الصفحة 567

وقارب الحقَ من أبدى حقيقته فذاك سقط له الزهراء تلقيه
وأمطروا ساحة التاريخ كذبهمُ غطّى النجودَ فغطّى الكذبُ واديه
وباع للحاكم النوكى ضمائرهم فقدّسوا ذكره الجاني بتنزيه
فأهملوا ما جرى ستراً لشُنعته إذ أنكروا ما إله الخلق مبديه
وضيّعت محسناً بغضاً لوالده وجاوزت حقدها حتى تعاديه
وهكذا جاء تاريخ صحائفُه تتلى وتكتب في أقلام ممليه
فاستـنطقوا (المحسن) المظلوم كيف قضى؟ من ذا الذي باء وزراً من أعاديه؟
سلوا (المحسّن) عما دار في فلك بعد السقوط فمن قد كان جانيه؟
لا تأمنوا حَدَث التاريخ تكتبه زعانفُ الحكم توحيه وتمليه
واستنبطوا النص كشفاً عن دلالته وأعملوا الفكر في شتى نواحيه
لا تخدعوا بحديث شاده سندٌ فربّ آفة إسنادٍ لراويه

*  *  *  *  *

يا (محسن السبط) ما زالت ظلامتكم في (محسن السقط) عنواناً وتبديه
كم محسن من بني الزهراء أسقطه حقدُ العداة له التاريخ يخفيه
فابن البتولة قدماً مرّ مسقطهُ وقد أصات نعاء الاُم تبكيه
(تقول ياوالدي ضاق الخناق بنا لما مضيت) وباقي البيت ترويه
وابن الحسين سميٌّ كان مسقطه مثل السميّ شبيهٌ في مآسيه
فأمه سُبيت في أسر طاغيةٍ إلى الشئام لدى الشهباء تلقيه
لكنّ هذا وإن عزّت مصيبته ما زال مشهده الإملاك تحميه
يزوره الناس إيماناً ببقعته بالغرب من حَلَبٍ بالشوق تأتيه
لكنما عمّه ضاعت معالمه فضوّع المسكَ في أخبار راويه
فاستنشق العطر من ريّا معطّره وأمطرت لؤلواً حرّى مآقيه


الصفحة 568

يا (محسنَين) فعذراً إنّني كلف مستنطق زبر التاريخ ما فيه
هل كان حقاً لنا التاريخ يرويه كلاكما كان سقطاً من أعاديه؟
فربما انبثقت عفواً روايته عن وجه حق فذاك الحق يحميه
وتلك فلتة إنسان يسجلها في صحوة من ضمير فيه ما فيه
قالوا بأنّ البتول الطهر لطمتها أصابت القُرط فانداحت لئاليه
قالوا لنا حيدرٌ قد قيد مضطهداً قسراً بحبل وتاج الرأس يلويه
وقد رووا صرخة السبطين يشفعها رنين فاطمة الزهراء تبكيه
فكل هذا جرى والخصم يرويه ويبتغي سفهاً منّا نواليه
ونحن حجتنا قول النبي لهم والوا علياً وعادوا من يعاديه

*  *  *  *  *

ياسيدي وختام الشعر معتذراً أتيت أنفث وجدي في قوافيه
من طيب شهد علاك استاف عنبره فاقبل فديتك مشتاراً فتوفيه
فأنت أول من يشكو لخالقه من زحم قنفذ في الأخرى يشكّيه
لن يذهبن دمكم طلاّ ً بلا ترةٍ فسوف يأتي الذي دوماً نرجّيه
فاشفع فديتك في عبد يحبكمُ ويرتجي زلفةً ترقى مراقيه
ويحسن الله في الأخرى مثوبته ويبدل الله بالحسنى مساويه

*  *  *  *  *

8 / جمادى الثاني / 1425 هـ 94 بيتاً

الصفحة 569

تاريخ وضع (اللمسات الأخيرة) على كتاب (المحسن)


تفضل به السيد الجليل العلاّمة السيد عبد الستار الحسني أحسن الله جزاه، وله منّي جزيل الشكر ووافر الدعاء:


