مكتبة الروضة الحيدرية:

انّ البشر من أقدم عصوره، وعندما اكتشف الخط في بدايات حضارته، وعندما كان يكتب على الطين والحجر والصخور، اهتمّ بشأن الكتابة وضرورة حفظها شيئاً فشيئاً. وتدرّج الإنسان في ذلك وأبدع ما كان يحتاجه في هذا الشأن، فحصلت تطورات كبيرة وسريعة بشأن أدوات الكتابة من قلم وورق وغلاف، وأنواع الخطوط، وكيفية معالجة الآفات التي تسبّب ضياع هذا المجهود البشري وغير ذلك.

ومن أهمّ الأمور التي اهتم لها الإنسان في هذا المجال، وتطوّر فيها سريعاً، كيفية الحفاظ على هذا النتاج البشري بمختلف علومه وفنونه، وانتقاله للأجيال القادمة، ومن هنا تشكّلت خزائن الكتب العامة والخاصة لتجمع بين جنبيها الكتب وأوعية المعلومات المختلفة حفاظاً عليها، وتسهيلاً لعملية العثور عليها وحفظها للأجيال القادمة.

وبعد ظهور الإسلام، واهتمام الشريعة الإسلامية بطلب العلم والمعرفة، وضرورة التدوين والكتابة، كما ورد في كثير من الروايات الشريفة، نحو قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): «قيّدوا العلم بالكتاب» (1).

وما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام)حيث قال: «احتفظوا بكتبكم فإنّكم تحتاجون إليها» (2)، وقال(عليه السلام): «اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا» (3).

وقال(عليه السلام): «بالكتابة تقيّد أخبار الماضين للباقين، وأخبار الباقين للآتين، وبها تخلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها، ولولاه لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض، ودرست العلوم وضاعت الآداب، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل من اُمورهم، وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم، وما روي لهم ممّا لا يسعهم جهله» (4).

وبمثل هذه التوصيات عمل المسلمون وبدأوا بجمع الكتب وحفظها وتداولها والاستفادة منها، سيّما في فترة الحكم المأموني حيث اهتم بشأن ترجمة كتب الأقدمين من الحضارات المختلفة، فتكونت دور العلم وخزائن الكتب الضخمة في عصره، وهكذا استمر الأمر بالشدة والضعف وبحسب الظروف السياسية والإجتماعية التي كانت تسود العالم.

ولنعم ما ذكره ابن إدريس الحلّي (ت 598 هـ ) في مقدمة كتابه السرائر في وصف الكتاب، حيث قال: «فإنّ الكتاب نعمة الذخر والعقد، ونعم الجليس والعقدة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس في ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والرحيل، ونعم الوزير والنزيل، والكتاب وعاء ملئ علماً، وظرف حشي طرفاً، وإناء شحن مزاحاً وجداً... والكتاب هو الجليس الذي يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملّك، والمستميح الذي لا يستزيدك، والجار الذي لا يستبطنك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب، والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال امتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوّد بيانك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، والكتاب هو الذي يطيعك بالليل طاعته بالنهار، ويطيعك في السفر طاعته في الحضر، لا يعتلّ بنوم، ولا يعتريه كلال السهر».

والخلاصة انّ الكتاب لا يُحفظ ولا يمكن تعميم الاستفادة منه مدّة مديدة إلّا بالمكتبات، ومن هنا تظهر أهمية المكتبات ودورها في النهوض الثقافي والمعرفي، وفي تطوير واقع النشاط العلمي والارتقاء بالمشهد الثقافي الذي من خلاله نستطيع أن نبني ثقافة متكاملة متحضرة، وهذا يتطلب النهوض الأمثل بالمكتبات العامة وتجهيزها بالمعدات اللازمة المتطورة، والسعي لإيصال الكتاب والوعاء المكتبي بصورة عامة إلى أبعد نقطة ممكنة في البلد.

«ولقد تبلورت وظائف المكتبات ومؤسسات المعلومات الحديثة في ثلاث وظائف أساسية هي:

1 ــ جمع مصادر المعلومات من مظانها المختلفة.

2ــ تنظيم واعداد هذه المصادر وتحليل ما بها من معلومات.

3 ــ تيسير الإفادة من تلك المصادر بأسرع وقت وأقل جهد.

ومن هذه الوظائف تكون المكتبات ومؤسسات المعلومات أداة للتقدم الإنساني في شتى مجالات العلم، حيث لا يمكن الآن إتخاذ أيّ قرار لا على المستوى الرسمي، ولا على المستوى الشخصي، ولا على مستوى البحث العلمي إلّا بالاستناد إلى المعلومات الدقيقة في الوقت المحدد».

من هذا المنطلق نشأت المكتبات في العصر الإسلامي، وأنشئت بيوت خاصة لجمع الكتب وحفظها في العواصم العلمية، ويحدّثنا التاريخ بأنّ بعض العلماء والوزراء كانت لهم مكتبات ضخمة ببغداد، فقد ورد بأنّ خزانة كتب السيّد المرتضى(رحمه الله)كانت ثمانين ألف مجلد، وفي الري كانت كتب الصاحب ابن عبّاد تحتاج إلى سبعمائة بعير لحملها، إلى غيرها من المكتبات التي كانت ببغداد وغيرها من العواصم الإسلامية والتي أنشأها الملوك والحكّام والوزراء والعلماء(5).

ولا يخفى بأن أهمية المكتبة والمكتبات تضاعفت في زماننا هذا، ولا سيّما بعد انتشار أزمة فقدان الهوية في الجوامع البشرية، وما نراه من تزايد المعلومات وكثرة تشعبها، وصعوبة حصرها في مكان واحد من دون الاستعانة بالمكتبات.

فالمكتبة إذاً مؤسسة علمية ثقافية تهدف إلى جمع مصادر المعلومات ووضها في متناول القرّاء والباحثين من أجل استخدامها في الأغراض الثقافية والعلمية.

تاريخ المكتبة:

لقد أصبحت ــ منذ قديم الزمن ــ المشاهد المشرّفة وقبور العلماء والعظماء، مورد اهتمام المسلمين، يقصدونها للزيارة تارة ولطلب العلم تارة اُخرى، إمّا استفادةً من أنوار صاحب القبر المعنوية، وإمّا استفادة من حلقات الدرس المقامة هناك، أو المكتبات التي اُسّست بجوار صاحب المرقد.

