الصفحة 111
مات صغيراً ولم يبلغ مبلغ الرجال، كما حكاه الحسن القطان وقال: هو المشهور عند المتأخرين(1).

وفي مصطلح أهل اللغة: أنّه الذي مات ولم يخلف نسلاً، وليس كل من مات درج(2).

فالبلاذري والبري التلمساني لم يقصدا بقولهما درج صغيراً يعني لم يبلغ مبلغ الرجال أو لم يخلف نسلاً، بل قالا ذلك تحاشياً من ذكر موته سقطاً، لأنّه لم يذكر أحد أنّ المحسن عاش فترة يصح أن يوصف فيها أنّه لم يخلف نسلاً أو لم يبلغ مبلغ الرجال، ويدلّك على ذلك قول ابن حزم _ وكان أحزم منهما في المقام _ إذ قال: (مات صغيراً جداً أثر ولادته) يعني لم يعش يوماً واحداً.

2 _ ما ذكره النويري في نهاية الأرب يلاحظ فيه تعمد الإيهام، فهو ذكر المحسن وقال: فذهب محسن صغيراً. ثم ذكره ثانياً فقال: وقد قيل انّها _ يعني فاطمة (عليها السلام) _ ولدت ابناً اسمه محسن توفي صغيراً. ثم ذكره ثالثاً فقال: ومحسن على خلاف فيه.

فلاحظ كيف استدرج القارئ من الجزم بوجود المحسن إلى القيل فيه، ونسبته إلى القيل وإن كانت تشعر بالتمريض كما يقولون، إلاّ أنّه باح بما يكنّه حيث جزم بذكر الخلاف فيه، وما يدرينا لو ذكره مرّة رابعة وخامسة لانتهى به المطاف إلى نفيه أصلاً(3).

3 _ ما ذكره الملا علي القاري الحنفي في شرح الشمائل نقلاً عن مسند البزار عن أبي هريرة قال: ثقل ابن لفاطمة فبعث إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، وذكر الحديث وفيه مراجعة سعد بن عبادة للنبي (صلى الله عليه وآله) في بكائه، قال: والابن المذكور هو محسن

____________

1- مقدمة منتقلة الطالبية: 29.

2- تاج العروس: (درج).

3- نهاية الأرب 18: 213، 20: 221، 223.


الصفحة 112
بن علي، وقد اتفق أهل العلم بالأخبار أنّه مات صغيراً في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) ، ثم قال: هذا غاية التحقيق في هذا الحديث، ولم أر من تعرض بهذا، وهو الهادي إلى سواء الطريق.

أقول: أرى لزاماً عليّ أن أذكر الحديث المشار إليه، وما وقع فيه من تلبيس وتدليس، وتهويش وتهويس عند بعض شرّاح الحديث ومنهم الملا علي القاري، لأنّ الحديث المشار إليه يجعل موت المحسن صغيراً في حجر النبي (صلى الله عليه وآله)؟! فليقرأ ذلك القارئ.

جاء في شرح الشمائل باب ما جاء في بكاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1) في شرح الحديث الرابع من الباب المذكور، والحديث هو كالآتي:

حدّثنا محمود بن غيلان، حدّثنا أبو أحمد، حدّثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنة له تقضي فاحتضنها فوضعها بين يديه فماتت وهي بين يديه، وصاحت أم أيمن فقال _ يعني النبي (صلى الله عليه وآله) _: أتبكين عند رسول الله؟! فقالت: ألست أراك تبكي؟! قال: إنّي لست أبكي إنّما هي رحمة، إنّ المؤمن بكل خير، إن نفسه تنــزع من بين جنبيه، وهو يحمد الله تعالى.

قال الملا علي القارئ في تعقيبه على الحديث المذكور بعد أن شرح ألفاظه: ثم اعلم انّ رواية النسائي في هذا الحديث: فلما حُضرت بنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) صغيرة أخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضمها إلى صدره، ثم وضع يده عليها فقبضت وهي بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فبكت أم أيمن، الحديث.

