتّى أُوسَّدَ في التُرابِ دفينـــا

 أبشرْ وقُرَّ بذاكَ منكَ عيونـــــا

فلقدَ صدقتَ وكُنتَ قبلُ أمينا

من خيرِ اديانِ البريةِ دينــــــــا

لوجدتني سمحاً بذاكَ مبيــــــنا(83)

في هذا الشعر دليل على تصديق أبي طالب بالرسول واقراره بان دينه «خير اديان البرية» واعترافه بانه «ناصح» وقوله «صدقت»، وبما اجابه وامره «امض لأمرك ما عليك غضاضة»، المستمدة من دلالة ألفاظ التعبير القرآني «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ»(84)، وهذا اوضح شاهد على ايمانه برسول الله (صلى الله عليه وآله) التي بينتها ألفاظ شعره.

والبيت الاخير يوضح أن أبا طالب لم يصرح بإيمانه خوف الملامة والسُبَّة، وإلا لصار إسلامه ظاهراً بيّناً.

وقد علل الشيخ المفيد ذلك بقوله: «إنَّ أبا طالب رحمه الله لم يمتنع من الايمان برسول الله (صلى الله عليه وآله) في الباطن والإقرار بحقه من طريق الديانة، وانما امتنع من اظهار ذلك لئلا تسفهه قريش وتذهب رئاسته ويخرج منها من كان متبعا له عن طاعته وتنخرق هيبته عندهم فلا يسمع له قول ولا يمثل له امر، فيحول ذلك بينه وبين مراده من نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولايتمكن من غرضه في الذب عنه فاستتر الايمان واظهر منه ما كان يمكنه اظهاره على وجه الاستصلاح ليصل بذلك الى بناء الاسلام وقوام الدعوة، واستقامة امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان في ذلك كمؤمني اهل الكهف الذين ابطنوا الايمان واظهروا ضده للتقية والاستصلاح فآتاهم الله اجرهم مرتين، والدليل على ما ذكرناه في امر أبي طالب رحمه الله قوله في هذا الشعر بعينه:

ودعــوتني وزعمــتَ انــك نـــاصـــحٌ             ولـقــــد صدقــتَ وكُنـــتَ ثَمَّ أميـــنا

فشهد بصدقه واعترف بنبوته واقر بنصحه وهذا محض الايمان» (85)، فهو يعلن ايمانه عندما يخاطب الرسول الكريم، ويخفي ايمانه عندما يخاطب رؤوس الشرك، وكان هذا الامر في بداية الدعوة الاسلامية.

وهكذا منع الله من قريش رسوله بعمه أبي طالب، واخذ أبو طالب على نفسه ارساء التأييد والحماية من بني هاشم وبني عبد المطلب، واعلان هذين البطنين حمايتهما لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحين «رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم وبني عبدالمطلب، دعاهم الى ما هو عليه من منع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوا الى ما دعاهم اليه من دفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ما كان من أبي لهب وهو يحرض بني هاشم» (86) فقال أبو طالب:

{من السريع}

حتّى متى نحنُ على فترةٍ

تدْعُونَ بالخيلِ على رَقبَةٍ

كالرِّجْلَةِ السَّوداءِ تَغلو بها

عليهم التَّرْكُ على رَعْلَةٍ

يا قومُ ذُوْدُوا عن جماهِيركُم

حديدِ خَمسٍ لَهزٍ خدُّهُ

عريضُ ستٍّ لهبٍ خصرَهُ

كم قد شَهِدتُ الحربَ في فتيةٍ

لا مُتَنَحِّينَ اذا جئتَهم

 

يا هاشماً والقومُ في جَحْــــــفَلِ

منَّا لدى الخوفِ وفي مـــــــعـزَلِ

 سُرعانُها في سَبْسَبٍ مُجْهَـــــــــلِ

 مثلَ القَطا القارِبِ للمَنهَـــــــلِ

بِكلِّ مِقصالٍ على مُســـــــــــبِلِ

مآرِثُ الافضلِ للافــــــــــــضلِ

يُصانُ بالتَّذليقِ في مِجــــــــدَلِ

عندَ الوغى في عَثيرِ القَسطَلِ

وفي هياجِ الحربِ كالاشبـــُلِ(87)

«فلما اجتمعت بنو هاشم وبنو المطلب معه ورأى ان قد امتنع بهم وأن قريشا لن يعادوه معهم قال أبو طالب، وبادى قومه بالعداوة ونصب لهم الحرب» (88) فأنشد:

{من المتقارب}

مَنَعنا الرسولَ رسولَ المليكِ

بضَرْبٍ يذِّببُ دون النّهابِ

اذبُّ واحمي رسولَ المليكِ

وما أن أدبُّ لأعدائه

ولكن أزيرُ لهم سامتاً

ببيْضٍ تلأْلأُ لَمْعُ البُـــــــرُوقِ

حِذارَ الوَتَايرِ والخَنْفَـــــــِقيقِ

حِمَايةَ حامٍ عليه شَفـــــــــيقِ

دَبيبَ البِكارِ حِذارَ الفَــنْيقِ

كما زارَ ليثٌ بِغيل مَضــــِيْقِ(89)

والمتأمل لشعر أبي طالب في حث بني هاشم وعبد المطلب على نصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، واعلان حمايته له، والذود عنه، وتصريحه بلفظ «رسول المليك» يجد أن هذه مداليل كلها تنصُّ على ايمان أبي طالب بما جاء به ابن أخيه من الحق تبارك وتعالى، فالقطعة القافية كفيلة بصحة اسلام أبي طالب فذكر ان الخليفة المأمون العباسي حين سمعها قال: «اسلم أبو طالب والله بقوله... {الابيات} » (90).

وكان أبو طالب في غاية الحنو فيما يحامي به رسول الله (صلى الله عليه وآله) واصحابه كما يتبين ذلك في صنائعه وسجاياه، فقد تألب الملأ من قريش على رسول الله واصحابه، واجتمعوا بعمه أبي طالب وعرضوا عليه عمارة بن الوليد بن المغيرة ان يكون ابنا له ويترك ابن أخيه محمدا لهم، ليقتلوه بعد شكواهم منه بانه سفه احلامهم وسب آلهتهم(91).

