إشراقة جديدة ـ خدمات متميّزة:

بعد سقوط طاغية العراق، وما خلّفه للشعب العراقي من فراغ معرفي وثقافي، حيث سدّ الأبواب أمام الروافد الثقافية الأصيلة، واستخدم جميع الوسائل الإعلامية والثقافية لصالحه، ممّا أدّى إلى عطش ثقافي عند أبناء الشعب العراقي، وبعد سقوطه سنحت فرصة مناسبة لإعادة ما أباده وحاربه منذ عدّة عقود.

وبما انّ المكتبات هي أحد الروافد الرئيسيّة للعمل الثقافي، والتطوّر والتقدّم العلمي والمعرفي، حصل اهتمام جاد من قبل مكتب المرجعية العليا في قم المقدّسة لدعم هذا الجانب، فتولّدت فكرة تأسيس مكتبات عامة في العتبات المقدّسة، لتكون مركزاً ثقافياً ومنهلاً عذباً لرواد العلم والفضيلة، ببركة أنوار صاحب المرقد المعنوية والملكوتية.

وقد تبنّى تفعيل هذه الفكرة سماحة المرحوم حجة الإسلام والمسلمين الشيخ فارس الحسون ـ كما مرّ ـ وكان باكورة العمل السعي الجاد لإحياء وإعادة تأسيس مكتبة الروضة الحيدرية لما لها وللنجف الأشرف من ميزة خاصة علميّة ومعنويّة.

فبدأنا بالعمل سويّة، وخاطبنا دور النشر والمؤلّفين، فتمّ اقتناء كتب كثيرة شراء وإهداء، ونُقلت هذه الكتب مع الأثاث المكتبي إلى العراق، وتمّ بحمد الله ـ بعد معاناة كثيرة ـ افتتاح المكتبة في تاريخ 20 جمادى الثاني عام 1426 هـ ق يوم ولادة سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، ولاقت إقبالاً واسعاً لانتسابها إلى باب مدينة علم النبيّ(صلى الله عليه وآله) وكونها بجواره وتحت عنايته، وهي في بداية طريقها نحو النموّ والكمال، لتأخذ في المستقبل القريب دورها الفاعل في النهوض بالواقع الثقافي للعراق الجديد، وتكون مركزاً ومنتدى ثقافياً تجمع أرباب العلم والفضيلة، وتقدّم لهم الخدمات المكتبية المطلوبة، إن شاء الله تعالى.

وقد تمّ لحد الآن تفعيل عدّة أعمال، وتأسيس عدّة أقسام في المكتبة خدمة للباحثين والمراجعين، وبقي بعضها الآخر لم يتم تفعليه إلى أن يحين حينه، أمّا ما تمّ انجازه فهو كما يلي:

1 ـ المكتبة العامة:

وهي القاعة الرئيسية للمطالعة العامة، وتدار على نحو الرفوف المفتوحة، حيث يكون الكتاب أمام القارئ والباحث مباشرة، ممّا يساعده على سهولة وسرعة البحث والاطلاع على تنوع الكتب.

تم تصنيف المكتبة بصورة موضوعية، بأن خصّصنا لكل موضوع خانات خاصة، وتمّ التصنيف كما يلي:

التفسير والمباحث القرآنية.

الحديث الشريف.

الأدب.

اللغة.

الرجال والتراجم.

المسائل الخلافية / الشيعة والتشيع.

الأديان والفرق والمل والنحل.

المتفرقات.

الكتب العلمية / الطب، الرياضيات والعلوم الطبيعية، الفيزياء والكيمياء، علم الفلك، علم النفس، التربية والتعليم، علوم غريبة، علم الحاسوب والانترنت، الزراعة.

التاريخ، الجغرافية والبلدان، العراق، النجف الأشرف.

أُصول الدين وعلم الكلام / التوحيد، العدل، النبوّة، الإمامة، المعاد.

