كتابه هذا:

لا أظني بحاجة إلى بيان السبب الداعي إلى التأليف وإيضاح المنهجية في الكتاب، بعد أن ذكر المؤلّف ذلك في المقدّمة وخلاصته: انّه رأى (المختصر في أخبار البشر) تأليف المؤيّد أبي الفدا صاحب حماه فكان في نظره من الكتب الّتي لا يقع مثلها ولا يسع جهلها، فاختصره في نحو ثلثيه اختصاراً زاده حسناً وأضاف إليه من تنميقه بياناً وألحق به أعياناً، كما أودعه شيئاً من نظمه ونثره، وحذف منه ما حذفه أسلم، وأشار في ابتداء إضافاته بقوله: (قلت) وفي ختامها بقوله: (والله أعلم) تمييزاً لها عن الأصل، وذيّله من حيث انتهى المختصر المذكور.

أمّا إلى أين انتهى ذلك المختصر ومن أين ابتدأ تذييل ابن الوردي عليه؟ سؤال تفاوتت الأجوبة عليه وهي:

1 ـ ما ذكره المؤلّف نفسه في مقدّمة كتابه حيث قال: وسأذيله إن شاء الله تعالى من سنة تسع وسبعمائة الّتي وقف المؤلّف عليها إلى هذه السنة المباركة الّتي صرنا إليها(1).

وأكّد ذلك حيث قال في حوادث سنة 709: (قلت): هذا آخر ما وقف عليه المؤلّف رحمه الله تعالى فيما علمت، ومن هنا شرعت في التذييل عليه(2).

2 ـ ما حكي عن كشف الظنون في هامش تعريف القدماء(3) انّه انتهى فيه إلى سنة 721 ومنها يبدأ التذييل واُشير في الهامش أيضاً إلى ما سبق عن المؤلّف، وعند مراجعة كشف الظنون نجد النص فيه هكذا: وانتهى فيه إلى سنة 709 تسع وسبعمائة (721)(4).

وإذا علمنا ان رقم (721) الموضوع بين قوسين هو من زيادة الطبعة المصرية والاستنابولية الاُولى على خطّ المؤلّف كما في بيان الإشارات المطبوع في أوّل طبعة وزارة المعارف التركية، لا يصح لنا بوجه نسبة ذلك إلى صاحب كشف الظنون فانّه ممّا اُزيد على خطّه، كما لا معنى لاختيار ما بين القوسين مع تصريحه قبله بأ نّه إلى سنة 709 وذكر ذلك عدداً وكتابة حذراً من الاشتباه والتحريف.

3 ـ ما ورد في معجم المطبوعات فقد ذكر انّه ذيّله من سنة 729 لغاية 749(5). وتبعه بعض الباحثين المحدثين.

وهذا كسابقه لا قيمة له أزاء تصريح المؤلّف نفسه بأ نّه يبدأ تذييله من سنة 709.

أمّا منشأ توهم سركيس فأكبر الظن انّه اعتمد ما ورد في خاتمة الطبع من تاريخ أبي الفداء في طبعة مصر والاستانة حيث ورد فيها:

(قد تم بعون الله تعالى طبع هذا التاريخ... وهو للملك المؤيّد إسماعيل أبي الفدا إلى غاية سنة 729 ومن ابتداء سنة 730 من تذييل تاريخ ابن الوردي إلى آخره).

كما انّها ـ عبارة الخاتمة ـ هي منشأ خطائه في كون تاريخ ابن الوردي مطبوعاً بذيل تاريخ أبي الفداء، ولو أمعن النظر فيها لوجدها صريحة بأنّ الملحق بتاريخ أبي الفداء هو من تذييل تاريخ ابن الوردي لا نفس التذييل بكامله لدلالة (من) على التبعيض، والوجدان شاهد على ذلك.