فقال أبو طالب «والله بئس ما تسومونني! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون ابدا... فقال المُطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قُصي: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا، فقال أبو طالب للمطعم: والله ما أنصفوني ولكنّك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك،... فحقب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القومُ، وبادى بعضهم بعضا، فقال أبو طالب عند ذلك ـ يعرض بالمطعم بن عدي ـ ويعم من خذله من بني عبد مناف، ومن عاداه من قبائل قريش، ويذكر ما سألوه، وما تباعد من أمرهم» (92):

{من الطويل}

ألا ليتَ حظِّي من حِياطَتِكم بَكْرُ

من الجُوْن حَبْحَاب كثيرٌ رِغاؤه

ترى أخَوَينا من أبينا وأمِّنا

بلى لهما أمرٌ ولكن تَرَجَّما

هما غَمَزا للقومِ في أخَوَيْهما

 أخصُّ خصوصاً عبدَ شمسٍ وَنوْفَلاً

فأقسمتُ لا يَنفكُّ منكم مُحاذِرٌ

 هما أشْرَكا في المجدِ من لا كُفىً به

وليداً ابوهُ كان عَبْداً لجِدِّنا وتَيمٌ ومَخزومٌ وزُهرةُ مِنهم
فقد سفهتْ أحلامُهم وعقولُهم

يُرشُّ على الساقَيْنِ من بولِهِ قَطْرُ

إذا ما علا الفَيفاءَ تحسبُهُ وَبـْــــرُ

إذا سُئلا قالا: إلى غيرِنا الأمرُ

كما رُجِمَتْ من رأسِ ذي الفَلق الصَّخرُ

فقد أصبَحتْ كَفَّاهها وهما صِفــرُ

هُما نَبذانا مثلما يُنْبَذُ الــجَمْـــــرُ

 يُحاذِرُنا ما دامَ من نَسْلِنا شّـــفْرُ

من الناسِ إلا أنْ يُرَسَّ له ذِكْــرُ

إلى علجةٍ زرقاءَ جاشَ بها البحرُ

 وكانوا لنا مَوْلىً إذا ابتُغِي النَّصرُ

وكانوا كجَفْرٍ شرُّ ما ضَغُطَتْ جَفْرُ(93)

وعندما رأى أبو طالب من بني هاشم وعبد المطلب من جدهم معه، وأجابوه الى ما دعاهم اليه مدحهم وذكر قديم فضائلهم، وما وقفوا من الحدب والنصرة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكر فضله فيهم، ومكانته منهم، ليشد بهم رأيهم فيه، وليحدبوا معه على امره(94)، فقال أبو طالب مادحا ومفاخرا:

{من الطويل}

إذا اجتمعت يوماً قريشُ لمفخرٍ

 وإن حُصِّلَتْ أشرافُ كلِّ قبيلةٍ

وإن فخرتْ يوماً فإنَّ محمدا

تداعتْ قريشٌ غَثُّها وسمينُها

وكُنَّا قديماً لا نُقِرُّ ظُلامةً

ونحمي حماها كلَّ يومِ كريهةٍ

بنا انتعشَ العودُ الذَّويُّ وإنَّما

هم السادةُ الاعلونَ في كلِّ حالةٍ

 يدينُ لهم كلُّ البريةِ طاعةً

 

فعبدُ مَنَافٍ سِرُّها وصَميمُهـــــــا

ففي هاشمٍ أشرافُها وقَديمُــــــــها

هو المصطفى من سرِّها وكريمُهــا

 علينا فلم تظفرْ وطاشَتْ حلومُها

 إذا ما ثَنَوا صُعْرَ الخدودِ نقيمُـها

 ونضربُ عن أحجارِها من يرومُها

 بأكنافِنا تَنْدى وتَنْمي أرومُـــــــها

لهم صرمَةٌ لايُستَطاعُ قُرومُهــــــا

 ويُكرِمُهم ملأرضِ عندي اديمُـــها(95)

وفي يوم طرقت مسامع أبي طالب خبر مقتل النبي (صلى الله عليه وآله)، فعزم على قتل سادات قريش، فلما حضر النبي محمد(صلى الله عليه وآله)، اعلن أبو طالب تفاصيل خطته، فوقف «على اندية قريش، ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون،فقال: يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا: لا، فاخبرهم الخبر، وقال للفتيان: اكشفوا عمّا في أيديكم، فكشفوا، فاذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة، فقال: والله لو قتلتموه ما بقيت منكم احد حتى نتفانى نحن وانتم، فانكسر القوم» (96)، فأنشد:

{من المتقارب}

فأنّي ومَن حَجَّ من راكبٍ

تنالُونَ احمدَ او تُصْطَلَوا

 وتعترفوا بين أبياتكم

إذ الخيلُ تَمْزَعُ في جَرْيها

....
عليها رجالُ بني هاشمٍ

 

وكعبةِ مكَّة ذات الحُجــــــــُبْ

ظُباةَ الرِّماحِ وحَدَّ القُضُـــــبْ

 صُدورَ العوالي وخَيْلاً عُصَـبْ

 بسَيْر العَنِيق وحَثِّ الخَبَـــــــبْ

....
هم الأنجبونَ مع المُنتَجـــــَــبْ(97)

ولما مضى أبو طالب على أمره من خلاف قومه فيما أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله) اجتمعت قريش على عدوانه وخلافه، فبث أبو طالب مما طوته نفسه من الاحزان في اخر الليل بما يحلم به مشركو قريش من قتل النبي سفاهة وجهالة وظلما(98)، فتوعدهم بالحرب، وبذل نفسه وقومه دون النبي على آخرهم، ونصرته ومؤازرته والدفاع عنه فقال:

{من الطويل}

يُرَجّونَ أنْ نســخى بقَتْلِ محمــــدٍ

يُرَجَّونَ منَّا خُطَّةً دونَ نيلها

كَذِبتُم وبيتَ اللهِ حتّى تَعَرَّفوا

وتُقْطَعَ أرحامٌ وتَنْسى حليلةٌ

وينهضُ قومٌ في الحديدِ اليكم

فيا لبَني فَهرٍ أفيقوا ولم تَقُمْ

على ما مضى من بُغضِكم وعُقوقِكـم

وظُلمُ نبيٍّ جاءَ يدعو الى الهُدى

فلا تَحسَبونا مُسْلميهِ ومثلُهُ

فهذي معاذيرُ وتقدمةٌ لكـــــــم

 

ولم تَختَضبْ سُمرُ العوالي من الدَّمِ

 ضِرابٌ وطَعنٌ بالوَشيجِ المُقــــوَّمِ

 جَماجَمَ تُلْقى بالحَطيمِ وزَمـــــزمِ

حليلاً ويُغشى مُحرَمٌ بعدَ مُحـرَمِ

 يَذودونَ عن أحسابهم كُلَّ مُجرِمِ

 نوائحُ قَتْلى تَدَّعي بالتَّنَــــــــــــدُّمِ

 وغشيانكم في أمرِكم كُلَّ مأثَــــمِ

وأمْرٍ أتى من عند ذي العَرشِ قيِّمِ

إذا كان َفي قومِ فليسَ بمُسَلَّــــــــمِ

لكيلا يكونَ الحربُ قبلَ التَقَــدُّمِ(99)

إنَّ جدَّ أبي طالب دون النبي محمد(صلى الله عليه وآله) ومؤازرته ونصرته وحمايته له، والاعتراف بنبوته وبما جاء من الهدى، وشهادته على ذلك وهو يصرح:

«وظُلمُ نبـيٍّ جـاءَ يـدعــــو الى الهُــدى             وأمـرٍ أتـــى مـن عنــد ذي العَرشِ قيِّمِ»

وهذا القول دليل صريح على إيمانه.

