المبحث الثاني

أحكام الجوانب غير العبادية

 

ـ المطلب الأول: في نقل الموتى ودفنهم في مدن المشاهد المشرفة:

لتحقيق مشروعية نقل الموتى من مكان إلى آخر، النقل بما هو نقل، أو النقل إلى المشاهد المشرفة والبقاع المقدسة، كان للفقهاء معقدان من الإجماع :

الإجماع الأول: كراهة أصل النقل من مكان لآخر، وهو ما حكاه صاحب التذكرة (ره) فقال: «يكره نقل الميت عن بلد موته بإجماع العلماء» (193).

وجامع المقاصد (ره) الذي قال: «يكره نقل الميت عن بلد موته لمنافاة التعجيل المأمور به، وعلى ذلك إجماع العلماء» (194).

الإجماع الثاني: في استحباب النقل إذا كان للمشاهد المشرفة، وهو مشهور الفقهاء ومعقد إجماعهم وعليه عمل الأمامية(195).

ولرفع تلك الكراهة المتحققة بالنقل يبقى الباب مفتوحاً على ذلك الاستحباب إلى تلك البقاع المتضمنة لأجداث المعصومين (ع) وقع البحث في فرعين :

الفرع الأول: كراهة النقل من مكان لآخر:

استدلوا بعدد من الأدلة منها :

الدليل الأول: النقل من بدع اليهود. وتدل عليه رواية دعائم الإسلام: فعن الإمام علي (ع) أنه رفع إليه أن رجلاً مات بالرستاق(196) فحملوه إلى الكوفة، فأنهكهم عقوبة، وقال: «ادفنوا الأجساد في مصارعها، ولا تفعلوا كفعل اليهود تنقل موتاهم إلى بيت المقدس» (197).

وفي رواية أخرى عنه (ع): «أرادت الأنصار أن تحمل قتلاها يوم احد إلى دورها فقال (ص): ادفنوا الأجساد في مصارعها»(198).

وفي الحديث دلالة تشير إلى منع نقل الجنائز (في الإسلام) ذلك المنع المستوجب حتى للمشاهد والأماكن المقدسة ولما هو ظاهر من النهي وردع الإمام والعقوبة .

وقد ذهب بعض العلماء إلى القول بالحرمة من خلال الروايتين: قال الشهرستاني: «فالأمر ظاهره الإلزام سيما مع شواهد الحال مثل العقوبة التي لا تكون إلا لأرتكاب محرم بالغ في الحرمة ... وتعقيب ذلك بالنهي عن تقليد اليهود ومتابعتهم في هذه الخصلة الشنيعة» (199).

الدليل الثاني: النقل ينافي ما ورد من التعجيل بمواراة الميت .

وتدل عليه الأدلة الخاصة ، حيث دلت الروايات على استحباب تجهيز الميت ودفنه والآمرة بالتعجيل وقد عقد صاحب الوسائل باباً نقل فيه عدة روايات بهذا المضمون منها :

1 ـ رواية جابر الأنصاري عن أبي جعفر قال (ع): «قال رسول الله (ص): يا معشر الناس لا ألفين رجلاً مات له ميت ليلاً فانتظر الصبح، ولا رجلاً مات له ميت نهاراً فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها، عجلوا بهم إلى مضاجعهم يرحمكم الله» (200).

2 ـ رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: «قال رسول الله (ص): إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلا في قبره» (201) .

وهذا الحث (لا تنتظروا) و (ولا يقيل إلا في قبره) دعوة إلى الأمر بتعجيل الدفن ولو على نحو الاستحباب المنافي لتأخير الدفن بسبب النقل ولو على نحو الكراهة .

ثانياً: الأدلة العامة كالآيات الكريمة الحاثة على التعجيل والاستباق إلى الخيرات مثل :

1. قوله تعالى: ((فَاسْتَبِقُواْ الْـخَيْرَاتِ))(202).

2. قوله تعالى: ((وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ))(203).

فالاستباق والمسارعة دالان على العموم إلى كل ما فيه أمر شرعي .

ويمكن مناقشة الأدلة :

اولاً: أما رواية الرستاق المذكورة في دعائم الإسلام فان أصل الكتاب مدار شك من جهة تردد مؤلفه .

فقد ذكر المحدث المجلسي (ره) «كتاب دعائم الإسلام قد كان أكثر أهل عصرنا يتوهمون أنه تأليف الصدوق وقد ظهر لنا أنه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر في أيام الدولة الاسماعيلية، وكان مالكياً اولاً ثم اهتدى وصار إمامياً، وأخبار هذا الكتاب أكثره موافق لما في كتبنا المشهورة، لكن لم يرد عن الأئمة بعد الصادق (ع) ... وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد» (204). فالرواية مطروحة من جهة الإرسال .

ثانياً: أما ما نهى النبي محمد (ص) عن نقل القتلى، والأمر بدفنهم في مصارعهم فان قتلى أُحد هم من الشهداء وهذا الحكم مختص بهم خاصة كما أشار إليه الشهيد الأول في الذكرى(205). حيث قال: «أما الشهيد فالأولى دفنه حيث قتل لما روي عن النبي(ص): «ادفنوا القتلى في مصارعهم» (206).

وأما الآيات والروايات التي فيها الحث والتعجيل على دفن الميت المنافي تأخيره جراء النقل إلى المشاهد المشرفة فالكلام من جهتين :

الجهة الأولى: من حيث الآيات الكريمة، فان الآيات الكريمة وان دعت إلى المسارعة ولكن لا ملازمة بين مسارعة الدفن، والنقل إلى المشاهد من حيث أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده كما هو محقق بعلم الأصول(207)، والأمر في المقام كذلك فلا ملازمة بين الاستحباب والكراهة .

وقد أوضح السيد الخوئي (ره) ذلك: «إن استحباب التعجيل في الدفن لا يقتضي كراهة النقل فان التأخير موجب لعدم العمل بالاستحباب، لا أنه ارتكاب للمكروه» (208).

وأما الجهة الثانية الروايات: فيمكن مناقشتها بـ:

1 ـ ضعف السند: الأولى رواية جابر الجعفي: وجه الضعف فيها، أن في طريقها عمرو بن شمر، وقد ضعفه النجاشي، وابن الغضائري ولم تثبت وثاقته(209)، والأخرى ضعيفة بجهالة موسى بن عيسى(210).

2 ـ على القول بصحة الرواية، فانه يمكن حمل نهي النقل، على النقل الموجب لتفسخ الجثمان وهتك حرمته الموجبة للمنع، كما هو صريح الشهيد الثاني (ره): «يجب تقييد الحكم المذكور بما إذا لم يخف هتك الميت بانفجاره، ونحوه لبعد المسافة أو غيرها»(211).

3 ـ يمكن دفع نهي الإمام(ع) على أن الكوفة، كما صرح صاحب الحدائق(ره): «ليست من الأماكن التي يستحب النقل إليها مع منافاة التعجيل المأمور به»(212).

 

الفرع الثاني: استحباب النقل إلى المشاهد المشرفة .

نقل الموتى للمشاهد المشرفة لا يخلو الأمر فيه، إما النقل إليها قبل دفن الميت في أماكن أو مناطق سكناهم، وأما بعد الدفن .

فالكلام يقع في مسألتين :

المسألة الأولى: في النقل إلى المشاهد المشرفة قبل الدفن في أماكن أو مناطق سكناهم .

والكلام عن المسألة يقع ضمن محورين :

المحور الأول: في النقل من الأماكن العامة إلى الأماكن المخصوصة بوجود المشهد .

لما كانت المشاهد المشرفة من الأماكن التي حضيت بالتقديس المكاني لشرف المدفون بها أو غيره كانت مقصداً للأحياء والأموات، فلهذا ورد القول باستحباب النقل إليها. قال العلامة (ره):

«ويستحب نقله إلى احد مشاهد الائمة (ع) لان عمل الأمامية عليه من زمن الأئمة (ع) إلى زماننا فكان إجماعا»(213).

بل في المعتبر «انه عمل علمائنا خاصة وعليه مذهب الأصحاب، وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه»(214).

وقد عمم الشهيد الأول (ره) هذا الحكم فقال: «ولو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون، أو شهداء استحب النقل إليها لتناله بركتهم وبركة زيارتهم»(215).

أدلة المجوزيين للنقل قبل الدفن :

اولاً: مكاتبة علي بن سلمان: كتبت إلى أبي الحسن (ع) أساله عن الميت يموت بعرفات يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم، فأيهما أفضل ؟ فكتب: «يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل»(216).

فدلالة الحديث تعلل الاستحباب بالأفضلية .

ثانياً: رواية ابن طاووس عن أمير المؤمنين (ع)، «كان أمير المؤمنين (ع) إذا أراد الخلوة بنفسه ذهب إلى طرف الغري فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف فإذا رجل قد أقبل من اليمن راكباً على ناقة قدامه جنازة فحين رأى علياً (ع) قصده حتى وصل إليه وسلم عليه فرد عليه ، وقال : من أين ؟ قال : من اليمن قال : وما هذه الجنازة التي معكم ؟ قال : جنازة أبي لأدفنـه في هذه الأرض . فقال لـه علي (ع) لم لا دفنته في أرضكم ؟ قال: أوصى بذلك وقال: إنه يدفن هنا رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. فقال (ع) أتعرف ذلك الرجل ؟ قال: لا. قال: أنا والله ذلك الرجل (ثلاثاً) فادفن فقام فدفنه» (217).

ثالثاً: ذكر الشيخ الأميني (ره) في غديره أهم الجنائز المنقولة قبل الدفن من علماء وقضاة ووزراء وخلفاء وغيرهم ونقلهم إلى أماكن مقدسة كمكة والمدينة أو مقابر البقيع أو مدن مهمة كالكوفة والنجف وكربلاء بلغ تعدادها ثمانون جثة(218).

رابعاً: وردت أخبار كثيرة في فضل الدفن في المشاهد المشرفة لا سيما في الغري والحائر ومنها:

«إن من خواص تربة علي (ع) إسقاط عذاب القبر وترك محاسبة منكر ونكير هناك» (219).

وفي الجواهر عن بعض مشايخه ناقلاً عن المقداد «قد تواترت الأخبار أن الدفن في سائر مشاهد الأئمة مسقط لسؤال منكر ونكير» (220).

المحور الثاني: في النقل من مشهد إلى مشهد آخر، كالنقل من كربلاء إلى النجف الاشرف أو من الكاظمية إلى كربلاء وهكذا نقل الميت من مكان فيه مشهد إلى آخر يماثله فهل الاستحباب باقٍ أم لا ؟ وذلك لان الغاية الاستحبابية المقصودة موجودة من حيث وجود المشهد فعلام النقل ؟

لم يستبعد الفقهاء جواز النقل، وذلك لوجود المرجحات الشرعية من حيث جواز الانتقال وكما أشار إليه السيد السبزواري (ره): «ومن المرجحات الشرعية تعدد الإمام المدفون فيها، كما في البقيع، ومنها كثرة مقابر العلماء والصلحاء في ذلك المشهد، وذلك يختص بالنجف الاشرف أو كثرة الشهداء، وهذا يختص بالمدينة المنورة وكربلاء المقدسة» (221).

المسألة الثانية: في النقل إلى المشاهد المشرفة بعد الدفن في أماكن أو مناطق سكناهم .

هذه المسألة كانت محوراً لاختلاف الفقهاء، وكان اختلافهم على قولين رئيسيين: القول الأول: الجواز على نحو الاستحباب . القول الثاني: المنع على نحو الحرمة (عدم جواز النقل).

القول الأول: في الجواز على نحو الاستحباب وبه قال:

1 ـ المحقق الكركي: فبعد مناقشة أدلة القول بحرمة النقل بعد الدفن من قبل بعض الفقهاء قال: «والاصل يقتضي الجواز إلا أن يثبت دليل المنع» (222).

2 ـ الشهيد الثاني علل سبب النقل بعد الدفن: «جواز النقل لا يخلو من قرب، ولكن يشترط أن لا يبلغ الميت حالةُ يلزم من نقله هتكه، ومثلته بان يصير متقطعاً ونحوه» (223).

