إعلام الورى بأعلام الهدى

تأليف

أمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدس سره

من أعلام القرن السادس

المتوفى سنة 548هـ

 

قدم له

العلامة الجليل السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

ترجمة المؤلّف:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة السلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد: فهذه سطور بين يدي كتاب جديد من منشورات المكتبة الحيدرية العامرة، طلب إليَّ الأخ الشيخ محمّد كاظم الكتبي سلّمه الله أن اُصدّره بشيء عن مؤلّفه اُسوة بما قدّمت له من منشوراته القيّمة.

ولمّا كان مؤلّفه من الأعلام المشاهير الّذين جازوا حدود التعريف فسموا على أقلام الباحثين، ولم تسع الصفحات المعدودة لذكر آثاره ومآثره لذلك رأيت أن يكون الحديث عن الكتاب الجديد ومؤلّفه العظيم بما يتناسب وحجم الكتاب لا مع ضخامة الموضوع ومكانة المؤلّف، وذلك في سطور.

وما عسى أن يلم الباحث بالقارئ في هذه السطور عن حياة عظيم سما في عظمته حتّى عدّ من أئمّة التفسير في القرن السادس الهجري، مضافاً إلى ما تبوأ من الصدارة في أكثر فن من العلوم الإسلامية كما يشهد بذلك مؤرّخوه، وقبلهم آثاره الخالدة.

فمن ترى ـ يا قارئي ـ يكون هذا العلم الفذ الّذي قيل عنه نادرة العصر ووحيد الدهر، وهو كذلك بحقّ كان نادرة عصره، حيث ملك القلوب والمشاعر بآثاره الّتي حازت الإعجاب من يومه وحتّى يومنا الحاضر وستبقى كذلك؟

ألا يكون ذلك العلم هو المفسّر الكبير الّذي امتزج في نفسه ناموس العلم بجلال الوحي الإلهي، فانبثقت عنها تفاسيره الثلاثة وفي مقدّمتها تفسيره الكبير (مجمع البيان) الحسنة الباقية، والمدرسة الحية الخالدة، يرتادها مفسروا المسلمين من بعده لأ نّه النموذج الصالح للتفسير الصحيح بالمستوى الرفيع خالياً عن سفاسف المتصوّفة وترهات الرواة ونسيج القصص الاسرائيلي الّذي تطفح به ـ ويا للأسف ـ كتب اُخرى في التفسير.

وأظن انّي في غنى عن الإطناب في تعريف المؤلّف، بعد أن عرف القارئ انّه صاحب (مجمع البيان) الّذي هو من الشهرة والذيوع بمكان، والّذي يغني عن التحدّث عنه وعن مؤلّفه بقولنا كان وكان، فانّه قل أن توجد مكتبة في الشرق الإسلامي، بل وحتّى في الغرب، عامة أو خاصة لا تحتضن هذا التفسير الجليل في رفوفها العالية تقديراً لمكانته السامية، وحيث وعدنا القارئ باقتضاب الحديث عن تلك الشخصية الفذة فانّا نكتفي بالسطور الآتية:

 

1 ـ نسبته:

اختلف الباحثون في نسبته، وانّها إلى أي البلدان، وذهب الأكثر إلى أ نّها نسبة إلى طبرستان وهو غير صحيح، نظراً إلى انّ قانون النسبة يقضي بأن تكون النسبة إليها طبري لا طبرسي، وقد تكفلت كتب البلدان والأنساب ببيان ذلك، على انّ لدينا ما يغنينا عن التمحّل الّذي ذهبوا إليه، وذلك تصريح مؤرّخ معاصر له ذلك هو أبو الحسن عليّ بن زيد البيهقي (ت 565 هـ) فقد قال: أصله من طبرس، وهو منزل بين قاسان واصفهان(1).

وعلى هذا فلا مجال لجميع ما قيل من أنّ أصله من طبرستان أو من طبس أو غير ذلك ممّا لا يرجع إلى هذا القول الّذي صرّح به البيهقي، وقوله حقيق بالاعتبار لأ نّه من معاصري الطبرسي، ولعلّه من معاشريه أيضاً.

وذلك لأنّ الطبرسي ورد بيهق في سنة 523 واستوطنها حتّى مات بها في سنة 548، والبيهقي مؤرّخ بيهق وكاتبها الشهير، وإن كان في تلك البرهة من الزمن الّتي بلغت 25 سنة كثير السفر من بلاده إلى البلاد الاُخرى، إلاّ أنّ الفاحص لكتابيه تاريخ بيهق ولباب الأنساب يجده قد عاد إلى بيهق في تلك المدّة ثلاث مرّات، استدامت احداها أربع سنوات، والمرتين الاُخريين كلّ منهما بما يقرب السنة.

ونظراً لارتباط البيهقي الوثيق بسادة بيهق ونقبائها آل زبارة الّذين تربطهم بالطبرسيين وشائج قربى ـ كما ستأتي الإشارة إلى ذلك ـ يمتنع عادة أن لا يجتمع بالطبرسي ولا يعاشره، إذا لم نجازف في القول ونفترض انّه استفاد منه في العلوم، على أنّ ترجمته له في تاريخه تنبئ عن معرفة تامة وخبرة صادقة واطلاع صحيح.

وطبرس الّتي ذكرها البيهقي لم تذكرها كتب البلدان المتأخّرة، على انّه ورد ذكرها في كتاب البلدان لليعقوبي(2) «من القرن الثالث الهجري».

ولا شكّ انّها لفظة معرّبة عن أصل أعجمي، فهل هو تفرش أو تپرش أو تبرش؟ كلّ ذلك قد ورد في مصنف من القرن الرابع الهجري وهو تاريخ قم للحسن ابن محمّد بن الحسن القمي (ت 378 هـ) فيكون تعريبها الناقص طبرش بالشين المعجمة، كما ورد ذلك في الترجمة الفارسية لتاريخ قم المذكور حيث ورد عن ابن المقفع: ان طبرش هي الّتي استحدثها طبرش بن همدان وأمر بعمارتها(3).

وورد: رستاق طبرش من ناحية همدان اُضيفت إلى قم(4).

كما وردت عبارات مختلفة عن تحديد طبرش منها:

رستاق طبرش داخل وخارج، رستاق طبرش همدان واصفهان، رستاق طبرش همداني واصفهاني، ومن مجموعها يعلم انّه رستاق كبير واسع يشمل مساحات واسعة من حدود اصفهان وكاشان إلى قم وهمدان.

فهي بهذا لا تزال تحتفظ بطابعها الأعجمي حيث وردت بالشين المعجمة وقانون التعريب يقضي بأن تكون بالسين المهملة.

قال أبو منصور الجواليقي في معرفة مذاهب العرب في استعمال الأعجمي: وأبدلوا السين من الشين فقالوا للصحراء: (دست) وهي بالفارسية (دشت) وقالوا: (سراويل) و (إسماعيل) وأصلها (شروال) و (اشماويل) وذلك لقرب السين من الشين في الهمس(5).

وقياساً على ذلك جرى تعريب (بست وطست وطبس) وأصلها (بشت وتشت وتبش).

 

2 ـ ولادته، اسمه، كنيته، لقبه، نشأته:

ولد في العقد السادس من القرن الخامس، حيث يظهر ذلك جلياً من ملاحظة كتابيه مجمع البيان وجوامع الجامع، فقد قال في مقدّمة الأوّل: (وقد كنت في عهد ريعان الشباب وحداثة السن... كثير التشوّق إلى جمع كتاب في التفسير... فتعترض لذلك جوائح الزمان، وعوائق الحدثان ... وهلم جراً إلى الآن، وقد ذرف سني على الستين واشتعل الرأس شيباً)(6).

وذكر في خاتمة المجلد الأوّل: (وفرغ من تأليفه يوم السبت لثلاث بقين من شعبان سنة ثلاثين وخمسمائة)(7).

وقال في مقدّمة جوامع الجامع: (فلقد ذرفت على السبعين سنيّاً)(8).

وقال في خاتمته: (وكان ابتدائي بتأليفه سنة 542)(9).

فيظهر من ملاحظة جميع ما تقدم انّ ولادته كانت في أواخر الستينات من القرن الخامس الهجري، يبدو انّ أباه الحسن بن الفضل الطبرسي أراد أن يحيي ذكر أبيه ويخلّد اسمه فسمّى وليده باسمه (الفضل) وهو اسم يحكي منطوقه عن مفهومه.

وذكر الثعالبي في تتمة اليتيمة ترجمة باسم الفضل بن الحسن بن محمّد الطبرسي وذكر فيها انّه شاب من أهل طوس وذكر له بعض أشعاره فمن المحتمل أن يكون ذلك هو جد المترجم فليراجع.

وكنيته أبو عليّ، ولقبه أمين الإسلام، ولقّب بأمين الملة والإسلام.