ومن الشواهد التي يتبين منها حنو أبي طالب على ابن أخيه النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وحبه له، وشفقته عليه، وتفديته بنفسه، وتصديقه به فيما يروى أن قريشا لما رأت ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) لايعبأ بمعارضتهم اياه، انكروا عليه عيبه لآلهتهم، فطفق المشركون يضطهدونه، ومن يؤازره من المسلمين وكانوا يوكّلون به صبيانهم وعبيدهم، فيلقونه بما لايجب، ومن ذلك ان عبد الله بن الزبعرى حمل السلى والفرث ووضعه على كتفي النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وظهره، وهو ساجد يصلي، فانصرف رسول الله الى عمه أبي طالب شاكيا له الامر، فخرج أبو طالب غاضبا لابن أخيه(100)، ومهددا سادات قريش من المشركين قائلا: «ورب هذه البنية لايقومن منكم احد إلا جللته بالسيف...ثم قال: يا محمد سألتني من انت، ثم انشأ يقول:يومىء بيده الى النبي (صلى الله عليه وآله) :

{من مجزوء الكامل}

انتَ النبيُّ محمّدُ

لمُسَوَّدينَ أكارِمٍ

....
أنّى تُضامُ ولم أمُتْ

وبطاح مكةَ لا يُرى

وبنو ابيك كأنّهم

ولقد عهدتُكَ صادقاً

ما زِلتَ تنطقُ بالصَّوا

 

قَرمٌ اعزُّ مُســـــــــوَّدُ

طابوا وطابَ المولدُ

....
وَأنَا الشّجاعُ العِربَدُ

فيها نجيعٌ اســـــــــودُ

أسدُ العرينِ توقـَّـــدُ

في القولِ لاتتزيَّــــــدُ

بِ وأنتَ طفلٌ امردُ

ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فاشار النبي(صلى الله عليه وآله) الى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر فدعاه أبو طالب فوجأ انفه حتى ادماه، ثم امر بالفرث، والدم،فامرَّ على رؤوس الملأ كلهم، ثم قال: يا ابن اخ أرضيت؟. ثم قال: سألتني من انت؟ انت محمد بن عبد الله... انت والله أشرفهم حسبا وأرفعهم منصبا يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل أنا الذي تعرفونني» (101).

إن لجوء النبي محمد(صلى الله عليه وآله) الى عمه أبي طالب ؛ لانه هو الحامي والمؤازر والناصر له ولدينه،وهذا ما يتبين من غضبه وصولته وحميته لنبي الله ولدينه، فاشاد «انت النبي محمد» وبين عراقة ارومته، وهو يتصدى لسادات الشرك، فلا يردعه رادع عن الحق شيئا قائلا «انّى تضام ولم أمت»، فهو المتصدي لكل ما تتعرض له الرسالة، كما نلمح في النص سطوة أبي طالب وسيادته، وعظم قدره، وجلالة مكانته في قريش، لذلك لم يجرؤ أحد من قريش على مواجهته وهكذا اعز الله الاسلام ورسوله بناصر الدين أبي طالب.

ولما كان أبو طالب المجير لنبي الله، فهو مجير من اسلم من أصحاب النبي أيضا، فكان ممن دخل في جواره عثمان بن مظعون(102) وابو سلمة بن عبد الاسد(103).

فأما اجارة أبي طالب لعثمان بن مظعون فكانت بسبب إباء عثمان اجارة الوليد بن المغيرة، لما رأى ما في المسلمين من البلاء، وهو يروح ويغدو في امان الوليد، فردَّ عليه جواره، وحدثت مشاجرة بعد ذلك بينه وبين احد قريش، فلطمه في عينه، فأصابها(104)، فغضب أبو طالب لعثمان وقال:

{من البسيط}

أمِن تّذكُّرِ دهرٍ غير مأمونِ

أم مِن تذكُّر اقوامٍٍ ذوي سَفهٍ

لا يَنتهونَ عن الفحشاءِ ما أُمِروا

 ألا يَرونَ ـ أذلَّ اللهُ جمعَهُمُ ـ
اذ يَلطِمونَ ـ ولا يَخْشَونَ ـ مُقلتَهُ

 فسوفَ نَجْزيهُمُ ـ إن لم يمُتْ ـ عَجِلاً

او ينتهونَ عن الامرِ الذي وقفوا

ونمنعُ الضَّيمَ من يَبغي مَضَامَتَنا

ومرهفاتٍ كأنَّ الملحَ خالطَها

حتَّى تُّقرَّ رجالٌ لا حُلومَ لها

او يُؤمنوا بكتابٍ مُنزَلٍ عَجَبٍ

يأتي بأمرٍ جليٍّ غيرِ ذي عِوجٍ

أصبحتَ مُكتئباً تبكي كَمَحزونِ؟

 يَغْشَوْنَ بالظلمِ من يدعو الى الدِّينِ؟

 والغَدْرُ فيهم سبيلٌ غيرُ مأمونِ

إنَّا غَضْبنا لعثمانَ بن مَظْعونِ؟

طَعْناً دِراكاً وضَرباً غيرَ مَرْهونِ

كيلاً بكيلٍ جزاءً غيرَ مغبونِ

فيه ويرضَونَ منَّا بعدُ بالدُّونِ

بكلِّ مُطَّرَدٍ في الكفِّ مَسنونِ

يُشفَى بها الدَّاءُ من هامِ المجانينِ

بعدُ الصعـوبـةِ بالإسماحِ واللِّينِ

على نبيٍّ كموسى او كذِي النُّونِ

كما تبيَّنَ في آياتِ ياســينِ(105)

إنَّ من إمارات صحة ايمان سيد البطحاء أبي طالب منعه للضيم الذي اصاب عثمان بن مظعون الصحابي فسرتها ابياته الشعرية في استذكاره ظلم مشركي قريش في الحاقهم الاذى به، والى من يدعو الى الدين الجديد وايمان أبي طالب بالانبياء والرسل وما نزل عليهم من الهدى ومنهم النبيين: موسى وذي النون 8 وبما أُنزل من القرآن المجيد من الاستقامة التي بينتها آيات ياسين وبما استمده من التعبير القرآني من لفظ ودلالة وضمنها في شعره نحو قول الحق تبارك وتعالى «... إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً»(106)، وقوله «قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ...»(107) التي تقرع اسماع المسلمين لكي يزدادوا هدىً وغير المسلمين ليهتدوا الى الحق فهذه مداليل كلها على صحة عقيدة أبي طالب.