قال ميرك: وهذا الحديث لا يخلو عن اشكال، لأنّ المراد من قوله: ابنة له، أو بنت له صغيرة إما بنته حقيقة كما هو ظاهر اللفظ، فهو مشكل، لأنّ أرباب السير والحديث والتاريخ أطبقوا على أنّ بناته (صلى الله عليه وآله) كلهنّ متن في حالة الكبر.

____________

1- شرح الشمائل 2: 121 _ 122.


الصفحة 113
وإما أن يراد بنت إحدى بناته ويكون اضافتها إليه مجازية، فهذا ليس ببعيد، لكن لم ينقل أنّ ابنة احدى بناته ماتت في حالة الصغر، إلا ما وقع في مسند أحمد عن أسامة بن زيد قال: اتي النبي (صلى الله عليه وآله) بأمامة بنت أبي العاص من زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي في النــزع، لكنه أشكل من حيث أنّ أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أنّ أمامة عاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) حتى تزوّجها علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بعد وفاة فاطمة، ثم عاشت عند علي حتى قتل عنها.

ولذا حملوا رواية أحمد على أنّها أشرفت على الموت، ثم عافاها الله تعالى ببركة النبي (صلى الله عليه وآله) ، فاما أن يقال: وقع وهم في هذا الحديث.

أما في قوله: (تقضي) وقوله: (وهي تموت بين يديه) والصواب ابنه، وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون المراد به أحد بنيه: إما القاسم وإما عبد الله وإما إبراهيم، فإنهم ماتوا صغاراً في حياته، ويحتمل أن يكون المراد ابن بعض بناته وهو الظاهر، ففي الاسباب الميلادي! (كذا) أنّ عبد الله بن عثمان من رقية بنته (صلى الله عليه وآله) مات في حجره، فبكى وقال: إنّما يرحم الله من عباده الرحماء.

وفي مسند البزار عن أبي هريرة قال: ثقل ابن لفاطمة فبعث إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، الحديث، وفيه مراجعة سعد بن عبادة في البكاء، والابن المذكور هو محسن بن علي.

وقد اتفق أهل العلم بالأخبار انّه مات صغيراً في حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، هذا غاية التحقيق في هذا الحديث، ولم أر من تعرض بهذا وهو الهادي إلى سواء الطريق. انتهى ما جاء في شرح الشمائل لملا علي القارئ.

أقول: أود تنبيه القاري _ كل قارئ _ إلى أنّ الملا علي القارئ لم يكن دقيقاً في تحقيقه إلى الغاية كما قال، ولا كان صادقاً فيما زعمه من المقال المحال لجهتين:


الصفحة 114
الجهة الأولى: أنّ زعمه لم ير من تعرض لذلك مردود عليه بأنّ المناوي _ وهو من معاصريه، إذ بين وفاتيهما اثنتي عشرة سنة، فقد مات المناوي سنة 1004هـ ومات الملا علي سنة 1016هـ _ قد ذكر ذلك، وكان الرجل أكثر أمانة حين حكاه عن القسطلاني، فإذا كان الملا علي لم ير شرح المناوي على الشمائل _ وأكبر الظن أنّه رآه وافاد منه _ فلا ريب عندي انّه رأى كلام القسطلاني الذي نقله عنه المناوي، وإليك ذلك بلفظه في شرح الشمائل المطبوع بهامش شرح الملا علي القاريء.

قال المناوي تعقيباً على الحديث المذكور: تنبيه، قوله آنفاً: وهي بنت بنته زينب هو ما ذكره الشارح(1) وغيره، فراراً مما أورد على إطلاق البنت من أنّ المصطفى (صلى الله عليه وآله) كان له أربع بنات وكلهنّ بلغن التزويج، وثلاثة منهن وإن متن في حياته لا يصلح لواحدة منهنّ أن يقال في حقها صغيرة، وقد وصفها في رواية النسائي في هذا الحديث بالصغر.