3 ـ السيد العاملي: «ولأن الغرض المطلوب من النقل قبل الدفن الشفاعة، ودفع العذاب حاصل بعده لكن يشترط على ذلك أن لا يبلغ الميت حالةُ يلزم من نقله عليها هتكه ومثلته»(224).

أدلة القول بالجواز :

اولاً: رواية المفضل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) فقلت إني اشتاق إلى الغري، قال: «فما شوقك» قلت له: إني أحب أن أزور أمير المؤمنين (ع) قال: «فهل تعرف فضل زيارته» قلت لا يا بن رسول الله فعرفني ذلك، قال: إذا أردت زيارة أمير المؤمنين (ع) فاعلم انك زائر عظام آدم، وبدن نوح، وجسم علي ابن أبي طالب (ع)، قلت: إن آدم هبط بسرنديب(225) في مطلع الشمس، وزعموا أن عظامه في بيت الله الحرام فكيف صارت عظامه بالكوفة؟

قال: إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى نوح (ع) وهو في السفينة أن يطوف بالبيت أسبوعا فطاف بالبيت كما أوحى الله إليه، ثم نزل في الماء إلى ركبتيه، فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم، فحمل التابوت في جوف السفينة حتى طاف بالبيت ما شاء الله أن يطوف، ثم ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها، ففيها قال الله تعالى للأرض: ((ابْلَعِي مَاءكِ)) فبلعت ماءها من مسجد الكوفة، كما بدأ الماء من مسجدها. وتفرق الجمع الذي كان مع نوح في السفينة، فاخذ نوح التابوت فدفنه في الغري، وهو قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليماً فإذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالب (ع)» (226).

ثانياً: رواية الصدوق (ره): قال الإمام الصادق (ع): «إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى بن عمران (ع) ان أخرج عظام يوسف (ع) من مصر، ووعده طلوع القمر، فأبطأ طلوع القمر عليه فسأل عمن يعلم موضعه، فقيل له: ههنا عجوز تعلم علمه، فبعث إليها، فأتي بعجوز مقعدة عمياء، فقال: تعرفين قبر يوسف (ع) ؟ قالت: نعم، قال: فأخبريني بموضعه، قالت: لا أفعل حتى تعطيني خصالاً: تطلق رجلي، وتعيد إلي بصري وترد إلي شبابي، وتجعلني معك في الجنة، فكبر ذلك على موسى، فأوحى الله عز وجل إليه: إنما تعطي عليَّ فأعطها ما سألت، ففعل فدلته على قبر يوسف (ع) فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر، فلما أخرجه طلع القمر فحمله إلى الشام فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام» (227).

ثالثاً: السيرة :

أحصى الشيخ الأميني (ره) سبعون جثة نقلت ومن مختلف المذاهب الإسلامية من ملوك وعلماء وخلفاء وغيرهم إلى أماكن مقدسة ومشاهد مشرفة بعد دفنها كل حسب اعتقاد مذهبه(228).

وقد نقل الأساطين من الصلحاء بعد دفنهم إلى مشاهد المعصومين (ع) كما هو الحال في :

الشيخ المفيد: فانه دفن في داره مدة، ثم نقل إلى جوار الأماميين الكاظمين(229) (صلوات الله عليهما) .

2 ـ السيد المرتضى(ره) فانه دفن في داره مدة، ثم نقل إلى جوار الحسين(ع)(230).

3 ـ الشيخ البهائي: دفن في أصفهان ثم نقل إلى المشهد المقدس الرضوي على مشرفه السلام. وغيرهم من العلماء، هذا مع العلم أن النقل يوم ذاك لابد ان يكون بعلم من العلماء .

قال المحقق البحراني (ره): «الظاهر أن وقوع ذلك في تلك الأيام المملوءة بالعلماء الأعلام لا يكون إلا بتجويزهم وأذنهم» (231).

إلا أنه يرد تعارض روايات النقل المستدل بها على النقل بعد الدفن مع روايات أخرى منافية لها، والتعارض من جهتين:

الجهة الأولى: تعارض روايات نقل العظام مع روايات رفع الأنبياء والأوصياء من قبورهم التي دفنوا فيها وكما تدل عليه:

1 ـ رواية زياد بن أبي الحلال عن أبي عبد الله (ع) قال: «ما من نبي أو وصي نبي يبقى في الأرض بعد موته أكثر من ثلاثة أيام حتى يرفع روحه ولحمه وعظامه إلى السماء، وإنما تؤتى مواضع آثارهم من قريب»(232).

2 ـ رواية عطية الابزاري قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «لا تمكث جثة نبي ولا وصي في الأرض أكثر من أربعين يوماً» (233).

ففي الخبرين وجه منافاة لروايات نقل عظام آدم (ع) ونقل عظام يوسف (ع) أو ما ورد من نبش قبر الحسين (ع) فوجدوه في قبره وكذلك نبي الله شعيب بن صالح عندما حفروا قبراً له في الرصافة(234).

الجهة الثانية: تعارض روايات العظام مع روايات تحريم لحوم الأولياء من الدود ، كما في رواية الصدوق (ره)، عن الإمام الصادق: «إن الله تبارك وتعالى حرم لحومنا على الأرض تأكل منها شيئاً» (235).

ويمكن مناقشته بغض النظر عن صحة سند الروايات المذكورة، فانه يمكن الجمع العرفي بين دلالة الأحاديث التي يشم منها رائحة التعارض للوهلة الأولى :

الوجه الأول: ما ذكره المحدّث المجلسي (ره) من الجمع على أنحاء ثلاث :

النحو الأول: من رفع أجساد الأولياء ثم الرجوع إلى قبورهم كما ورد في بعض الأخبار «إن كل وصي يموت يلحق بنبيه ثم يرجع إلى مكانه» (236).

النحو الثاني: صدور مثل تلك الأخبار الدالة على الرفع لغرض التورية عن طمع الخوارج والنواصب الذين كانوا يريدون نبش قبورهم (ع)، وقد عزموا على ذلك فلم يتيسر لهم .

النحو الثالث: المراد من أخبار حمل العظام ونقلها، وهو نقل الصندوق المتشرف بعظامهم وجسدهم في ثلاثة أو أربعين يوماً.

الوجه الثاني: ما ذكره المحدِّث الكاشاني بعد التفريق بين الجسد العنصري: وهو الغليظ التي تكتسي به الروح موقتاً لإتمام المقاصد الربانية. والجسد البرزخي (المثالي) الروحاني: وهو الجسم اللطيف الرابط للنفس بالجسد احتمل أن يكون المرفوع من اللحم والجسد البرزخين (المثاليين) على اعتبار أن أبدانهم ليست إلا تلك الأجساد اللطيفة المثالية بدلالة رواية الإمام الصادق (ع): «إن الله تبارك وتعالى خلقنا من نور .... وخلق قلوب شيعتنا مما خلق منه أبداننا»(237).

فأبدانهم (ع) ليست إلا تلك الأجساد اللطيفة المثالية، وأما الأجساد العنصرية، فهي باقية في الأرض فيصيبها ما يصيب الأجساد الأخرى لأنها في الحقيقة أبدان الأبدان والتي دلت عليه إخراج عظام آدم أو يعقوب ونقلها ودفنها(238).

فالذي لا يمكث في الأرض ولا يأكله الدود هو الجسم البرزخي المثالي، لا العنصري المادي.

ولكن يمكن مناقشة ما أفاده الكاشاني (ره):

1 ـ إثبات اللحم والعظام ينطبق على الجسد العنصري، أما إثباته على الجسد المثالي مما لا قائل به لعدم إدراك ذلك العالم .

2 ـ ذكرت الأخبار حصول الأجساد المثالية حصولها لعامة الناس، أما الأنبياء والأوصياء فلم تتحدث الروايات عنهم.

الوجه الثالث: المحقق البحراني (ره) ذكر الوجه من نقل عظام آدم (ع) إلى الغري ويعقوب (ع) إلى الشام، وذلك بعد تقديم ما أفاده من رواية محمد بن مسلم عن احدهما (ع): «مَنْ خُلق من تربةٍ دُفن فيها»(239).

وهذا الوجه يصلح أن يكون دليلاً على وجه الحكمة من النقل لعظام آدم ويعقوب H إلى مناطق أخرى غير مناطق دفنهم فكأن تلك المناطق كانت بمثابة الإيداع على نحو الأمانة .

وهذا الوجه هو الدفن في الموضع الأصلي والمقر الحقيقي الذي أخذت منه الطينة استناداً لما هو المروي عن محمد بن مسلم عن احدهما(ع). قال الشهيد الثاني (ره) :

«ويجب حمل خبري عظام آدم ويعقوب H على الدفن في غير الموضع المشار إليه، فكأنه وقع على جهة الإيداع في هذا المكان لمصلحة لا نعلمها، والمقر الحقيقي إنما هو الموضع الذي أمر الله سبحانه بالنقل إليه»(240).

القول الثاني: المنع على نحو الحرمة (عدم جواز النقل)، وهو القول بالحرمة وعليه قول المشهور، كما أفاده الشهيد الثاني (ره): «وأما بعده ـ أي بعد الدفن ـ فيحرم إلى غير المشاهد اجماعاً واليها على المشهور» (241).

وممن وافق المشهور :

1 ـ الشيخ الطوسي (ره) فقال: «وإذا دفن في موضع فلا يجوز تحويله من موضعه، وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة (ع) سمعناها مذاكرة، والأصل ما قدمناه» (242).

2 ـ ابن إدريس (ره): «فان دفن في موضع فلا يجوز تحويله، ولا نبشه، ونقله من موضعه، سواء نقل إلى مشهد أو إلى غيره، بل ذلك بدعة في شريعة الإسلام» (243).

3 ـ العلامة الحلي (ره): «ولو دفن الميت لم يجز نقله وان كان إلى المشاهد لإطلاق تحريم النبش» (244).

4 ـ النجفي صاحب الجواهر (ره) حيث قال: «فلا ريب أن الأقوى العدم حينئذٍ، سيما إذا كان ذلك متضمناً لهتك حرمته ومثلته من خروج رائحته وقيح وتغير أحوال» (245).

5 ـ الفاضل الخراساني (ره) :بعد اعتراضه على روايات نقل آدم ويعقوب:

«إن وقوع ذلك في شرع من قبلنا لا يدل على جوازه في شرعنا» (246).

فأدلة المنع من حيث أقوال الفقهاء تكمن في أربع نقاط هي :

النقطة الأولى: البدعة، وهو ما صرح به ابن إدريس (ره) .

النقطة الثانية: النبش ومعقد الإجماع، وهو ما صرح به العلامة (ره) وهو أيضاً معقد إجماع(247) الفقهاء مضافاً إلى ما ذكرته كتب الأخبار على إقامة الحد على النبش وجعل حده كحد السرقة كما جاء في رواية حفص بن البختري قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «حد النّباش حد السارق» (248).

النقطة الثالثة: الهتك وهو ما صرح به صاحب الجواهر (ره) .

النقطة الرابعة: عدم صحة دليل شرع من قبلنا وهو ما صرح به الفاضل الخراساني (ره).

ويمكن مناقشة ما تقدم بـ :

أولاً: دليل المنع المتضمن للزوم البدعة، وكما أشار إليها ابن إدريس (ره)، فمناط قوله يصح لو لم يقم هناك دليل على النقل بالنسبة إلى المشاهد المشرفة وأدلة النقل كثيرة منها :

1. ما دل على جواز النقل إليهم قبل الدفن .

2. ما يستفاد من الروايات الدالة على حسن مجاورتهم والدفن في جوارهم بما يوكد التمسك بمن له أهلية الشفاعة .

3. مضافاً إلى الروايات المتقدمة والدالة على نقل موسى (ع) لعظام يوسف إلى الشام وآدم إلى الغري .

«كل هذه الأمور وان لم يستقل كل واحد فيها من حيث الدلالة فلا ريب أن اجتماعها كافٍ، خصوصاً مع عدم وضوح دليل التحريم أولاً وملاحظة وصية الميت ثانياً وإذا لم يلزم هتك وإيذاء للميت ثالثاً» (249).