والّذي يبدو لي بمقارنة ما ذكره ابن الوردي في تاريخه في حوادث سنة 709 ـ بدء تذييله ـ فما بعدها مع حوادث نفس السنة في تاريخ أبي الفداء فما بعدها، انّ تاريخ أبي الفداء لم يقف مؤلّفه إلى تلك السنة ولم ينته فيه عند ذلك الحد الّذي حده ابن الوردي، بل تعداه واستمر في ذكر حوادث اُخر في سنين بعد سنة 709 طغت على قلم التسجيل ذاتيته، ومن الخيّر الإشارة إجمالا إلى بعض تلك الحوادث ممّا يصلح شاهداً ومؤيّداً لما أراه:

قال في حوادث سنة 710: ثمّ صارت لمؤلّف هذا الكتاب إسماعيل بن عليّ ابن محمود... الخ.

وقال في حوادث سنة 712: ومؤلّف هذا المختصر بعسكر حماه... فجردوا العبد الفقير إسماعيل بن عليّ بعسكر حماه.

وقال في حوادث سنة 713: واستقر بيدي حماه وبارين، وفيها ذكر المرسوم السلطاني بتوليته حماه وبارين.

وقال في حوادث سنة 714: وصلت إلى حماه عائداً من الحجاز الشريف... فجردت جميع عسكر حماه.

وقال في حوادث سنة 715: وتقدمت مراسيم السلطان إليَّ أوّلا بأن اُجهز عسكر حماه ... وان اُقيم بمفردي بحماه ثمّ رأى المصلحة بتوجيهي بعسكر حماه.

وقال في حوادث سنة 716: حصلت تقدمتي على جاري العادة... وسألت دستوراً لأتوجه بنفسي إلى الأبواب الشريفة فورد الدستور وسرت من حماه ... وتصدّق عليَّ بمدينة المعرة وقصبتها زيادة على ما بيدي، وفيها خرجت المعرة عني... وكتب إليَّ السلطان بما طيب خاطري من جهتها.

وقال في حوادث سنة 717: وكنت طلبت دستوراً بالحضور فرسم بتجهيز خيل التقدمة ومقامي بحماه.

وفي حوادث سنة 718: توجهت من حماه إلى الديار المصرية... ثمّ شملتني الصدقات السلطانية بزيادة عدة قرايا من بلد المعرة على ما هو مستقر بيدي.

وفي حوادث سنة 719: وفيها حجّ السلطان... ورسم إليَّ أن أحضر... وخرجت من حماه... حتّى وصلت مصر... وأقمت حتّى خرجت صحبة الركاب السلطاني.

وفي حوادث سنة 720: ذكر ما أولاني من عميم الصدقات وجزيل التطوّلات... وشعار السلطنة صحبتي... وسرت حتّى قاربت حماه ... وفيها تصدّق السلطان على ولدي محمّد وأرسل له تشريفاً... الخ، وفيها شرعت في عمارة القبّة وعمل المربع والحمّام على ساقية نخيلة بظاهر حماه.

وإلى هنا تنقطع الحوادث الّتي تظهر ذاتيته عند تسجيلها، ونجد اللهجة تختلف عمّا سبق فمثلا في حوادث سنة 721: وفيها ورد مرسوم السلطان على مؤلّف الأصل... وفيها عاد مؤلّف الأصل...

وفي حوادث سنة 722: وفيها وصل مؤلّف الأصل تغمده الله برحمته.

وفي حوادث سنة 723: عاد الملك المؤيّد إلى حماه ...

وفي حوادث سنة 724: فيها ورد مرسوم السلطان إلى صاحب حماه بالمسير إلى خدمته فسار وأخذ معه ولده محمّداً وأهله... قال: وحضرت... الخ.

في حوادث سنة 725: وأعطى لصاحب حماه الدستور...

أمّا في حوادث سنة 726 فتعود الذاتية ثانية إلى الظهور: وفيها خرجت بعسكر حماه ... وقسمتها على الاُمراء، وفيها كانت وفاة مملوكي طيدمر... فجردت إليها أخي بدر الدين ومحمود ابن أخي واسنبغا مملوكي... ذكر وفاة أخي بدرالدين حسن.

وكذلك حوادث سنة 727: ... ذكر سفري إلى الأبواب الشريفة، رسم السلطان لي بالحضور فخرجت من حماه ... وأتممت السير أنا وابني محمّد.