وقد نقل لنا الخطيب البغدادي في تاريخه كلام أبي عليّ الخلال حيث قال: «ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به إلّا سهّل الله تعالى لي ما اُحب» (6).

وقد كانت النجف منذ زمن بعيد مهداً للعلم والمعرفة إذ حوت بين جنبيها باب مدينة علم النبيّ(صلى الله عليه وآله) أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وكانت ولا تزال محوراً للحركات الثقافية والإجتماعية والسياسية، يشهد بذلك كثرة المكتبات والمدارس فيها والكتب الصادرة منها، بالاضافة إلى الإجازات الروائية الكثيرة التي تحمّلها أرباب العلم والفضيلة من مشايخهم في هذه المدينة الكريمة الدالة على الحركة العلمية والنشاط الثقافي.

ومن أقدم وأهمّ مكتبات النجف الأشرف، هي مكتبة الروضة الحيدرية، لما فيها من كتب ونفائس كثيرة كان أغلبها بخط مؤلّفيها أو عليها خطوطهم(7)، إذ كان المؤلّف يرسل نسخته الأصل إلى خزانة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) تبركاً وتيمّناً.

وقد زار هذه المكتبة العديد من العلماء والحكّام، وكانت معروفة مشهورة تُقصد من أقصى النقاط، وقد وصفها واستفاد منها الشيخ محمّد عليّ حزين اللاهيجي (ت 1180 هـ) عندما جاء إلى النجف، ومكث فيها ما يقارب ثلاث سنوات حيث قال: «قد اجتمع في مكتبته [(عليه السلام)] من كتب الأوائل والأواخر في كلّ فن ما لا أتمكن من عدّه» (8).

وكذلك وصفها عبد اللطيف الشوشتري (ت 1220 هـ) عندما زارها بقوله:«انّ فيها من نفائس العلوم المختلفة التي لم توجد في خزائن السلاطين» (9).

ويمكن أن نوجز أهمّ الأسباب التي أدّت إلى اشتهار هذه المكتبة ضمن النقاط التالية:

1 ـ وجودها بجوار أميرالمؤمنين(عليه السلام) وانتسابها إليه.

2 ـ اهتمام السلاطين والاُمراء والوزراء، حيث كانوا يهدون إليها أنفس ما بحوزتهم من مخطوطات ونفائس تقرباً إلى الله تعالى وتكرماً لصاحب الروضة.

3 ـ اهتمام العلماء والمؤلّفين، وذلك من خلال:

ألف: شراء الكتب والمكتبات الخاصة، وعلى سبيل المثال فإنّ صدر الدين الكفي الآوي (ق 8) لمّا قام بتأسيس المكتبة من جديد بعد احتراقها بدأ بشراء الكتب والمكتبات الخاصة من بغداد حيث أصيبت بغلاء وقحط، فبيعت خزائن الكتب للغلة (10).

ب: وقف الكتب والمكتبات، حيث أوقف ابن العتائقي الحلّي وكذلك جلال الدين بن شرفشاه الحسيني كتبهم وتأليفاتهم على مكتبة الروضة الحيدرية، وكذلك غيرهما من العلماء والمؤلّفين، وسيوافيك شرحه.

4 ـ وجود الحوزة العلمية طيلة عدة قرون، ممّا أدّت إلى نشاط الحركة الثقافية سيما في مجال الكتب والمكتبات.

5 ـ وجود المدرسة العلوية داخل العتبة المقدّسة، وفي ذلك يقول الاُستاذ الشيخ عليّ الشرقي:

«انّ الجاليات والرواد الهابطين على المدرسة النجفية من بلاد ايران والهند وآذربيجان وما وراء النهر والقوقاز وعاملة والخليج وبعض نواحي اليمن، كانوا يفدون على النجف بثرواتهم المادية والأدبية، وأهمها اُمهات الكتب المخطوطة من كتب الفلسفة والرياضيات والأدب والفلك والتاريخ والمسالك والممالك، وقد كان رواد العلم وطلابه يسكنون على الأغلب المدرسة العلوية الكبرى (الصحن) ومنهم المقيم في غيرها من المدارس والدور الخاصة، وكانت في المدرسة العلوية خزانة كتب نفيسة تجمعت ممّا يحمله المهاجرون، وكانوا بعدما يتزودون بزاد العلم ويعتزمون العودة إلى أوطانهم يتركون ما حملوه من نفائس الكتب، وما ألّفوه من رسائل واطروحات في خزانة المدرسة العلوية محبسة على طلابها» (11).

وهذه المدرسة هي التي زارها ابن بطوطة في رحلته عام (727هـ) ووصفها بقوله: «ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة ولكلّ وارد عليها ضيافة ثلاثة أيّام من الخبز واللحم والتمر، ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبّة... » (12).

فهذه الاُمور وغيرها أدّت إلى توسّع المكتبة واشتهارها شيئاً فشيئاً.

أسماؤها:

عند تصفح الكتب التي اُلّفت في تاريخ النجف والعتبة العلوية المقدّسة، نرى انّ لهذه المكتبة أسماء متعددة بعضها تعييني وبعضها تعيّني، فقد سميت باسم: الخزانة الغروية، الخزانة العلوية، خزانة الصحن، خزانة أميرالمؤمنين(عليه السلام)، مكتبة الصحن العلوي، المخزن العلوي، المكتبة العلوية، المكتبة الحيدرية، وأخيراً مكتبة الروضة الحيدرية، ولكن أقدم هذه الأسماء وأكثرها شيوعاً وتداولاً هو الخزانة الغروية.

مكانها:

لم يمكن تحديد مكان لها بالضبط لما كان يطرأ على العتبة المقدّسة من بناء وتطوير مستمر، لكن المحتمل قديماً انّها كانت في المدرسة العلوية أو في جوارها، كما ذكره الشيخ عليّ الشرقي حيث قال: «وكانت في المدرسة العلوية خزانة كتب نفيسة تجمعت ممّا يحمله المهاجرون، وكانوا بعدما يتزودون بزاد العلم، ويعتزمون العودة إلى أوطانهم، يتركون ما حملوه من نفائس الكتب وما ألّفوه من رسائل واطروحات في خزانة المدرسة العلوية محبسة على طلابها» (13) .