ثانياً: وأما دليل الإجماع يمكن مناقشته من جهتين :

الجهة الأولى: إن الإجماع القائم على حرمة النبش هو إجماع مدركي وليس تعبدياً، وذلك لوجود الخلاف من بعض الفقهاء كصاحب جامع المقاصد وروض الجنان والمدارك(250).

وعنه قال صاحب التنقيح: «إن الإجماع على حرمة النبش ليس إجماعاً تعبدياً ولو في غير المقام، وإنما هو من اجل كون النبش، وكشف الميت بعد تغيره، ونتن رائحته اهانة له، وليس من جهة الإجماع التعبدي، على انه لا يمكن دعوى الإجماع في المقام مع ذهاب المحقق والشهيد الثانيين على الجواز»(251).

الجهة الثانية: قد أوعز العاملي (ره) في مداركه على أن الحرمة من جهة النبش خروج عن موضع النزاع، لان المراد من النقل بعد الدفن من حيث هو، من دون النظر إلى النبش. فقال (ره): «إنه خروج عن موضع النزاع، مع أن النبش قد يتحقق بغير فعل المكلف، أو بفعله خطأ أو نسياناً»(252).

هذا من جهة الإجماع، أما من جهة الروايات الدالة على أن حد النباش كحد السارق فإنها محمولة على ما يتعلق بسرقة الميت من كفن أو اعتداء مناف لحرمته بعد النبش كما جاء في رواية الجعفي قال: كنت عند أبي جعفر (ع)، وجاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش قبر امرأة، فسلبها ثيابها، ثم نكحها، فان الناس اختلفوا علينا: طائفة قالوا: أقتلوه، وطائفة قالوا: احرقوه، فكتبتُ إلى أبي جعفر (ع) فأجاب: «إن حرمة الميت كحرمة الحي تقطع يده لنبشه وسلب الثياب، ويقام عليه الحد في الزنا: إن أحصن رجم، وان لم يكن أحصن مائة جلدة»(253).

ثالثاً: أما دليل حرمة النقل من جراء هتك الحرمة كما أفاده صاحب الجواهر (ره) فيمكن دفعها بعد تصويرها من وجوه:

التصوير الأول: هتك حرمة الميت من جهة عفونة الجسد، وان لم تنتشر رائحته في الخارج.

التصوير الثاني: مع انتشار رائحته في الخارج .

وكلا التصورين لا يمكن المساعدة عليه، وسبب ذلك كما أفاده صاحب التنقيح (ره): «إن بقاء الميت مدة ينتن في تلك المدة، إنما يعد هتكاً إذا لم يقصد به النقل إلى مكان يناسبه، وإلا فهو كرامة للميت، واحترام له لدى العرف... ولا سيما إذا لم تظهر رائحته إلى الخارج، فان الميت ينتن لا محالة: إما تحت الأرض أو فوقها»(254).

مضافاً إلى أن خروج الرائحة محكوم بما له من مراتب يكون إيذاء النفس على غرارها استقصاها السيد السبزواري (ره) واستظهر عدم الممانعة من ذلك فيما نحن فيه: «الأذية لها مراتب متفاوتة، منها ما يصل إلى تلف النفس، ومنها ما يوجب حدوث مرض، ومنها ما يحدث ويزول بسرعة كحدوث الروائح المنتنة التي تأتي وتزول، والظاهر عدم شمول أدلة النقل للأوليين، وأما الأخيرة فلا مانع فيها من الشمول» (255).

رابعاً: وأما ما استدل به على جواز النقل بعد الدفن من نقل يوسف ليعقوبH أو عظام آدم (ع) إلى الغري فهو محمول على شرع من قبلنا، ولا يستلزم العمل به في شرعنا .

فجوابه: إن أحكام وسنن شرع من قبلنا هو احد الأدلة المذكورة في علم الأصول وله مصاديق متعددة ثابتة الأحكام في شرعنا منها :

أ. أصل تشريع الخمس: فانه كان في عهد شيخ الأنبياء إبراهيم، فقد روى السكوني عن أبي عبد الله: «وأول من اخرج الخمس إبراهيم»(256).

ب. جواز جعل إجارة الرجل نفسه مدة، وهو المحكي في آية القصص عن لسان موسى (ع) في تزويجه بابنة شعيب: ((قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ))(257).

 

مشروعية الطواف بالجنائز حول المشاهد المشرفة:

إن الطواف بالجنائز حول أضرحة المعصومين (ع) هو في الحقيقة تجديد عهد بوصية أو بارتكاز عقائدي من دون وصية مستندها ما عهد به الإمام الحسن (ع) لأخيه الحسين (ع) كما في رواية محمد بن مسلم: قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: «لما احتضر الحسن بن علي قال للحسين (ع) يا أخي إني أوصيك بوصية فأحفظها: فإذا أنا متُ فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله (ص) لأحدث به عهدا، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة (ع) ثم ردني وادفني بالبقيع» (258).

ورواية الشيخ المفيد في الإرشاد عن زياد المخارقي المصرحة بالقبر، عن زياد المخارقي قال: لما حضرت الحسن (ع) الوفاة استدعى الحسين بن علي H فقال له: «يا أخي إني مفارقك ولاحق بربي... فإذا قضيت نحبي فغمضني، وغسلني، وكفني، واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله (ص) لأجدد به عهدا، ثم ردني إلى قبر أمي فاطمة ... » (259).

فالمشروعية قائمة لهذا الأصل وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، ومنشؤه القصد والمحبة دون طواف البيت الحرام .

نعم وردت رواية ذكرها الشيخ الصدوق (ره) بعد تعداده جملة من المناهي منها عدم الطواف بالقبر، والرواية مروية عن الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: «لا تشرب وأنت قائم، ولاتطف بقبر... فانه من فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه»(260).

فإنّه وإن ورد في بعض الأخبار، المراد من الطواف بمعنى الحدث: أي التغوط(261)، بدليل السياق وقرينة قوله (ع) (ولا تبل) ولكن على الأخذ بمعناه المتبادر وهو الدوران حول القبر يمكن دفع محذور النهي بالرواية على فرض صحة صدورها بـ:

1 ـ أن يكون النهي عن الطواف بالعدد المخصوص الذي يطاف به حول الكعبة المشرفة سبعة أشواط .

2 ـ تخصيص قبر غير المعصوم (ع) .

3 ـ دلت الروايات على طواف بعض الأئمة (ع) كالجواد بقبر جده رسول الله (ص) كما في رواية الكليني (ره)(262) الدالة على مناظرة يحيى ابن أكثم للأمام بعد الطواف بقبر رسول الله (ص).

4 ـ الروايات الدالة والحاثة على تقبيل جوانب القبر، والتقبيل لا يكون إلا على طريق الالتفات والطواف حول القبر(263).

 

ـ المطلب الثاني: ارتياد غير المسلمين للعتبات المقدسة:

العتبات المقدسة بطابعها الديني، هي مجال اهتمام المسلمين من حيث إقامة الصلاة، والدعاء وتعظيم الشعائر فيها، وغيرها من المظاهر العبادية أو السلوكية، وقد حظيت هي الأخرى برغبة غير المسلمين من حيث ارتيادهم إليها وتفقدهم لفن عمارتها، والاطلاع على جمال نقوشها، أو ما حظيت به من تراث وآثار .

فهل لغير المسلمين وخصوصاً لأهل الكتاب ارتياد مثل هذه الأماكن، أم أنهم محكومون بالنجاسة فتشملهم أدلة حرمة الدخول .

وإذا كانت النصوص الروائية لها الدور الكبير في إلحاق حرمة دخول الجنب والحائض إلى المشاهد بالمسجد كما تقدم، فان النصوص في ارتياد غير المسلمين لبيوت المعصومين (ع) أو مشاهدهم مسكوت عنه بالجملة .

وغاية ما يمكن الاستدلال به هو قوله تعالى :

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ))(264).

وقد ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية المباركة :

إن نزول الآية كانت في السنة التاسعة للهجرة بعد حجة الوداع، وهي السنة التي نبذ فيها الحق سبحانه براءة المشركين، وان المراد من المسجد الحرام: الحرم كله، والمراد من النجس: هو المستقذر من كل شيء، ويقع على الذكر والأنثى(265) والمشرك هو الكافر(266). وذكر أهل اللغة إن معنى الشرك: أن يجعل لله شريكاً في ربوبيته(267).

ومنه يتبين اختصاص الموضوع وعلة الحكم بالمسجد الحرام، فهل يوجب تعدية الحكم للمساجد عامة وشمول المشاهد المشرفة أيضاً ؟

فلغرض بيان الصفة الشرعية من حرمة ارتياد أهل الكتاب أم حليتها للعتبات المقدسة، ينبغي تنقيح البحث وفق فروع ثلاثة، تكون بمثابة أدلة حرمة ارتياد غير المسلمين للعتبات المقدسة مع مناقشة تلك الأدلة.

الفرع الأول: في توسعة دائرة الموضوع ـ المشرك ـ ليشمل أهل الكتاب .

توسع الفقهاء في المراد بالمشركين الوارد ذكرهم في الآية الكريمة ((إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)) وخصوصاً القدامى منهم فأدخلوا فيه اليهود والنصارى، وعدم الاقتصار على عبدة الأوثان لأنهم جعلوا لله ندا واتخذوا من دونه أرباباً، أو منكر وجود الصانع وخالق العالم، لذا كان شمول أهل الكتاب بنفس أحكام المشرك ومنها دخول المسجد .

قال شيخ الطائفة (ره): «لا يجوز للمشركين دخول المسجد الحرام ولا شيء من المساجد لا بإذن ولا بغير إذن» (268).

ومثله عن أهل الذمة «ولا يجوز أن يمكَّن احدٌ من أهل الذمة أن يدخل الحرم بحال لا مجتازاً ولا لحاجة ودليلنا قوله تعالى ((إِنَّمَا الـمُشْرِكُونَ نَجَسٌ))» (269).

وقد استدل الفقهاء على منع أهل الكتاب بالإضافة إلى آية: ((إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)) الدالة على نجاسة هذه المجموعة من البشر بالحصر، وذلك لأنهم جعلوا لله شركةً في ربوبيته بالأدلة الآتية :

اولاً: الآيات القرآنية :

قوله تعالى: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقَالَتْ النَّصَارَى الـمَسِيحُ ابْنُ الله ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لا إِلَـهَ إِلّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ))(270).

فهي دالة على عقيدتهم في الشركة مع الحق سبحانه باتخاذهم عزيرا، والمسيح، والأحبار، والرهبان أرباباً من دون الله، وتنزّه الحق بآخر الآية بقوله تعالى: ((سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) عن هذه الشركة .

وقد أشار إلى هذه التوسعة فأدخل أهل الكتاب العلامة الحلي (ره) في كلامه عن حرمة نكاح المشركات حتى يؤمنّ بآية الأرباب ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً ... )) فسماهم مشركين .

«والإشراك كما يتحقق بإثبات اله آخر مع الله تعالى، يتحقق بإثبات اله غير الله تعالى ونفيه تعالى» (271).

وهذا القول صريح من سبقه (ره)، فقد صرح السيد المرتضى (ره) بقوله: «ولا شبهة في أن النصرانية مشركة» (272). وكذلك الشيخ الطوسي (ره) إذ قال: «ولا يجوز للرجل المسلم أن يعقد على المشركات على اختلاف أصنافهن يهودية كانت، أو نصرانية، أو عابدة وثن» (273).

ثانياً: الروايات الدالة على نجاسة أهل الكتاب ومنها :

1 ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع): أنه سأله عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس لا يدري لمن كان هل يصلح الصلاة فيه ؟ قال: «إن اشتراه من مسلم فليصل فيه، وان اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله» (274).

وفيها دلالة على عدم الصلاة بالثوب المشترى من قبلهم ربما للرطوبة المسراة من أيديهم إثناء نقل الثوب .

2 ـ حسنة سعيد الأعرج(275) انه سأل أبا عبد الله (ع) عن سؤر اليهودي والنصراني فقال: «لا» (276).

3 ـ صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (ع) عن آنية أهل الذمة والمجوس، فقال: «لا تأكلوا في آنيتهم ولا في طعامهم الذي يطبخون، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر»(277). ففي النهي تصريح عن الابتعاد عن آنيتهم اكلاً وشرباً وما هذا إلا بسبب نجاستهم .