النبيّ (صلى الله عليه وآله).

فاطمة الزهراء عليها السلام.

أهل البيت(عليهم السلام).

الإمام الحسين(عليه السلام).

الإمام السجاد(عليه السلام).

الإمام الباقر(عليه السلام).

الإمام الصادق(عليه السلام).

الإمام موسى الكاظم(عليه السلام).

الإمام الرضا(عليه السلام).

الإمام الهادي(عليه السلام)، الإمام الحسن العسكري(عليه السلام).

الإمام المهدي(عليه السلام).

الإقتصاد وعلم الإجتماع.

القانون والحقوق.

السياسة ونظام الحكم.

الفقه.

أُصول الفقه.

الأدعية والزيارات.

الأخلاق.

الاستشراق.

العرفان والتصوف.

الحداثة ـ العلمانية ـ الفكر المعاصر.

الفلسفة الإسلامية.

الفلسفة الغربية.

اللغات الأجنبية.

المجلات.

الكتب والمكتبات.

الموسوعات والكليات.

أمّا بالنسبة إلى رواد المكتبة فيبلغ عددهم المئات من مختلف المحافظات، ومعظم المراجعين إمّا طلبة الحوزة العلمية، وإمّا طلبة الجامعات وأصحاب الدراسات العليا، حيث انجزت المئات من الرسائل الجامعية داخل المكتبة، وبلغت كتبها عشرات الآلاف، والعمل مستمر لتزويدها بقدر أكبر وأكثر من الكتب، امّا بالشراء من الأسواق الداخلية والخارجية، وامّا بإهداء الكتب من قبل المؤلّفين والمراكز الثقافية والجامعات، وامّا بوقف وإهداء المكتبات الخاصة.

2 ـ المكتبة المختصة بأميرالمؤمنين(عليه السلام):

نظراً لخصوصية انتساب مكتبة الروضة الحيدرية إلى أميرالمؤمنين(عليه السلام)، خصّصنا جناحاً خاصاً للكتب المؤلّفة في الإمام(عليه السلام) وبلغات مختلفة، وصنّفناها تصنيفاً موضوعياً، وبدأنا بموازاة اقتناء الكتب المطبوعة، باستنساخ التراث المخطوط الخاص بأميرالمؤمنين(عليه السلام)، وكذلك سنبدأ باستنساخ التراث العلوي الموجود ضمن الكتب وفي المجلات والدوريات، لتكون عندنا مكتبة تخصصية في أميرالمؤمنين(عليه السلام).

3 ـ المكتبة الصوتية:

نظراً لتطور العلم وسهولة البحث الآلي وشموله، استحدثنا المكتبة الصوتية، وجمعنا فيها الآف الأقراص الليزرية في مختلف العلوم والفنون والبرامج، وكل ما يحتاج إليه الباحث في عمليّة بحثة، والعمل مستمر بتزويدها بقدر أكثر وأكبر من الأقراص المتنوّعة.

4 ـ الفهرسة:

تعدّ الفهرسة المحور الرئيسي للمكتبة، ولولاها لتعذّر الوصول إلى الكتاب، وهناك طرق وأنظمة متعدّدة ومتنوعة للفهرسة عالمية ومحلية، تطوّرت حسب تطور العلم واحتياجات الإنسان، ونحن في المكتبة بعد الفحص عن مجمل تلك الأنظمة العالمية والمحلية، ارتأينا اتباع نظام (L.C.C) العالمي أو نظام مكتبة الكونجرس، المتبع في كبرى المكتبات العالمية.

وذلك لابتنائه على الدقة والشمولية في اختيار العنوان والموضوع والمؤلّف والمصحح والمحقق والناشر وسائر ما يتضمّنه الكتاب، ويسهّل عملية البحث فيه، وهذا النظام يبتني على مبان علمية دقيقة، وله ترقيم خاص يتشكل من الحروف والأعداد حيث يرمز كلّ منها إلى معلومة معيّنة.