مَهْدِيُّ آلِ مُحَمَّدٍ آثارُهُ لِذَوَي الهُدى وَالْعِلْم ِ قُرَّةُ أَعْيُنِ
(صُحُفٌ مُطَهَّرَةٌ) حَوَتْ فِي طَيِّها آياً لِمُلْتَمِسِ الصِّراطِ الْبَيِّنِ
رَشَحاتُ مِرْقَمِهِ نَطَقْنَ شَواهِداً بَـ (الأَوْحَدِيَّةِ) فِيَ رقِيْم ِ الأَزْمُنِ
عَلَمُ الشَّرِيْعَةِ مِقْوَلُ الْحَقِّ الّذي بِيَمِيْنِهِ صَرْحُ الْمَعارِفِ قَدْ بُنِيْ
إِنْ كُنْتُ أَدَّخِرُ الْولاءِ لِمِثْلهِ وَأَرى مَوَدَّتَهُ شِعارَ تَدَيُّني
فَمَوَدَّةُ (الأَشرافِ) غايَةُ مَأْرَبي أَبَداً، وَحُبُّ بَني النُّبُوَّةِ دَيْدَني
وولائيَ (الْمَهْدِيَّ) ضَرْبَةُ لازَبٍ كَولاءِ عِترَةِ أَحْمَدَ الْمُتَعَيّنِ
فَإلَيْهِمُ ضَرَبَتْ بِهِ أَعْراقُهُ فَهُوَ الْهِجانُ المَحْضُ غَيْرُ مُهَجَّنِ
لِلّهِ مِنْ خَوّاضِ عِلْم ٍ ليس يَسْـ ـأَمُ في تَتَبُّعِهِ الْحَثِيْثِ وَلا يَنيْ
وَالْيَوْمَ وافانا بأَكْرَم ِ تُحْفَةٍ مِنْ رَوْضِهِ الْمُزْدانِ بالثَّمَر الْجَنيْ
عَنْ (مُحْسِنٍ) نَجْلِ الْبَتُولِ أَفاضَ فِي أَبْحاثِهِ بِعَزِيْمَةٍ لا تَنْثَنِيْ
وَأَقامَ فِي الْتَحقِيقِ غُرَّ شَواهِدٍ تَشْدُو بِتَقْرِيْظٍ لِمَنْهَجِهِ السَّنِيْ
هُوَ إِنْ نَطَقْتَ (مُحَسِّنٌ) أَوْ (مُحْسِنٌ) فَكِلاهُمَا نُقِلا بِضَبْطٍ مُتْقَنِ
لكنّما (التخفيفُ) شاعَ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَاً لِيُنْكِرَهُ فِصاحُ الأَلْسٌنِ
(سَُِقطٌ)(1) بِهِ زادَتْ ظُلامَةُ أُمِّهِعُظْماً، وَكُدِّرَ بَعْدَهُ الْعَيْشُ الْهَنِيْ
وَبِمُقْتَضى (الإلْزام ِ) جاءَ حَدِيْثُهُ (مُتَشَيِّعٌ) يَرْوِيْهِ عَنْ (مُتَسَنِّنِ)

*  *  *  *  *

____________

1- وَضَعْتُ الحركاتَ الثَّلاثَ على كلمة (سَُِقط) لأنَّهُ مُثَلَّثُ الْسِّيْنِ.


الصفحة 570

أَعْظِمْ بِهِ سِفْراً سَما بِحَقائِقٍ مِنْ قَبْلِهِ لِذَوِي النُّهى لَمْ تُعْلَنِ
رَقَمَتْ صَحائِفَهُ يَراعَةُ عَيْلَم ٍ فَأَتى كَعِقْدٍ بالنُّضارِ مُزَيَّنِ
(فَنُّ الحِجاج) بِما حَوى اقْتَعَدَ الذّرى بِحَصِيْفِ فِكْرِ الْنَّيْقَدِ (الْمُتَفَنِّنِ)
أَوْفى على (الأَسْفارِ) في إسْفارِهِ إِذْ لاحَ شَمْسَ هِدايَةٍ لِلْمُوقِنِ
وَبِـ (باءِ) (بِسْم ِ اللّهِ...) أَرَّخْناهُ: «قَدْأَحْيى(1) لَنا الْمَهْدِيُ ذِكْرى الْمُحْسِنِ
                                  10429    81    90  930    189 

وكنت قد قلتُ بعد قولي: (أوفي أعلى الأسفار...) سنة 1425هـ:


ومُذِ ازْدَهَتْ للناظرين فصولُهُ وَتَدَفَّقَتْ بعطائها الثّرِّ الْغني
بأئمة الثَقَلَين أرّخْناهُ: «قد أَحْيى لنا المهديُّ ذِكْرَ المُحْسِنِ»
      12           10429  81  90  930    189 

وأنتم تختارون ما يقع عليه الإختيار.