هذه أهم الأدلة التي استدل بها الفقهاء على نجاسة أهل الكتاب وجعلهم كحال المشركين بالمعنى الأخص .

مناقشة الأدلة :

للرد على القول بنجاسة أهل الكتاب التزم الفقهاء، ولا سيما المتأخرون منهم القول بطهارة أهل الكتاب، وناقشوا القول بالنجاسة .

فقد استشكل المحقق الاردبيلي (قده) على القول بنجاسة أهل الكتاب من دليل الآية: ((إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)) بقوله: «دلالة على الكل، موقوف على إثبات كونهم جميعاً مشركين، وهو لا يخلو من إشكال» (278).

ووجه الإشكال هو دفع ما ذكروه من أدلة :

أدلة القول بطهارة أهل الكتاب: ويكمن ذلك في :

اولاً: جواب التوسعة وشمول أهل الكتاب مع المشركين من خلال آية ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً ... )).

فان المراد به في الآية المباركة ـ والله العالم ـ إطاعة أوامرهم ونواهيهم لا جعلهم آلهة، وإلى هذا المعنى أشار صاحب المدارك (ره): «المتبادر من معنى المشرك من اعتقد الهاً مع الله، وليس المراد من اتخاذهم ارباباً من دون الله هذا المعنى بل معنى امتثالهم أو أمرهم ونواهيهم» (279).

واستدل على ذلك الفهم برواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عن قول الله عزوجل: ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله)) فقال: «أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم، ولكن احلوا لهم حراماً، وحرّموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون» (280).

ورواية ابن أبي عمير: عن أبي عبد الله (ع): «من أطاع رجلاً في معصية فقد عبده» (281).

فعليه لا يكون الشرك هذا بالمعنى الحقيقي أي جعل الشركة في ربوبيته أي العدول به إلى غيره، بل صاروا مشركين بطاعتهم لغيره، وليس أنهم آمنوا بالله وأشركوا بغيره، بل عبدوا الله وعبدوا معهم غيره فصاروا بذلك مشركين، وهي الشركة في العبادة لا الربوبية أو الخالقية. فإطلاق الشرك على نحو المجاز لا الحقيقة ويمكن بيان ذلك لغة واطلاقاً :

أ. من حيث اللغة :

فقد ذكر أهل اللغة من خصائص العطف بـ (الواو) إفادته للمغايرة، وقد جاء القرآن الكريم بالعديد من الآيات بهذا الشأن ومنها :

1 ـ قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالـمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا))(282).

2 ـ قوله تعالى: ((لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالـمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ))(283).

3 ـ قوله تعالى: ((وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً))(284).

وجعل بعض الفقهاء دليل العطف والدال على المغايرة من المؤيدات. قال صاحب الجواهر (ره): فإن «المتبادر من الشرك في إطلاق الشرع غير أهل الكتاب، كما يؤيده عطف المشركين على أهل الكتاب، وبالعكس في كثير من الآيات، وهذا لا ينافي أن في اعتقادهم ما يوجب الشرك، إذ ليس الغرض نفي الشرك، بل عدم تبادره من إطلاق لفظ المشرك» (285).

(ب). من حيث الإطلاق :

فقد ورد في تفسير الآية: ((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ))(286)، عن أبي عبد الله (ع) قال: «شرك طاعة وليس شرك عباده» (287).

وقوله تعالى: ((وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أوليائهم لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ))(288).

حيث قرن أكل ذبائح أهل الكتاب لعدم التسمية عليها بالشرك بالنسبة إلى المسلمين فضلاً عن إطلاق الشرك على المرآئي، وأدنى مراتب الطاعة، فان هذا الإطلاق يوحي إلى الشرك المجازي لا الحقيقي .

وأفاد ذلك السيد الحكيم (ره) في وجه ذلك: «إن نسبة الإشراك إليهم ليست على الحقيقة، فان ذلك خلاف الآيات والروايات، وخلاف المفهوم منها عند المتشرعة والعرف، فيتعين حمله على التجوز في الإسناد» (289).

ثانياً: النصوص الدالة على طهارة أهل الكتاب :

(أ) الآيات القرآنية :

مثل قوله تعالى: ((الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ... ))(290). فانه يمكن الإطلاق على جميع الطعام. ولكن أشكل عليه، أن المراد بطعام أهل الكتاب: هو الحبوب دون السؤر وما باشروه بأجسامهم(291).

وقد أجيب عنه: «وتخصيصه بالحبوب ونحوها مخالف للظاهر، لاندراجها في الطيبات، ولان ما بعده وهو ((وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ)) شامل للجميع قطعاً، ولانتفاء الفائدة في تخصيص أهل الكتاب بالذكر، فان سائر الكفار كذلك» (292) .

(ب) الروايات :

1 ـ صحيحة العيص بن القاسم أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن مواكلة اليهودي والنصراني، فقال: «لا بأس إذا كان من طعامك» (293).

2 ـ صحيحة علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر، عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء، يتوضأ منه للصلاة ؟ قال: «لا، إلا أن يضطر إليه» (294). فلو كان نجساً لم يجز حتى في الاضطرار .

3 ـ صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا (ع): الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية، لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة ؟ قال: «لا بأس تغسل يديها» (295).

مضافاً إلى عدة روايات منها ما تضمنت لبس ملابسهم من دون غسل أو جواز الأكل من آنيتهم، والوضوء من سؤرهم والشرب من آنيتهم، وقد عقد الحر العاملي عدة أبواب(296) في هذا الجانب.

فالتعارض بين الروايات القائلة بالنجاسة والطهارة تحمل على :

اولاً: الحمل على التقية: وذلك لان أهل الخلاف يقولون بطهارتهم .

ثانياً: الحمل على الاضطرار: كما تدل عليه صحيحة علي بن جعفر المتقدمة .

ثالثاً: الحمل على الكراهة: جمعاً بين روايات الطهارة والنجاسة ويشهد للثالث:

1 ـ مطابقته للأصل(297)ـ قاعدة الطهارة ـ كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر، فيكون طرفها أرجح .

2 ـ إطلاق النهي عن الصلاة في الثوب قبل الغسل كما في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة .

3 ـ خصوص صحيحة إسماعيل بن جابر الدالة صراحة على التنزه ـ الكراهة ـ قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ فقال: لا تأكله، ثم سكت هنيئة، ثم قال: لا تأكله، ثم سكت هنيئة، ثم قال: لا تأكله ولا تتركه تقول: إنه حرام، ولكنه تتركه تنزها عنه، إن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير» (298).

والإنصاف يقتضي تقديم أخبار الطهارة لان فيها الجمع الدلالي بين الطائفتين، وإعراض المشهور لا يوجب وهنها، كإعراضهم عن أخبار طهارة ماء البئر، وموافقتها للعامة، لا توجب حملها على التقية، بعد عدم ثبوت التعارض بينها وبين أخبار النجاسة التي يستكشف من أخبار الطهارة أن نجاستهم عرضية، والاجتناب عنهم من باب التنزه .

فيظهر أن أخبار الطهارة التي هي أكثر صحة، واظهر دلالة، على أن يكون حمل أخبار النجاسة على النجاسة العرضية مع وجود الخمر والخنزير عندهم، ولا اقل الحمل على الكراهة.

الفرع الثاني: في توسعة علة الحكم ـ النَجَسْ ـ ليشمل الطهارة الذاتية المتمثلة بأجسامهم فضلاً عن العرضية .

لتحديد هذا المعنى للمفهوم ينبغي معرفته لغة واصطلاحاً :

النجاسة لغة: مأخوذ من النجس، وجمعها أنجاس، وهي القذارة، والنجس ـ بالفتح والكسر ـ القذر من الناس، ومن كل شيء قذرته(299).

فمعناها عام يشمل ما كان حسياً أو باطنياً قال الراغب: «إن النجاسة والنجس يطلقان على كل قذارة على نوعين: قذارة حسية، وقذارة باطنية» (300).

النجاسة اصطلاحاً: ولغرض بيان معنى النجاسة، فان للفقهاء ثلاثة مفاهيم وهي :

1 ـ النجاسة الذاتية: وهي «النجاسة غير العارضة، بل في ذات الشيء نفسه»(301) مثل الكلب، والخنزير، والبول والدم وسائر الأعيان النجسة ويدخل تحتها أهل الكتاب.

2 ـ النجاسة العرضية: وهي «النجاسة التي تمت بتنجيس الشيء»(302) وتسمى المتنجس، كنجاسة الثوب بعروض البول عليه .

3 ـ النجاسة الـحُكمية: وهي «النجاسة الباقية بعد إزالة العين كالجنابة والمحدث بالأصغر»(303) ومثلها نجاسة الكتابي من جهة قذارة النفس وخباثتها .

والنجاسة باصطلاح الفقهاء إذا أطلقت أريد بها المعنى الثاني، فعليه ولغرض شمول أهل الكتاب ينبغي توسعة هذا المفهوم ليشمل المعنى اللغوي الدال على كل مستقذر، لان النسبة بين المعنيين عموم من وجه ويفترقان في كتابي متطهر لا يحمل النجاسة العرضية .

ولغرض التوسعة في معناها اللغوي الشمولي، استشكل عليها بإشكالين مهمين :

الإشكال الأول: «إن النجس ـ بفتح الجيم ـ مصدر، ولا يحمل المصدر على الذات إلا بتقدير (ذو) فيكون معنى الآية بناءً على هذا أن المشركين ذو نجاسة، ومن هذا لا يستفاد أنها نجاسة ذاتية» (304).

الإشكال الثاني: ثبوت إرادة المعنى الاصطلاحي من لفظ ـ نجس ـ في زمن الخطاب على نحو الحقيقة الشرعية، وذلك من خلال: إن نزول الآية المباركة كانت في السنة التاسعة للهجرة، وفي هذه المدة قد ثبت للكثير من الأحكام حقائقها الشرعية كالصلاة والصيام ومن جملتها النجاسة بمعناها المصطلح عليه اليوم. قال الكلبايكاني: «إن استعمال لفظ النجاسة في المعنى المصطلح عليه كان منذ زمن النبي الأعظم بنحو الحقيقة الشرعية، كما أن الطهارة كذلك، فمتى ورد حكم من الأحكام المرتبطة بها استفيد منها هذا المعنى، اعني الطهارة الشرعية» (305).

وتظهر ثمرة الإشكالين في أن حمل المصدر على الذات بالواسطة، وثبوت الحقيقة الشرعية للنجاسة ينصرف إطلاق هذا اللفظ إلى معنى النجاسة المصطلحة وهي ما تقابل الطهارة فلا تشمل نجاسة الكتابي الذاتية، وخصوصاً إذا لم يكن حاملاً للنجاسة العرضية .

ويمكن الإجابة عن الإشكالين :

أما جواب الإشكال الأول: وهو عدم حمل المصدر عن الذات ... فيجاب عنه بـ :

(1) صحة حمل المصدر على العين، وهو ما ذهب إليه العلامة (ره) بالمعتبر، من صحة حمل المصدر على العين مبالغة(306)، كما تقول «زيدٌ عدل» .

(2) ما ذكره أهل اللغة من أن النجس بالفتح مثلما يأتي مصدراً يأتي وصفاً(307) فيصح حمله على العين حقيقة لا مجازاً، وعنه قال السيد الحكيم (ره): «ولو سُلّم أن المراد ذو نجاسة، أمكن الاستدلال على النجاسة الذاتية، إذ النجاسة العرضية إنما تكون بملاقاة الأعيان النجسة مع عدم استعمال المطهّر، فإطلاق كونهم ذا نجاسة عرضية إنما تكون بملاقاة الأعيان النجسة مع عدم استعمال المطهّر، وأما إطلاق كونهم ذا نجاسة حتى مع عدم ملاقاة الأعيان النجسة، ومع استعمال المطهر يدل على كون النجاسة ذاتية بالالتزام» (308).

وأما جواب الإشكال الثاني: وهو أن المراد من النجاسة هي المصطلحة الشرعية وذلك لثبوت الحقيقة الشرعية لها فيمكن جوابه بـ :

(1) رجوع الفهم الخطابي إلى العرف: وذلك أن الخطابات الشرعية في فهمها لم يخترع الشارع طريقاً خاصاً لترجمتها وفهمها، إلا عند مورد البيان فيوضح ما يريد بيانه، وفهم مفهوم النجاسة من هذا المورد .