فتعيّن أن يراد إحدى بنات بناته، لكنه مع ذلك قد استشكل أيضاً بأنّه لم ينقل بأنّ ابنة احدى بناته ماتت صغيرة، إلا ما رواه أحمد عن الهندي قال: (أتي النبي (صلى الله عليه وآله) بأمامة بنت زينب وهي في النــزع فدمعت عيناه) ويعارضه أنّ أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أنّ امامة عاشت بعد النبي حتى تزوجها على بن أبي طالب بعد موت فاطمة وقتل عنها، وحملوا رواية أحمد على أنّها أشرفت على الموت ولم تمت.

فإما أن يقال وقع وهم في هذا الحديث، إما في قوله: (تقضي) وقوله: (وهي تموت بين يديه) وأما في قوله (ابنته) والصواب ابنه، ويكون المراد أحد بنيه القاسم أو عبد الله أو إبراهيم، ويحتمل: أنّ المراد ابن بعض بناته، إما محسن بن

____________

1- يعني به ابن حجر فإنّ له شرح الشمائل، وقد نبّه المناوي في مقدمة كتابه أنّه المراد بقوله (الشارح) فراجع.


الصفحة 115
فاطمة، أو عبد الله بن رقية من عثمان، نبّه عليه القسطلاني. انتهى ما قاله المناوي. وجاء أيضاً نحو هذا في شرح الشمائل لجسوس(1).

وعلى هذا فيكون القسطلاني أول من احتمل في توجيه الحديث المذكور في الشمائل أن يكون المتوفى بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) أحد ولدي الخالة، إما محسّن بن فاطمة أو عبد الله بن رقية، وتابعه على ذلك كل من المناوي وجسوس، وهم جميعاً لم يجزموا فيهما، بل احتملوا أن يكون هو أحدهما لا على التعيين، ومجرد الاحتمال يبطل الاستدلال، فيبقى أمر وفاة المحسن في عهد جده غير ثابت.

الجهة الثانية: فيما نقله الملا علي القارئ عن مسند البزار عن أبي هريرة، فمن حقنا أن نسأله أين كان أبو هريرة يومئذٍ؟ هل كان حاضراً فشاهد وسمع جميع ما حدث به من أمر الابن الذي ذكره مجملاً؟ وإذا كان كذلك فما باله لم يسمّه؟ وحديثه ينبئ عن حضوره؟!

ثم إذا لم يكن حاضراً _ وهو كذلك لأنه كان بالبحرين _ فلماذا لم يذكر من حدّثه بذلك؟ ولكن لا غرابة لو زعم أبو هريرة الحضور، فأحاديثه التي صح منها ما حلّق بها بقادمة النسور حتى جعلته أول راوية في الإسلام، يكذّبه من الصحابة ثلاثة من الخلفاء علي وعمر وعثمان، وزد عليهم تكذيب السيدة عائشة وهي أم المؤمنين(2)، وخل عنك التابعين ومَن بعدهم، حتى كان أبو حنيفة إمام المذهب لا يأخذ بحديثه(3).

وليس هذا بأول حديث له كذب فيه على أبناء فاطمة وأبناء الرسول وزعم فيه الحضور، وما حديث زعمه حضوره ولادة الحسين (عليه السلام) ، وأنّه رآه وقد أخذه

____________

1- شرح الشمائل 2: 105.

2- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 27 _ 28، وحكاه عن النظام شيخ الجاحظ، ولم يستطع رده إلا دفعاً بالصدر.

3- شيخ المضيرة 117 _ 133.


الصفحة 116
النبي (صلى الله عليه وآله) ملفوفاً بخرقة وقد خضبت يداه من الدم(1) ، الا نموذج واحد من أكاذيبه الفاضحة، فإنّ ولادة الحسين كانت في الثالث أو الخامس من شعبان السنة الرابعة من الهجرة على أكثر تقدير، وأبو هريرة يومئذٍ بعد لم يسلم ولم يأت إلى المدينة، إذ أنّه جاء بعد فتح خيبر، وكان الفتح في سنة (7) من الهجرة.