وعندما رأى ابو سلمة عبد الله المخزومي تعذيب مشركي قريش وما أرادوا ان يفتنوه عن دينه، فلم ير مفزعا له سوى خاله أبي طالب يستجير به، فمشى اليه نفر من رجال بني مخزوم، فقال احدهم: «يا أبا طالب، لقد منعت منّا ابن أخيك محمداً، فما لك ولصاحبنا تمنعُه منا؟ قال: انه استجار بي، وهو ابن أختي، وإنْ أنا لم امنع ابن أختي لم امنع ابن أخي» (108). وهكذا كان عميد بني هاشم وعبد المطلب وليا ً وناصراً لرسول الله وأصحابه.

وإزاء تعذيب المشركين للمسلمين واضطهادهم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحث اصحابه الصبر على تحمل الاذى ورباطة الجأش على الصمود حتى يأذن الله بنصره، وقد اذن الرسول لأتباعه بالهجرة الى الحبشة، لتوافر الامن والحماية لهم في ظل ملك الحبشة وايد أبو طالب رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسانده، فبعث ابياتا شعرية لنجاشي الحبشة يحثه على اكرام المهاجرين المضطهدين والدفاع عنهم(109 فقال:

 

{من الطويل}

ألا ليتَ شِعْري كيفَ في النَّاي جَعفرٌ

 وهل نالَ معروفُ النجاشيِّ جَعفراً

 تَعَلَّمْ بأنَّ اللهَ زادَكَ بَسطةً

وأنَّكَ سَيْبٌ ذو سِجالٍ غزيرةٍ

وأنَّكَ عزٌّ ـ والمِلوكُ اذلَّةٌ ـ

 

وزيدٌ واعداءُ العِدا والأقاربُ

 وأصحابَهُ أمْ غالَهُ عنــــهُ شاغِــــبُ

وأسبابَ خيرٍ كُلــُّــها بــكَ لازِبُ

 يعشُ بجدواكَ الطَّريدُ المُصَاقِبُ

 كريمٌ فلا يَشقى لديكَ المُجانِبُ(110)

وما كان أبو طالب يطلب من النجاشي هذا الامر إلا لانه ذو سمعة وشرف ومكانة يعلم بها النجاشي، وعندما وصلت هذه الابيات الى النجاشي احسن جوار المهاجرين، واجاد في ضيافتهم، مما اغرى أبا طالب ان يبعث برسالة اخرى يدعو فيها النجاشي الى الدخول في الدين الاسلامي الذي جاء به رسول الهدى فقال:

{من الطويل}

تَعَلَّمْ مَليكَ الحبشِ أنَّ محمداً

 أتى بهُدىً مثلَ الذي أتَيَا بهِ

 وإنكم تتلونَهُ في كتابِكم

وإنكَ ما يأتيكَ منَّا عصابَةٌ

 بذلتَ لهم عُرْفاً ولم تَبغِ عنهم

 فلا تجعلوا للهِ نــــداً وأسْلِــــــموا

وزيرٌ كموسى والمسيحِ بنِ مريمِ

فكلُّ بأمرٍ اللهِ يَهْدي ويَعصِمُ

 بصدقِ حديثٍ لا حديثِ التَّرَجُّمِ

 لفضلكَ ألا أُرجِعوا بالتَّكَرُّمِ

 فنلتَ بها حقّاً على كلِّ مُسْلِمِ

 فإنَّ طريقَ الحقِّ ليـــسَ بمُظلِـــمِ(111)

ولا يخفى أن ما يصدر من شيخ البطحاء أبي طالب من النصرة لنبي الله، واظهار دينه في دعوة النجاشي الى التوحيد، وحماية اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)،وعلمه برسالات السماء وما نزل فيها مداليل كلها على ايمان أبي طالب بالله رباً وبمحمد نبياً ورسولاً، وبالاسلام دينا، وأن شعر أبي طالب كان له اثره البالغ في نفس النجاشي، فاسلم على اثره، وحسن اسلامه(112)، وبعد فشل مشركي قريش في اطفاء نور الاسلام، ثارت حفيظتهم حقدا ونارا ضد الدعوة وصاحبها، فاجتمع رؤوساء الشرك وعزموا رأيهم إن لم يخلِ أبو طالب بين قريش وابن أخيه، فعلى بطون قريش ان تقاطع بني هاشم وبني عبد المطلب، ولما كان أبو طالب مؤمنا بدعوة ابن أخيه، فانه لم يستجب لمطالبهم، ولم يعبأ بارائهم، وانما اصرَّ على اعلان حمايته بنفسه، فلما رأت قريش رد أبي طالب، وأن اصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد نزلوا الحبشة واصابوا بها امناً وسلاماً وقراراً في ظل ملكها النجاشي، وفشى الاسلام في القبائل، تحالفوا على مقاطعة بني هاشم في الشعب إلا اذا دفعوا اليهم نبي الله (صلى الله عليه وآله) .

فجمع أبو طالب قومه من بني هاشم وعبد المطلب، وامرهم ان يدخلوا رسول الله شعبه، وأن يمنعوه ممن ارادوا قتله، فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله ايمانا ويقينا ومنهم من فعله حمية(113)، واعلن أبو طالب امام بطون قريش بانها اذا قتلت محمدا فان الهاشميين والمطلبيين سيقاتلون حتى الفناء، وقال يمدح النبي وينذر قومه عاقبة عدوانهم، ويحذرهم الحرب، وقطع صلة الرحم، وينهاهم عن اتباع السفهاء، ويعلمهم استمراره في مؤازرة النبي(صلى الله عليه وآله) وينبههم على فضله، ويضرب لهم المثل بناقة صالح، ويذكر امر الصحيفة، فقال:

{ من الطويل}

ألا أبْلغا عنّي على ذاتِ بينِنا

ألم تعلموا أنَّا وجدنا محمدا

 وأنَّ عليهِ في العبادِ مَحبّةً

وإنَّ الذي نمَّقتم في كتابِكم

 أفيقوا أفيقوا قبلَ ان يُحفَرَ الثَّرى

ولا تَتبِعوا امرَ الغُواةِ وتَقْطعو

ا وتستجلِبوا حرباً عَواناً وربَّما

 فلسنا ـ وبيتِ الله ـ نُسْلم احمداً

 ولما تَبِنْ منّا ومنكم سَوالفٌ

 بمُعتَرَكٍ ضَنكٍ ترى قصَدَ القِنا

كأنَّ مُجَالَ الخيلِ في حَجَراتِهِ

 أليسَ ابونا هاشمٌ شدَّ أزرهُ

ولَسْنا نَملُّ الحربَ حتّى تَمَلَّنا

 ولكنَّنا أهلُ الحفائظِ والنُّــــــــهى

 