وكانت نشأته الاُولى في خراسان، وهي يومئذ تحت حكم السلاجقة، وليس خفي على الباحثين تاريخ خراسان في ذلك العهد، فطوس حاضرة علمية، نبغ منها في ذلك العهد كثير من الأعلام، ولم نعرف عن مشايخه الّذين أخذ عنهم في تلك الحاضرة شيئاً، نعم كلّ ما وسعنا الاطلاع عليه في المقام هو:

 

3 ـ شيوخه في الرواية:

فقد ذكرت المصادر المعنية انّه يروي عن جماعة من الأعلام وهم:

1 ـ السيّد أبو طالب محمّد بن الحسين الحسيني القصبي الجرجاني، وقد أخبره هذا السيّد بجميع كتاب أخبار أبي هاشم الجعفري للشيخ أبي عبدالله أحمد ابن محمّد بن عيّاش، صرّح بذلك في الفصل الثالث من أخبار الإمام الجواد(عليه السلام)في كتابه إعلام الورى.

2 ـ السيّد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني القايني، صرح بروايته عنه في مجمع البيان(10)، فعلى هذا لا وجه لما ذكره الخونساري في الروضات من أنّ السيّد أبا الحمد المذكور من تلاميذ المترجم له، وقد تبعه على هذا الخطأ محقق ومصحح إعلام الورى المطبوع حديثاً في ايران سنة 1379 في مقدّمة الكتاب.

3 ـ الشيخ أبو عليّ الحسن ابن الشيخ الطوسى.

4 ـ الشيخ أبو الوفاء عبدالجبّار بن عبدالله بن عليّ المقري النيسابوري الرازي، ويلقّب كلّ من هذين الشيخين بالمفيد، وصرّح بروايته عنه في إعلام الورى في مناقب الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)، ومجمع البيان(11).

5 ـ الشيخ الحسن بن الحسين بن الحسن بن بابويه القمي الرازي، وهو جد منتجب الدين ابن بابويه صاحب الفهرست، صرّح بروايته عنه ولده(12).

6 ـ الشيخ موفق الدين الحسين بن أبي الفتح الواعظ البكرآبادي الجرجاني (ت 536 هـ)، صرّح بروايته عنه ولده(13).

7 ـ الشيخ أبو الفتح عبدالله بن عبدالكريم بن هوازن القشيري (ت 477 هـ)(14)، وفي عدّ الرجل من مشايخ المترجم له نظر لما سبق من تقريب ولادته قبل سنة 470 بقليل، فإذا صحت روايته عن القشيري (ت 477 هـ) فيكون قد سمع منه وهو دون العاشرة، وهو أمر يلفت النظر وينبه عليه غالباً.

8 ـ الشيخ أبو الحسن عبيدالله بن محمّد بن الحسين البيهقي، ذكره المحدّث النوري(15)، وحكى ذلك عن المجمع في تفسير سورة طه، ولم أعثر عليه في ذلك عاجلا.

9 ـ الحاكم الموفق بن عبدالله العارف النوقاني، وهو من مشايخ العامة، روى عنه في الفصل الثالث من أخبار الإمام الرضا(عليه السلام) من كتابه إعلام الروى.

10 ـ الشيخ أبو عبدالله جعفر بن محمّد الدوريستي، ذكر ذلك التستري(16).

11 ـ الشيخ أبو القاسم محمود بن حمزة بن نصر الكرماني المعروف بتاج القرّاء الكرماني، ذكر أبو الحسن البيهقي انّه اختلف إليه(17)، ولم يذكر أخذ المترجم له عن هذا الشيخ سواه.

وتاج القرّاء هذا كان عجباً في دقة الفهم وحسن الاستنباط، وله تصانيف في التفسير والنحو، ذكرها مترجموه(18).

 

4 ـ تلامذته:

وحيث انتهينا من ذكر شيوخه نذكر للقارئ أسماء المستفيدين والمنتهلين من نمير علومه، وبالرغم من سكوت المصادر عن ذكر تلامذته في مدرسة باب العراق في بيهق الّتي كانت قد فوضت إليه كما يقول البيهقي، فانّها ـ المصادر ـ لم تبخل بأسماء بعض من روى عنه، وهم:

1 ـ الشيخ الجليل رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل الطبرسي ـ ولده ـ صاحب كتاب مكارم الأخلاق، وقد صرّح فيه بروايته عن أبيه.

2 ـ الحافظ محمّد بن عليّ بن شهرآشوب السروي المازندراني (ت 588 هـ) بحلب صرّح بروايته عن شيخه الطبرسي في كتابيه(19).

3 ـ الشيخ منتجب الدين عليّ بن عبدالله بن الحسن الملقب بحسكا الرازي القمي، صرّح بقراءته على المترجم له بعض تصانيفه في فهرسته(20).

4 ـ السيّد الجليل الإمام ضياء الدين فضل الله بن عليّ بن عبيدالله الحسيني الراوندي الكاشاني، عدّه في المقابيس من تلاميذ المترجم له(21).

5 ـ الشيخ الإمام قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي، المعروف بالقطب الراوندي، عدّه في المقابيس من تلاميذ المترجم له.

6 ـ السيّد عز الدين شرفشاه بن محمّد الحسيني الأفطسي النيسابوري من آل زبارة، عدّه في رياض العلماء من تلاميذ المترجم له، وهذا السيّد تشرّف بزيارة المرقد العلوي على ساكنه السلام، وسكن في النجف مجاوراً حتّى مات بها وإليه ينسب جبل شرفشاه في محلة العمارة وقد أُزيلت معالمه أيام الحكم الصدامي.

7 ـ الشيخ أبو محمّد عبدالله بن جعفر بن محمّد الدوريستي، عدّه في رياض العلماء من تلاميذ المترجم له.

8 ـ الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي، عدّه في الرياض من تلاميذ المترجم له.

9 ـ الشيخ برهان الدين بن محمّد بن عليّ القزويني الهمداني، عدّه البحراني من تلاميذ المترجم له في الرواية عنه(22).

وإذا كان التاريخ شحيحاً بأسماء تلامذته جميعاً فكذلك هو في...

 

5 ـ مصنّفاته:

فانّ البيهقي وهو مؤرّخ خبير معاصر للمترجم له، ومواطن له في بيهق طيلة خمس وعشرين سنة، يذكر عن المترجم له أنّ له تصانيف كثيرة، وإذا رجعنا إلى فهرستي تلميذيه الشيخين منتجب الدين وابن شهرآشوب نجد مجموع ما يسجّلان من تصانيفه أقل من عشرة، وهذا عدد ليس بالكثير، ويمكن أن يكون ذلك ما روياه عنه حتّى تاريخ اجتماعهما به، وعليه فالبيهقي على دعواه وهو أبصر بالمترجم له في ربع القرن الأخير من حياته، مضافاً إلى انّه شيخ رواية لابن شهرآشوب.

أمّا ما حفظته سائر كتب التراجم من مصنّفاته فانّه لا يبلغ العشرين وهو عدد قد لا يوصف بالكثرة أيضاً، ومهما يكن التاريخ شحيحاً من حيث الكم إلاّ انّه ليس كذلك من حيث الكيف، إذ حفظ جملا تنبئ عن حسن تلك المصنّفات وكثرة النفع فيها، كما تنبئ عن الطابع الّذي تحلت به بعض مصنّفاته، فقد قال البيهقي: وتصانيفه كثيرة، والغالب على تصانيفه الاختيار، والاختيار أعلى مرتبة من الكتب، فانّ اختيار الرجل يدلّ على عقله، مثلا اختار من كتاب المقتصد في النحو اختياراً حسناً في غاية الكمال، واختياره من شرح الحماسة للمرزوقي في غاية الحسن، واختار من تفسير الإمام الزمخشري اختياراً في غاية الجودة، وصنّف في التفسير مصنفاً في عشر مجلدات، وله كتب اُخرى كثيرة، وفي علوم الحساب والجبر والمقابلة كان المشار إليه... اهـ .

أمّا الباقي من أسماء مصنّفاته فهو:

1 ـ الاختيار من شرح الحماسة ـ الطائية ـ للمرزوقي (ت 421 هـ)، رآه أبو الحسن البيهقي فذكره وقال عنه: واختياره من شرح الحماسة للمرزوقي في غاية الحسن(23).

2 ـ الاختيار من المقتصد في النحو، والمقتصد هو لعبد القاهر الجرجاني شرح فيه كتاب الايضاح لأبي عليّ الفارسي، رآه أبو الحسن البيهقي، وقرّضه بقوله: اختار من كتاب المقتصد في النحو اختياراً حسناً في غاية الكمال(24).

3 ـ الآداب الدينية للخزانة المعينية، كتبه باسم الخواجه أتابك أبي نصر أحمد ابن الفضل بن محمود، وقد أطراه في مقدّمته كثيراً، والكتاب مرتب على 14 فصلا، وقد ذكره منتجب الدين وابن شهرآشوب ونسخته موجودة.