وهذا أيضاً ليس بأعظم من فريته على رقية بنت النبي (صلى الله عليه وآله) حين زعم دخوله عليها وبيدها مشط، فقالت: خرج رسول الله من عندي آنفاً ورجلت شعره، فقال: كيف تجدين أبا عبد الله (يعني عثمان)؟ قالت: بخير، قال: أكرميه فإنّه من أشبه أصحابي بي خلقاً.

ونحن لا نعقّب على ذلك بأكثر مما قاله الحاكم في المستدرك بعد أن أخرج الحديث فقال: هذا حديث صحيح الاسناد واهي المتن، فإنّ رقية ماتت سنة (3) من الهجرة بعد فتح بدر، وأبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر في سنة (7) من الهجرة.

وما دام أبو هريرة يروي لنا أن الابن المذكور في الحديث هو محسن بن علي، فلا غرابة ولا عجب، فالرجل يضلع في ركاب الحاكمين ويضع لهم ما شاؤوا، فأيّ وازع يمنعه عن أن يضع لهم ذلك الحديث ليثبت لهم موت المحسن في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله)، وإذا ثبت ذلك برئت ساحة المتهمين بإسقاطه، ولكن {وَأنَّى لَهُمُ التَّـنَاوُشُ مِنْ مَكَان بَعِيد}(2).

والآن لنقرأ مقالة العلماء في أنّ المحسن مات سقطاً.


*  *  *

____________

1- مجمع الزوائد للهيثمي 9: 185.

2- سبأ: 52.


الصفحة 117

الفصل الثالث
فيمن ذكر المحسن السبط وانّه سقط


ليس من المتوقع أن نجد عدد الذين ذكروا موت المحسن سقطاً أن يكون كثيراً ، كما أنه ليس من المتوقع من أولئك أن يذكروا سبب السقوط، فليس غريباً أن نجد حديث السقوط _ بعد أن كان إسقاطاً _ نجده منسوباً عند بعضهم إلى الشيعة، وهؤلاء إنّما لجأوا إلى ذلك فيما أرى إما دفعاً للغائلة، أو حفاظاً على قداسة الموروث في النفوس.

وقليل ما هم أولئك الذين تخطّوا الحاجز النفسي فصرّحوا بالسبب، ولا غرابة لو رأينا التعتيم والغموض يلفّ قضية موت المحسن سقطاً، فالحكومات المتعاقبة من بعد النبي الكريم (صلى الله عليه وآله)، والتي استحوذت على الحكم بالقوة، كلّها تناوئ المحسن وآله أمّاً وأباً ومن يمتّ إليه نسباً، فكيف يتوقع من الرواة من أن يذكروا الحَدَث كما حدث، وهو حَدَثٌ مريع وفظيع، وذكره يقلقل أحشاء الحاكمين، وينسف مقولة شرعيّة حكم الظالمين.

لذلك لم نجد بعد البحث والتنقيب إلا العدد الذي لم يتجاوز العشرين إلا قليلاً، فهؤلاء هم الذين ذكروا موت (المحسن) سقطاً، والأقل من القليل الذي ذكر موته إسقاطاً، ومع ذلك ففي هؤلاء من خشي مغبة العاقبة، فذكر أمر

الصفحة 118
الإسقاط ونسبه إلى الشيعة، وأحسبه أراد التخلّص من صراع نفسي مرير، يتجاذبه كتمان أمر المحسن كلية، وذكره منسوباً إلى الشيعة، فرأى في الثاني ما يخفّف عنه وطأة الصراع، ويضع عنه مسؤولية الكتمان وإصر التبعة، وإلا فسيلقى المصير الذي لاقاه أحمد بن محمد بن محمد ابن السريّ بن يحيى بن أبي دارم المحدث، فقد «كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثم في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، قال _ الراوي _: حضرته ورجل يقرأ عليه: إنّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسّن» راجع قصة هذا المحدث في ترجمته عند الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال(1).