وأخيراً عند باب القبلة حيث صرّح بذلك كثير ممّن كتب عن النجف الأشرف والعتبة العلوية المقدّسة، وقد قال العلاّمة أغا بزرك الطهراني في ترجمة المحدّث النوري: «ودفن بوصية منه بين العترة والكتاب يعني في الإيوان الثالث عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف من باب القبلة»(14). وصرّح آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي(رحمه الله) في الاجازة الكبيرة (15) انّ المحدّث النوري دفن قرب مخزن مكتبة الإمام عليّ(عليه السلام).

أمّا الآن وبعد تأسيسها الثالث فهي تقع ـ بصورة مؤقتة ـ في جنب مسجد عمران من جهة باب الطوسي في طابقين، وهناك مساعي جادة لتخصيص مكان مناسب لها لتبنى المكتبة بمواصفات ومقاييس عالمية إن شاء الله تعالى.

المؤسس:

عند البحث في المصادر التي كتبت عن النجف الأشرف والعتبة العلوية المقدّسة، نجد عدّة أسماء يُذكر بأنّها قامت بتأسيس المكتبة ـ وإن لم نتمكن من تحديد وضبط المؤسس الأوّل يقيناً ـ والاهتمام بها، نذكرهم كما يلي:

1 ـ عضد الدولة البويهي فناخسرو (ت 372 هـ):

لم نعثر على مصدر متقدم ينصّ على انّ عضد الدولة هو المؤسس الأوّل للمكتبة، أو انّه كان من المعنيين بها رغم تصريح المتأخّرين بذلك(16)، ولعلّهم اعتمدوا على مكانة عضد الدولة العلمية وحبّه للعلم والعلماء والكتب.

فقد قال عنه معاصره ابن مسكويه في تجارب الأمم، يصف اهتمامه بالعلم والعلماء: «وبسطت للفقراء والفقهاء والمفسرين والمتكلمين والمحدّثين والنسّابين والشعراء والنحويين والعروضيّين والأطباء والمنجّمين والحساب والمهندسين، وأفرد عضد الدولة لأهل الخصوص والحكماء من الفلاسفة موضع يقرب من مجلسه وهو الحجرة التي يختصّ بها الحجاب، فكانوا يجتمعون فيها للمفاوضة آمنين من السفهاء ورعاء العامة، وأقيمت لهم رسوم تصل إليهم وكرامات تتصل بهم، فعاشت هذه العلوم وكانت مواتاً، وتراجع أهلها وكانوا أشتاتاً... وأخرج من بيت المال أموال عظيمة صرفت في هذه الأبواب وفي غيرها...» (17).

وقال عنه الثعالبي (ت 429 هـ) في يتيمة الدهر: «كان يتقرب للأدب ويتشاغل بالكتب، ويؤثر مجالسة الاُدباء على منادمة الاُمراء» (18). وقال عنه الذهبي: «كان بطلاً شجاعاً مهيباً أديباً عالماً» (19) وكانت له خزانة كتب كبيرة في شيراز وصفها معاصره البشاري المقدسي بقوله: «وخزانة الكتب حجرة على حدة عليها وكيل وخازن ومشرف من عدول البلد، ولم يبق كتاب صنّف إلى وقته من أنواع العلوم كلّها إلّا وحصّله فيها، وهي أزج طويل في صفة كبيرة فيه خزائن من كل وجه، وقد ألصق إلى جميع حيطان الأزج والخزائن بيوتاً طولها قامة في عرض ثلاثة أذرع من الخشب المزوّق، عليها أبواب تنحدر من فوق، والدفاتر منضدة على الرفوف لكل نوع بيوت وفهرستات فيها أسامي الكتب، لا يدخلها إلّا وجيه...»(20).

وقد ورد في فرحة الغري نص يمكن أن يُستأنس منه وجود المكتبة في عهد عضد الدولة حيث روى السيّد عبدالكريم ابن طاووس وقال: «ونقلت من خط السيّد عليّ بن عزام الحسيني... ما صورته: حدّثنا يحيى بن عليان الخازن بمشهد مولانا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) انّه وجد بخط الشيخ أبي عبدالله بن محمّد بن السري المعروف بابن البرسي بمشهد الغري (سلام الله على صاحبه) على ظهر كتاب بخطه...» (21) ثمّ ذكر حادثة زيارة عضد الدولة البويهي للمشهدين الغروي والحائري وما فعل فيهما من صلات وخيرات ومبرات. فمن المحتمل أنّ ابن البرسي أرّخ هذا الحدث وأثبته في ظهر كتاب من كتب المشهد الغروي، وبقي هذا الكتاب إلى أن رآه يحيي بن عليان ونقل عنه. ويبقي هذا مجرد احتمال واستيناس لا أكثر.

وعلى كلّ حال فبالاستناد إلى هذه القرائن وغيرها يمكن الاستفادة بكون عضد الدولة كان من المهتمين بشأن هذه المكتبة، إذ من غير المعقول أن يهتم بجانب إعمار العتبة ويصرف عليها الأموال الطائلة، ويترك شأن العلم والثقافة والكتاب، وهو الذي تشاغل بالكتب وآثر مجالسة الأُدباء على منادمة الأُمراء، وهو الذي اهتم بشأن فقهاء النجف وبذل عليهم الأموال(22).

2 ـ السيّد صدر الدين بن شرف الدين بن محمود الكفي الأوي (ق 8):

قال الشيخ عليّ الشرقي: «وأوّل من أسس المكتبة العلوية الصدر الكفي المعروف بالآوي الذي أوصى ابن أخيه بشراء الكتب وجعلها وقفاً على طلاب النجف» (23).