4 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى: وهو كتابنا هذا، وسنخصه بالحديث بعد ذلك.

5 ـ تاج المواليد ذكره له تلميذاه منتجب الدين في الفهرست وابن شهرآشوب في المعالم، ولم يعيّن موضوعه، إلاّ أنّ شيخنا المغفور له الحجة الشيخ آغا بزرك ذكر انّه في الأنساب(25)، واستقرب أن يكون هو المذكور قبل ذلك(26) والمنسوب إلى أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي فانّ ذلك في الأنساب.

وإنّي لا يسعني المصادقة على ما ذهب إليه شيخنا المغفور له(رحمه الله)، فانّ استبعاده أن يكون كتاباً باسم تاج المواليد في الأنساب لأبي منصور الطبرسي في غير محلّه، بعد أن يكون المؤرّخ البيهقي (ت 565 هـ) والمعاصر للطبرسيين معاً ذكر انّ كتاباً باسم تاج المواليد في الأنساب لأبي منصور، وقد ذكره مكرراً في كتابه لباب الأنساب (مخطوط) فقال في فصل الرموز الّتي يجب أن يعرفها النقيب في الأنساب: (تاج) هو علامة كتاب تاج المواليد من تصنيف أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب(27).

وحيث عدّه فيما سبق من كتابه في فصل ذكر من صنّف في علم الأنساب في البلدان، وعدّ منهم برقم 23 أبا منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي... اهـ(28).

فتبين لنا ان تاج المواليد في الأنساب هو كتاب أبي منصور الطبرسي.

ولا مانع من كون كتاب أبي عليّ الطبرسي ـ المترجم له ـ أيضاً اسمه تاج المواليد كما ذكراه تلميذاه، إلاّ أ نّهما لم يذكرا موضوعه، ولعلّ فيما حكاه شيخنا المغفور له في الذريعة عن الشيخ أحمد بن سليمان آل أبي ظبية ونقله في كتابه (عقد اللآل في مناقب النبيّ والآل) عن تاج المواليد لأبي عليّ الطبرسي ـ المترجم له ـ ما يوحي بانّ موضوع تاج المواليد للمترجم له يلتقي وموضوع عقد اللآل في نقطة واحدة وهي تسجيل المناقب.

6 ـ جوامع الجامع: هو آخر تفاسيره الثلاثة تأليفاً، وأوسطها حجماً لذلك يعبّر عنه بالوسيط فهو أصغر من مجمع البيان وأكبر من الكاف الشاف ألّفه بعدهما وانتخبه منهما بالتماس ولده رضي الدين الحسن صاحب مكارم الأخلاق كما صرّح بذلك في أوّله، وأكمله في اثنى عشر شهراً تيمناً بالأئمة الاثنى عشر كما صرّح بذلك في آخره حيث شرع فيه 18 صفر سنة 542، وفرغ منه 24 محرم سنة 543 وهو مطبوع بطهران سنة 1321 طبعة حجرية.

7 ـ الجواهر وقد يسمّى جواهر النحو لأ نّه في النحو، ويسمّى أيضاً جواهر الجمل ولعلّ ذلك من اقتفاء مؤلّفه أثر الإمام عبدالقاهر الجرجاني (ت 474 هـ) في كتابه الجمل حيث اقتدى به في هذا الكتاب وهو مرتب على الأبواب.

وشكّ في صحة نسبته إلى المترجم له صاحب الرياض وقال: ظني انّه من مؤلّفات الشيخ شمس الدين الطبرسي النحوي الّذي ينقل عنه الكفعمي في البلد الأمين بعض الفوائد النحوية.

وقد نسب في فهرست الخزانة الرضوية إلى الشيخ أبي عليّ الفارسي (ت 377 هـ)(29)، وهذا لا يلائم ما في أوّل الكتاب من أنّ المؤلّف اقتدى فيه بالجرجاني الّذي ولد بعد موت أبي عليّ الفارسي بسنين، وتوفّى سنة 474، ولزيادة الايضاح راجع الذريعة(30).

8 ـ غنية العابد ومنية الزاهد، ذكره تلميذه المنتجب في فهرسته.

9 ـ الفائق، ذكره تلميذه ابن شهرآشوب، وقال عنه: حسن(31).

10 ـ الكاف الشاف من كتاب الكشّاف، وهو التفسير الوجيز في مجلدة واحدة، ذكره بنفسه في مقدّمة تفسيره جوامع الجامع، وقال عنه أبو الحسن البيهقي: واختار من تفسير الإمام الزمخشري اختياراً في غاية الجودة.

11 ـ مجمع البيان لعلوم القرآن، هو التفسير الكبير في عشر مجلدات اقتفى فيه أثر شيخ الطائفة الطوسي في تفسيره التبيان الّذي قال عنه المترجم له في مقدّمة المجمع: الكتاب الّذي يقتبس منه ضياء الحق ويلوح عليه رواء الصدق.

وقد صنّف هذا التفسير إجابة لمطلوب الشريف السيّد جلال الدين أبي منصور محمّد بن يحيى بن هبة الله الحسيني الزباري، وستأتي الإشارة إلى هذا التقديم في الحديث عن إعلام الورى ـ كتابنا هذا ـ وقد أنبأ به تلميذه الحافظ ابن شهرآشوب(32).

وقد طبع هذا الكتاب الجليل مكرراً في طهران وقم وصيدا وبيروت ومصر، وفي مقدّمة كلّ هذه الطبعات تعريف بالمؤلَّف وثناء على المؤلِّف، ولكن جميع من قدّموا تلك الطبعات لم يعرّفوا لنا الشريف المهدى إليه الكتاب، والّذي أثنى عليه المؤلّف في مقدّمة كتابه ثناءً جميلا وأطراه كثيراً، فلم يشيروا إليه ببنت شفة حتّى كأ نّه من مجاهيل القرون الخالية.

ومن خيرة الكلم الطيب في الثناء على تفسير مجمع البيان ما جاء به قلم مناوئ عنيد وحسبنا بذلك شاهداً اعتراف (محمّد حسين الذهبي) في كتابه التفسير والمفسرون فقد قال: (والحقّ أنّ تفسير الطبرسي ـ بصرف النظر عمّا فيه من نزعات الشيعة وآراء اعتزالية ـ كتاب عظيم في بابه يدل على تبحّر صاحبه في فنون مختلفة من العلم والمعرفة، والكتاب يجري على الطريقة الّتي أوضحها لنا صاحبه، في تناسق تام وترتيب جميل، وهو يجيد في كلّ ناحية من النواحي الّتي يتكلّم عنها، فإذا تكلّم عن القراءات ووجوهها أجاد، وإذا تكلّم عن المعاني اللغوية للمفردات أجاد، وإذا تكلّم عن وجوه الإعراب أجاد، وإذا شرح المعنى الإجمالي أوضح المراد، وإذا تكلّم عن الأحكام تعرض لمذاهب الفقهاء، وجهر بمذهبه ونصره إن كانت هناك مخالفة منه للفقهاء، وإذا ربط بين الآيات آخى بين الجمل، وأوضح لنا عن حسن السبك وجمال النظم، وإذا عرض لمشكلات القرآن أذهب الإشكال وأراح البال، وهو ينقل أقوال من تقدّمه من المفسّرين معزوّة لأصحابها، ويرجّح ويوجّه ما يختار منها، وإذا كان لنا بعض المآخذ عليه فهو تشيعه لمذهبه وانتصاره له... غير أن الحقّ يقال: ليس مغالياً في تشيّعه ولا متطرفاً في عقيدته...)(33).

12 ـ النور المبين، ذكره تلميذه ابن شهرآشوب(34).

هذه هي تصانيف الشيخ الطبرسي الّتي صحت نسبتها إليه، أمّا الّتي ترددت نسبتها بينه وبين غيره، أو الّتي لم نعثر على تصريح من مصدر قديم موثوق به كمصنّفاته نفسه أو مصنّفات معاصريه يصحح نسبتها إليه فهي:

1 ـ أسرار الإمامة، نسب إليه راجع بشأنه الذريعة(35).

2 ـ حقائق الاُمور في الأخبار، نسبه إليه الخوانساري(36).

3 ـ عدّة السفر وعمدة الحضر، نسبه إليه الكفعمي في البلد الأمين ونقل عنه(37).

4 ـ العمدة في اُصول الدين والفرائض والنوافل ـ فارسي ـ مردد النسبة بينه وبين الشيخ عماد الدين الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن الحسن الطبرسي المازندراني، الشهير عند الفقهاء بعماد الدين الطبرسي، معاصر للخواجه نصير الدين الطوسي والعلاّمة الحلي ـ القرن الثامن ـ (38).