ولا يزال غير واحد يعيش هذا الصراع النفسي المحرج المكبوت، فهو يتأرجح بين الموروث بمآسيه وبين الحقائق الثابتة، فيعبّر عنها بلسان غيره، ومن أولى بذلك من الشيعة، فانظر مثلاً إلى الدكتور أحمد محمود صبحي مدرس الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الاسكندرية حيث يقول في كتابه نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثني عشرية(2) (تحليل فلسفي للعقيدة) وهو يتحدّث عن حديث المنزلة:

«ولا يقف الشبه بين علي وهارون إلى حد الصفات المثبتة في حق هارون كما هي مستخلصة من القرآن، بل يضيف الشيعة خصائص اُخرى شخصية، فقد أبى النبي إلا أن تكون أسماء بني علي مماثلة لأسماء بني هارون، فسمّاهم حسناً وحسيناً ومحسناً قائلاً: إنّما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبّر...».

وعلّق على اسم المحسن فقال في الهامش: «يقال: مات صغيراً، ويقال: إنّ عمر ركل فاطمة لمجافاتها أبا بكر في الخلافة وفدك، فأجهضت محسناً جنيناً، ولا شك أنّ القول الأول أصح، وإلاّ فما يبرر تسمية جنين ميت».

____________

1- ميزان الاعتدال 1: 139؛ ولاحظ سير أعلام النبلاء له أيضاً 15: 578؛ وعنه ابن حجر في كتابه لسان الميزان 1: 268.

2- نظرية الإمامة: 226.


الصفحة 119
ومن الغريب تصحيحه للقول الأول وأنه مات صغيراً، وأغرب من ذلك تذرّعه بعدم المبرر لتسمية جنين ميّت، فنقول: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) سمّاه يوم كان جنيناً وهو حي ولم يكن ميتاً، ولولا الرفسة لتمّ حمله وكانت ولادته طبيعية، وتسمية الجنين الميّت السقط مندوب إليها فضلاً عن أن يكن حملاً.

ثم ما ذنب الشيعة لأن يتهمهم بأنهم أضافوا خصائص أخرى شخصية، وذكر تسمية النبي (صلى الله عليه وآله) للأنبياء الثلاثة بأسماء ولد هارون، وقد مرّ بنا في الباب الأول مصادر أهل السنة؟

وفي كتاب هذا الرجل موارد كثيرة تطغى عليه فيها معاناة الصراع النفسي بين الموروث والحقائق لسنا بصددها.

والآن إلى أسماء أولئك الذين صرّحوا بأنّ المحسن مات سقطاً:

1 _ أبو إسحاق إبراهيم النظام (ت 231 هـ) ، وهذا هو شيخ الجاحظ، وهو من شيوخ المعتزلة، قال: انّ عمر ضرب بطن فاطمة (عليها السلام) يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها، وكان يصيح: أحرقوها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين.

هذا ما نقله عنه الشهرستاني في كتابه الملل والنحل(1). وحكى ذلك عن النظام أيضاً الصفدي في الوافي بالوفيات(2).

2 _ ابن قتيبة (ت 276 هـ) ، حكى عنه الحافظ السروي المعروف بابن شهرآشوب (ت 588 هـ) ،في كتابه مناقب آل أبي طالب(3) قال: وأولادها: الحسن والحسين والمحسن سقط، وفي معارف القتبي: «انّ محسناً فسد من زحم قنفذ العدوي».

____________

1- الملل والنحل 1: 77.

2- الوافي بالوفيات 6: 17.

3- المناقب 3: 133، في أحوال فاطمة (عليها السلام).


الصفحة 120
وعند مراجعة كتاب المعارف المطبوع لم نجد ذلك فيه، ولمّا كان الحافظ الكنجي الشافعي (ت 658 هـ) قد أكّد حكاية ابن شهرآشوب لذلك عن ابن قتيبة بعد أن ذكر أنّ فاطمة (عليها السلام) أسقطت بعد النبي ذكراً كان سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) محسناً، فقال الكنجي: وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة.