قال السيد البجنوردي (ره): «المعنى العرفي للفظ النجس هو القذارة، فلابد أن يحمل على قذارة النفس وخباثتها لا قذارة البدن، لأنه ليس في أبدانهم قذارة أزيد مما في أبدان المسلمين» (309).

(2) المعاني التدريجية لا تنافي المعنى المصطلح، فانه بعد التنزل والقول بان المراد من النجس هو ما اصطلح عليه بالحقيقة الشرعية ولكن في مورد الآية غيرهُ للتدرج في الأحكام وفهمها .

وقد أوضح السيد الخوئي (ره) هذا ببيان: «إن النجس عند المتشرعة وان كان بالمعنى المصطلح عليه إلا أنه لم يثبت كونه بهذا المعنى في الآية المباركة، لجواز أن لا تثبت النجاسة ـ بهذا المعنى الاصطلاحي ـ على شيء من الأعيان النجسة في زمان نزول الآية أصلاً، وذلك للتدرج في بيان الأحكام، بل الظاهر انه في الآية المباركة بالمعنى اللغوي، وهو القذارة، وأي قذارة أعظم من قذارة الشرك ؟ وهذا المعنى هو المناسب للمنع عن قربهم من المسجد الحرام» (310).

ويستفاد من كلامه (ره) أمران :

الأمر الأول: مفهوم القول بالنجاسة المصطلحة لا يمنع من دخول الكافر والمشرك للمسجد الحرام خصوصاً مع عدم الهتك .

الأمر الثاني: مفهوم القول بالنجاسة اللغوية ـ القذارة ـ وهي الكفر تحتم عدم الدخول لان إعلان الكفر هو إعلان العداوة فكيف يسمح صاحب البيت بدخول عدوه .

التحقيق في هذا الموضوع: لو سُلّم أن المراد بالنجس المعنى المصطلح عليه عند الفقهاء أو الأعم من ذلك، لكن اللازم من ذلك نجاسة المشرك خاصة، وهو أخص من المدعى، إذ من المعلوم أن من أفراد الكافر ما ليس بمشرك قطعاً، فلا يصح لإثبات الحكم على وجه العموم(311).

وبهذا يتضح أن نجاسة المشركين تحمل على نجاستهم الذاتية، سواء لشخصهم، أو خبث عقيدتهم، فضلاً عن النجاسة في مصطلح الفقهاء. ولكن لما كان لمفهوم (النجاسة) مصاديق متعددة، كان الحمل على ذلك الإطلاق محل تأمل وهذا ما أشار إليه الشيخ الشيرازي في تفسيره .

«ان كلمة نجس تستعمل في موارد كثيرة ـ حتى فيما لا مفهوم للنجاسة الظاهرية فيه ـ فمثلاً يسمي العرب الأمراض الصعبة المزمنة، أو التي لا علاج لها بـ(النجس)، كما يطلق على الشخص الشرير، أو الساقط خلقياً، أو الشيخ الهرم أنه نجس، ومن هنا يتضح أنه مع ملاحظة ما جاء في الآية ـ محل بحث ـ لا يمكن الحكم بان إطلاق كلمة النجس على المشركين تعني أن أجسامهم قذرة كقذارة البول والدم والخمر وما إلى ذلك، أو لعقيدتهم الوثنية، فهي قذارة باطنية، ومن هنا لا يمكن الاستدلال بهذه الآية على نجاسة الكفار» (312).

فعليه يبقى مجال النجاسة في الآية الكريمة سواء على النجاسة الذاتية المتمثلة بأعيانهم الشخصية أو خبث نفوسهم مجـال تأمل عنـد العلماء ، نعم يبقى الإشكال قائما على حرمـة الدخـول من جهة عدم اغتسالهم من الجنابة ، أو الحيض ، ومن شرائط الدخول والمكث الاغتسال، ولكن مع هذا السيرة قائمة على خلاف ذلك كما سيأتي .

 

الفرع الثالث: التوسع في وحدة الحكم:

وتكمن تلك التوسعة في وحدة الحكم، ضمن شمول حرمة دخول المشركين مطلق المساجد مضافا إليها المشاهد المشرفة لا المسجد الحرام، وقد استدل الفقهاء على هذه التوسعة بـ :

(1) الآيات. (2) الروايات. (3) الإجماع .

1 ـ الآيات :

إن آية: ((إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ... ))(313). يمكن التوسعة من خلالها لوحدة الحكم، وفق أسلوبين :

الأسلوب الأول: جعلها صغرى لكبرى كلية وهي مرسلة الأصحاب(314) عن النبي (ص): «جنبوا مساجدكم النجاسة» (315).

حيث استدل بها الشيخ الطوسي (ره): «وإذا ثبتت نجاستهم فلا يجوز أن يدخلوا شيئاً من المساجد، لأنه لا خلاف في أن المساجد يجب أن تجنّب من النجاسات» (316).

ومن هنا، احتمل صاحب الجواهر (ره)، إلحاق حرم الأئمة (ع) بالمساجد، والمسجد الحرام عند تعليقه على حرمة دخول الكفار الحرم فقال: «ويحتمل إلحاق حرم الأئمة (ع) بذلك، فضلاً عن الحضرات المشرفة والصحن» (317).

الأسلوب الثاني: الاشتراك بوحدة الملاك: وهي التعظيم وجعل ذلك التعظيم انطلاقاً من تعظيم شعائر الله، ولما في المنع من الإذلال لهم، فان الآية وان وردت في المسجد الحرام لكن المورد لا يخصص الوارد، خصوصاً مع وجود جهة الاشتراك .

واليه أشار صاحب الجواهر (ره): «... مضافاً إلى ما يستفاد من التفريع في الآية المفيد للاشتراك بينه وبين غيره من المساجد أيضاً خصوصاً مسجد النبي (ص) وغيره من المساجد ضرورة اعتبار التعظيم فيها اجمع» (318).

وخلاصة القول: «إن المنزلة الرفيعة للمسجد هي ملاك حكم حرمة الدخول، وهذا الملاك ثابت في جميع المساجد» (319).

2 ـ الروايات:

(1) روايـة الراوندي عـن موسى بن جعفر ، عن آبائه (ع) قـال : «قـال رسول الله(ص): ليمنعن أحدكم مساجدكم يهودكم، ونصارا كم، وصبيانكم، ومجانينكم، أو ليمسخنكم الله تعالى قردةً وخنازير ركعاً وسجداً... » (320).

وقد وردت الرواية ايضاً في دعائم الإسلام(321) بتغيير بسيط في بعض كلماتها، وعليها وسَّع الشيخ اغا ضياء الدين العراقي (ره) هذا المنع ليشمل حرم النبي (ص) والأئمة (ع) بتنقيح المناط فقال: «وتنقيح المناط يقتضي إلحاق حرم النبي (ص) وبقية الأئمة (ع) بل المشاهد المعظّمة وحرم الزهراء سلام الله عليها» (322).

والرواية لغرض التوسع في وحدة الحكم، وشمول الحرمة لمنع دخول اليهود والنصارى المسجد بصورة عامة، ينبغي التنبيه على نقطة مهمة وهي: أن الرواية ذكرت الأشخاص الممنوعين وكان من ضمنهم الصبيان، ومن المعلوم انه لا دليل على حرمة دخولهم. نعم، إن صح فهو يدل على الكراهة، فيكون لازم ذلك كراهة دخول أهل الكتاب فلا تصلح دليلاً على المنع.

ولكن قد تنبه صاحب الحدائق (ره) إلى هذه اللفتة، وصرح بعدم مانعية اللفظ الواحد في دلالته من نفس الرواية على الحرمة والكراهة فتكون الحرمة حينئذ على نحو الحقيقة بشأن دخول اهل الكتاب والكراهة على نحو المجاز بشأن الصبيان فقال: «فما ورد في الخبرين من إضافة المجانيين والصبيان محمول على الكراهة ... ويكون النهي هنا مستعملاً في التحريم والكراهة» (323).

(2) رواية قوله (ص): «جنبوا مساجدكم النجاسة» (324)، فالأمر يدل على الوجوب بقرينة ثبوت النجاسة على المشركين .

3 ـ الإجماع:

وهو ما حكاه صاحب المسالك فضلاً عن غيره «لا يجوز دخول الذمي المسجد بإجماع الأمامية» (325).

وان ورد التصريح عن الإجماع بلفظ عندنا، كما أشار إليه المحقق الحلي: «وأما المساجد: فلا يجوز أن يدخل المسجد الحرام اجماعاً ولا غيره من المساجد عندنا» (326).

هذه أهم الأدلة التي استدل بها على حرمة دخول أهل الكتاب إلى المساجد، وذلك من خلال توسعة مناط الحكم آيةً وروايةً وإجماعاً ولكن يمكن مناقشة هذه الأدلة :

أولاً: الآيات نوقشت من وجوه :

الوجه الأول: خصوصية المسجد الحرام دون غيره من حيث الغايات، ووجه هذه الخصوصية أن للمشركين غايات خاصة تخريبية، يقصدون بها المسجد الحرام في أيام الأعياد، والمناسبات ليؤدوها، فالظاهر أن المنع كان من هذه الجهة .

قال بعض الفقهاء: «إن للمشركين عناية خاصة بالمسجد الحرام، فهم يقدمون إليه كل عام أيام الموسم ليؤدوا مراسيمهم الوثنية، وأعمال الحج الجاهلية غير التوحيدية في مركز التوحيد الإلوهية(327) ((وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً))(328).

الوجه الثاني: خصوصية المسجد الحرام من حيث الأحكام، وشموله بأحكام دون المساجد، مثل ما ذكره صاحب الوسائل(329) من باب جواز مرور الجنب والحائض في المساجد إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص)، فلعل المنع من دخول الكفار له الخصوصية دون غيره .

الوجه الثالث: خصوصية المسجد الحرام من حيث المساحة، فان إطلاق لفظ (المسجد) في الآية وان كان يراد بها المسجد الحرام، إلا انه يطلق على الحرم ايضاً، بدليل آية الإسراء فان النبي (ص) اسري به من بيت أم هاني وعبر عنه القرآن الكريم: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى))(330).

فعليه تسرية وحدة الحكم إلى المساجد الأخرى موضع إشكال، وعلى هذا منع الشيخ(331) عدم جواز دخولهم الحرم لا اجتيازاً ولا استيطاناً، واختاره الفاضل الهندي(332) وغيره(333).

الوجه الرابع: إن منع دخول الكفار مطلق المساجد لغرض التعظيم للمسجد وعدم الهتك والإذلال للكافر صحيح، ولكن ليس في كل الموارد، فان هناك من الموارد يسمح بها لغرض المناظرة والاطلاع عن قرب على معالم المسلمين وأحكامهم.

«إن دخول الكفار المسجد، لابد أن يرافقه دافع مقبول شرعاً بالدرجة الأساس كالوقوف على المعارف الإسلامية، سماع الوحي الإلهي، التعرف على آداب المسلمين وشعاراتهم وطقوسهم العبادية، أو دافع عقلائي من قبيل مشاهدة آثار الحضارة الإسلامية وفنونها العمرانية» (334). مع مراعاة شؤون المسجد وحفظ حرمته بكل أشكال الحرمة، والتحلي بكل الآداب .

ومن هنا استضعف العلامة المجلسي قول عدم جواز دخلوهم من الآية: «فلا يقربوا المسجد الحرام...» استدل على عدم جواز إدخال النجاسة المسجد الحرام، وهو غير بعيد للتفريع، وان أمكن المناقشة فيه، وأما الاستدلال به على عدم جواز دخولهم شيئاً من المساجد فهو ضعيف» (335).

ثانياً: الروايات:

ويمكن مناقشة رواية «ليمنعن أحدكم مساجدكم ونصارا كم...» من حيث ضعفها سنداً ودلالة، أما السند: فالرواية ضعيفة، ويكفي في ضعفها إنها لم ترد في الكتب المعتبرة من كتب الحديث .