5 ـ مشكاة الأنوار في الأخبار، نسبه إليه في الروضات، وفرّق بينه وبين كتاب حفيده المسمّى أيضاً باسمه (مشكاة الأنوار) بأنّ الأوّل في الأخبار، والثاني في الأدعية، والّذي يطلع على كتاب الحفيد يعرف انّه أيضاً في الأخبار فلاحظ.

6 ـ معارج السؤول، نسبه إليه في الروضات.

7 ـ نثر اللئالي، نسبه إليه في الروضات.

8 ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، نسبه إليه في الرياض والروضات، ومن الغريب نسبته إليه، مع انّ الكتاب تأليف الحاكم أبي القاسم الحسكاني، وقد صرّح بذلك نفس الشيخ الطبرسي في مجمع البيان(39) وغيرها.

وأغرب من ذلك انّ السيّد القاضي في مقدّمة جوامع الجامع ط الأوفست أصر على نسبة الكتاب إليه مستنداً إلى انّه ذكره في ذيل آية (يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(40) ولدى مراجعة المورد في الكتاب وجدنا النقل صريحاً عن الحسكاني في شواهد التنزيل فليلاحظ(41).

هذه هي الكتب الّتي نسبت إليه، ولم تدفع نسبتها قبل هذا فيما أعلم، وقد كان فيما ينسب إليه كتاب الاحتجاج لأبي منصور الطبرسي ـ معاصره ـ ولكنها نسبة لم تثبت ولم تدم طويلا حتّى دحضت، ومهما يكن أمر هذه المصنّفات سواء صحت نسبتها كسابقتها أم لم تصح، فانّها جميعاً وما سبقها من مصنّفات ثابتة النسبة لم نقف فيها على اسم كتاب فقهي، وهو أمر يلفت النظر فانّ الرجل كان فقيهاً، وتنقل عنه بعض الآراء الفقهية، كرأيه في مسألة اتحاد الفحل في الرضاع الموجب لنشر الحرمة، حيث نسب إليه القول بعدم اشتراط الاتحاد في اللمعة.

قال الشهيد الأوّل: (وأن يكون اللبن لفحل واحد، فلو أرضعت المرأة جماعة بلبن فحلين لم يحرّم بعضهم على بعض، وقال الطبرسي صاحب التفسير(رحمه الله): لا يشترط اتحاد الفحل لأ نّه يكون بينهم اُخوة الاُم وهي تحرّم التناكح)(42)، وكذلك نقل الشهيد الثاني في المسالك.

وهذا الرأي اقتبسه فيما أعتقد من المجمع حيث قال في معنى آية المحرمات النسبية والسببية قال: (وَأخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ)(43) يعني بنات المرضعة وهن ثلاث: الصغيرة الأجنبية الّتي أرضعتها اُمك بلبن أبيك سواء أرضعتها معك أو مع ولدها قبلك أو بعدك. (والثانية) اُختك لاُمك دون أبيك وهي الّتي أرضعتها اُمك بلبان غير أبيك. (والثالثة) اُختك لأبيك دون اُمك وهي الّتي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك، واُم الرضاعة واُخت الرضاعة لولا الرضاعة لم تحرما، فانّ الرضاعة سبب تحريمهما، وكلّ من تحرم بالنسب من اللائي مضى ذكرهن تحرم أمثالهن بالرضاع لقول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): (انّ الله حرّم من الرضاعة ما حرم من النسب... الخ).

وقد استوجه الرأي شيخنا الشهيد الثاني(رحمه الله) في الروضة البهية، وقال: وهو متجه لولا ورود النصوص عن أهل البيت(عليهم السلام) بخلافه، وهي مخصصة لما دلّ بعمومه على اتحاد الرضاع والنسب في حكم التحريم اهـ .

وله رأي آخر اشتهرت نسبته إليه تقريباً بين علمائنا وهو القول بأنّ الذنوب كلّها كبائر وليس فيها صغيرة، وإنّما تسمى صغيرة باضافتها إلى ما هو أكبر عقاباً منها.

وهذا الرأي أيضاً موجود في المجمع(44)، على انّ الشيخ الطوسي في التبيان وأبا الفتوح الرازي في روح الجنان ذهبا إلى نفس ما ذهب إليه الشيخ الطبرسي(45).

كما انا لم نجد في قائمة مصنّفاته كتاباً في الحساب أو الجبر أو المقابلة وهو الّذي كان مبرزاً فيها حتّى كان يشار إليه.

قال أبو الحسن البيهقي: وفي علوم الحساب والجبر والمقابلة كان المشار إليه، ومن كان مشاراً إليه في فن بعيد أن لا يكون قد كتب فيه شيئاً.

 

6 ـ شعره:

لم يذكر مترجموه غير البيهقي شيئاً من أشعاره على انّه كان شاعراً مكثراً منذ أيّام الصبا، ولكن البيهقي وهو معاصره ومواطنه طيلة ربع قرن قال عنه: وله أشعار كثيرة أنشأها أيّام الصبا، وذكرنا بعضها في كتاب الوشاح ـ ويعني كتابه وشاح دمية القصر ـ ومن جملتها:

إلهي بحقّ المصطفى ووصيه *** وسبطيه والسجاد ذي الثفنات

وباقر علم الأنبياء وجعفر *** وموسى نجي الله في الخلوات

وبالطهر مولانا الرضا ومحمّد *** تلاه عليّ خيرة الخيرات

وبالحسن الهادي وبالقائم الّذي *** يقوم على اسم الله بالبركات

أنلني إلهي ما رجوت بحبّهم *** وبدّل خطيئاتي بهم حسنات

وقد ورد في مقدّمة مجمع البيان ثلاثة أبيات في مدح السيّد الأجل جلال الدين الحسيني المهدى إليه الكتاب والمؤلّف برسم خزانته وهي:

حتّى يحوز من المنى غاياتها *** متلقياً بيمينه راياتها

ويفوز بالآمال غير مدافع *** يتلو عليه سعده آياتها

وتظل شمس المجد في ساحاته *** تجلو عليه جرمها بأناتها

كما ورد في مقدّمة كتابنا هذا ـ إعلام الورى ـ في مدح حضرة الملك علاءالدين عليّ الّذي قدم له الكتاب هذه الأبيات:

لأ نّها الغاية القصوى الّتي عجزت *** عن أن تأمل إدراكاتها الهمم

ما تستحق ملوك الدهر مرتبة *** إلاّ لصاحبها من فوقها قدم

فرأيه إن دجا ليل الشكوك هدى *** وظله إن خطا صرف الردى حرم

وكذلك ورد هذان البيتان في مدح الملك المذكور ورعايته للعترة الطاهرة:

فكلّ أروع من آل النبيّ نجد *** جذلان يرفل من نعماه في حلل

فلو أجاب كتاب الله سائله *** من خير هذا الورى لم يسم غير (عليّ)

ولا يخفى ما في هذين البيتين من حسن التورية، وإذا صدق الظن فانّ هذه الأشعار في مقدّمة كتابيه من نظمه.

وقد نقل القفطي(46) ـ وقد ترجم الشيخ المؤلّف الطبرسي ـ نماذج شعرية نقلها عن كتاب الوشاح للبيهقي المذكور مقدّمة بقول البيهقي عن المؤلّف: أمّا الأدب فمنه توقد جمره، وأمّا النحو فصدره وكرُه، وله شعر منه قوله:

أُطيّب يومي بذكراكم *** وأسعد نومي برؤياكم

لئن غبتم عن مغانيكم *** فإنّ فؤادي مغناكم

فلا بأس إن ريب دهري أتى *** بما لا يسر رعاياكم

فنصر من الله يأتيكم *** وفضل من الله يغشاكم

وعقد ولائي لكم شاهد *** بأ نّي فتاكم ومولاكم

لكم في جدودكم أسوة *** إذا ساءكم عيش دنياكم

وكم مثلها أفرجت عنكم *** وحط بها من خطاياكم

كما صُفّي التبر في كوره *** كذلكم الله صفّاكم

وله:

قل للّذي يبغي إلى قصر العلا *** دَرَجاً على لغب به وقصور

أقصر فقد خُلق المحامد والعلا *** لمحمّد بن أخي العلا منصور

غيث إذا غيض المكارم خِضرم(47) *** ليث إذا حمي الحمام هصور

وتقاصرت أيدي الورى عن مبتغي *** كرم عليه سوى الورى مقصور

لو عصر من خدّيه ماء حيائه *** قُدح(48) العلا من مائه المعصور

ولعلّ الباحث في طي مؤلّفاته وسائر المصادر الاُخرى يجد أكثر من هذا.

 

7 ـ ربع قرن في بيهق:

إنفرد فريد خراسان أبو الحسن البيهقي بتحديد تاريخ هجرة المترجم له من خراسان مشهد إلى بيهق، وانّها في سنة 523 هـ، ولكنه ـ مع الأسف ـ سكت أُسوة بالمصادر الاُخرى فلم يفصح عن سبب تلك الهجرة من ذلك البلد الطيب ومجاورة ذلك المشهد الطاهر.