لُوَيّاً وخُصّا من لويٍّ بني كَعْبِ

 نبياً كموسى خُطَّ في اولِ الكُتْبِ

 ولا خَيْرَ ممن خصَّهُ اللهُ بالحُبِّ

 لكم كائنٌ نَحْساً كراغِيْةِ السَّقبِ

 ويُصبِحَ من لم يَجنِ ذنباً كذي الذَّنبِ

أواصرنا بعدَ المودَّةِ والقُربِ

أمَرَّ على من ذاقَهُ حَلبُ الحربِ

 لِعَزّاءَ من نَكْبِ الزمانِ ولا كَرْبِ

 وأيْدٍ أترَتْ بالقساسيةِ الشُّهْبِ

بهِ والنُّسورَ الطُّهْمَ يعكفْنَ كالشَّرْبِ

ومَعْمَعَةَُ الأبطالِ معركةُ الحربِ

 وأوصى بنيهِ بالطِّعانِ وبالضَّربِ

 ولا نشتكي مما نلاقي من النكبِ

 إذا طارَ أرواحُ الكُماةِ من الرُعبِ(114)

والأبيات افصح من أن نعلق عليها في ايمان سيد بني هاشم وعبد المطلب، فيقين أبي طالب أن محمدا نبيٌّ كموسى خط في اول الكتب، وايمانه بكتاب الله المنزل على نبيه موسى (عليه السلام)، وقوله: «ولا خير ممن خصه الله بالحب» أي بما اختار محمد واصطفاه بالنبوة(صلى الله عليه وآله) .

وبلغت عناية أبي طالب للنبي وحبه اياه أن يبذل نفسه واولاده واخوته وبني عمه دونه لحمايته وفي سبيل تقويم دينه، فاذا اضطجع ابن أخيه على فراشه، يأمر ابنه علياً ان يأخذ مكانه، خشية على حياة النبي من اعدائه(115)، وفي ذلك قال أبو طالب:

{من الخفيف}

قد بَذلناكَ ـ والبلاءُ عَسِيرٌ ـ

لفداءِ الأغرِّ ذي الحَسَبِ الثّا

 إنْ تُصبكَ المنونُ فالنبلُ يُبرى

 كلُّ حيٍّ وإن تَمــلأَ عَيـــــــشاً

 

لِفداءِ النَّجيبِ وابنِ النجيبِ

قبِ والباعِ والفناءِ الرحيبِ

 فمُصيبٌ منهاوغيرِ مُصيبِ

آخذٌ مــن سِهـــامِها بذنــــوبِ(116)

وهكذا استمر الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنين، ودخل الاسلام مرحلة جديدة من الكفاح والامتحان، وحين اشتد العسر والاذى جاء الفرج ودخل النصر الالهي فارسل الله حشرة الارضة على الصحيفة، فاكلت منها ما كتب فيها عدا ما كان فيها اسم الله، وتلقى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هذا النصر والمعجزة الدامغة على صدق نبوته، وتأييد الله له، فاخبر عمه أبا طالب وما حدث للصحيفة الظالمة، وهو لايشك في قوله، فتوجه أبو طالب والنبي وبنو هاشم الى البيت الحرام؛ ليحدثوا مشركي قريش بما أُخبر به رب العزة؛ وليؤكدوا لهم بدليل اخر نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) واطلاعه على الغيب، فاجتمع الملأ من قريش، فقال لهم أبو طالب: «إن ابن أخي أخبرني أن الله أرسل على صحيفتكم الأرضة فأكلت ما فيها من قطيعة رحم وظلم وتركت اسم الله تعالى، فأحضروها فإن كان صادقا علمتم أنكم ظالمون لنا قاطعون لأرحامنا، وإن كان كاذبا علمنا أنكم على حق وأنا على باطل فقاموا سراعا وأحضروها فوجدوا الأمر كما قاله رسول الله، وقويت نفس أبي طالب واشتد صوته وقال قد تبين لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة فنكسوا رؤوسهم» (117) فقال أبو طالب في شأن الصحيفة وما فيها من ظلم وقطيعة رحم :

{من الطويل}

وما ذنبُ مَنْ يدعو الى البرِّ والتقى

وقد جرَّبوا فيما مضى غِبَّ أمرِهم

وقد كانَ في أمرِ الصحيفةِ عِبْرةٌ

محا اللهُ منها كفرَهم وعُقوقَهم

فاصبحَ ما قالوا من الإفكِ باطلاً

فامسى ابنُ عبد الله فينا مُصَدَّقاً

فلا تحسَبونا مُسْلِمينَ محمدا

ستمنعهُ منّا يدٌ هاشـميَّةٌ

ألا والذي تَخدي لهُ كلُّ نِضَوةٍ

يميناً صدقنا اللهَ فيها ولم نكنْ

نُفارقُهُ حتَى نُقــتَّلُ حــولهُ

 

وإنْ يستطعْ أن يَرْأب الشَّعْبَ يَرْأبِ

وما عالمٌ امراً كمَنْ لم يُجَرِّبِ

متى ما تُخبِّر غائب القومِ يَعْجِبِ

وما نقموا من صادقِ القولِ مُنجِبِ

ومن يختلْق ما ليسَ بالحقِّ يُكْذَبِ

على سَخَطٍ من قومنا غيرِ مُعْتبِ

لدى غُربةٍ منّا ولا مُتَقَرَّبِ

مُركَّبُها في الناسِ خيرُ مُرَكَّبِ

طلائح جَنْبى نَخْلَةٍ والمُحَصَّبِ

لنحلِفَ بُطلاً بالعتيقِ المُحجَّبِ

وما نالَ اســـلامَ النبيَّ المُقــرَّبِ(118)

إنَّ أبا طالب كان الدعامة الاساس، والقوى المؤثرة في توجيه مسار احداث الرسالة في نصرة صاحب الرسالة ومحاماته، بكل ما أوتي من قوة وعقيدة صحيحة افصحت عنها ابياته الشعرية، وهو يستنكر فعل طغاة الشرك في معاداة رسول الهدى(صلى الله عليه وآله) مخاطبا اياهم «وما ذنب من يدعو الى البرِّ والتُّقى»، وتصديقه الطافح بالايمان بما جاء به «فامسى ابن عبد الله فينا مصدقاً» فيما مضى والآن، وعلمه بغيب السماء، ومصدقاً بمعجزة الصحيفة:

«يمينــا صـدقنــا الله فيـهـــا ولم نكــن           لنحلــف بُطــلا بالعتـيــــق المُحجَّـب»

ولهذا يجدد عهده له وللأسماع بأنه ماضٍ على نصرة نبي الله حتى فناء آخر واحد من قومه:

«نفـــارقُهُ حــتــى نُصــرَّع حـــولـــه           ومــا بــال تكذيب النبــي المـقـــرَّب»

وهو مؤكد نبوته.