وهذا لا يصحّ فإنّ المكتبة العلوية أو الخزانة كانت موجودة قبل هذا التاريخ، وكانت عامرة ومورداً لاستفادة العلماء والباحثين، وعلى سبيل المثال فإنّ السيّد ابن طاووس (ت 664 هـ) كان يتردد عليها واستفاد منها، يشهد بذلك ما أورده في كتاب الطرائف حيث قال: «رأيت كتاباً كبيراً مجلداً في مناقب أهل البيت(عليهم السلام) تأليف أحمد بن حنبل فيه أحاديث جليلة قد صرّح فيها نبيّهم محمّد(عليه السلام) بالنص على عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بالخلافة على الناس، ليس فيها شبهة عند ذوي الانصاف وهي حجة عليهم، وفي خزانة مشهد عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بالغري من هذا الكتاب نسخة موقوفة، من أراد الوقوف عليها فليطلبها من خزانته المعروفة» (24).

وقال في موضع آخر: «ومن ذلك ما ذكره الأصفهاني أسعد بن عبدالقادر بن شفروه في كتاب الفائق، فإنّه تضمّن نصوصاً صريحة من نبيّهم محمّد(عليه السلام) على عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بالخلافة أيضاً ومناقب جليلة، وقد رأيت نسخة بخزانة مشهد عليّ بن أبي طالب بالغري» (25).

وهذا يدلّ على انّها كانت عامرة ومورداً للاستفادة، سيّما قول السيّد ابن طاووس: «فليطلبها من خزانته المعروفة» حيث يدلّ على شهرتها وقدمها قبل ذلك الوقت، وإلاّ لما وُصفت بالمعروفية.

وكذلك ما رواه السيّد عبدالكريم ابن طاووس (ت 693 هـ) في فرحة الغري ـ كما مرّ ـ حيث قال: «ونقلت من خط السيّد عليّ بن عزام الحسيني(رحمه الله)... ما صورته: حدّثنا يحيى بن عليان(26) الخازن بمشهد مولانا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) انّه وجد بخط الشيخ أبي عبدالله بن محمّد بن السري المعروف بابن البرسي(رحمه الله) بمشهد الغري (سلام الله على صاحبه) على ظهر كتاب بخطه...» (27).

وهذا النص يمكن أن يستفاد منه لوجود المكتبة في القرن السادس ـ إذ انّ يحيى بن عليان من أعلام القرن السادس.

هذا، بالاضافة إلى وجود الوقفيات على ظهر ما تبقى من كتب الخزانة يرجع تاريخها إلى القرن السابع الهجري، منها كتب ابن كمونة.

فتلخّص ممّا مضى انّ السيّد صدر الدين الآوي لم يكن أول من أسّس المكتبة، نعم يظهر ممّا قاله الخليلي في موسوعة العتبات المقدّسة انّه قام بتأسيسها بعدما شب حريق في العتبة العلوية من جديد، وقد قام بتأسيسها السيّد صدر الدين بن شرف الدين بن محمود بن الحسن بن خليفة الكفي المعروف بالآوي، مستعيناً بفخر المحققين أبي طالب محمّد بن الحسن الحلي المتوفى سنة (771 هـ) وسميت بالخزانة العلوية وذلك سنة (760 هـ ) »(28).

وقد أشار إلى هذا الحريق ابن عنبة (ت 828 هـ) في كتابه عمدة الطالب(29)، حيث قال: «وقد كان بالمشهد الشريف الغروي مصحف في ثلاث مجلدات بخط أميرالمؤمنين(عليه السلام) احترق حين احترق المشهد سنة خمس وخمسين وسبعمائة(30)، يقال انّه كان في آخره: وكتب عليّ بن أبي طالب».

وهكذا تكاملت المكتبة شيئاً فشيئاً إلى أن بلغت ذروتها، ولكن شاءت الأقدار أن تهمل وتتلاشى شيئاً فشيئاً لعلل وأسباب مختلفة حتى لم يبق منها إلّا القليل، إلى أن اُعيد تأسيسها من جديد بعد سقوط النظام البائد على يد المرجعية العليا في النجف الأشرف ـ كما سيوافيك بيانه ـ .

3 ـ المرجعية العليا في النجف الأشرف:

بعد سقوط طاغية العراق، وما خلّفه من أزمات ثقافية ومعرفيّة للشعب العراقي، تبنّى مكتب المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيّد السيستاني حفظه الله تعالى إحياء وتأسيس مكتبات عامة في العتبات المقدّسة، لتتبنّى النهوض الثقافي وتلبّي حاجة الباحثين والمؤلّفين والقرّاء الكرام، وتكون مشروعاً دينيّاً ثقافياً يشعّ نورها لرواد العلم والفضيلة.

وقد أخذ على عاتقه النهوض بهذه المهمّة سماحة المرحوم حجة الإسلام والمسلمين الشيخ فارس الحسون (ت 1426 هـ) مدير مركز الأبحاث العقائدية في قم المقدسة، والذي تأسّس برعاية المرجعية العليا، ومن بعده تبنّى شقيقه حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد الحسون تكميل هذا المشروع المبارك.

وكان بكورة هذا العمل إعادة تأسيس «مكتبة الروضة الحيدرية» في العتبــة العلوية المقدّسة في النجف الأشرف، وتم افتتاحها بعد عناء طويل في 20 جمـــــادى الثــــاني عــــام 1426هـ يوم ولادة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء3 ، ولاقت لحد الآن إقبالاً واسعاً من قبل روّاد العلم والفضيلة، وهي في طريقها نحو النموّ والإزدهار.

لم نعثر على جميع من كان يتولّى أمر المكتبة وينظّم شؤونها، ولكن بعد التصفّح السريع لكتب الرجال والتراجم، وما كتب عن النجف الأشرف والعتبة العلوية المقدّسة، عثرنا على عدّة أسماء يرمز إليها بعنوان الخازن أو الكتابدار للعتبة، وكان معظمهم من العلماء والفقهاء، قال الشيخ جعفر محبوبه: «والسبب القوي لجمع هذه الكتب وخزنها وجعلها في مكان عام ينتفع به كلّ أحد، هو انّ الخازن في ذلك العصر ومن التف حوله من الخدمة كانوا من أهل العلم، وكان الغالب في تلك العصور على الخازن أن يكون عالماً» (31).