وإذا رجعنا إلى المصادر التاريخية نستجوبها عن الحوادث الّتي يمكن أن ننتزع منها سبباً لهجرة المترجم له من وطنه، نجدها سخية في سرد الحوادث في ذلك الحين، ونحن نلخص للقارئ أهم ما يمكن افتراضه سبباً في المقام وهي:

1 ـ كثرة الاختلاف بين الاُمراء والحاكمين من السلجوقيين وتنازعهم السلطة في شتى البلدان الخاضعة لسلطانهم، وتنافس الاُمراء على عرش السلطنة المطلقة يبعث دائماً على اضطراب الأمن وفقد الطمأنينة في البلاد، وهذا كاف في ابتعاد كثير من العلماء الربّانيين عن مركز الفتن الّتي كانت في خراسان بعامة ربوعها حيث كانت خراسان في أوائل القرون الوسطى تطلق بوجه عام على جميع الأقاليم الإسلامية في شرق المفازة الكبرى حتّى حد جبال الهند.

وكان اقليم خراسان في أيّام العرب ينقسم إلى أربعة أرباع، نسب كلّ ربع إلى إحدى المدن الأربع الكبرى الّتي كانت في أوقات مختلفة عواصم للإقليم بصورة منفردة أو مجتمعة، وهذه المدن هي: نيسابور، ومرو، وهراة، وبلخ(49).

ومن الطبيعي أن تكون مرو وهي إحدى العواصم الكبرى لحكومات السلجوقية إن لم نقل بأ نّها المركز العام لاقليم خراسان، وهي ميدان الصراع ومنبع الفتن والاضطرابات.

2 ـ وفاة الوزير معين الدين أبي نصر أحمد بن فضل بن محمود الكاشاني، الّذي كان وزيراً للسلطان سنجر بن ملكشاه الّذي حكم خراسان منذ سنة 490، وكان في مركزه شبه رئيس للبيت السلجوقي(50) وكان الوزير المذكور قد وزّر للسلطان سنجر في سنة 520، وقوي في مركزه شأن المملكة وحظى بثقة السلطان حتّى لقّب بمختص الملك، فناوأه كثير من أهل العبث والفساد، ومنهم الأركزيني ـ وزير الدولة بالعراق ـ (فدس إليه جماعة من الملاحدة وسيّرهم إلى خراسان، فتوصل بعضهم إلى أن خدم في اصطبل الوزير المختص سائساً لدوابه، فأراد يوماً عرض الخيل، فحضر ذلك السائس وهو عريان وقد خبأ سكينته في ناصية حصان، فأطلق حصانه من يده حتّى شغب واستخرج السكين وتعمد مقتل الوزير فأصابه، وعظم على الكرام مصابه، وبضع السائس في الحال تبضيعاً، ومزعوه تمزيعاً وذلك في شهر ربيع الأوّل سنة 521)(51).

وكانت الصلة بين الشيخ المترجم له وبين الوزير المذكور وكيدة والعلاقة وثيقة حتّى ألّف له وسمّى باسمه كتابه (الآداب الدينية للخزانة المعينية) وكان الوزير المذكور موئلا لأهل الرجاء(52)، ولمّا مات الوزير المذكور ماتت آمال المحسوبين عليه.

3 ـ هجرة السادة آل زبارة إلى بيهق وهم كانوا نقباء خراسان ـ مرو ـ وساداتها، وكانت لهم مصاهرة مع الطبرسيين كما سبق ذكر ذلك آنفاً.

هذه حوادث يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار في مقام افتراض سبب لهجرة المترجم له من خراسان ـ مرو ـ .

بقي علينا أن نبحث عن سبب اختياره بيهقاً دار هجرة دون غيرها من البلاد الّتي هي أكثر طمأنينة وأبعد عن مخلب الحوادث، وحيث لم نقف على نص في ذلك، يمكن إرجاع السبب إلى ما سبق من ثالث الاُمور المفترضة آنفاً وهو وجود السادة آل زبارة في بيهق ومركزهم الرئيسي في نيسابور منذ أيّام جدّهم أبي جعفر أحمد زبارة الّذي أتى من المدينة إلى نيسابور في أيّام الداعي الحسن بطبرستان (القرن الثالث) بدعوة من الزيدية وقالوا له: أنت أولى بالإمامة من الداعي، فأتى طبرستان وبعد حوادث يطول المقام بذكرها نزل آبه بين الري وقم، ومنها انتقل إلى نيسابور، وأقام بها وانتشر عقبه، وكانت فيهم الرياسة والنقابة ومنهم العلماء والاُدباء والنقباء(53).

وتقع بيهق في ربع نيسابور حسب تقسيم البلدانيين، وكانت كما يقول ياقوت: (ناحية كبيرة وكورة واسعة، كثيرة البلدان والعمارة من نواحي نيسابور، تشمل على ثلاثمائة وإحدى وعشرين قرية بين نيسابور وقومس وجوين، وكانت قصبتها أوّلا خسروجرد ثمّ صارت سابزوار... وقد أخرجت هذه الكورة من لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء والاُدباء ومع ذلك فالغالب على أهلها مذهب الرافضة الغلاة)(54).

أظن انّ ذلك هو الّذي حبّب سكناها للمترجم له، ومهما يكن السبب فقد انتقل إلى بيهق في سنة 523 واستوطن بها، وفوّضت إليه مدرسة باب العراق، ولم نعرف عن هذه المدرسة شيئاً حتّى الآن، لكن من المطمئن به أنّ معنى ذلك التفويض هو القيام بشؤون طلابها وتدريسهم وتهذيبهم مهما كانت مناهجها الدراسية.

ولقد شاهد في ربع القرن الأخير من عمره في بيهق حوادث ذات شأن وهي:

1 ـ في سنة 526 يوم الأحد 11 صفر نزل السلطان سنجر مع عسكره في بيهق مدّة خمسة عشر يوماً بالقرب من قصبة خسروجرد، وأقام بها مدّة خمسة عشر يوماً(55).

2 ـ في سنة 525 جاء إلى بيهق القائد آق سنقر مع خيل الأمير روسپه السلطانية، وقتل أهل طرثيث في قرية يتج(56).

3 ـ في سنة 536 جاء الأمير قجق السلطاني إلى بيهق وخرب قرية طزر وقتل جماعة من أصحاب القلاع(57).

4 ـ في سنة 536 جاء الأمير القائد آق سنقر إلى مزينان(58).

5 ـ في سنة 536 نزل المطر في 6 حزيران إلى 8 حزيران بدون انقطاع والشمس في الدرجة الثالثة من الجوزاء، ووقع بسببه خراب في ناحية بيهق(59).

6 ـ في سنة 537 وقعت الحرب بين أهالي سابزوار وبين أهل قصبة چشم وذلك في 25 ذي القعدة من السنة المذكورة، وعادت مرّة اُخرى في سنة 538 في 24 رجب منها(60).

وبقي المترجم له في بيهق طيلة هذه المدّة ورغم جميع الحوادث مؤدياً رسالته، مكباً على التأليف، فقد ألّف في بيهق أجل كتبه وأشهرها وهي تفاسيره الثلاثة: وأوّلها مجمع البيان، وأهداه إلى السيّد الأجل جلال الدين محمّد الّذي كان يعرف بسيّد نقباء الشرق، وقد أراد السلطان أن يوليه نقابة نيشابور عموماً وأمر بتفويض ذلك إليه، وكتب له المثال من غير التماسه على يد السيّد عليّ بن زيد الناستنيني، فترفع السيّد الأجل عن ذلك وقال: أنا مقدم السادات ونقيبهم حسباً ونسباً وعلماً وديانة ومروة ولكنّي لا اُجوّز لنفسي أن أتقلد عمل السلطان(61).

وألّف المترجم له بعد ذلك: الكاف الشاف، وجوامع الجامع وغيرهما في بيهق أيضاً.

وفي ليلة الأضحى من ذي الحجة عام 548(62) وافاه الأجل المحتوم فحمل تابوته إلى خراسان ـ طوس ـ فدفن عند مغتسل الإمام الرضا(عليه السلام)، وقبره مزار معروف حتّى اليوم، ويسمّى الشارع المؤدي إلى قبره وحتّى المقبرة الّتي حول قبره باسمه إحياء لذكراه العطرة، وتخليداً لاسمه العظيم، وتقديراً لخدماته الإسلامية.