وقد قام مسؤول الفهرسة ـ الأخ الفاضل علاء محمّد جواد الأعسم ـ بفتح دورة تعليمية لكادر الفهرسة في المكتبة، وكذلك فتحت دورات تعليمية لمكتبة الروضة الحسينية ومكتبة الروضة العباسية في كربلاء، ونال الأُخوة المشاركون في هذه الدورات شهادة فخرية من قبل العتبة العلويّة المقدّسة، وأظن انّ هذه المكتبات هي الوحيدة التي تعمل وفقاً لهذا النظام في العراق.

5 ـ التنضيد:

مهمّة الاخوة العاملين في هذا القسم تنضيد وإخراج الكتب التي تنشرها المكتبة، مضافاً إلى تنضيد عشرات الكتب المختصّة بأمير المؤمنين(عليه السلام) وبالنجف الأشرف، والتي تمّ نشرها من خلال موقع المكتبة على شبكة المعلومات العالمية.

6 ـ الموقع:

انّ الإرتباط مع شبكة المعلومات العالمية، أصبح اليوم من ضرورات العمل الثقافي للإفادة والإستفادة، ولذا قمنا بتصميم موقع تخصّصي مكتبي، فيه مجموعة معلومات مكتبية مفيدة، زائداً نشاطات المكتبة.

وهذا بالإضافة إلى وضع صفحة خاصة في الموقع تختصّ بأميرالمؤمنين(عليه السلام)، تتوفّر فيها مئات الكتب والأبحاث المختصّة بالإمام بصورة رقميّة ديجيتاليّة، والعمل مستمر بصورة جادّة لتفعيل هذه الصفحة وتكوين مكتبة ديجيتالية ورقمية مختصة بأميرالمؤمنين(عليه السلام).

7 ـ الطباعة والنشر:

يُعد الكتاب هو الرافد الرئيسي للعلم والمعرفة، ورغم تعدّد سبل وآليات إيصال المعلومات للباحث والمطالع في العالم، حافظ الكتاب على قيمته وأهميته بحيث لا يتمكن الباحث أن يستغني عنه.

ونحن بدورنا دعماً للحركة الثقافية وإيجاد ثقافة القراءة عند أبناء الشعب، بدأنا بطباعة ونشر عدّة كتب تراثيّة وثقافية لمؤلّفين ومحققين بارزين، وهناك بعض الأعمال التي قامت المكتبة بتحقيقها أو ترجمتها أو تأليفها ستصدر تباعاً إن شاء الله تعالى.

8 ـ الصيانة والتجليد:

يتكفّل هذا القسم صيانة وتجليد الكتب الموجودة في المكتبة، والتي قد تتلف أو تتمزّق بسبب كثرة الاستفادة منها، أو ما يأتينا ضمن المكتبات القديمة الموقوفة، حيث يحتاج كثير منها إلى صيانة وتجليد وتعفير وما شاكل.

9 ـ الإستنساخ:

نظراً لكثرة البحوث والدراسات الجامعية التي تم انجازها من قبل الباحثين في المكتبة، سيما وبعضهم يأتينا من المحافظات الأُخرى، مع عدم توفّر الكتب عندهم وفي مكتباتهم، تمّ استحداث هذا القسم، تسهيلاً وسرعة لعملية البحث.

10 ـ التاريخ الشفهي:

لقد تمّ تفعيل هذا المشروع بالتعاون مع شعبة الإعلام في العتبة العلوية المقدّسة، وهذا المشروع يهدف إلى توثيق ما حمله صدور العلماء والوجهاء من تجارب ومعلومات تاريخية وإجتماعية وسياسية وغيرها، والتي تندثر وتموت بموت أصحابها، فهو مشروع يحاول استثمار هذه التجارب والمعلومات، وحفظها للأجيال القادمة عن طريق اجراء حوارات صوتية مرئية، ثمّ تصنيفها وأرشفتها.