وأما الدلالة :

1 ـ إن مسألة استعمال اللفظ في أكثر من معنى لما يتعرض لها علماء الأصول ومحققوهم يصرحوا بعدم الجواز، وقد ذكر صاحب الكفاية (ره) أوجه الاختلاف في جواز استعمال اللفظ، واستظهر عدم جواز الاستعمال في الأكثر عقلاً: «امتناع استعمال اللفظ مطلقاً ـ مفرداً كان أو غيره ـ في أكثر من معنى بنحو الحقيقة أو المجاز»(336).

2 ـ إن السيرة حاكية خلاف الدليل فان كتب الأخبار والسير(337) دلت على دخول اليهود والنصارى مسجـد المدينة والكوفـة ، ودارت بينهم المحاججات الدينية، والمطارحات العقائدية، ولم يدل هناك منع من النبي (ص) أو الأئمة (ع)، بل محاججته(ص) لوفد نجران كان في السنة العاشرة للهجرة بعد نزول آية: ((إِنَّمَا الْـمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْـمَسْجِدَ الْـحَرَامَ)).

ثالثاً: أما الإجماع يكفي في ضعفه أنه مدركي فانه وإن ذكره صاحب المسالك، فلم يذكره الشيخ الطوسي لا سيما في الخلاف عند احتجاجه بالإجماع، ولم يتعرض اغلب قدماء الفقهاء لهذه المسألة .

نعم ما احتمله صاحب الجواهر (ره) استثنى عنه، وذلك للسيرة الحاكية عن دخول أهل الكتاب مساجد وبلدان المسلمين بقوله: «ولكن السيرة على دخولهم بلدانهم» (338).

وأما إلحاق أغا ضياء الدين العراقي (ره) بتنقيح المناط ففيه وجه تأمل، خصوصاً بعد معرفة خصوصيات الحرم المكي عن غيره من بعض الأحكام كعدم الدخول إليه إلا محرماً وحرمة قطع أشجاره وغيرها(339).

فتحصل: أن أدلة حرمة دخول أهل الكتاب إلى المسجد أو المشاهد المشرفة ليس لديها القابلية في إعطاء الصفة الشرعية، من حيث حرمة الارتياد، والدخول، والتفقد للمساجد، والمشاهد المشرفة. وعليه يبقى دليل الحرمة غير معتبر، لما وردت عليه من الإشكاليات، وينبغي التنبيه أيضاً إلى أن دخول أهل اليهود والنصارى إلى تلك الأماكن المقدسة ليس في كل الأحوال والأزمان، بل دخولهم مرهون لما فيه اولاً: عدم الهتك. وثانياً: لتعظيم وتقوية شوكة الإسلام والمسلمين .

فالقول على نحو الإطلاق بالنسبة إلى الدخول بمنزلة دخول النجاسة هتكاً ترجيح بلا مُرجّح وعلى القول ببعض الخصوصيات ينبغي مراعاة حرمة الدخول في كل الأحوال.

 

ـ المطلب الثالث: أحكام متفرقة:

الحكم الأول: حكم رفع الصوت داخل المشاهد المشرفة .

نصَّ كثير من العلماء على أن من أدبيات دخول الحرم المطهّر للمعصومين (ع) زيارتهم وقراءة الزيارات المخصوصة لهم، والدعاء والأذان وقراءة القرآن عندهم على شكل مجاميع او بشكل فردي، وفي الشكل الأول تكون موجبة لرفع الصوت، هذا التصعيد بالصوت هل له مستند شرعي من الجواز؟ أم تشمله أدلة الحرمة ؟

اما رفع الصوت بلا ضرورة فيندرج عند نهي الآية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ))(340).

لقد كانت هذه الآية المباركة مجال بحث عند المفسرين والعلماء، حول ثبوت الحكم بالمنع من رفع الصوت حال حياته (ص) فقط، أو الأعم من ذلك فيكون شاملاً للمنع حتى بعد وفاته وكذلك في تسرية حكمها للائمة من أهل بيته (ع)؟ ولإيضاح ذلك نتساءل ما هو المراد من رفع الصوت ؟

(1) هل المراد المعنى الحقيقي: وهو الرفع الدال على عدم الاحترام، أو قلة الاحتشام على عكس خفض الصوت الدال على التوقير والتعظيم .

(2) أو المراد المعنى المجازي: وهو كثرة الكلام بحضرته .

والظاهر من المفسرين هو المعنى الأول، وقد أشار صاحب الميزان (ره) إلى ذلك فقال المراد بالرفع «أن تكون أصواتهم عند مخاطبته وتكليمه (ص) أرفع من صوته وأجهر» (341).

وقبله ذهب إلى ذلك القرطبي فقال إن الآية تشمل على «الأمر بتعظيم رسول الله (ص) وتوقيره، وخفض الصوت بحضرته، وعند مخاطبته ... لا أن تغمروا بلغطكم، وتسهروا منطقه بصخبكم» (342).

وتعليل النهي الوارد بعدم رفع الصوت انه موجب: أما الاستخفاف به أو سوء الأدب له (ص) مما يؤدي إلى إيذائه فقد ذكر المفسرون ومنهم الطبرسي (ره) عند تفسير قوله تعالى: ((لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)) أن علة النهي «لان فيه احد شيئين: إما نوع الاستخفاف به فهو الكفر، وإما سوء الأدب وكلاهما خلاف التعظيم المأمور به» (343).

ووجه صاحب الميزان (ره) الآية قال: «وقد توجه الآية أيضاً بالبناء على اختصاص الحبط بالكفر، بأن رفع الصوت فوق صوت النبي (ص)، والجهر له بالقول ليسا بمحبطين من حيث أنفسهما، بل من حيث أدائهما احياناً إلى إيذائه، وإيذائه كفر محبط للعمل» (344).

ومثله قال ابن كثير: «أي أنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده، خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه، فيحبط عمل من أغضبه، وهو لا يدري»(345).

وهذا التوجيه للآية من حيث رفع الصوت الموجب للاستخفاف وسوء الأدب الدالين على الغضب والذي به يحبط العمل ويؤدي به إلى الكفر كما شأنه في الحياة كذلك بعد الممات ؟

واستدل على ذلك :

اولاً: بما روي «إن حرمتهم بعد الموت كحرمتهم في حياتهم» (346).

وقد أفيد منها الكثير من أحكام الإلحاق مثل: المنع من دخول الجنب مشاهدهم (ع) لما ورد من حرمة دخول الجنب بيوت الأنبياء ومساجدهم، ولما ثبت أن الإمام مثل النبي، إلا ما خرج بالدليل، مثل النبوة والزواج(347).

ثانياً: لما استشهد الإمام الحسن بن علي H وجيء بجثمانه الطاهر إلى قبر رسول الله (ص) ظن بنو أمية أن بني هاشم يريدون دفن الإمام بجوار قبر جده المصطفى، فأثاروا الفتنة والضجة للحيلولة دون ذلك(348)، فتلا الإمام الحسين (ع): ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)) .

وعليه لو كانت الآية خاصة بالحياة لرد ذلك الأمويون وهذا ما استدل به العلماء فقالوا: «لم يرد عليه أحد ـ حتى من الأمويين ـ بان هذه الآية خاصة بحياة رسول الله (ص)» (349) ومنه يستظهر شمول الآية المباركة للحكم حتى بعد الممات .

ثالثاً: وقد جاءت كلمات الإمام مالك (أمام المذهب المالكي) بياناً لمعنى الآية الكريمة ودلالتها على حرمة رسول الله ميتاً وحياً، من خلال مناظرته مع المنصور العباسي، وما اشتملت عليه المناظرة من استنكاره برفع الصوت، مضافا إلى ذلك، أدب الزيارة مع رسول الله (ص) والتوسل والاستشفاع به .

«ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله (ص) فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فان الله أدب قوماً، فقال: ((لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)) ومدح قوماً ((الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله)) وذم قوماً فقال: ((إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْـحُجُرَاتِ)) وان حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا ابا عبد الله استقبل القبلة وادعوا، أم استقبل رسول الله (ص) ؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم (ع) إلى الله تعالى يوم القيامة، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله تعالى، قال الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ الله))(350).

رابعاً: ما دلت عليه السيرة، وقد كتبت الآية الدالة على حرمة رفع الصوت على حجرته الشريفة.

وإذا كان رفع الصوت في غير القربات مستوجباً لسوء الأدب في حضرته أو بعد وفاته، فما الحكم برفع الصوت في الأمور العبادية من زيارة أو دعاء أو صلوات أو غيرها بحضرته وبحضرة أهل البيت (ع) في هذا اختلف الفقهاء على قولين :

القول الأول: حرمة رفع الصوت .

ويظهر منه أن التوسطية بالصوت لما كان من حسن التأدب فقد كان مراد الآية واليه أشار ألأميني (ره): «لا يرفع في صوته ولا يخفيه، بل يقتصد، وخفض الصوت عنده (ص) أدب عند الجميع» (351).

ومن هنا كان المعنى عند بعض المفسرين من قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ))(352). أي يخفضونها مراعاة للأدب(353) وهذه المراعاة قائمة حتى بعد الوفاة .

والظاهر أن حسن الأدب يستوجب ذلك قال المجلسي (ره): «تدل الآية على لزوم خفض الصوت عند قبر النبي (ص)، وعدم جهر الصوت لا بالزيارة ولا بغيرها وكذا عند قبور الأئمة (ع)» (354).

القول الثاني: الجواز مع رعاية الأدب.

وهذا القول لا ينافي الأول جملة، بل له جهة اشتراك من حيث انه يشخّص مدار علّة الحكم وهي أدب الزيارة، أو أدب الكلام والمخاطبة، فان كان رفع الصوت فيه نوع من الهتك فالحرمة قائمة، وان كان رفع الصوت فيه عمل عبادي فلا إشكال في رفعه خصوصاً بعد ملاحظة الروايات الحاثة على رفع الصوت بالصلوات على النبي(ص) كما في صحيحة عبد الله بن سنان.

عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: «قال رسول الله (ص): ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليَّ، فإنها تذهب بالنفاق» (355).

فقد استفاد السيد الخوئي (ره) استحباب ذلك «أن التعليل خير شاهد على الاستحباب» (356) ولم يرد نهي عن ذلك، وكذلك أن رفع الصوت بالطاعة مما لا شك فيه كان يقام بحضرته (ص) في حياته بمرأى منه ومسمع ولم يرد نهي عن تلك الطاعة، فيبقى الأمر قيد مقام الطاعة والاحترام، وأكد هذا المعنى الشيخ الشيرازي في تفسيره:

«إن الهدف هنا رعاية الأدب، واحترام ساحة قدس النبي، فعلى هذا متى ما كان رفع الصوت عند قبره نوعاً من هتك الحرمة فهو بدون شك غير جائز، إلا أن يكون أذاناً للصلاة، أو تلاوة للقرآن، أو إلقاء خطبة ... وأمثال ذلك، فان هذه الأمور ليس فيه أي أشكال لا في حياة النبي، ولا بعد وفاته» (357).

وعليه تدور الحرمة مدار العلة، فإذا كان رفع الصوت بقصد الإيذاء والاستهانة وسوء الأدب الموجب للحبط فهو منهي عنه ومحرم، وأما إذا كان لغرض التعظيم فالأمر على نحو الإباحة خصوصاً مع رعاية الأدب. فالأدب معهم بعد موتهم كالأدب معهم حال الحياة خصوصاً اذا لم يمازج معه هدف إلا قصد القربة إلى الله تعالى.

الحكم الثاني: حكم استجارة الجناة بالعتبات المقدسة .

منع بعض الفقهاء من إقامة الحد على من أجنى جنايةً خارج الحرم المكي أو المدني أو لأحد الأئمة المعصومين (ع) بعكس ما إذا أجنى وهو في الحرم، والى ذلك ذهب الشيخ الطوسي (ره): «ولا يقام الحد على من التجأ إلى حرم الله وحرم رسوله أو حرم احد من الأئمة (ع)، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب، ويمنع من مبايعته ومشاراته حتى يخرج فيقام عليه الحد. فان أحدث في الحرم ما يوجب الحد أقيم عليه الحد» (358).