 

8 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ومصادره:

هذا هو اسم كتابنا هذا الّذي نقدّمه للقرّاء اليوم، ولا أظن انّي بحاجة ماسة إلى تعريف موضوعه الّذي ينطق به اسمه، فانّ اسم (إعلام الورى بأعلام الهدى) صريح في ذلك، وهل يتبادر الذهن من اعلام الورى إلى غير المعصومين: النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الطاهرين والصدّيقة الطاهرة سيّدة نساء العالمين عليهم الصلاة والسلام.

ولعلّ المؤلّف في اختيار هذا الاسم كان مستحضراً في ذهنه آنئذ الأحاديث الواردة في فضلهم(عليهم السلام) الناطقة بأ نّهم(عليهم السلام) منار الهدى وأعلام التقى وأئمّة الورى.

ومع انّ اسم الكتاب صريح في موضوعه فقد أبان المؤلّف عنه وعن منهجه فيه في مقدّمته فقال: (يتضمّن أسامي الأئمّة الهداة والسادة الولاة واُولي الأمر وأهل الذكر، وأهل بيت الوحي الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ويشتمل على تواريخ مواليدهم وأعمارهم وطرف من أخبارهم، ومحاسن آثارهم، والنصوص الدالّة على صحة إمامتهم والآيات الظاهرة من الله عليهم، الشاهدة لتمييزهم عمّن سواهم وإبانتهم عمّن عداهم).

ثمّ فكر في ذلك وقدّر وتأمّل وتدبّر، وقال: إذا كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الشجرة وهم أغصانها، وشارع الدين وهم حفظته، وصاحب الكتاب وهم حملته، فهو أولى أن يقدم في الذكر، وتبين آياته الناطقة برسالاته وأعلامه الدالّة على نبوته ومعجزاته القاهرة، ودلالاته الباهرة، فاستخار الله سبحانه في الابتداء به، واستعان به في إتمام ما قصده، وسمّاه كتاب (إعلام الورى بأعلام الهدى) وجعله أربعة أركان:

1 ـ الركن الأوّل: في ذكر رسول الله عليه الصلاة والسلام.

2 ـ الركن الثاني: في ذكر أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

3 ـ الركن الثالث: في ذكر الأئمّة من أبنائه من الحسن بن عليّ الرضي إلى الحسن بن عليّ الزكي(عليهم السلام).

4 ـ الركن الرابع: في إمامة الأئمّة الاثنى عشر والإمام الثاني عشر.

وكلّ ركن فيها يتضمّن أبواباً وفصولا.

وإذا قرأنا الكتاب نجده كما وصفه مؤلّفه وعلى نحو ما رسمه، وإذا عدنا نستجوب تلك الأبواب والفصول عن المصادر الّتي اعتمدها المؤلّف في جميع مادّتها، نجد الجواب: إنّ المؤلّف(رحمه الله) قد جمع مادّة كتابه من كتب الفريقين ـ الشيعة والسنّة ـ المعتبرة عندهم، فكان من كتب السنّة الّتي اعتمدها في النقل واستند إليها في كتابه هي:

1 ـ صحيح البخاري. 2 ـ صحيح مسلم. 3 ـ دلائل النبوة لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. 4 ـ كتاب المعرفة لأبي عبدالله ابن مندة. 5 ـ شرف المصطفى لأبي سعيد الخركوشي. 6 ـ تفسير إمام أهل الحديث في نيشابور، وحيث لم يصرّح باسمه، وكان للنيسابوريين عدة تفاسير منها تفسير أبي القاسم الواعظ (ت 406 هـ) وتفسير أبي بكر محمّد بن إبراهيم (ت 310 هـ)، وتفسير أحمد بن محمّد النيسابوري (ت 353 هـ) وغيرها لم يسعني تعيين المقصود منها فعلا. 7 ـ عيون الأخبار لابن قتيبة. 8 ـ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصبهاني.

أمّا كتب الشيعة الّتي رجع إليها المؤلّف في كتابه هذا فهي:

1 ـ كتاب أبان بن عثمان. 2 ـ نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى. 3 ـ كتاب الواحدة لمحمّد بن الحسن بن جمهور العمي. 4 ـ كتاب الكافي للكليني. 5 ـ عيون أخبار الرضا للصدوق. 6 ـ إكمال الدين له أيضاً. 7 ـ الشافي للسيّد المرتضى. 8 ـ الإرشاد للشيخ المفد. 9 ـ الغيبة له. 10 ـ التفهيم للحسن بن حمزة الحسيني. 11 ـ الرد على الزيدية للدوريستي. 12 ـ مسند الرضا(عليه السلام).

 

9 ـ الملك المهدى إليه إعلام الورى:

جرت عادة المؤلّفين قديماً وحديثاً تصدير آثارهم باسم شخصية حاكمة إمّا اهداءاً منهم إلى أحد الملوك أو الاُمراء أو الوزراء أو غيرهم ممّن يرعى لهم الحرمة، ويقدر الجهود ويضاعف الأجر ممّا يشجع على الاستمرار والمواصلة ودوام التأليف والمزاولة، حتّى أصبح ذلك أمراً مألوفاً، ووسيلة للمؤلّفين تعينهم على الحماية غالباً والتشجيع.

وربّما ألّف العلماء بأسماء الحاكمين إمّا إجابة لطلب منهم أو ابتدءاً ولكن قضاءاً لحقهم، أو لا هذا ولا ذاك، بل كان لالتماس الحظوة لهم ولتآليفهم، إذ كان ما يقبله الحاكم من علم وأدب مرضياً مقبولا، وما يرذله أو ينفيه منفياً مرذولا، كما قاله ابن فارس عن الصاحب بن عبّاد وهو يهدي إليه كتابه الصاحبي وقد سمّاه باسمه.

وإذا بحثنا التصانيف المهداة إلى الحاكمين نجدها من آثار كبار العلماء والاُدباء ممّن خدموا الفكر الإسلامي بصنوف التآليف في شتى العلوم والفنون حتّى أغنوا المكتبة العربية غناءاً ليس له مثيل إذ كانت مؤلّفاتهم النفيسة غنية المادّة شهية الثمار والمجتنى، فالشيخ الصدوق، والسيّد المرتضى، والصابي، والثعالبي، وأبو عليّ الفارسي، والقاضي الجرجاني، وابن فارس، وأبو الفرج الاصبهاني، والحريري، وابن الطقطقي، وابن الهبارية، والشيخ الطبرسي، وابن أبي الحديد وأضرابهم هم الّذين ألّفوا نفائس الكتب وأمدوا الثقافة الإسلامية بشتى صنوف العلم والمعرفة، وهؤلاء كلّهم ألّفوا بأسماء الملوك والوزراء والشخصيات ذات البال والأهمية.

وقد جاء في طبقات الشافعية للسبكي قيل: وكان أبو عبيد ـ القاسم بن سلام ـ إذا صنف كتاباً أهداه إلى عبدالله بن طاهر فيحمل إليه مالا خطيراً استحساناً لذلك(63).

فالشيخ الصدوق ألّف عيون أخبار الرضا(عليه السلام) باسم الصاحب بن عبّاد الوزير البويهي.

وأبو إسحاق الصابي ألّف كتابه التاجي في أخبار البويهيين باسم عضد الدولة البويهي.

وأبو عليّ الفارسي ألّف باسمه أيضاً كتابيه الايضاح والتكملة في النحو.

وأحمد بن فارس ألّف كتابه الصاحبي في فقه اللغة باسم الصاحب بن عبّاد.

والقاضي الجرجاني ألّف تهذيب التاريخ باسمه أيضاً.

والسيّد المرتضى ألّف كتابه الانتصار باسم عميد الجيوش أبي عليّ الحسن ابن اُستاذ هرمز وزير بهاء الدولة البويهي.

وأبو القاسم الحريري أنشأ مقاماته الأدبية المشهورة باسم أنو شروان بن خالد القاشاني وزير المسترشد العبّاسي.

وأبو منصور الثعالبي ألّف كتابه التمثيل والمحاضرة باسم الأمير قابوس بن وشمكير.

وكذلك ألّف كتابه لطائف المعارف باسم الصاحب ابن عبّاد.

وكذلك أهدى كتابيه الظرائف واللطائف واليواقيت إلى اُمراء آخرين.

والصغاني ألّف العباب في اللغة باسم الوزير مؤيّد الدين ابن العلقمي.

وابن الهبارية نظم الصادح والباغم باسم الأمير سيف الدولة صدقة بن دبيس ابن مزيد أمير الحلة.

وابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة، باسم الوزير ابن العلقمي الآنف الذكر.

وكذلك شيخنا أبو عليّ الطبرسي ألّف كتابه الآداب الدينية للخزانة المعينية باسم الوزير معين الدين أبي نصر أحمد الكاشاني.

كما ألّف كتابه الخالد (مجمع البيان)، وكتابه الجواهر في النحو باسم الأمير النقيب السيّد جلال الدين أبي منصور محمّد بن يحيى بن هبة الله الحسيني الزباري.