وفيمايلي نشير إلى من وقفنا عليه:

1 ـ يحيى بن عليان، كان من الرواة والمحدّثين، ورد ذكره في فرحة الغري، حيث قال: «ونقلت من خطّ السيّد عليّ بن عزام الحسيني(رحمه الله)... ما صورته: حدّثنا يحيى بن عليان الخازن بمشهد مولانا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) انّه وجد بخطّ الشيخ أبي عبدالله بن محمّد بن السري المعروف بابن البرسي بمشهد الغري (سلام الله على صاحبه) على ظهر كتاب بخطّه قال..» (32).

ولفظ الخازن وإن كان أعم من خازن الكتب، فقد يكون خازناً لما في العتبة من تحف ونفائس وهدايا ومن ضمنها المخطوطات، كما قال ابن الأثير: «الخازن ـ بالحاء المعجمة وكسر الزاي بعد الألف وفي آخره نون ـ يقال هذا لمن كان خازن الكتب والأموال» (33)، ولكن قد يُستأنس من قوله: «وجد... على ظهر كتاب...» انّه كان يتردد على المكتبة ويصلح شأنها ويتصفح كتبها، وبالتالي كان خازناً لها أيضاً.

2 ـ عليّ كتابدار ابن إبراهيم، كتب بخطه الجيد النسخ على ظهر شرح الطوالع للبيضاوي انّه ممّن نظر فيه 950، فيظهر انّه كان من العلماء, وأهل النظر في الكتب، مع انّ توصيف نفسه [الكتابدار للحضرة المقدّسة الغروية] كما حكى بلفظه، ظاهر في كونه من أهل المعرفة بالعلوم وكتبها، والنسخة موجودة في الغروية. وكان معروفاً بـ «الغطاوي» وبيته من ذريته موجودون في النجف حتى اليوم، وبعضهم سكنوا مشهد خراسان قبل أربعين سنة حتى اليوم(34).

3 ـ محمّد حسين كتابدار ابن محمّد عليّ الخادم للحرم الشريف الغروي، وهو من العلماء الأعلام ومشايخ الاجازة، قال الشيخ أغا بزرك(رحمه الله): هو من المصدّقين باجتهاد المير عماد الدين محمّد الحكيم في النجف في 1071، وكتبه بخطه في صحيفة كتب فيها تصديقات كلّ هؤلاء عن خطوطهم وهم نيف وثلاثون من كبار العلماء، والصحيفة كلّها بخط صاحب الترجمة والنسخة عند الآقا نجفي المرعشي شهاب الدين...

وهناك صورة اجازة بخط المترجم له للسيّد الأجل قوام الدين محمّد لقراءة دعاء الإحتجاب المروي عن كميل عن عليّ(عليه السلام)، رواه المترجم له عن المرحوم خاتمة المجتهدين الأمير شرف الدين عليّ الحسيني الحسني الطباطبائي، عن السيّد نور الدين العاملي نزيل مكة المعظمة، عن الشيخ محمّد السبط، عن أبيه صاحب المعالم عن أبيه الشهيد بإسناد، وامضاؤه: العبد محمّد حسين القمي النجفي الخادم الكتابدار في الغري في شهر شعبان المعظم 1098(35).

وقد استفاد أيضاً من الخزانة وبدأ باستنساخ مجموعة كتب بخطه في مختلف العلوم، من كلام ونسب ومسائل خلافية، وكذلك ترجم بعضها الآخر.

قال الشيخ أغا بزرك(رحمه الله): كتب بخطه «الأنوار البدرية» في دفع شبهة القدرية عن نسخة الغروية، وفرغ من الكتابة سلخ ذي الحجة 1086 وأمضى: «محمّد حسين بن محمّد عليّ القمي النجفي أصلاً ومولداً الخادم الكتابدار في الغري»... .

وتوجد بخط المترجم له نسخة كتاب بناء المقالة العلوية في نقض الرسالة العثمانية لابن طاووس، فرغ من كتابتها 1091، كتبها عن نسخة كانت في الخزانة الغروية، وهي كانت بخط ابن داود الرجالي المشهور(36). وله أيضاً ترجمة الرسالة الاعتقادية المنسوبة إلى الإمام الرضا من العربية إلى الفارسية، ترجمها الإمام قلي بك المازندراني(37).

وقال الشيخ جعفر محبوبه: وقف بعض الأعلام على كتاب عمدة الطالب بخطه، فرغ من كتابته سنة 1095 وعليه حواش كثيرة بخطه(38).

4 ـ عبدالرزاق الكتابدار، قال الشيخ جعفر محبوبه: رأيت شهادته بصك مؤرخ سنة 1172(39).

5 ـ محمّد جعفر الكيشوان. ذكره الشيخ جعفر محبوبه.

6 ـ أحمد بن الشيخ جعفر الكتابدار.

7 ـ عليّ بن الشيخ جعفر خضر الكتابدار.

قال عنهما الشيخ جعفر محبوبه: رأيت شهادتهما بصك مؤرخ سنة 1218(40).

8 ـ الشهيدي النجفي كتابدار الغري.

قال الشيخ جعفر محبوبه: رأيت في آخر نسخة من مزار الشهيد المكتوب سنة 1089 كتبه ... عصر الخميس في الخامس والعشرين من شهر جمادى الاُولى في هذه السنة ... النجفي المتخلّص بشهيدي كتابدار الغري (41).

9 ـ وأخيراً عند إعادة تأسيسها بعد سقوط طاغية العراق، تشرّف السيّد هاشم مرتضى الميلاني بأمانتها وإدارتها بترشيح المرحوم الشيخ فارس الحسون رحمه الله مدير مركز الأبحاث العقائدية في قم المقدسة، والذي تأسّس برعاية مكتب المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيّد عليّ السيستاني حفظه الله تعالى، وذلك من شهر شعبان المبارك عام 1425 هـ ق، بعدما أهملت عدّة عقود، وضاعت ثرواتها إلّا القليل منها.

نشاطها الثقاقي:

كان لهذه المكتبة دور هام في النشاط الثقافي، ودعم الحركة العلمية في مدينة النجف الأشرف، لما تمتاز به هذه المكتبة من موقعية وثروة علمية متنوعة، قال الشيخ جعفر محبوبه: «وكان في أوائل القرن العاشر والحادي عشر رجال العلم يترددون إلى هذا المخزن للمطالعة والاستنساخ، فرأيت بعض الكتب المستعارة من هذا المخزن وعليها اسم المستعير والمعير، ويظهر من بعضها انّ هناك غرفتين احداهما صغيرة والأخرى كبيرة فيهما الكتب وعليها قيّم معلوم وفي يده اعارتها واصلاحها» (42).