وكذلك سنة 728: دخلت وكنا بالقاهرة كما تقدم... وفيها قبل دخولي حماه توفيت والدتي، وفيها بعد وصولي إلى حماه بمدّة يسيرة أرسلت وطلبت من السلطان دستوراً لزيارة القدس... فخرجت من حماه ... ثمّ عدت إلى حماه... وفيها توفي مملوكي اسنبغا وكان قد بقي من أكبر اُمراء عسكر حماه...

وكذلك حوادث سنة 729: فيها وصلني من صدقات السلطان... وكنت قد خرجت إلى تلقيه... وفيها... ولد لولدي محمّد ولد ذكر... وسمّيته عمر بن محمّد.

وإلى هذه السنة تنتهي تلك الذاتية الظاهرة في الحوادث المذكورة في تاريخ أبي الفداء، والّتي لم نجد لها ذكراً في تاريخ ابن الوردي، ممّا يظهر لي انّ ابن الوردي حصل بيده من تاريخ أبي الفداء إلى سنة 709 ولم يعلم بما سجّله أبو الفداء بعد ذلك طيلة أيّامه الّتي عاشها وسجّل حوادثها بمدّة عشرين سنة تقريباً لذلك وقع الاختلاف في تعيين بدء تذييل ابن الوردي والصحيح ما ذكره هو نفسه.

والّذي يعجبني من ابن الوردي في تاريخه اعتداله وانصافه شأن المؤرّخين المنصفين كما تعجبني صراحته فيما يختص به من رأي، فهو يحترم جميع الناس إلاّ من شذّ في نظره، ويذكر سائر الأعيان من جميع المذاهب بكلّ تجلة واحترام.

وقد يلاحظ القارئ بعض المؤاخذات على المؤلّف كنقده للشريف الرضي وعتبه عليه لأ نّه رثى الصابي بأبلغ ممّا رثى به عمر بن عبدالعزيز فقال:

أقسمت ما قول الرضي بمرتضى *** في الموضعين وقد يزل العاقل

أبمثل ذا يرثى كفور صابئي *** وبمثل ذا يرثى الإمام العادل

فقد ردّه الغزي بقوله: ولو اطلع ابن الوردي على ما أوردناه من الزيادة لما اعترض على الرضي... اهـ(6).

وذلك ان ابن الوردي ذكر من شعر الشريف قوله:

دير سمعان لا عدتك الغوادي *** خير ميت من آل مروان ميتك

يا ابن عبدالعزيز لو بكت العيـ *** ـن فتى من اُمية لبكيتك

أنت طهرتنا من السب والشتم *** فلو أمكن الجزاء جزيتك

ولعمري لقد زكوت وقد طبت *** وإن لم يطب ولم يزك بيتك

قال الغزي: وقد رأيت لها زيادة وهي:

ولو انّي رأيت قبرك لاستحيـ *** ـت من أن أرى وما حييتك

دير سمعان فيك مأوى أبي حفص *** فبودّي لو انّني أويتك

أنت بالذكر بين عيني وقلبي *** إن تدانيت منك أو ان نأيتك

وعجيب انّي قليت بني مرو *** ان طراً وانّني ما قليتك

قد نما العدل منك لمّا نأى *** الجور بهم فاجتويتهم واجتبيتك

فلو أ نّني ملكت دفعاً لما *** نابك من طارق الردى لافتديتك(7)

أو كتمزيقه كتاب فصوص الحكم لابن عربي فقد ذكر غرضه وقال: تنبيهاً على تحريم قنيته ومطالعته(8).

أو كتنديده بابن القرع حين أرسل مدرّساً إلى حلب وهو لا يحسن أن يقول باب المياه فقال باب الميات، ولم يحسن قراءة آية من كتاب الله فقرأ قوله تعالى: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَـقِبِهِ)(9) مكان (في عقبه) في عنقه.

أو نقده لما يصنع في بعض مجالس الذكر باسم الفتوة، وهي فتوى بيّن فيها رأيه مستنداً إلى أدلّة ارتضاها وقد ذكرها(10).

فانّ كلّ ذلك ممّا يكشف عن استقلاله الفكري ونضوجه العلمي وانصافه التاريخي.