أقول: وسيأتي تحقيق حول كتاب المعارف في الملاحق في آخر الرسالة.

3 _ النسابة الشيخ أبو الحسن العمري _ وكان حياً سنة 425 هـ _ قال في كتابه المجدي _ بعد ذكر اختلاف النسابين في المحسن _: ولم يحتسبوا بمحسن لأنّه ولد ميتاً، وقد روت الشيعة خبر المحسن والرفسة، ووجدت بعض كتب أهل النسب يحتوي على ذكر المحسن، ولم يذكر الرفسة من جهة أعوّل عليها.

4 _ النسابة محمد بن أسعد بن علي الحسيني الجواني (ت 588 هـ) ذكر المحسّن في الشجرة المحمدية والنسبة الهاشمية(1) وقال: أسقط، وقيل: درج صغيراً، والصحيح أنّ فاطمة (رضي الله عنها) أسقطت جنيناً.

5 _ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت652 هـ) قال في مطالب السؤول(2) عند ذكر أولاد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):

«اعلم أيّدك الله بروح منه، إنّ أقوال الناس اختلفت في عدد أولاده (عليه السلام) ذكوراً وإناثاً، فمنهم من أكثر فعدّ فيهم السقط، ولم يسقط ذكر نسبه، ومنهم من أسقطه ولم ير أن يحتسب في العدة، فجاء قول كل واحد بمقتضى ما اعتمده في ذلك وبحسبه _ ثم نقل عن صفة الصفوة وغيرها ذكرهم إلى أن قال: _ وذكر قوم آخرون زيادة على ذلك، وذكروا فيهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين (عليهما السلام) وكان سقطاً».

____________

1- الشجرة المحمدية: (نسخة مصورة في مجلة الموسم، العدد 32، سنة 1418 هـ).

2- مطالب السؤول: 62، الفصل 11.


الصفحة 121
6 _ الحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت 658 هـ)، حكى في كتابه كفاية الطالب(1) عند ذكر أولاد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قول المفيد في عددهم، ثم قال: وزاد الجمهور وقال: إنّ فاطمة (عليها السلام) أسقطت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ذكراً كان سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) محسناً، وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلاّ عند ابن قتيبة.

7 _ الحمويني (ت730 هـ)، ذكر باسناده في فرائد السمطين(2) حديثاً عن ابن عباس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلمّا رآه بكى، ثم قال: «إليّ إليّ يابني»، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (عليه السلام) فلما رآه بكى ثم قال: «إليّ إليّ يابُني» فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة (عليها السلام) ،فلما رآها بكى ثم قال: «إليّ إليّ يا بنية فاطمة»، فأجلسها بين يديه.

ثم أقبل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، فلما رآه بكى ثم قال: «إليّ إليّ يا أخي»، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت، أوما فيهم مَن تسرّ برؤيته؟ فقال (عليه السلام): «والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية، إنّي وإياهم لأكرم الخلائق على الله (عزّ وجلّ) ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم أما علي بن أبي طالب...، _ وذكر فضله وما خصّه الله به_ وأما ابنتي فاطمة فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي...، وإنّي لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغُصب حقها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأُسقطت جنينها _ إلى أن قال: يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) _: اللّهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل _ كذا والصواب فأذل_ من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها»، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

____________

1- كفاية الطالب: 423.

2- فرائد السمطين 2: 34 _ 35.


الصفحة 122
8 _ الحافظ جمال الدين المزي (ت742 هـ)، قال في كتابه تهذيب الكمال(1): كان لعلي من الولد الذكور... والذين لم يعقبوا محسن درج سقطاً....

أقول: ونقل ذلك عنه الفاسي في العقد الثمين(2) أيضاً.