*  *  *

____________

1- أحيى يحيي مثل ألقى يُلقي ألِفُهُ منقلبة عن (ياء) فتكتب ألِفُهُ الأخيرةُ على صورةِ الياء وإن شاع على اسلات الأقلام كتابته بالألف (أحيا).


الصفحة 571


الملاحق


الملحق الأول:
حول نسبة كتابة الإمامة والسياسة إلى ابن قتيبة

الملحق الثاني:
كتاب المعارف لابن قتيبة وما لحقه من تحريف وتخريف

الملحق الثالث:
المحسن بن الحسين (عليه السلام)





الصفحة 572

الصفحة 573

الملحق الأول:

حول نسبة كتابة (الإمامة والسياسة) إلى ابن قتيبة:

إنّ نسبة أيّ كتاب كان إلى مؤلف مخصوص لا تأتي اعتباطاً، وشهرة النسبة تستبعد كثيراً من الاحتمالات المشككة، وإذا كانت هناك مؤشرات ثبوتية يقوي بعضها بعضاً، تحصل القناعة لدى من يرى صحة النسبة.

أمّا الذين تستحكم في نفوسهم شبهة عدم النسبة فلهم رأيهم، والناس أحرار في آرائهم، ولما كان كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة من تلك الكتب التي حامت حوله الشبهة في صحة النسبة إلى ابن قتيبة، وشكك غير واحد في صحة ذلك، وأبدوا ملاحظات تمسكوا بها، وبعضها لا يخلو من مناقشة كما سيأتي بيان ذلك.

وأول من أعلن تشكيكه، بل نفى النسبة هو (غاينفوس المجريطي) ذكر ذلك في صدر كتابه عن الأندلس في سنة (1881م) ثم تبعه دوزي وآخرون(1).

وساقوا أدلّة على ما يقولون، نلخصها في النقاط العشر التالية:

1_ لم يذكره أحد ممن ترجم لابن قتيبة انّه له.

2_ ذكر في الكتاب فتح الأندلس نقلاً عمن شاهد ذلك، وكان الفتح في سنة/ 92 قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة.

3 _ ورد في الكتاب خبر يوهم بأن أبا العباس والسفاح شخصيتان متغايرتان، كما ورد فيه: ان للمهدي ولد اسمه عبد الله، وانّه هو الذي سمّه.

____________

1- شاكر مصطفى في كتابه التاريخ العربي والمؤرخون 1: 241.


الصفحة 574
4 _ في الكتاب مزيد عناية بأخبار الأندلس، لم يكن لابن قتيبة ولا لغيره من معاصريه في العراق سبيل إلى معرفتها.

5 _ لم يرد ذكر أحد من شيوخ ابن قتيبة الذي يروي عنهم عادة في كتبه.

6 _ المؤلف مالكي الهوى والمذهب، بينما كان ابن قتيبة حنفياً.

7 _ يظهر من المؤلّف انّه كان مقيماً بدمشق، وابن قتيبة لم ير هذه المدينة.

8 _ في الكتاب رواية عن أبي يعلى محمد بن عبد الرحمن الأنصاري المتوفى سنة 146 هـ قبل ولادة ابن قتيبة بخمس وستين سنة.

9 _ ورد في الكتاب ذكر (مراكش) وفتح موسى بن نصير لها، وهي بناها يوسف بن تاشفين سنة/ 454 هـ.

10 _ وأخيراً مغايرة أسلوب الكتاب لمألوف أسلوب ابن قتيبة.

هذه هي الشبهات التي ساقها المشككون، وبالأحرى النافون نسبة الكتاب لابن قتيبة، وقد ذكرها الدكتور شاكر مصطفى في كتابه (التاريخ العربي والمؤرخون)(1)، وأخذ بعضها الدكتور ثروت عكاشة في مقدمة كتاب (المعارف) لابن قتيبة حيث تولى كبر تحقيقه، وستأتي بعض الملاحظات على تحقيقه لذلك الكتاب (مقدمة ومتناً وفهرسة) في الملحق الثاني، وسيطلع القارئ على نماذج تثبت عن أنّ الرجل لم يكن فارس ميدانه، بل كان راجلاً ومتعثراً في خطاه.

ونعود إلى النقاط التي ذكرت حول نفي النسبة، فإنّ بعضها لا يخلو من مناقشة. فمثلاً ما ذكر أولاً من عدم ذكر مترجمي ابن قتيبة لهذا الكتاب بانّه له، فكم له من نظير، ولا عجب بعد أن نقرأ ما قاله النووي (ت 676 هـ) في تهذيب الأسماء واللغات(2) عند ذكره:

____________

1- التاريخ العربي والمؤرخون 1: 241 _ 242.