ولمّا كان كتابه قد طبع بالمطبعة الوهبية سنة 1285 في جزأين، ولندرة وجوده وعزة نسخه فقد أعادت المكتبة الحيدرية نشره بهذه الحلة القشيبة من حسن تبويب وجمال إخراج وجودة ورق ودقة في التصحيح، فنتمنى لها الموفقية والازدهار وللكتاب إقبال القرّاء وسرعة الإنتشار.

 

وفاته ومدفنه:

ذكرت المصادر المعنية به: انّه بعد استعفائه من منصب القضاء سكن حلب، ولم يزل بها حتّى توفي.

والّذي يلفت النظر في المقام هو اختياره حلب وتفضيلها بالسكنى على بلد المعرة موطنه الأوّل ومسقط رأسه، وهو الّذي يهجو حلب بقوله:

بالجهل والجاه لا بالعلم والأدب *** تنال ما شئت ممّن شئت في حلب

وأجازه ابنه بقوله:

ولا تقل شاع بين الناس حسن ثنا *** عن أهلها فكم قد شاع من كذب(11)

ويمدح المعرة بما سبقت الإشارة إليه، ولعلّ وجه اختياره في سكنى حلب لأ نّها كانت مركزاً ثقافياً يضم نخبة من رجال الفكر والعلم والثقافة العالية، ومهما يكن سبب اختياره فقد أقام بها وكانت داره في درب بني السفّاح (محلة السفّاحية).

قال أبو ذرّ في الكلام على ذلك الدرب: وكان بهذا الدرب دار الشيخ زين الدين ابن الوردي وقد خربت وصارت دمنة وجدّد مكانها اصطبل(12).

وفي مدّة إقامته بحلب كان منصرفاً إلى الناحية العلمية.

قال الصفدي: وأرصد نفسه للإفادة، وتلفع برداء الزهادة، واختص بسيادة العلم وهي السيادة، وتخرج به جماعة وتنبهوا، وحاكوا طريقه وتشبهوا، إلى أن افترس الوردي ورد المنية، وأصبح القبر من وراء الثنية، وتوفي رحمه الله تعالى في سابع عشر ذي الحجة سنة تسع وأربعين وسبعمائة في طاعون حلب... اهـ(13).

وهذا الطاعون الّذي سمّاه الصفدي بطاعون حلب، لم يخص حلب وحدها بل عم جميع مصر والشام وغالب البلاد ولم تنج منه إلاّ المعرة وحدها، ولكنّها كانت تكابد من الظلم والعسف ما هو أشد من الطاعون، وقد أشار إلى ذلك ابن الوردي بقوله:

رأى المعرة عيناً زانها حور *** لكن حاجبها بالجور مقرون

ماذا الّذي يصنع الطاعون في بلد *** في كلّ يوم له بالظلم طاعون(14)

وقد قال قبل موته بيومين بيتين في ذلك الطاعون وهما آخر شعره في ديوانه:

ولست أخاف طاعوناً كغيري *** فما هو غير احدى الحسنيين

فان مت استرحت من الأعادي *** وإن عشت اشتفت اُذني وعيني(15)

كما عمل رسالة أنشأها في عجائب ما رأى في ذلك الطاعون وقد أبدع فيها سمّاها (النبا في الوبا)(16).

قال الصفدي: ولكنّه ختم به الوباء، وفجع الناس فيه، وقلت أنا فيه لمّا بلغتني وفاته:

لئن ذوى الوردي في هذه الد *** نيا لقد أينع في الخلد

وإنّما أوحش ربع النهى *** والفضل في نقص وفي رد

والعلم روض ما له رونق *** لأ نّه خال من الوردي

وكان عمره يوم وفاته 58 سنة، إذ انّه ولد سنة 691 وتوفّي سنة 749، وعليه فلا يصح ما ذكره ابن شاكره(17): انّه مات وهو في عشر السبعين، بل الصواب في عشر الستين. ونحو ذلك ما ورد في النجوم الزاهرة(18) من انّه جاوز الستين، والصحيح جاور بالراء المهملة لا جاوز بالزاي المعجمة.