وألّف كتابه هذا ـ إعلام الورى ـ باسم الملك علاء الدولة عليّ بن شهريار بن قارن من اُسرة باوند ملوك مازندران.

والأمر الّذي يلفت النظر أنّ جميع هؤلاء الاُمراء والوزراء هم من الفضلاء، وما ذلك فيما أظن إلاّ لأ نّهم كانوا في تقديرهم للعلم وإجلالهم للعلماء أكثر من غيرهم، أو لأ نّهم من جملة حملته، ولا يعرف الفضل إلاّ ذووه، فكان التأليف بأسمائهم سبباً من أسباب السعادة، ووسيلة يسعد بها المؤلّف في ظل المؤلّف باسمه.

وعلى هذا المنوال جرى الشيخ أبو عليّ الطبرسي في بعض تآليفه كما أشرنا آنفاً، ومنها كتابه هذا (إعلام الورى) فقد قال في مقدّمته:

«وبعد: فانّ أشرف الكلام عند الخاص والعام، ما وجه إلى أشرف من حاز الله له رواء الملك إلى بهاء العلم وسناء الحلم ومضاء الحكم لا زال أميراً على ملوك الدهر وولاة النهي والأمر، بما أتاه من علو الشأن وجلالة القدر، وميّزه بجلائل من المجد والجلال، وفواضل القدر من الفضل والافضال، لا يندرج أدناها تحت القدرة والإمكان، ولا ينال أقصاها بالعبارة والبيان، وهذه صفة الأصفهبد الأجل، الملك العادل المؤيّد المنصور شرف الدنيا والدين ركن الإسلام والمسلمين ملك مازندران علاءالدولة شاه فرشواذكر(64) أبي الحسن عليّ بن شهريار بن قادن أعلى الله شأنه، ونصر سلطانه، إذ هو باتفاق الأولياء والأعداء، واطباق القرباء والبعداء، واحد الدهر، وثمال أهل العصر، وغرة الأفلاك الدائرة، وعمدة العترة الطاهرة، لا جرم قد ملّكه الله زمام الدهر، وأنفذ حكمه في البر والبحر، وشدّ به أزر الإسلام، ومهد له أسباب المعدلة في الأنام، وجعل أيّامه للزمان أعياداً ومواسم، وللاقبال مباهج ومياسم، ومتعه الله تعالى بجمال هذه الحال، وأدام له في العباد والبلاد كرائم الأفضال، وموائد النوال بلطفه وطوله، وسعة جوده وفضله.

ثمّ انّ خادم الدعاء، المخلص بالولاء، وإن سبق في ميدان الفضل فهو عكاشة غايته، وبرز على فرسان العلم فهو عرابة رايته، وإن كان قد قصر وهمه وهمّه وجمع وكده وكدَّه، منذ خط الشباب بالمسك عذاره، إلى أن وخط الشيب بالكافور أطراره، على إقتناء العلوم وجمع أفانينها وضبط قوانينها مقتطفاً من ثمار النحو والأدب زواهرها وغررها، مغترفاً من بحار اُصول الدين وفروعه جواهرها ودررها.

فإنّ كلّ فاضل وإن بعد في الفضل مداه، وبلغ في كلّ علم أقصاه، إذا لم يتشرّف بتقبيل بساط الحضرة العلية، ولم ينسب إلى جملة خدمها، ولم يحسب في زمرة حشمها، فهو ناقص عن حيز الكمال، عادل عن الحقيقة إلى المحال.

لأ نّها الغاية القصوى الّتي عجزت *** عن أن تأمل إدراكاتها الهمم

(الأبيات المتقدّمة في شعره).

ولمّا علق الدهر هذا الداعي المخلص عن الاستسعاد بخدمة حضرته العالية، والانبساط لتقبيل بساطها، والانخراط في سلك سماطها، والرتوع في ظلال كرمها، والشروع في مشارع حرمها، أراد أن يخدمها بخدمة تبقى عوائدها على تعاقب الأيّام وتناوب الشهور والأعوام فيؤلّف كتاباً...».

وهذا الملك المهدى إليه من الملوك الّذين وفقهم الله فجمع فضيلتي العلم والحكم مضافاً إلى ما كان عليه من فواضل الأخلاق.

قال ابن اسفنديار الكاتب عنه في تاريخ طبرستان: القائد الكبير المعظم علاء الدولة عليّ بن شهريار بن قارن، كرمه وهمته وجوده ورحمته وعدله ومروءته كأنوشيروان ومروءته، ونسخ مروات نوذر ـ كذا ـ وسنأتي إلى ذكر مقاماته المشهورة وكراماته المنشورة في ترجمته، حصل على عرش والده بعد معارضة أخوته وأقاربه له ومنازعتهم معه ...اهـ.

وكانت حكومة هذا الملك منذ سنة 511 ـ 534، وقد حالفه الحظ وخدمه التوفيق في أيّام حكومته، حتّى كان ملجأ يلجأ إليه الملوك والاُمراء الّذين ينازعهم سلطانهم منازع، فلا يمكنهم الوقوف في وجهه، فالسلطان مسعود بن محمّد السلجوقي وفد عليه فأكرم وفادته(65).

والأمير شيرزاد بن مسعود الغزنوي استجار به من مناوئ له بغزنين قاعدة ملكه فأحسن رفده، وبقي عنده، حتّى طلب إليه الحجّ فهيأ له ما يحتاج إليه، فسار من طبرستان إلى الحجّ، ولمّا عاد من حجّه بلغه اندحار مناوئه فطلب العودة إلى بلده، فأرسله المذكور إلى غزنين وجهزه بما يحتاج إليه.

هذه نبذة عن حال الملك علاء الدولة الّذي ألّف الطبرسي كتابه هذا باسمه، وأهداه لخزانته.

 

10 ـ إعلام الورى أو ربيع الشيعة؟

بقي علينا التنبيه على أمر يكون به تمام الحديث عن إعلام الورى، وهو أنّ هذا الكتاب متحد المادّة والنظم مع كتاب (ربيع الشيعة) المنسوب إلى السيّد ابن طاووس، وقد أشرت في مقدّمة فلاح السائل لابن طاووس(66) إلى هذا الاتحاد، دون بيان منشأ ذلك وأثره في الاشتباه في نسبة الكتاب إلى السيّد(رحمه الله).

والآن حيث يقضي المقام بايضاح ذلك، فأقول: انّا إذا عرفنا منشأ الشبهة ندرك موطن العلة فيسهل علاجها، ولمّا كان المنشأ هو اتحاد الكتابين في المادّة وتوافقهما في النظم في الأبواب والفصول حرفاً بحرف، إلاّ اختصارات قليلة وزيادات في الخطبة في نسخة (ربيع الشيعة) حيث صدرت باسم السيّد ابن طاووس، وصرّح هو في أوّلها انّه ربيع الشيعة وهذا التوافق بين الكتابين هو مبعث العجب في نفس الشيخ المجلسي الثاني(رحمه الله) حيث قال: وهذا ممّا يقضي منه العجب، ولم يكن الشيخ عبدالنبيّ الكاظمي(رحمه الله) دون المجلسي في عجبه حيث قال: فأخذني العجب العجاب.

وحيث اشتبه الأمر في صحة النسبة إلى ابن طاووس بدأت الخواطر بنسج الاحتمالات لتوجيه هذه النسبة، وأوجه ما رأيت إثباته احتمالان: أولهما: ما ذكره المحدّث النوري عن بعض مشايخه، وملخصه: انّ السيّد ابن طاووس عثر على نسخة من الإعلام لم يكن لها خطبة فأعجبه فكتبه بخطه ولم يعرفه، وبعد موته وجد بخطه بين كتبه ولم يكن لهم علم بإعلام الورى فظنوا انّه من مؤلّفات السيّد، فجعلوا له خطبة على طريقة السيّد في مؤلّفاته، ونسبوه إليه، وقد استجود هذا الاحتمال المحدّث النوري(67).

وثانيهما: ما حكاه شيخنا المغفور له في الذريعة(68) عن بعض المشايخ: انّ السيّد ابن طاووس حين شرع يقرأ على السامعين كتاب إعلام الورى، حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ وآله على ما هو ديدنه، ثمّ مدح الكتاب وأثنى عليه بقوله:

انّ هذا الكتاب (ربيع الشيعة) فسجّل الكاتب جميع ما أملاه السيّد باضافة منه في أوّله، يقول السيّد الإمام... إلى آخر ما يذكر له من ألقاب وصفات في مقدّمة كتبه، إلى قوله: ان هذا الكتاب ربيع الشيعة، ثمّ استمر الكاتب في تسجيل سماعه للكتاب من أوّله إلى آخره، فظن من رأى الكتاب بعد ذلك انّه من تأليفات السيّد ابن طاووس، وانّ اسمه ربيع الشيعة.