11 ـ الرسائل الجامعية:

تعدّ الرسائل الجامعية من أهمّ الروافد العلميّة بما تحتوي من دراسات وبحوث جيدة، وهي التراث العلمي والواجهة الحضارية للبلد، وللأسف تبقى في زاوية الخمول وفي رفوف مكتبات الجامعات من دون أن تعمّ فائدتها سائر طبقات المجتمع روّاد المكتبات العامة.

ونحن بدورنا ولأجل إتاحة الفرصة للمطالع، وتهيئة القدر الأكبر من أوعية المعلومات المكتبية، قمنا بتجميع هذه الرسائل الجامعية سواء التي طبعت بصورة محدودة، أو التي وضعت على الأقراص الليزرية، وقد تم بحمد الله لحد الآن تهيئة الآف الرسائل الجامعية وبالتعاون مع الجامعات والكليات والباحثين أنفسهم.

الخاتمة

هذا هو تاريخ هذه المكتبة العريقة، ونبذة مختصرة عمّا مرّت به من ازدهار تارة وخمول تارة أُخرى، وهذا ما تمكّنّا من إنجازه في هذه الفترة الوجيزة بعد افتتاحها وتأسيسها الثالث.

وأنت ترى انّ المكتبة من بدايتها وإلى يومنا هذا شيّدت بجهود وجهاد مستمر من قبل القائمين عليها، وهذا شأن أيّ عمل آخر ثقافي كان أو سياسي أو إجتماعي، إذ ليس للإنسان إلّا ما سعى، وكذلك هي ـ لاستكمال مسيرتها ـ بحاجة إلى جهود وجهاد من قبل الأيادي التي ستتعاقب عليها وتتشرّف بالعمل فيها، لتأخذ موقعها اللائق بها من حيث انتسابها إلى باب مدينة علم النبيّ(صلى الله عليه وآله) مولانا أميرالمؤمنين(عليه السلام)، وتواجدها في العاصمة العلميّة الشيعيّة العريقة، ألا وهي مدينة النجف الأشرف.

وفي الختام أرى لزاماً عليَّ أن أتقدّم بالشكر الجزيل لكلّ من ساهم في بناء هذا الصرح العلمي الشامخ، وأخصّ بالذكر منهم مكتب المرجـــع الأعلى آية الله العظمى السيّد السيستاني حفظه الله تعالى في النجف الأشرف وقم المقدّسة حيث كان له شرف التأسيس والدعم المباشر والمستمر، وأخصّ بالذكر سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني حفظه الله تعالى، ولولا تلك الجهود لما أُنجر ما أُنجز، وكذلك أتقدّم بالشكر الجزيل للقائمين على إدارة العتبة العلوية المقدّسة قديماً وحديثاً، حيث فسحوا لنا مشكورين مجال العمل داخل العتبة.

وكذلك أُقدّم شكري وتقديري للجهود المخلصة التي بذلها الكادر العامل في المكتبة، سواء الذين واكبوا العمل من البداية أو الذين التحقوا فيما بعد، إذ بجهودهم أثمرت تلك المتاعب، وأخص بالذكر منهم الأخ الفاضل علاء محمّد جواد الأعسم حيث تحمّل الكثير لأجل تطوير العمل، وأشكر أيضاً كافة من زوّدنا بالكتب وأوعية المعلومات من المؤلّفين والمحقّقين إلى دور النشر والمراكز الثقافية وغيرها.

فجزاهم الله جميعاً خير الجزاء، ونسأله تعالى أن يتقبّل منّا ومنهم جميعاً، وأن تكون أعمالنا هذه ذخراً لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، إن شاء الله تعالى.

تم في صباح يوم الأربعاء 26 جمادى الثاني عام 1428 هـ ق المصادف 12/7/2007، وأنا بجوار أميرالمؤمنين(عليه السلام) في مكتبة الروضة الحيدرية، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.