ودفن في حلب، قال الغزي: والمشهور عند أهل المعرة انّ الشيخ زين الدين عمر بن الوردي مدفون في المعرة، والّذي ذكره ابن خطيب الناصريه: انّه مدفون في حلب، وعلى ذلك جرينا في ترجمته(19).

وقال الطباخ: وذكر الشيخ وفا الرفاعي (ت 1264 هـ) في منظومته الّتي ذكر فيها ما وقف عليه ممّن دفن في ترب حلب: ان ابن الوردي المذكور مدفون في صحن المقام المعروف بمقام إبراهيم في التربة المشهورة بتربة الصالحين، خارج باب المقام، والصحيح انّه مدفون قبلى حائط المقام ملاصقاً لأخيه جمال الدين كما رأيته محرراً على هامش نسخة خطية من التاريخ المنسوب لابن الشحنة(20).

وقد ذكر الاُستاذ الجندي في كتابه مايلي: أبو بكر عمر بن مظفّر بن عثمان بن أبي الفوارس المعري ثمّ الحلبي شرف الدين ابن الشيخ زين الدين ابن الوردي.

قال القاضي علاء الدين في تاريخه: كان كثير الهجاء ويستحضر كثيراً من الحلبيين وماجرياتهم مع حسن المنادمة وطيب المحاضرة واطراح التكليف في المأكل والملبس، وتفقه بأبيه وغيره وتعافى الأدب وباشر تدريس البهائية بدمشق وناب في الحكم ونظم ونشر ومات في ربيع الأوّل سنة 787 هـ بحلب اهـ(21).

هذا ما تيسّر لي جمعه عن حياة المؤلّف والتعريف به وبكتابه، وأخيراً أرجو أن يكون ذلك نواة إلى دراسة وافية عن الرجل، فإنّ جوانب حياته خصبة وللحديث عنه مجال واسع نتركه لمن أحب التوسع والإستزادة، وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد خير خلقه سيّد النبيين، وآله الميامين وصحبه الطيبين، والتابعين لهم باحسان أجمعين.

محمّدمهدي السيّد حسن الخرسان

النجف الأشرف

 

 

 

الكشكول

لبهاء الدين العاملي

953 / 1031

الجزء الأول

 

قدم له

العلامة الجليل السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

ترجمة المؤلّف:

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين، الطيبين الطاهرين.

وبعد: ليس الهدف من كتابة هذه السطور دراسة حياة الشيخ البهائي العاملي(رحمه الله)(22) دراسة تامة مستوفية لشروط الدراسات الحديثة والمستوعبة لجميع مناحي شخصيته الفذة في سلوكيها العلمي والعملي.

فالشيخ البهائي(رحمه الله) (الّذي امتاز بنبوغه العجيب، ومقدرته العلمية الفريدة، ومكانته الفكرية الرائعة، الّتي تجاوبت أصداؤها في أنحاء الأقطار الشرقية ـ بل وتسامت حتّى بلغت الغرب بفضل عطائها المثمر ـ يعتبر بحقّ من رواد العلم العظام الّذين عرفوا بسعة الإطلاع، وغزارة الثقافة، استوعبت مداركه الواسعة جميع الثقافات الّتي عرفت في عصره)(23).

فهو بما وفق له من ألوان الثقافة الإسلامية قد حاز على شهرة طائلة في الشرق والغرب، من خلال آثاره العلمية والعملية، حتّى أصبح في غنى عن التعريف (وكان اُمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم، والتضلع من دقائق الفنون، وما أظن انّ الزمان سمح بمثله، ولا جاد بندّه)(24).

وهو لا يزال يعيش في الأذهان قمة شامخة في سماء العلم، ولا تزال شخصيته تتجدد باستمرار فيما تركه من آثار علمية، ما دام هناك مجد قائم للعلم.

ولكن بالرغم من كثرة مدوني أخباره منذ عصره وحتّى يومنا الحاضر، لا تزال بعض الفجوات الملحوظة كما هي، فثمة جوانب من حياته لم تدرس كما ينبغي، فكانت مجالا لحشر كثير من الأقاويل والأساطير الّتي يتناقلها اللسان ويسجّلها البنان دون أي تمحيص.