ومثله ابن البراج وغيرهما(359) قال ابن البراج (ره): «وإذا قتل إنسان غيره في غير الحرم، ثم التجأ إلى الحرم وتحرّم به، لم يقتل فيه، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ويمنع من مبايعته ومعاملته حتى يخرج منه، فيقام الحد عليه، وكذلك الحكم فيمن التجأ في مثل ذلك إلى مشهد من مشاهد الأئمة (ع)» (360) .

واستدل له بـ :

1 ـ قوله تعالى: ((وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً)) والمراد من الحرم كما هو المتبادر والمعهود مكة .

2 ـ صحيحة معاوية بن عمار عن رجل قتل في الحل ثم دخل الحرم ؟ فقال: لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يباع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد، قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق ؟ قال: يقام عليه الحد في الحرم صاغراً، لأنه لم ير للحرم حرمة، وقد قال الله عز وجل: ((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)) فقال هذا هو في الحرم، وقال: لا عدوان إلا على الظالمين» (361).

وقد الحق ابن حمزة (ره) خصوص حرم النبي الأعظم (ص) كما يفهم من تعبيره بالحرمين: «فان وجب عليه القتل أو الرجم أقيم عليه على كل حال إلا في ارض العدو أو في الحرمين» (362).

ولكن الشهيد الثاني (ره) استوقف من اللفظ على الحرم المكي فقط لعدم الدليل قال: «وألحق به بعضهم حرم النبي والأئمة (ع) وهي مشاهدهم المشرفة، ولم نقف له على مأخذ صالح» (363). كما أن صاحب الجواهر (ره) قال بعد أن نقل القولين: «ولا دليل على شيء منهما» (364).

والظاهر أن الآية المشرّفة والرواية الصحيحة المختصة بالحرم المكي وتسريه الحكم من قبل الفقهاء الى حرم النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) ليس له إلا مورد الاحترام، وان هذه العلة يراها العرف دليلاً يتمسك به. قال السيد الكلبايكاني: «وعلى الجملة فهذا الأمر عرفي دائر بين الأقوام، والعرف يرى اخراج أحد من دار دخل فيها ولجأ إليها اهانة برب البيت، وقد أمضى الشارع هذا الأمر العرفي ولم يردع عنه، ومن المعلوم أن هذه العلة والخصوصية لا تختص بحرم الله بل هي جارية في حرم الرسول والأئمة الطاهرين» (365). ولكن يمكن مناقشة هذا القول بما هو لازمه شمول حرم أبناء الأئمة غير المعصومين (ع) فضلا عن المساجد ؟

ويمكن الدفاع عنه بما ذكر: «الإجارة في كل حرم يوازن حرم الله سبحانه او يقرب منه في الحرمة والتكريم كحرم المعصومين (ع) فلا يجري في مطلق المشاهد المشرفة والبقاع المقدسة، نعم هتك تلك المشاهد والأماكن محرم قطعاً» (366).

فعليه دليل العرف يرى شمول المشاهد المشرفة بنفس حكم حرم مكة وحرم المدينة .

الحكم الثالث: الآداب المتعلقة بزيارة المشاهد المشرفة :

ذكر الفقهاء في كتب المزارات(367) من الأحاديث والروايات المتعلقة بزيارتهم الكثير ، منها ما يتعلق به على نحو العقيدة والسلوك، ومنها ما هو متعلق على نحو الجواز الشرعي .

وقد أجاد الشهيد الأول (ره) في دروسه بيان تلك الأحكام المتفق عليها لدى العلماء أحببت إدراجها لتعم الفائدة فقد ذكر (ره) من آداب الزيارة أربعة عشر بنداً :

«أحدها: الغسل قبل دخول المشهد، والكون على الطهارة، فلو احدث أعاد الغسل.

ثانيها: الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور، فان وجد خشوعاً ورقة دخل، وإلا فالأفضل تحري زمان الرقة، لان الغرض الأهم حضور القلب لتلقي الرحمة النازلة من الرب، فإذا دخل قدم رجله اليمنى، وان خرج فباليسرى .

وثالثها: الوقوف على الضريح ملاصقاً له أو غير ملاصق، وتوهم أن البعد أدب وهم، فقد نص على الاتكاء(368) على الضريح وتقبيله .

رابعها: استقبال وجه المزور، واستدبار القبلة حال الزيارة، ثم يضع عليه خده الأيمن عند الفراغ من الزيارة، ويدعو متضرعاً، ثم يضع خده الأيسر ويدعو سائلاً من الله تعالى بحقه، وبحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته، ويبالغ في الدعاء والإلحاح، ثم ينصرف إلى ما يلي الرأس، ثم يستقبل القبلة ويدعو .

وخامسها: الزيارة بالمأثور، ويكفي السلام والحضور .

وسادسها: صلاة ركعتي الزيارة عند الفراغ، فان كان زائراً للنبي (ص) ففي الروضة وان كان لأحد الأئمة (ع) فعند رأسه، ولو صلاهما بمسجد المكان جاز .

وسابعها: الدعاء بين الركعتين بما نقل، وإلا فيما سنح له في أمور دينه ودنياه وليعمم الدعاء فانه أقرب إلى الإجابة .

وثامنها: تلاوة شيء من القرآن، عند الضرائح، وإهداؤه إلى المزور، والمنتفع بذلك الزائر وفيه تعظيم للمزور .

وتاسعها: إحضار القلب في جميع أحواله مهما استطاع، والتوبة من الذنب والاستغفار .

وعاشرها: التصدق على السدنه والحفظة للمشهد، وإكرامهم، وإعظامهم، فان فيه إكرام صاحب المشهد عليه الصلاة والسلام .

وحادي عشرها: أنه إذا انصرف من الزيارة إلى منزله استحب له العود إليها ما دام مقيماً، فإذا حان الخروج ودّع ودعا بالمأثور، وسأل الله تعالى العود إليه .

وثاني عشرها: أن يكون الزائر بعد الزيارة خيراً من قبلها، فإنها تحط الأوزار إذا صادفت القبول.

وثالث عشرها: تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة، لتعظيم الحرمة ويشتد الشوق، وروي(369) إن الخارج يمشي القهقرى حتى يتوارى.

ورابع عشرها: الصدقة على المحاويج بتلك البقعة، فان الصدقة مضاعفة هناك ولا سيما تكريم الذرية الطاهرة .

وتستحب الزيارة في المواسم المشهورة قصداً، وقصد الإمام الرضا (ع) في رجب فانه من أفضل الأعمال .

ولا كراهة في تقبيل الضرائح، بل هو سنة عندنا، ولو كان الزمان زمان تقيه فتركه أولى، وأما تقبيل الأعتاب، فلم نقف فيه على نص نعتد به، ولكن عليه الأمامية، ولو سجد الزائر ونوى بالسجدة الشكر لله تعالى على بلوغه تلك البقعة كان أولى .

وإذا أدرك الجمعة فلا يخرج قبل الصلاة، ومن دخل المشهد والإمام يصلي بدأ بالصلاة قبل الزيارة، وكذلك لو كان قد حضر وقتها، وإلا فالبدء بالزيارة أولا لأنها غاية مقصده، ولو أقيمت الصلاة، استحب للزائرين قطع الزيارة والإقبال على الصلاة، ويكره تركه، وعلى الناظر أمرهم بذلك .

وإذا زارت النساء فليكن منفردات عن الرجال، ولو كان ليلاً أولى، وليكن متنكرات مستخفيات مستترات، ولو زرن بين الرجال جاز وان كره(370).

وينبغي مع كثرة الزائرين أن يخفف السابقون إلى الضريح الزيارة وينصرفوا ليحضر من بعدهم، فيفوزوا من القرب إلى الضريح بما فاز أولئك» (371).

ومن الآداب خلع النعلين والدخول حافياً تمسكاً بقوله تعالى: ((فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْـمُقَدَّسِ طُوًى))(372) باعتبار أن الحرم المطهر مقدس، فلأجل قداسته يتمثل الإنسان للأمر .

فقد ذكر المجلسي في دلالة هذه الآية أنها «تومي إلى إكرام الروضات المقدسة، وخلع النعلين فيها ولا سيما في الطف والغري» (373).

واستدل على هذه الخصلة من الآداب «لما روي أن الشجرة كانت في كربلاء وان الغري قطعة من الطور» (374).

وقد استفتي السيد الخوئي (ره) عن تلك الآداب المندوبة والموجودة في كتب الزيارات مثل التقبيل والتمسح وغيرها فأجاب (ره): «لا بأس بإتيان ذلك رجاءً، والله العالم» (375).

هذه أهم الأحكام المتعلقة بالفصل والمتضمنة :

أ. من حيث الجوانب العبادية: والمختصة بمشروعية الصلاة داخل الروضة المباركة واشتراط الفقهاء الصلاة خلف القبر الشريف بعدم جعل القبر قبله، وأما على نحو المحاذاة فلم يقل احد بعدم الجواز إلا ما ندر، بل القول الراجح الاستحباب بذلك، وأما في التقدم على القبر الشريف الكراهة وهو قول المشهور .

وأما تخيير الصلاة للمسافر فلم ينهض الدليل على تعميم الحكم لكل الروضات إلا ما صح القول به تخييراً في حرم النبي (ص) والإمام الحسين (ع) وما ورد من أقوال في التعميم فهي دالة على التعظيم بالمعنى الأعم دون التخيير بالصلاة.

ب. وأما الجوانب غير العبادية فمشروعية نقل الموتى ودفنهم قائمة، سواء نقلوا قبل الدفن ام بعده بشرط عدم الهتك لحرمة الميت .

وبناءً على طهارة الكتابي لم يمنع الفقهاء ارتياد أهل الكتاب العتبات المقدسة ولكن ضمن شروط توقير المشاهد المشرفة .

وأما ما تضمنه الفرع الثالث من أمور فهي متعلقة بالزائر وينبغي الأخذ بها لتحقيق الغاية المتوخاة من الزيارة .

***

 

(193) تذكرة الفقهاء: العلامة الحلي، ج2: 102 .

(194) جامع المقاصد: المحقق الكركي، ج1: 450 .

(195) ظ: مفتاح الكرامة: العاملي، ج4: 289 .

(196) قرية أو مجموعة قرى واقعة في ناحية .

(197) دعائم الإسلام: القاضي النعمان المغربي ج1: 450 .

(198) مستدرك الوسائل: النوري، ج2: باب 13 من أبواب الدفن، حديث: 15 .

(199) تحريم نقل الجنائز المتغيرة: الشهرستاني، هبة الدين، مطبعة الشابندر، بغداد، الطبعة الثالثة: 1329هـ: 6.

(200) الوسائل: الحر العاملي، ج2، كتاب الطهارة، باب 47 استحباب تعجيل تجهيز الميت، حديث: 1 .

(201) م.ن: حديث5 .

(202) سورة البقرة: 148 .

(203) سورة آل عمران: 133 .

(204) بحار الأنوار: المجلسي، ج1: 38 .

(205) الذكرى: الشهيد الأول: 65 .

(206) الرواية في دعائم الإسلام: المغربي، ج1: 238 .

(207) ظ: كفاية الأصول: الخرساني، محمد كاظم: 133 .

(208) التنقيح في شرح العروة الوثقى: الغروي، تقريرات السيد الخوئي، كتاب الصلاة، ج9: 214 .

(209) ظ: معجم رجال الحديث: الخوئي، ج14: 116 .

(210) ظ: م. ن، ج20: 68 .

(211) روض الجنان: الشهيد الثاني، 319 .

(212) الحدائق الناضرة: البحراني، ج4: 150 .

(213) تذكرة الفقهاء: العلامة الحلي، ج2: 102 .

(214) المعتبر: العلامة الحلي، ج1: 307 .

(215) ذكرى الشيعة: الشهيد الأول: ج1: 65 .

(216) الوسائل: الحر العاملي، ج9: باب 44، من أبواب مقدمات الطواف، حديث: 2 .

(217) فرحة الغري: ابن طاووس: 158 .

(218) ظ: الغدير في الكتاب والسنة: الأميني، ج5: 68 .

(219) إرشاد القلوب: الديلمي: 439 .

(220) جواهر الكلام: النجفي، ج4: 346 .

(221) مهذب الأحكام: السبزواري، ج4: 236 .

(222) جامع المقاصد: المحقق الكركي، ج1: 452 .