ومهما تكن وجاهة هذين الاحتمالين فانا في غنى عن التخرص والإفتراض في المقام بعد صحة ثبوت النسبة إلى مؤلّفنا الطبرسي.

فانّ نسبته إليه ممّا لا يعتريها شكّ ولا شبهة بعد تصريح تلميذيه ابن شهرآشوب ومنتجب الدين بأنّ كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى من مؤلّفاته، مضافاً إلى ما فيه من أساليب البيان الشاهدة على انّ الكتاب من مؤلّفاته ومغاير لأسلوب السيّد ابن طاووس، على انّ كتاب ربيع الشيعة لم يذكره السيّد ابن طاووس في فهرس كتبه في كتاب الاجازات ولا في كشف المحجة وقد ذكر فيها كثيراً من كتبه، ولا في شيء من كتبه الاُخرى، ولم يُحِل إليه ولو بإشارة مّا في سائر كتبه كما هو دأبه غالباً في مؤلّفاته.

كلّ هذا يبعد نسبة الكتاب إلى السيّد ابن طاووس، وتبقى صحة النسبة إلى مؤلّفنا بالاسم الّذي سمّاه به (إعلام الورى بأعلام الهدى).

هذه سطور عن حياة شيخنا الطبرسي(رحمه الله) وكتابه (إعلام الورى بأعلام الهدى) الّذي قدّمت له بهذه السطور، وأظن أ نّها أوفى من جميع ما كتب في سائر مقدّمات كتبه الاُخرى، فان تكن أغنت القارئ شيئاً فذاك هو المطلوب وإلاّ فعليه الاستزادة من المصادر التالية:

واُقدّمها وأهمها كتب المؤلّف نفسه: كمجمع البيان وجوامع الجامع والآداب الدينية للخزانة المعينية، وكتابنا هذا إعلام الورى.

وبعدها كتب معاصريه وهي:

1 ـ كتاب النقض للشيخ عبدالجليل الرازي المؤلَّف في حدود سنة 556 أي بعد وفاة الطبرسي بثمان سنين.

2 ـ كتاب تاريخ بيهق، للشيخ أبي الحسن عليّ بن زيد البيهقي (ت 565 هـ).

3 ـ كتاب لباب الأنساب له أيضاً.

4 ـ كتاب معالم العلماء لابن شهرآشوب تلميذ المؤلّف.

5 ـ كتاب مناقب آل أبي طالب له أيضاً.

6 ـ فهرست علماء الشيعة لمنتجب الدين ابن بابويه وهو تلميذ المؤلّف .

أمّا سائر المصادر الاُخرى الّتي يمكن الاستفادة منها في المقام فهي:

1 ـ الإجازة الكبيرة للعلاّمة الحلي لبني زهرة.

2 ـ إجازة للشيخ عليّ بن عبدالعالي الكركي، للشيخ إبراهيم المؤرّخة سنة 907.

3 ـ أمل الآمل للشيخ الحرّ العاملي.

4 ـ أعيان الشيعة.

5 ـ إتقان المقال للشيخ محمّد طه نجف.

6 ـ إيضاح المكنون.

7 ـ الأعلام للزركلي.

8 ـ تنقيح المقال للمامقاني.

9 ـ تحفة الأحباب.

10 ـ ريحانة الأدب.

11 ـ رياض العلماء.

12 ـ روضات الجنّات.

13 ـ الذريعة.

14 ـ سفينة البحار.

15 ـ فهرس الخزانة التيمورية.

16 ـ قصص العلماء.

17 ـ كشف الظنون.

18 ـ الكنى والألقاب.

19 ـ لؤلؤة البحرين.

20 ـ مجالس المؤمنين.

21 ـ معجم المؤلّفين.

22 ـ مقابس الأنوار.

23 ـ مستدرك الوسائل.

24 ـ منتهى المقال.

25 ـ نظام الأقوال.

26 ـ نقد الرجال.

27 ـ الوجيزة للمجلسي.

28 ـ هدية الأحباب.

29 ـ هدية العارفين.

وغير ذلك ممّا رجعنا إليه واستفدنا منه، وقد ذكرنا بعض تلك المصادر في أثناء تلك السطور.

وختاماً الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

النجف الأشرف محمّد مهدي

يوم الجمعة 14 شعبان السيّد حسن الموسوي

سنة 1390 الخرسان

(1) تاريخ بيهق: 242.

(2) البلدان: 274 مطبوع مع ج 7 من الأعلاق النفيسة لابن رسته ليدن سنة 1891 م.

(3) تاريخ قم: 78 ـ 79.

(4) تاريخ قم: 59.

(5) المعرب للجواليقي: 7.

(6) مقدّمة مجمع البيان: 10 طبع صيدا.

(7) خاتمة مجمع البيان: 270 طبع صيدا.

(8) مقدّمة جوامع الجامع: 1.

(9) خاتمة جوامع الجامع.

(10) مجمع البيان 2: 210 و534 و3: 411 و4: 237 و343 وغيرها.

(11) مجمع البيان 3: 413.

(12) في مكارم الأخلاق: 539.

(13) في مكارم الأخلاق: 539.

(14) كما في خاتمة المستدرك 3: 487.

(15) في خاتمة المستدرك 3: 487.

(16) في المقابيس: 14.

(17) تاريخ بيهق: 242.

(18) لاحظ معجم الاُدباء 19: 125، وغاية النهاية 2: 291، وبغية الوعاة 2: 277.

(19) معالم العلماء: 135، ومناقب آل أبي طالب 1: 14.

(20) بحار الأنوار 25: 10.

(21) المقابيس: 14.

(22) لؤلؤة البحرين: 346.

(23) تاريخ بيهق: 242.

(24) تاريخ بيهق: 242.

(25) الذريعة 3: 209.

(26) نفس المصدر: 208.

(27) لباب الأنساب (مخطوط): 183.

(28) لباب الأنساب: 4 ـ 5.

(29) فهرست الخزانة الرضوية 2: 7.

(30) الذريعة 5: 266.

(31) المعالم: 125.

(32) مقدّمة المناقب 1: 14.

(33) التفسير والمفسرون محمّد حسين الذهبي 2: 104 ـ 105.

(34) المعالم: 135.

(35) الذريعة 2: 41.

(36) الروضات: 512.

(37) راجع الذريعة 15: 230.

(38) راجع الذريعة 15: 333.

(39) مجمع البيان 1: 24.

(40) المائدة: 67.

(41) شواهد التنزيل 2: 223.

(42) اللمعة الدمشقية 5: 164 ـ 165.

(43) النساء: 23.

(44) مجمع البيان 1: 85 .

(45) راجع التبيان تفسير قوله تعالى: (إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ... الخ) النساء/ 31، وروح الجنان في تفسير قوله تعالى: (لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إلاّ أحْصَاهَا) الكهف / 49.

(46) في إنباه الرواة على أنباه النحاة 3:: 6.

(47) الخضرم: الكثير.

(48) قدح: غرف.

(49) بلدان الخلافة الشرقية ـ لسترنج ـ تعريب بشير فرنسيس ـ كوركيس عواد: 423 ـ 424.

(50) معجم الأنساب والاُسر الحاكمة لزامباور: 333.

(51) دولة آل سلجوق، للعماد الاصفهاني ـ اختصار البنداري: 132 ـ 133 طبع مصر سنة 1900 م.

(52) نفس المصدر: 132.

(53) لب اللباب في منتخبات لباب الأنساب، محمّد مهدي الخرسان (مخطوط).

(54) معجم البلدان 2: 346.

(55 و 56) تاريخ بيهق: 270 و271.

(57) تاريخ بيهق: 276.

(58 و 59 و 60) تاريخ بيهق: 276.

(61) لب اللباب، محمّد مهدي الخرسان (مخطوط).

(62) ذكر البيهقي في لباب الأنساب في ذرية عليّ الزانگي بن إسماعيل جالب الحجارة: الحسن الأكبر بن شمس الدين عليّ النسّابة انّه مات في شهور 548 في الوباء العام الّذي كان بناحية بيهق اهـ ، فيا هل ترى انّ مؤلّفنا مات في ذلك الوباء؟

(63) طبقات الشافعية 2: 155.

(64) هذا اللفظ «فرشواذكر» من الألفاظ الفارسية القديمة، ولعلّها من اللغات المحلية أيضاً يدلّ على انّه من الألقاب الملوكية السامية الّتي تحكي عن جلالة الملقب به وعظيم مكانته، ويدلّ على ذلك ما ورد في تاريخ طبرستان: 154 في ذكر أبناء جاماسب، وقصة گاو باره; فاشتهر على الألسن لقب گاو باره، ثمّ اُضيف إلى لقبه گيل گيلان «فرشواذجر شاه».

(65) معجم زامباور: 286.

(66) مقدّمة فلاح السائل: 17.

(67) مستدرك الوسائل 3: 469.

(68) الذريعة 3: 241.