9 _ الشيخ الإمام سعيد بن محمد بن مسعود الكازروني (ت 758 هـ)، جاء في كتابه مطالع الأنوار المصطفوية في شرح مشارق الأنوار النبوية للصغاني الحنفي (ت650 هـ) ، عند ذكره رواة الكتاب على ترتيب حروف المعجم، فقال في حرف الفاء:

فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان من حقها أن تذكر في أول الأسامي لكن ترتيب الكتاب اقتضى هذا التنسيق... _ إلى أن قال بعد ذكر شيء من ترجمتها _: وولدت لعلي الحسن والحسين والمحسن، وقيل: سقط المحسن من بطنها ميتاً بسبب أنّ عمر بن الخطاب دقّ الباب على بطنها حين جاء لعلي أن يروح به إلى عند أبي بكر لأخذ البيعة.

10 و 11 _ الصلاح الصفدي (ت 764 هـ)، قال في الوافي بالوفيات(3): والمحسن طرح. وحكى ذلك من كتاب شيخه الذهبي (فتح المطالب في فضل علي بن أبي طالب) ولمّا لم نقف على كتاب شيخه فاكتفينا بنقله عنه، وعددنا شيخه ممّن قال بأنّ المحسن سقط.

12 _ التقي الفاسي الحسني المكي (ت 832 هـ)، ذكر في كتابه العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين(4) في ترجمة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أولاد الإمام، فحكى قول ابن قتيبة: (ولعلي (رضي الله عنه) من الولد الحسن والحسين ومحسناً...) فعلق المحقق فؤاد سيد على اسم المحسن فقال: تكملة من المعارف.

____________

1- تهذيب الكمال 20: 479.

2- العقد الثمين 6: 203.

3- الوافي بالوفيات 21: 281.

4- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 6: 202.


الصفحة 123
أقول: ولاندري هل عدم ذكره «كان سقطاً» من سهو القلم، أم هو من الاسقاط المتعمد؟ ثم انّ الفاسي حكى أيضاً في كتابه(1) قول الحافظ المزي في تهذيب الكمال: (ومحسن درج سقطاً) ولم يعقب عليه بشيء، فهو إمضاء منه لقوله.

وذكر الفاسي أيضاً في كتابه(2) في ترجمة الزهراء (عليها السلام) قول أبي عمر: (فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب...). فعلق المحقق على ذلك في الهامش فقال: (ومحسناً) كما في سير أعلام النبلاء حكاية عن ابن عبد البر.

أقول: وما ذكره الطناحي صحيح، فهو موجود في سير أعلام النبلاء(3) ، لكن إذا رجعنا إلى الاستيعاب وهو كتاب أبي عمر وهو ابن عبد البر، فلا نجد ذلك النص جملة وتفصيلاً، وبين يدي ثلاث طبعات من الاستيعاب.

1 _ طبعة حيدر آباد سنة 1326 هـ.

2 _ طبعة مصطفى محمد سنة 1339بهامش الإصابة.

3 _ طبعة محققة بتحقيق علي محمد البجاوي بمطبعة نهضة مصر.

وقد راجعت ترجمتي الإمام أمير المؤمنين والزهراء (عليهما السلام)، فلم أجد النص المذكور، فيا ترى من الذي غصّ بذكر المحسن، فابتلعه على مضض ليضيع ذكره كما خفي قبره، وعلى سنن الماضين جاء سير الخالفين، وهكذا أضاع الخلف ما يدين السلف طمساً للحقائق، فالله حسيبهم.

13 _ إبراهيم بن عبد الرحمن الحنفي الطرابلسي، كان حيّاً سنة 841 هـ، قال في المشجرة التي صنعت للخليفة الناصر وكتبت لخزانة صلاح الدين ص 9: محسن بن فاطمة أسقط، وقيل درج صغيراً، والصحيح أن فاطمة أسقطت جنينها.

____________

1- المصدر نفسه 6: 203.

2- المصدر نفسه 8: 284.

3- سير أعلام النبلاء 3: 425.