وعاد أبو طالب ومن معه الى مكة بعد انتهاء الحصار في شعب أبي طالب وفرج الله عن المسلمين والحامين لرسوله الكريم.

وبقي شيخ البطحاء و سيدها وعميد الهاشميين والمطلبيين والناصر لدين الله ورسوله يحضُّ على نصرة رسول الله في كلِّ وقت وعلى مساعدته في كل حين لكسب الصفوف الى جانبه، وبقي ناصرا قولا وفعلا حتى الساعات الاخيرة من عمره وهو يصرح بوصيته الى ابنائه واخوته تارة ولوجهاء قريش تارة اخرى.

فمن وصاياه الخاصة وصيته لولده طالب بمؤازرة ابن عمه النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال:

{من الكامل}

أبُنَيَّ طالبُ إنَ شيخَكَ ناصِحٌ

 فاضربْ بسيفِكَ من ارادَ مساءةً

 هذا رجائي فيكَ بعدَ منيّتي

 فاعضد قواه يابُنَيَّ وكُـنْ له

 

فيما يقولُ مُسددٌ لكَ راتقُ

حتّى تكونَ لدى المنيةِ ذائقُ

 لازلتُ فيكَ بكلِّ رشدٍ واثقُ

إنّي بجَدِّكَ لا محالةَ لاحِقُ(119)

وقال يوصي وَلَدَه واخوتَه بنصرة النبي (صلى الله عليه وآله) :

{من البسيط}

اوصي بنَصْرِ أمينِ اللهِ مَشْهَدَهُ

وحمزةَ الأَسَدَ المَخشَيَّ صَوْلَتُهُ
....
كونوا ـ فدىً لكم أُمّي وما وَلَدَتْ ـ

 

بَعْدي: عليّاً وصِنْوَا الخيرِ عَبّاسا

وجعفراً أنْ يذودوا دونَهُ النّاسا
....
من دون احمدَ عند الرَّوْعِ أتراســا(120)

إنَّ وصية أبي طالب لاولاده طالب وعلي وجعفر واخويه حمزة والعباس (رضي الله عنهم) تعطي صورة واضحة عن ايمانه برسالة ابن أخيه، فلا شك في أن أبا طالب كان الركن الاساس لبنية الدعوة الاسلامية، ينظر بعين الرجل الخبير الفاحص بان النجاح والنصر حليف هذه الدعوة، وهو يصرح بوصيته العامة لاولاده واخوته وعشيرته واحلافه: فقال: «...أوصيكم بمحمّد خيراً، فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به، وقد جاء بأمرٍ قبله الجَنَانُ وأنكره الِّلسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل البر في الأطراف والمستضعفين من الناس أجابوا دعوته، وصدقوا كلمتَه وعظموا أمره، فخاض بهم غَمَرات الموت فصارت رؤوساء قريش وصناديدهم أذناباً ودورها خراباً، وضعفاؤها أرباباً وإذا أعظُمهم عليه أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده قد مَحَضَتْه العرب ودادَها، وأصْفَتْ له فؤادها، وأعطته قيادَها دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاةً ولحزبه حُماةً والله لا يسلك أحد منكم سبيله، إلا رَشَد ولايأخذ أحد بِهدْيهِ إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير، لكففت الهَزَاهز، ولدافعتُ عنه الدَّواهي» (121) .

في هذه الوصية أرجأ أبو طالب «تصديقه باللسان الى هذه الاونة التي يأس فيها عن الحياة حذار شنآن قومه المستتبع لانثيالهم عنه، المؤدِّي الى ضعف المُنَّة وتفكك القوة فلا يتسنى له حينئذ الذبُّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وان كان الايمان به مستقرا في الجنان من اوَّل يومه لكنه لما شعر بأزوف الاجل وفوت الغاية المذكورة ابدى ما اجنته اضالعه فأوصي بالنبي (صلى الله عليه وآله)» (122).

وما برح ابو طالب يوصي قومه بابن أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ففي اتباعه الخير والفلاح والرشاد(123) حتى توفي.

مات أبو طالب في السنة العاشرة للبعثة(124)، بعد ان كفل النبي وعضده ومنعه وقاوم رؤوس الشرك ضده، ووقف بجانبه زهاء اثنين واربعين عاما، وشَعَرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخسارة عمه، وفُقِد به نصيرا يفديه بنفسه واولاده، مدافعا عنه اذى قريش، وملجأ حصينا يلوذ به من المشركين المستبدين، فقال: «ما نالت مني قريش شيئاً اكرهه حتى مات أبو طالب» (125).

إنَّ شعور الحزن الذي غزا قلب رسول الله بوفاة عمه تفسره اواصر اسباب الخير بين رسول الله وعمه الناصر لدين الله وإلا فان رسول الله واثق من نصرة رسالته مهما تألب عليه اعداؤها.

وما تقدم يتبين: إن الصلة الحميمة بين أبي طالب وابن أخيه غذت قريحته بقول الشعر في الاسلام، وأملت عليه لوناً جديداً لم يكن معهوداً من قبله وهو شعر نصرة الدعوة الاسلامية وصاحبها.

***

  

الهوامش:

(1) ظ: الكامل في التاريخ: 2/13 ،تاريخ ابن خلدون: 2/335 .

(2) ظ: ادارة مكة قبل الاسلام (بحث): 151- 157.

(3) تاريخ اليعقوبي: 1/217.

(4 ) تاريخ اليعقوبي:1/ 206.

(5 ) ظ: الكامل في التاريخ: 2/10 .

(6 ) السيرة النبوية لابن هشام: 1/142.

(7 ) الطبقات الكبرى: 1/85.

(8 ) السيرة النبوية لابن كثير: 1/167- 174 ، (ذكر تجديد حفر زمزم).

(9 ) تاريخ اليعقوبي: 1/214.

(10 ) انساب الاشراف: 1/84.

(11 ) ظ: بلوغ المآرب في نجاة ابائه (صلى الله عليه وآله) وعمه أبو طالب: 129- 132.

(12 ) تاريخ اليعقوبي: 2/8.

(13 ) م.ن: 2/10، ظ: الكافي: 1/ 446- 447.

(14 ) السيرة النبوية لابن كثير: 1/103.

(15 ) الديوان: 94 ، القتار: دخان الطعام المطبوخ.