بل كانت المكتبة مورداً للمراجعة قبل هذا التاريخ بكثير، يشهد لذلك ما ورد في وصفها على لسان السيّد ابن طاووس حيث قال لمّا نقل عن كتاب من كتب الخزانة: «من هذا الكتاب نسخة موقوفة من أراد الوقوف عليها فليطلبها من خزانته المعروفة» (43). ممّا يدلّل على شهرتها آنذاك ومعروفيتها لدى الخاص والعام.

وكذلك ما ورد على ظهر نسخة شرح مقصورة ابن دريد: «هذا ما وقفه السيّد المعظم صدر الدين بن محمّد بن السيّد شرف الدين محمود بن الحسن بن خليفة الآوي، وهو وقف عن عمّه السيّد السعيد أحمد بن الحسن بن عليّ بن خليفة بموجب وصية صدرت عنه على الحضرة الشريفة الغروية وأن لا يخرج منها إلّا برهن يحفظ القيمة، وكتب في رجب سنة 775» (44).

يدلّ هذا النص على انّ عملية الاستعارة من الخزانة والاستفادة من كتبها كانت سائدة آنذاك، فلذا وضع الواقف شروطاً للحفاظ على الكتاب.

وإليك فيما يلي ثبت ببعض من استفاد من كتب هذه المكتبة، فنقل عنها أو فهرسها:

1 ـ يحيى بن عليان الخازن (ق 6) كما ورد في فرحة الغري، انّه رأى على ظهر كتاب في مشهد الغري بخطّ الشيخ أبي عبدالله بن محمّد بن السري المعروف بابن البرسي، زيارة عضد الدولة للمشهدين الغروي والحائري (45).

2 – السيّد ابن طاووس (ت 664 هـ) حيث روى في كتابه الطرائف وسعد السعود والإقبال بعض الروايات نقلاً عن كتب كانت موجودة في الخزانة.

3 – الشيخ خضر الرازي الحبلرودي (ق 9) مؤلّف كتاب التوضيح الأنور، حيث كان ملازماً للخزانة يستفيد منها في تحقيقاته وتأليفاته، قال (رحمه الله)في مقدّمة كتابه المذكور: «أمّا بعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني المتمسّك بالكتاب المبين والعترة الطاهرين بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله)، خضر بن محمّد بن عليّ الرازي الحبلرودي الملازم لخزانة المشهد الشريف الغروي...» (46).

4 – الشيخ إبراهيم الكفعمي (ق 9)، قال صاحب رياض العلماء في ترجمته: «وسماعي انّه1 ورد المشهد الغروي، وأقام به وطالع في كتب الخزانة الحضرة الغروية، ومن تلك الكتب ألّف كتبه الكثيرة في أنواع العلوم» (47).

5 – الشيخ حسن الثاني صاحب المعالم (ت 1101 هـ)، نقل عنه الميرزا عبدالله الأفندي في رياض العلماء(48) انّه رأى المجلد الأوّل من كتاب «الأنوار الإلهية في الحكمة الشرعية» في الخزانة الغروية، ووصفه وصفاً دقيقاً.

6 – العلاّمة الشيخ المجلسي (ت 1111هـ)، كان يتردّد أيضاً على الخزانة، قال في مقدّمة البحار عند وصفه للنسخ المعتمدة في تأليف كتابه: «وكتاب دلائل الإمامة من الكتب المعتبرة المشهورة، أخذ منه جلّ من تأخّر عنه كالسيّد ابن طاووس وغيره، ووجدنا منه نسخة قديمة مصحّحة في خزانة كتب مولانا أميرالمؤمنين(عليه السلام)»(49).

7 ـ الميرزا عبدالله الأفندي (ق 12) صاحب رياض العلماء، وقد وصف كتاب الرجال للشيخ عناية الله القهبائي، وذكر انّه رآه في خزانة كتب حضرة مشهد أميرالمؤمنين(عليه السلام)(50).

8 ـ الشيخ محمّد بن يونس الشويهي (ق 13) استعار كتاب «شرح تهذيب الوصول» من الخزانة، وكتب ذلك بخطّه على ظهر الكتاب، ممّا يدلّل على تردّده واستفادته من الخزانة(51).

9 – الشيخ عباس القمي(رحمه الله)، حيث رأى نسخة من «الشيرازيات» وقال: رأيتها في مشهد مولانا أميرالمؤمنين(52).

10 – كاظم الدجيلي، زار الخزانة في عام 1332 هـ وفهرسها، قال في مقال نشره في مجلة لغة العرب: «وكنّا نشتاق إلى رؤية البقيّة الباقية من تلك الخزانة التي ضاع أكثر كتبها، وفي زيارتنا النجف الأخيرة، وكانت في 12 ربيع الأوّل سنة 1332 هـ - 8 شباط سنة 1914 م، كنّا نجالس في آخر النهار في احدى حجر الصحن الشريف رجل العراق حزماً وثراءً، وحسباً ونسباً، الطائر الشهرة والصيت، السيّد محمّد جواد أفندي الرفيعي قيّم [كليدار] الروضة الحيدرية الحالي على مشرّفها السلام، وفي يوم من الأيّام طلبنا إليه أن يطلعنا على خزانة كتب الأمير(عليه السلام)، فأجاب طلبنا وأمر نائبه السيّد داود أفندي بفتحها ففتحها، وهي حجرة من حجر الصحن ممّايلي شرقي باب القبلة وبقربه، وكان المساعد لنا في تقديم الكتب والمصاحف النائب المومأ إليه، ولم نكتف منها بزيارة واحدة، بل بقينا نتردّد إليها نحو أربعة أيّام نصرف فيها من الوقت أكثر من ساعة» (53).

11 ـ المحدّث النوري(رحمه الله)، كان يتردّد على الخزانة واستنسخ من كتبها كتاب تفسير مرآة الأنوار(54).