الصفحة 124
14 _ ابن الصباغ المالكي الصفاقسي (ت 855 هـ)، قال في الفصول المهمة(1) في ذكر أولاد الإمام: وذكروا أنّ فيهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين، ذكرته الشيعة وأنّه كان سقطاً.

أقول: ولم يعقب على ذلك بشيء، فهو إمضاء منه لما قالته الشيعة، ولو لم يكن كذلك لردّ عليهم بشيء.

15 _ أبو الفضيل محمد الكاظم بن أبي الفتوح، قال في كتابه (النفحة العنبرية في أنساب خير البرية) الذي ألّفه سنة 891 هـ: (والمحسّن وأخوه ولدا ميتين من الزهراء)(2).

16 _ الصفوري الشافعي (ت 894 هـ)، قال في نـزهة المجالس(3): «كان الحسن أول أولاد فاطمة الخمسة: الحسن، والحسين، والمحسن كان سقطاً، وزينب الكبرى، وزينب الصغرى» وقال في كتابه الآخر: (المحاسن المجتمعة في الخلفاء الأربعة)(4) من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر قال: وأسقطت فاطمة سقطاً سمّاه علي محسناً.

أقول: وهذا ليس في الاستيعاب المطبوع فلاحظ.

17 _ الشيخ جمال الدين يوسف المقدسي (ت 909 هـ)، في الشجرة النبوية في نسب خير البرية(5) قال: (محسن، قيل: سقط، وقيل: بل درج صغيراً، والصحيح أنّ فاطمة أسقطت جنيناً).

____________

1- الفصول المهمة: 54.

2- النفحة العنبرية. (نسخة مصورة عن نسخة المجمع العلمي العراقي).

3- نـزهة المجالس 2: 229.

4- المحاسن المجتمعة: 164.

5- الشجرة النبوية في نسب خير البرية: 60.


الصفحة 125
18 _ النسابة عميد الدين كان حياً سنة 929 هـ ذكره في المشجر الكشاف(1) فقال: (والمحسن الذي أسقط).

19 _ السيد مرتضى الزبيدي المتوفى 1205 هـ، قال في تاج العروس (شبر): «المحسّن بتشديد السين، ذهب أكثر الإمامية من أنه كان حملاً فأسقطته فاطمة الزهراء لستة أشهر، وذلك بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ».

أقول: ولمّا لم يعقب على قول الإمامية برد عليه، فذلك السكوت رضىً به.

20 _ الشيخ محمود بن وهيب الحنفي القراغولي قال في جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام(2): (وأما محسّن فأدرج سقطاً).

21 _ الشيخ محمد الصبان الشافعي (ت 1206 هـ)، قال في كتابه اسعاف الراغبين بهامش مشارق الأنوار للحمزاوي(3): (فأما محسن فادرج سقطاً).

22 _ الشيخ حسن الحمزاوي المالكي قال في كتابه مشارق الأنوار الذي فرغ من تأليفه سنة 1264 هـ كما في آخره، قال: (وأما محسن فأدرج سقطاً)(4).

23 _ محمد بن محمد رفيع ملك الكتاب _ من علماء أواخر القرن الثالث عشر _ قال في كتابه رياض الأنساب(5) ما تعريبه: (وولد آخر معدود في أولاده _ يعني الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) _ كانت الزهراء (عليها السلام) حاملاً به، فأسقطته قبل استكمال مدة الحمل، لأنّ قنفذاً ضربها وزحمها خلف الباب).

24 _ المؤرّخ الفارسي الشهير بسپهر في كتابه ناسخ التواريخ في الجزء المختص بالزهراء(6) قال ما تعريبه: ذكر أنّ المحسن الذي سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات سقطاً، لأنّ قنفذاً والمغيرة بن شعبة مع غيرهما ضربوا الزهراء فأسقطوا جنينها.

____________

1- المشجر الكشاف: 229.

2- جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: 104.

3- اسعاف الراغبين: 81.

4- راجع مشارق الأنوار: 81.

5- رياض الأنساب: 78.

6- ناسخ التواريخ: 60.