(16 ) فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت الرسول(صلى الله عليه وآله) من النساء، وأسلمت بعد عشرة من المسلمين، وهاجرت الى المدينة، وماتت في دار الهجرة، وألبسها رسول الله قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: مارأيناك صنعت ما صنعت بهذه المرأة فقال:«إنه لم يكن بعد أبي طالب أبرَّ منها، إني انما ألبستها قميصي لتُكسى من حلل الجنة ، واضطجعت معها في قبرها ليُهوَّن عليها»، ظ: مقاتل الطالبيين : 27- 29، الاستيعاب في معرفة الاصحاب: 4/382 ،الاصابة في تمييز الصحابة: 4/380

(17 ) كان طالبُ عالما بانساب العرب وايام قريش أخرجه المشركون الى بدر مكرها، فلما انهزم المشركون، لم يعثر عليه لا في القتلى ولا في الأسرى، ولم يرجع الى مكة، ولم يعرف ما حاله ، وليس له عقب،ظ: الطبقات الكبرى: 1/121، تذكرة الخواص: 13- 14 ، عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب: 31

(18 ) ظ: المعارف: 203.

(19 ) ظ: المحبر: 132- 133، 164- 165، شرح نهج البلاغة: 1/29.

(20 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/142، تاريخ اليعقوبي: 1/210- 216 ،220.

(21 ) ظ: تاريخ اليعقوبي: 2/10 ، شرح نهج البلاغة: 1/29.

(22 ) ظ: الرّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 1/321.

(23 ) المعارف: 575.

(24 ) ظ: أنساب الاشراف: 1/57 ، الكامل في التاريخ: 2/14.

(25 ) شرح نهج البلاغة: 15/219 ، ظ: المحبر: 337 (مفهوم القسامة) ،صحيح البخاري: 2/932 ، رقم الحديث:3845 (القسامة في الجاهلية).

(26 ) أكثم بن صيفي بن رياح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية التميمي، احد حكماء العرب في الجاهلية ومن المعمرين، ادرك الاسلام وقصد المدينة عام9هـ فمات في الطريق،ظ: جمهرة انساب العرب: 1/210.

(27 ) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: 334.

(28 ) ظ: ليالي بيشاور: 914- 915 ، أبو طالب شيخ الابطح ـ حسين الشاكري: 22- 28 .

(29 ) شرح نهج البلاغة: 4/63.

(30 ) ظ: شرح نهج البلاغة: 11/ 45 ، ظ: تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي: 111- 112.

(31 ) شرح نهج البلاغة: 4/57 .

(32 ) ظ: م.ن: 11/44.

(33 ) ظ: تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي: 112.

(34 ) السيرة النبوية لابن هشام: 1/268 .

(35 ) الديوان: 107، تمالوا: تمالؤوا (مخففة): أي اجتمعوا وتشاوروا، العلجة: مذكرها العلج، وهو الكافر من أهل الروم.

(36 ) ظ: م.ن: 107.

(37 ) ظ: تدوين السيرة النبوية ودراستها (بحث): 360 .

(38 ) ظ: الفصل الاول (توثيق شعر أبي طالب) في الاطروحة: 45- 48، والفصل الرابع :155، مزيد من التفاصيل.

(39 ) ظ: الديوان: 115.

(40 ) الديوان: 116.

(41 ) جاء في كتاب النكت الاعتقادية ووسائل اخرى (إيمان أبي طالب) : 5- 13، سردا باسماء الكتب المؤلفة في ايمان أبي طالب وفضائله والرد على ما لفق من حديث التكفير بلغ عددها سبعة وثلاثين كتابا، وفي كتاب مواهب الواهب في فضائل والد أميرالمؤمنين أبي طالب (عليه السلام):12- 19، ذكر المحقق ما ألِّف من الكتب بهذا الامر في اللغة العربية والفارسية والتركية والاردية، فضم الثبت الذي عمله واحدا وسبعين مؤلفا من كتاب وديوان وبحث.

واستدركتُ على ما لم يذكر في الكتابين المذكورين آنفا مما ظفرت من المظان القديمة والحديثة بين طياتها، او في كتاب مستقل، او ما جاء في دراسات منشورة في مجلات علمية بثلاثين مرجعا،ظ: الملحق رقم (واحد) في الاطروحة.

(42 ) ظ: الطبقات الكبرى: 1/ 118.

(43 ) ظ: تاريخ اليعقوبي: 2/10.

(44 ) الطبقات الكبرى: 1/ 119.

(45 ) الديوان: 130.

(46 ) م.ن: 83.

(47 ) م.ن: 164- 165 .

(48 ) م.ن : 166.

(49 ) ظ: دلائل النبوة لابي نعيم: 32- 52، البشارات والمقارنات: 1/139- 146، 162- 165، اهل البيت (عليهم السلام) في الكتاب المقدس: 71- 100 .

(50 ) ظ: الانوار المحمدية من المواهب اللدنيّة: 13- 23.

(51 ) ظ: الرّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 1/250.

(52 ) الطبقات الكبرى: 1/118.

(53 ) إعلام الورى بأعلام الهدى: 14.

(54) ظ: الخصائص الكبرى: 1/86.

(55 ) الديوان: 75.

(56 ) شرح نهج البلاغة: 14/63 ،ظ: الديوان: 214- 215، والعيطل: الطويلة العنق ولكن في حسن.

(57 ) ظ: السيرة النبوية والاثار المحمدية: 1/125.

(58 ) ظ: البدء والتاريخ: 4/134.

(59 ) ظ: التاريخ الكبير: 1/270- 271.

(60 ) الديوان: 166- 167 ، بحيرا: واسمه جرجيس، وقيل: سرجيس من عبد القيس انتهى اليه علم النصرانية، وقيل حبر من احبار تيماء، ابتنى له صومعة على طريق القوافل، يدعو اهلها الى التوحيد، وكان من المترقبين لبعثة النبي (صلى الله عليه وآله) ، ظ: الرّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام:1/205- 206 ، شرح المواهب اللدنيّة: 1/194 ، السيرة النبوية انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون: 1/131.

(61 ) ظ: امتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع: 1/15.

(62 ) ظ: السيرة النبوية والاثار المحمدية: 1/92.

(63 ) الطبقات الكبرى: 1/121.

(64 ) ظ: الطبقات الكبرى: 1/168 ، امتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع: 4/99، السيرة النبوية انسان العيون في سيرة الامين والمأمون: 1/128،السيرة النبوية والاثار المحمدية: 1/92.

(65 ) ظ: صفة الصفوة: 1/ 37- 38 ، تذكرة الخواص: 9، الخصائص الكبرى: 1/142 ، ذو المجاز: سوق كان لهم على فرسخ من عرفة بناحية كبكب،ظ: معجم البلدان: 5/56 .

(66 ) ظ: الخصائص الكبرى: 1/124.

(67 ) تاريخ اليعقوبي: 1/ 14، ظ: اعجاز القرآن: 234، صفة الصفوة: 1/37.

(68 ) ظ: السيرة النبوية لابن كثير: 1/ 286- 313.

(69 ) امتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع:4/101، ظ:تاريخ الخميس في احوال انفس نفيس: 1/ 261.

(70 ) الحِجر/94 .

(71 ) الشعراء/214.

(72 ) الكامل في التاريخ: 2/ 42 ، السيرة النبوية لابن كثير: 1/ 459 .