12 ـ الشيخ أغا بزرك الطهراني(رحمه الله)، رأى الخزانة عام 1350 هـ وفهرسها فهرسة سريعة، ووزع الفهرس في كتابه الذريعة، وممّا يدلّ على استعجاله في الفهرسة، ما قاله(رحمه الله) في الذريعة عند ذكر كتاب المحيط بصناعة الطب: «لم يكن لي مجال لآخذ فهرس مطالبها، ولعلّ الله يوفق بعض من يظفر بتلك الخزانة أن يستخرج منها الفوائد التي فاتت عنّي» (55).

وكذلك قال عند ذكر كتاب شرح نهج البلاغة لابن العتائقي الحلي: «ولم يتيسّر لي مطالعته مفصّلاً» (56).

وكان(رحمه الله) في بعض الأيّام يذهب وبصحبته الشيخ السماوي، على ما ذكره السيّد محمّد حسين الجلالي حيث قال: «وقد رأيت لشيخنا العلاّمة [أغا بزرك] جرداً لما وقف عليه في الخزانة الغروية، وحدّثني انّه كان بصحبة الشيخ محمّد السماوي، ورأيت في قائمته جملة من كتب ابن العتائقي الموقوفة على الروضة الحيدرية» (57).

13 – السيّد محسن الأمين(رحمه الله)، زار الخزانة عام 1352 هـ وفهرس بعض مخطوطاتها وأوردها في كتابه أعيان الشيعة، قال(رحمه الله) في رحلاته: «وقد زرنا هذه المكتبة الشريفة ورأينا ما بقي منها، أهمها المصاحف الشريفة بعضها مكتوب على الرق (الجلد) ومنسوب إلى خطوط الأئمّة(عليهم السلام)، وبعضها مكتوب على ورق من الخشب الرقيق، وبعضها على الورق، ومنها مصحف منسوب إلى خط مولانا أميرالمؤمنين(عليه السلام) تاريخ كتابته سنة 40، رأيناه فيها في هذا السفر سنة 1352 هـ.

وفيها عدّة من مؤلّفات عبدالرحمن العتايقي الحلي وأظن أنّها بخطه، ورأيت فيها كتاباً يحتوي على قصائد لابن أبي الحديد بخطه في مدح خلفاء بني العباس» (58).

14 – عليّ الخاقاني، كان مصاحباً للسيّد محسن الأمين في زيارته للخزانة(59).

15 – الدكتور حسين عليّ محفوظ، زارها سنة 1377 هـ، وسجل بعض المعلومات عن مخطوطاتها، ونشرها في مجلة معهد المخطوطات العربية المجلد الخامس عام 1959 م.

16 – العلاّمة الأميني(رحمه الله)، قال عنه الاُستاذ الشاكري: «وكان هو من بين المتأخّرين ممّن أدركوا نفائس ما تبقى من مخطوطات المكتبة الحيدرية (الخزانة الغروية) وسبر محتوياتها، ووقف على أوراقها المبعثرة بدقة وإمعان» (60).

17 – الشيخ محمّد السماوي(رحمه الله)، كان أيضاً من المهتمين بشأن هذه المكتبة، قال الشيخ محمّد هادي الأميني(رحمه الله): «وقد بقي في هذه المكتبة عدد صالح من المخطوطات فسعى الفاضل الشيخ محمّد السماوي النجفي في نقلها إلى حجرة من حجر الصحن الشريف، وكانت فيها أوراق مبعثرة فجمع منها عدّة كتب ورتبها» (61).

18 – وأخيراً السيّد أحمد الحسيني، حيث زار هذه الخزانة عام 1390 هـ ق، وجردها جرداً سريعاً فكانت (153) كتاباً، عدا المصاحف النفيسة، ثمّ طبع هذا الفهرس وسمّاه «فهرست مخطوطات خزانة الروضة الحيدرية في النجف الأشرف»، وقال في مقدّمته:

«وكانت فرصة ثمينة أن تشكلت في السنة الماضية هيئة رسمية لجرد الخزانة العلوية وفحص محتوياتها، وبدأت الهيئة في عملها بالمكتبة، ودعتني أن أشاركها لإعطاء بعض المعلومات الفنية عن النسخ، فلبيت طلبها... كان الجرد مستمراً بصورة سريعة، وكان المجال للوقوف على كلّ التفاصيل حول الكتب والنسخ قليلاً لا يسمح بجمع المعلومات الدقيقة التي يجب أن تجمع... .

كنت أكتب ما يمكنني كتابته داخل الخزانة، وبعد انتهاء الوقت ألجأ إلى مكتبة الإمام الحكيم العامة ـ حيث مقر عملي ـ فأقارن ما كتبته عن الكتب مع النسخ المطبوعة والمخطوطة والفهارس العامة لكي أتأكّد من كتابتي، وأجد الأسماء الكاملة للكتب التي بقيت مجهولة عندي، وكثيراً ما لا اُوفق إلى اسم الكتاب أو اسم مؤلّفه، فاُثبته بصورة مجهولة...

وعند رجوعي إلى كتاب الذريعة وفهرس الدكتور محفوظ، رأيت بعض الملاحظات التي لم اُدونها أنا في مذكراتي، ونظراً إلى بعثرة بعض النسخ أو تلفها بسبب عدم العناية التامة بها، لم أجد مبرراً لدرج تلك الملاحظات في هذا الفهرس، حفظاً للأمانة العلمية التي تحتم عليَّ إعطاء صورة صادقة عمّا رأيته أنا، على انّ هذا لا يمنعني عن كتابة المهم من تلك الملاحظات في الهوامش إذا اقتضت الضرورة... » (62).

«وفي الخزانة أيضاً صندوق كبير فيه أوراق مبعثرة من الكتب التي ترجع إلى القرن السابع فما فوق، أظن انّ فيها كتباً كاملة لو حظيت بشيء من العناية والترتيب، وكان بودي ترتيبها وتجليدها ودرجها في هذا الفهرس، إلّا انّ الفرصة كانت قصيرة والمجال لم يتسّع» (63).

هؤلاء بعض الأعلام الذين تردّدوا على المكتبة واستفادوا منها، إمّا في مجال التأليف والتصنيف، أو في مجال وصفها وجرد ما فيها من مخطوطات.