2- تهذيب الأسماء واللغات 2: 281.


الصفحة 575
(القتُبي _ مذكور في المهذب والوسيط(1) في كتاب الوقف، ثم في أول كتاب العدد من المهذب _ بضم القاف وفتح التاء بعدها موحدة _ وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، الكاتب اللغوي الفاضل في علوم كثيرة، سكن بغداد وله مصنفات كثيرة جداً، رأيت فهرستها، ونسيت عددها، أظنها تزيد على ستين مصنفاً في أنواع العلوم...).

فإذا كان مثل النووي في إحاطته بترجمة ابن قتيبة يقول هذا، وهو أقرب زماناً ومكاناً إلى ابن قتيبة من المستشرق (غاينفوس المجريطي) فالأولى بنا أن نصدّقه في ذكره كثرة مصنفات ابن قتيبة في علوم شتى، وأحرى بنا أيضاً أن نصدّقه في رؤيته فهرست تلك المصنّفات حتى ظن انّها تزيد على ستين مصنفاً، ولا نأسف على نسيانه حقيقة العدد، كما نأسف على عدم ذكره جميع ما بقي على ذُكر من اسمه، لكنه ذكر ما رآه فقط فقال:

(فمن كتبه التي رأيتها غريب القرآن، ومشكل القرآن، وغريب الحديث، ومختلف الحديث، وأدب الكاتب، والمعارف، وعيون الأخبار...).

وهذا الذي رآه لا يدل على عدم صحة نسبة كتاب (الإمامة والسياسة) لعدم ذكره، فالرجل ذكر ما رآه من كتبه وهي سبعة، وأما ما لم يره فلم يذكره، وليكن كتاب (الإمامة والسياسة) من ذلك الكم الكثير الذي لم يره.

وهذا النسيان الذي اعتذر به محتمل عند غيره من قدامى مترجمي ابن قتيبة إذا أحسنّا الظن بهم، فلم يذكروا كتاب (الإمامة والسياسة) ، و لم يكن إهمالهم لذكره عن سوء نيّة وخبث طوية، لأنّ في الكتاب ما لا يعجبهم ذكره من أحداث وقعت في صدر الإسلام، فهذا ابن خلدون (ت 808 هـ) غمز من قناة ابن قتيبة على

____________

1- من كتب الفقه الشافعي.


الصفحة 576
استخذاء في تاريخه(1)، وقد ذكر وقعة الجمل وختم بقوله:

(هذا أمر الجمل ملخص من كتاب أبي جعفر الطبري، اعتمدناه للوثوق به ولسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين).

وهذا كما هو تعريض صريح بابن قتيبة، فهو تلويح إلى كتاب (الإمامة والسياسة) ، إذ لم يرد عند ابن قتيبة في بقية كتبه ما يثير حفيظة ابن خلدون وأضرابه كما ورد في كتاب (الإمامة والسياسة).

ولئن تحاشى ابن خلدون التصريح باسمه وحشره مجملاً مهملاً في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين، فإنّ ابن العربي المالكي (ت 543 هـ) تحامل صريحاً فذكر ابن قتيبة ووصفه بالجاهل العاقل (؟) فقال في كتابه (العواصم من القواصم)(2):

(ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل، أو مبتدع محتال، فأمّا الجاهل فهو ابن قتيبة، فلم يبق ولم يذر للصحابة رسماً في كتاب (الإمامة والسياسة) إن صح جميع ما فيه...) ونحن حسبنا تصريحه بصحة نسبة كتاب (الإمامة والسياسة) إلى ابن قتيبة، فلنا شهادته بصحة النسبة، وله رأيه في جميع ما فيه.

وكذلك كان ابن حجر الهيتمي في كتابه تطهير الجنان واللسان(3) ، فقد نعى على ابن قتيبة ذكر ما شجر بين الصحابة فقال:

(وقد علمت مما قدّمته في معنى الإمساك عن ذلك، أنّ عدم الإمساك امّا أن يكون واجباً لا سيما مع ولوع العوام به، ومع تآليف صدرت من بعض المحدّثين كابن قتيبة مع جلالته القاضية بانّه كان ينبغي له أن لا يذكر تلك الظواهر، فإن أبى إلاّ ذكرها فليبيّن جريانها على قواعد أهل السنّة، حتى لا يتمسك مبتدع أو جاهل بها...).

____________

1- تاريخ ابن خلدون 2: 1090.

2- العواصم من القواصم: 248 ـ.

3- تطهير الجنان واللسان: 43.