(223) روض الجنان: الشهيد الثاني: ج2: 854 .

(224) مدارك الأحكام: العاملي، ج2: 155 .

(225) سرنديب: جزيرة في بحر الهند .

(226) كامل الزيارات: ابن قولويه: 90، تهذيب الأحكام: الطوسي، ج6: باب فضل زيارته (ع) حديث: 51 .

(227) من لا يحضره الفقيه: الصدوق، ج1، حديث: 594 .

(228) ظ: الغدير: الاميني، ج5: 75 .

(229) رجال النجاشي: النجاشي: 403 .

(230) ظ: الحدائق الناضرة: البحراني، ج4: 148 .

(231) الدرر النجفية، البحراني، ج3: 159 .

(232) من لا يحضره الفقيه: الصدوق، ج2: 1578، وتهذيب الأحكام: الطوسي، ج6: 186 .

(233) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج6: 185 .

(234) ظ: بحار الأنوار: المجلسي، ج97: 131 .

(235)ظ: م. ن، ج97: 131 .

(236) ظ: م 0 ن، ج97: 131 .

(237) علل الشرائع: الصدوق، ج1: 117 .

(238) ظ: الوافي: الفيض الكاشاني، ج14: 1337 ـ 1338 .

(239) الكافي: الكليني، باب التربة التي يدفن فيها الميت، حديث: 1 .

(240) الدرر النجفية: البحراني، ج3: 167 .

(241) مسالك الإفهام: الشهيد الثاني، ج10: 102 .

(242) النهاية: الطوسي، 44 .

(243) السرائر: ابن إدريس، ج1: 170 .

(244) تذكرة الفقهاء: العلامة الحلي، ج2: 102 .

(245) جواهر الكلام: النجفي، ج4: 394 .

(246) ذخيرة المعاد: الفاضل الخراساني: 344 .

(247) ظ: الذكرى: الشهيد الأول، ج2: 81 .

(248) الوسائل: الحر العاملي، ج18، كتاب الحدود والتعزيرات، باب 19 حد النباش حديث: 1 .

(249) غنائم الأيام: المحقق القمي، ج3: 551 .

(250) ظ: جامع المقاصد: الكركي، ج1: 452، وروض الجنان: الشهيد الثاني، ج2: 854، ومدارك الأحكام: العاملي، ج2: 854 .

(251) التنقيح في شرح العروة الوثقى: تقريرات السيد الخوئي، ج9: 224 .

(252) مدارك الأحكام: العاملي، ج2: 156 .

(253) الوسائل: الحر العاملي، ج18: باب 19 من أبواب حد السرقة، حديث: 2 .

(254) التنقيح في شرح العروة الوثقى: الغروي، تقريرات السيد الخوئي، كتاب الصلاة، ج9: 221 .

(255) مهذب الأحكام: السبزواري، ج4: 238 .

(256) بحار الأنوار: المجلسي، ج12: كتاب النبوة باب 3: 57 .

(257) سورة القصص: 27 .

(258) الوسائل: الحر العاملي، ج2: كتاب الطهارة، باب 13 من ابواب الدفن، حديث: 8 .

(259) الإرشاد: المفيد، 197 .

(260) علل الشرائع: الصدوق، 283 .

(261) ظ: بحار الأنوار: المجلسي: ج60، 261.

(262) ظ: الكافي: الكليني، ج1: 353 .

(263) ظ: بحار الأنوار: المجلسي، ج97: 125 .

(264) سورة براءة: 28 .

(265) ظ: التبيان: الطوسي، ج5: 200 .

(266) ظ: مجمع البيان: الطبرسي، ج5: 38 .

(267) ظ: لسان العرب: ابن منظور، ج6: (مادة شرك) .

(268) الخلاف: الطوسي، ج1: 518 .

(269) م. ن، ج5: 549 .

(270) سورة براءة: 30 ـ 31 .

(271) المختلف: العلامة الحلي، ج7: 76 .

(272) الانتصار: السيد المرتضى، 117 .

(273) النهاية: الطوسي، 457 .

(274) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج1: 766 .

(275) الرواية حسنة من جهة عدم وجود توثيق صريح لإبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمي لأنه مع كثرة رواياته لا توجد له رواية عن الإمام الرضا (ع) وهو من المعاصرين له ظ: معجم رجال الحديث: الخوئي، ج1: 290 .

(276) الكافي: الكليني، ج3: باب الوضوء من سؤر الحائض واليهودي، حديث: 5 .

(277) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج9: باب الذبائح والأطعمة، حديث: 107 .

(278) مجمع الفائدة: الاردبيلي، ج1: 320 .

(279) مدارك الأحكام: العاملي، ج2: 296 .

(280) الكافي: الكليني، ج2: كتاب الإيمان والكفر، باب الشرك، حديث: 7 .

(281) م. ن: حديث: 8 .

(282) سورة الحج: 17 .

(283) سورة البينة: 1 .

(284) سورة آل عمران: 186 .

(285) جواهر الكلام: النجفي، ج30: 350 .

(286) سورة: يوسف: 106 .

(287) الكافي: الكليني، ج2: باب الشرك، حديث: 4 .

(288) سورة الأنعام: 121 .

(289) مستمسك العروة الوثقى: الحكيم، ج1: 369 .

(290) سورة المائدة: 5 .

(291) مدارك الأحكام: العاملي، ج2: 297 .

(292) ظ: الانتصار: المرتضى، 89 .

(293) الوسائل: الحر العاملي، ج16: باب 53: من أبواب الأطعمة المجربة، حديث: 4 .

(294) الوسائل: الحر العاملي، ج16: باب 14: من أبواب النجاسات، حديث: 9 .

(295) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج1: 1245 .

(296) ظ: الوسائل: الحر العاملي، ج1، باب: 14 من أبواب النجاسات وباب: 54 من أبواب الأطعمة المحرمة، وباب: 3 من أبواب الأسآر .

(297) مدارك الأحكام: العاملي، ج2: 298 .

(298) الكافي: الكليني، ج6: كتاب الأطعمة باب: طعام أهل الذمة، حديث: 9 .

(299) ظ: لسان العرب: ابن منظور، ج4: مادة (نجس) .

(300) المفردات: الراغب الأصفهاني: 277 .

(301) معجم ألفاظ الفقه الجعفري: 422 .

(302) معجم ألفاظ الفقه الجعفري: 422 .

(303) مفتاح الكرامة: العاملي، ج1: 193 .

(304) القواعد الفقهية: البجنوردي، ج5: 334 .

(305) نتاج الأفكار في نجاسة الكفار: الكلبايكاني: 24 .

(306) المعتبر: العلامة الحلي، ج1: 65 .

(307) ظ: القاموس المحيط: الفيروز آبادي، ج20: مادة (نجس) .

(308) مستمسك العروة الوثقى: الحكيم، ج1: 367 .

(309) القواعد الفقهية: البجنوردي، ج5: 335 .

(310) التنقيح في شرح العروة الوثقى: الغروي، تقريرات السيد الخوئي، ج2: 430 .

(311) ظ: مدارك الأحكام: العاملي، ج2: 295 .

(312) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: الشيرازي، ناصر مكارم، ج5: 582 .

(313) سورة التوبة: 28 .

(314) إشارة إلى ما ذكره صاحب الوسائل بان الرواية مروية عن جماعة من أصحابنا في كتبهم الاستدلالية .

(315) الوسائل: الحر العاملي، ج3: باب 24 استحباب التطيب ولبس الثياب، حديث: 2 .

(316) الخلاف: الطوسي، ج1: 518 .

(317) جواهر الكلام: النجفي، ج21: 289 .

(318) م. ن.

(319) تفقد السياج غير المسلمين للأماكن المقدسة: النجفي، محمد حسن: 171 ضمن مجلة: اهل البيت (ع) العدد: 47

(320) نوادر الراوندي: الراوندي، والبحار: المجلسي، ج83: حديث: 2 .

(321) ظ: دعائم الإسلام: المغربي، ج1: 149 .

(322) شرح التبصرة: العراقي، 158 .

(323) الحدائق الناضرة: البحراني، ج7: 255 .

(324) الوسائل: الحر العاملي، ج3: باب: 25 من أبواب أحكام المساجد، حديث: 3 .

(325) مسالك الإفهام: الشهيد الثاني، ج3: 80 .

(326) شرائع الإسلام: المحقق الحلي، ج1: 253 .

(327) تفقد السياج غير المسلمين للأماكن المقدسة: النجفي: 189 .

(328) سورة الأنفال: 35 .

(329) ظ: الوسائل: الحر العاملي، ج1: كتاب الطهارة، باب 15 من أبواب الجنابة .

(330) سورة الإسراء: 1 .

(331) ظ: الخلاف: الطوسي، ج1: 518 .

(332) ظ: كشف اللثام: الفاضل الهندي، ج2: 103 .

(333) ظ: جواهر الكلام: النجفي، ج21: 288 .

(334) تفقد السياج: النجفي، 205 .

(335) بحار الأنوار: المجلسي، ج80: 44 .

(336) كفاية الأصول: الخراساني، ج1: 36 .

(337) ظ: الطبقات الكبرى: ابن سعد، ج1: 364 وبحار الأنوار: المجلسي ج10: الباب الأول، حديث: 1 .

(338) جواهر الكلام: النجفي، ج1: 288 .

(339) ظ: تفقد السياج: النجفي: 195 .

(340) سورة الحجرات: 2 .

(341) تفسير الميزان، الطباطبائي، ج18: 307 .

(342) تفسير القرطبي: القرطبي، ج16: 307 .

(343) تفسير مجمع البيان: الطبرسي، ج6: 84 .

(344) تفسير الميزان: الطباطبائي، ج18: 309 .

(345) تفسير ابن كثير: ابن كثير، ج4: 207 .

(346) بحار الأنوار: المجلسي، ج97: 125 .

(347) ظ: مستدرك سفينة البحار: النمازي، ج4: 349 .

(348) ظ: بحار الأنوار: المجلسي، ج97: 126 .

(349) في ظلال التوحيد: السبحاني، 266 .

(350) شفاء السقام: السبكي: 70 .

(351) الغدير: الاميني، ج5: 135 .

(352) سورة الحجرات: 3 .

(353) ظ: التفسير الصافي: الفيض الكاشاني، ج6: 515 .

(354) بحار الأنوار: المجلسي، ج97: 125 .

(355) الوسائل: الحر العاملي، ج، باب: 42 من أبواب الذكر، حديث: 6 .

(356) مستند العروة الوثقى، كتاب الصلاة، البروجردي ـ تقريرات السيد الخوئي، ج4: 427 .

(357) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مكارم شيرازي، ج16: 519 .

(358) النهاية: الطوسي، 702: 516 .

(359) ظ: شرائع الإسلام: المحقق الحلي، ج4: 938 وقواعد الأحكام: العلامة، ج3: 530 والدروس: الشهيد الأول، ج1: 472. والرياض: الطباطبائي، ج7: 159 .

(360) المهذب: ابن البراج، ج2: 516 .

(361) الوسائل: الحر العاملي، ج9: باب 14 من أبواب مقدمات الطواف، حديث: 1 .

(362) الوسيلة: الطوسي، ابن حمزة .

(363) مسالك الإفهام: الشهيد الثاني، ج14: 282 .

(364) جواهر الكلام: النجفي، ج41: 345 .

(365) الدر المنضود: الكلبايكاني، مطبعة سيد الشهداء: قم، الطبعة الأولى 1412هـ، ج1: 397 .

(366) الدر المنضود: الكلبايكاني، ج1: 397 .

(367) ظ: البحار: المجلسي، ج97: 126 .

(368) ظ: الوسائل: الحر العاملي، ج10، باب 6 من أبواب المزار، حديث: 2 .

(369) ظ: كامل الزيارات، ابن طاووس، 256 .

(370) ولعل مستند رفع الكراهة ما يقام اليوم في الروضات المطهرة من وضع حواجز تقسم الروضة المقدسة إلى قسمين كل قسم مختص للرجال أو للنساء .

(371) الدروس: الشهيد الأول: ج2: 22-25 .

(372) سورة طه: 12 .

(373) بحار الأنوار: المجلسي، ج97: 125 .

(374) م. ن .

(375) صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات: الخوئي، ج1: 461 .