تعداد كتبها:

أمّا بالنسبة إلى تعداد كتبها فلم نعثر على أرقام دقيقة، ولكن شهرة المكتبة وقدمها ومكانتها يقتضي بأن تكون مكتبة كبيرة ضخمة، كما ورد وصفها على لسان السيّد ابن طاووس، والشيخ محمّد عليّ حزين اللاهيجي والشيخ عبد اللطيف الشوشتري – كما مرّ – ممّا يؤيّد مقولة الشيخ عليّ الشرقي(رحمه الله) حيث قال: «وقد ذكر الواعون من النجفيين انّه كان على رفوف المكتبة العلوية عشرات الاُلوف من الكتب ممّا فيها من نسخ القرآن الأثرية وكتب الأدعية والأوراد» (64).

لذا «قد تواترت الروايات عن كثرة الكتب التي كانت تضمّها المكتبة العلوية، وعمّا كانت تحتوي عليه من المخطوطات التي انحصرت بها دون مكتبات العالم الإسلامي، وخصوصاً المصاحف الثمينة المزركشة والمكتوبة بالذهب وبأقلام مشاهير الكتّاب في عصورهم، ممّا اعتبرت من الأعلاق الثمينة ممّا كان يهديها الملوك والاُمراء» (65).

نعم ذكر الشيخ عليّ الشرقي انّها كانت تحتوي على (400) ألف كتاب(66)، وكذلك ذكر كاظم الدجيلي انّها كانت (40) ألف أو (400) ألف(67). وأتصور انّ هذا العدد الهائل [400 ألف] مبالغ فيه إذ لا تسع الروضة بهذا العدد، والمعقول أن تكون (40) ألف أو عشرات الآلاف، والله العالم.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ تحف العقول: 36 ، تاريخ بغداد للخطيب 10: 48.

2 ـ الكافي 1: 52.

3 ـ نفس المصدر 1: 52.

4 ـ البحار 3: 82.

5 ـ راجع خزائن الكتب القديمة في العراق تأليف كوركيس عواد، وخزائن الكتب العربية في الخافقين تاليف الفيكنت فيليب دي طرّازي.

6 ـ تاريخ بغداد 1: 120.

7 ـ ماضي النجف وحاضرها 1: 148.

8 ـ تاريخ وسفرنامه حزين: 221، وانظر ماضي النجف وحاضرها 1: 150.

9 ـ تحفة العالم: 191.

10 ـ الأحلام: 58، موسوعة العتبات المقدّسة 7: 226 .

11 ـ الأحلام: 58 .

12 ـ رحلة ابن بطوطة 1: 109، أعيان الشيعة 1: 330 .

13 ـ الأحلام: 58 .

14 ـ راجع مقدّمة مستدرك الوسائل 1: 47.

15 ـ الاجازة الكبيرة للسيّد المرعشي النجفي: 411 .

16 ـ راجع خزائن الكتب القديمة في العراق: 131، موسوعة العتبات المقدّسة 7: 224.

17 ـ تجارب الأمم 6: 408.

18 ـ يتمية الدهر 2: 257.

19 ـ سير أعلام النبلاء: 16.

20 ـ أحسن التقديم في معرفة الأقليم: 371.

21 ـ فرحة الغري: 154.

22 ـ نفس المصدر: 155 ح 95.

23 ـ الأحلام: 58، موسوعة النجف الأشرف 3: 157 بقلم الشيخ محمّد هادي الأميني.

24 ـ الطرائف لابن طاووس: 137.

25 ـ نفس المصدر: 139.

26 ـ وهو من رواة الرسالة الذهبية للإمام الرضا(عليه السلام)، ولكن ورد باسم يحيى بن محمّد بن علبان بالباء.

27 ـ فرحة الغري: 154.

28 ـ موسوعة العتبات المقدسة 7: 226.

29 ـ عمدة الطالب: 22.

30 ـ ولكن قال ابن عنبة في صفحة 59 بأنّ الحريق كان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة حيث قال: «ولم تزل عمارته [أي عضد الدولة] باقية إلى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة... فاحترقت تلك العمارة» حيث يبدو انّها احترقت في ذلك التاريخ، والصحيح ما ذكره أولاً أي سنة 755هـ.

31 ـ ماضي النجف وحاضرها 1: 151.

32 ـ فرحة الغري: 154.

33 ـ اللباب في تهذيب الأنساب 6: 411.

34 ـ طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر): 160 ، فهرست مخطوطات خزانة الروضة الحيدرية: 50.

35 ـ طبقات أعلام الشيعة (القرن الحادي عشر): 180.

36 ـ نفس المصدر.

37 ـ أعيان الشيعة 6: 136، الذريعة 4: 104، ماضي النجف وحاضرها 1: 151.

38 ـ ماضي النجف وحاضرها 1: 151.

39 ـ نفس المصدر.

40 ـ نفس المصدر.

41 ـ نفس المصدر.

42 ـ نفس المصدر .

43 ـ الطرائف: 137.

44 ـ أعيان الشيعة 5: 422.

45 ـ فرحة الغري: 154.

46 ـ التوضيح الأنور: 14.

47 ـ رياض العلماء 1: 21.

48 ـ نفس المصدر 4: 134.

49 ـ البحار 1: 39 - 40.

50 ـ رياض العلماء 4: 303.

51 ـ الذريعة 13: 166.

52 ـ الكنى والألقاب 3: 7.

53 ـ مجلة لغة العرب: 596، السنة الثالثة عام 1914 م.

54 ـ الذريعة 20: 264.

55 ـ نفس المصدر 20: 162.

56 ـ نفس المصدر 14: 131.

57 ـ فهرس التراث 1: 735.

58 ـ رحلات السيّد محسن الأمين: 106.

59 ـ مجلة الأقلام: 144، الجزء الحادي عشر، عام 1965 م.

60 ـ ربع قرن مع العلاّمة الأميني: 40.

61 ـ راجع موسوعة النجف الأشرف 3: 160.

62 ـ فهرس مخطوطات خزانة الروضة الحيدرية : 12 ـ 13.

63 ـ نفس المصدر: 15.

64 ـ الأحلام: 58 ـ 59.

65 ـ موسوعة العتبات المقدّسة 7: 227.

66 ـ مجلة لغة العرب، السنة الثالثة: 328.

67 ـ مجلة لغة العرب، السنة الثالثة: 595.