(73 ) الديوان: 208 ، الآتآب: الاستحياء.

(74 ) السيرة النبوية لابن هشام: 1/247 ، ظ: الاصابة في تمييز الصحابة: 4/116 .

(75 ) الديوان: 170.

(76 ) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: 250.

(77 ) الديوان: 171- 172 .

(78 ) م.ن: 253- 254، عجز البيت الاول غير مستقيم.

(79 ) ظ: كفاية الطالب في مناقب أبي طالب: 205- 206 .

(80 ) ظ: تاريخ الرسل والملوك: 2/ 319 .

(81 ) ظ: السير والمغازي: 147- 148 .

(82 ) البداية والنهاية في التاريخ: 3/ 42.

(83 ) الديوان: 189 .

(84 ) الحِجر/ 94 .

(85 ) الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 285- 286 ، ظ: شرح نهج البلاغة: 14/ 70، الديوان: 189، اختلاف رواية البيت الثالث «... فلقد صدقتَ وكُنتَ قبلُ أميناً».

(86 ) السير والمغازي: 148.

(87 ) الديوان: 109- 110، في الاصل (هاشما) ،الترك: مفردها التريكة، وهي بيضة الحديد التي يضعها المحارب على رأسه، الرعلة: القطعة القليلة من الخيل او طليعتها، المقصال: السيف القاطع، المسبل: صفة للفرس المسبل الذيل، حديد خمس: القوي من الخيل والخمس منها: الطرف والقلب والاذن والكعب والوظيف (ما فوق الرسغ) ، الِهز: الضامر، اللهب: الغبار المثار، التزليق: تنحيف الجواد وتضعيفه، المجدل: القصر، القسطل: غبار الحرب.

(88 ) السير والمغازي: 148- 149 .

(89 ) الديوان: 111- 112 ، النِّهاب: الغنائم، والخنفقيق: الداهية، البِكار: مفردها البكرة وهي الانثى من الابل، الفنيق: الفحل المكرم عنه اهله، الغيل: عرين الاسد.

(90 ) شرح نهج البلاغة: 14/ 74.

(91 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/267، تاريخ الاسلام وطبقات المشاهير والاعلام: 1/87- 88 ،البداية والنهاية في التاريخ: 3/47.

(92 ) م.ن : السابقة الذكر.

(93 ) الديوان: 186- 187 ، الحبحاب: الصغير ، الوبر: الدابة، شفر: أي احد، الرَّسُّ: الذَّكرُ الخفيُّ، عبدشمس ونوفل: اخوان لهاشم بن عبدمناف عميد النسب النبوي ولذلك قال أبوطالب (اخوينا من ابينا وامنا) ، ظ: انساب الاشراف: 1/61 ، والوليد بن المغيرة من بني مخزوم، وتيم بن مرة بن كعب ومخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، وزهرة بن كلاب بن مرة بن كعب لؤي بن غالب بن فهر وهذه البطون الثلاثة من قريش تدخل في عمود النسب النبوي أيضاً ،ظ: جمهرة انساب العرب: 2/464 .

(94 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام :1/269 ، البداية والنهاية في التاريخ: 3/49 .

(95 ) ديوان أبي طالب: 113- 114 ، ملأرض: لهجة عربية تدمج من الجارة بمجرورها.

(96 ) الطبقات الكبرى: 1/203.

(97 ) الديوان: 116 ،صدود العوالي: سنة الرماح، العصب: الجماعة، تمزع: تسرع وتعدو عدوا خفيفا، العنيق: اشد السير، الخبب: ضرب من العدو.

(98 ) م.ن : 216 .

(99 ) الديوان:216- 217، الوشيج: شجر الرماح، الحطيم: جدار حجر مكة، بني فهر: قريش.

(100 ) ظ: تاريخ اليعقوبي: 2/17 ، ثمرات الاوراق في المحاضرات: 2/ 3- 4.

(101 ) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: 347- 348، الابيات في الديوان: 333.

(102 ) عثمان بن مظعون: ابو السائب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافه بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، اسلم بعد ثلاثة عشر رجلا وهاجر الى المدينة، توفى في السنة الثانية للهجرة ودفن في المدينة بالبقيع،ظ: الاستيعاب في معرفة الاصحاب : 3/ 85، وأسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/589، والاصابة في تمييز الصحابة: 2/464 .

(103 ) ابو سلمة : عبد الله بن الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم من السابقين الاولين الى الاسلام، واخ النبي (صلى الله عليه وآله) بالرضاعة، وابن عمته برة بنت عبد المطلب، مات في المدينة بعد معركة بدر، ظ: التبيين في انساب القريشيين: 341، ، وأسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/295، والاصابة في تمييز الصحابة: 2/335

(104 ) ظ: السيرة النبوية لابن كثير: 2/60- 61،البداية والنهاية في التاريخ: 3/ 92- 93.

(105 ) الديوان (التونجي) : 94- 95 .

(106 ) الجن/ 1.

(107 ) الزمر/ 28.

(108 ) السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 15 ، البداية والنهاية في التاريخ: 3/ 93.

(109 ) ظ: السير والمغازي: 221.

(110 ) الديوان: 247 ، جعفر بن أبي طالب، وزيد بن الحارثة، المصاقب: المجاور.

(111 ) م.ن : 259، في البيت الثاني إقواء.

(112 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/341.

(113 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام : 1/ 350- 351 ، البدء والتاريخ: 4/153، وامتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع: 1/ 43- 44.

(114 ) الديوان: 211- 213 ، السقب: ولد الناقة، أترَّت: قطعت، القساسية: سيوف تنسب الى جبل قساس في ارمينية، الحفائظ: مفردها الحفيظة وهي الحمية والغضب لما يلزم ذلك.

(115 ) ظ: البداية والنهاية في التاريخ: 3/84.

(116 ) الديوان: 220- 221 .

(117 ) الكامل في التاريخ: 2/61 .

(118 ) الديوان: 229- 230 ، رأب: اصلاح الفساد، تخذي: تسرع، الطلائح: الهزيل، جنبا نخلة: واديان قرب مكة، ظ: معجم البلدان: 5/277 ، المُحصَّب: موضع رمي الجمار بمنى، معجم البلدان: 5/62.

(119 ) الديوان: 340.

(120 ) م.ن: 246.

(121 ) الرّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 2/227، ظ: ثمرات الاوراق في المحاضرات: 2/14- 15 ، بحار الانوار: 35/ 90، الشنآن: البغض، الهزاهر: الفتن.

(122 ) الغدير في الكتاب والسنة والادب: 7/368 .

(123 ) ظ: الطبقات الكبرى: 1/123، الخصائص الكبرى: 1/87 .

(124 ) ظ: انساب الاشراف: 1/ 236 .

(125 ) السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 46 .