وعلى مرّ الزمن كادت أن تطغى على واقعية الشيخ البهائي(رحمه الله)، فتلحقه بالأساطير الّتي لا حقيقة لها.

وأتمنى ـ وما أكثر التمني ـ لو انبرى بعض الغيارى من كتّابنا الّذين يملكون أمانة المؤرّخ، وصبر الباحث، وحسّ الأديب، وجرأة صاحب الحقّ، فدرس شخصية البهائي(رحمه الله) في جميع مراحلها بشكل عام، واستجلى تاريخه العلمي بشكل خاص، واستخلص الحقيقة من بين نفايات الشوائب الّتي حشرت في تاريخه، نتيجة سوء الفهم، أو الإستفادة الناقصة، أو التحكم العاطفي المقيت، والّتي لا تثبت للنقد عند التمحيص.

وهي مهمة ليست عسيرة، ولكنها تحتاج إلى جهد وصبر، ولاشكّ بعد ذلك تكون النتيجة الّتي لا تخطئ المترجم له مميزاته وسماته، وتعكسه بأكمل صورة وأجلاها.

كما انّها خير خدمة صادقة لذلك العالم المجمعي المشارك في كلّ فنون الثقافة في عصره.

أمّا أنا الآن وقد طلب إليَّ الأخ الشيخ محمّد كاظم الكتبي سلّمه الله تقديم كتاب الكشكول لهذا الشيخ الجليل، فلا يسعني الإحاطة بدراسة آثاره كلّها لتعذر الوقوف عليها كلّها، فضلا عن دراستها دراسة تامة، مضافاً إلى ذلك يحتاج إلى أمد طويل للبحث في خبايا الزوايا عن مؤلّفاته وآثاره، ولئلاّ تندر الفرصة من بين أيدينا دون القيام بخدمة ولو يسيرة، فلابدّ من الالماع في هذه السطور بما تسمح به الظروف.

تاركاً إشباع جوانب قد تكون ذات أهمية بالغة في تاريخه لمن أحب أن يدرسها دراسة شاملة على ضوء الأحداث الّتي مرت بالمترجم له والنتاج العلمي والأدبي الكثير الّذي خلفه، سواء باللغة العربية أو الفارسية، مع المقارنة بينه وبين أضرابه من الأعلام الّذين لمعوا في سماء الثقافتين العربية والفارسية.

وأخال أنّ هذا يكفي في الاعتذار للقرّاء الكرام عمّا يطلبونه من مزيد، لاسيّما ونحن على أبواب كتاب، يعتبر هو تجدد آخر لشخصية المؤلّف، وليس هو بالأخير.

وعسى أن يأتي ذلك اليوم الّذي تطالعنا فيه ما نتمناه من دراسة شاملة تسهم في التجديد وتبدع في التصوير، ويملك صاحبها الجرأة في قول الحقّ، بايمان المخلص لموضوعه، وثقة المتتبع المحيط، ودفاع المجتهد المتحري، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

تقييم المصادر وتقسيمها:

أود قبل التحدث إلى القارئ عن شخصية الشيخ البهائي(رحمه الله) أن أقف وإياه عند قائمة المصادر، لنلقي معاً بنظرة فاحصة عليها.

فما أكثر اُولئك الّذين كتبوا عن الشيخ البهائي(رحمه الله)، وما أكثر تلك المصادر الّتي ذكرته، ولكن ليس كلّما ورد عندهم وفيها يثبت عند التمحيص.

بل حتّى تلك الدراسات الخاصة به، وهي عديدة، أقدمها فيما أعلم ما كتبه تلميذه الوفي المولى مظفّر عليّ، فقد كتب رسالة في أحوال شيخه البهائي ومشايخه وتلاميذه، ولم تصل ـ مع الأسف ـ نسختها إلينا، ولكنا نجد النقل عنها مكرراً في رياض العلماء وغيره.

وبعده ما كتبه كلّ من الشيخ أبي المعالي الكلباسي، والشيخ محمّد عليّ الحبيب آبادي، وآخر من خصّه بذلك ـ وليس أخيرهم ـ هو الأديب سعيد نفيسي فقد سمّى كتابه (أحوال وأشعار فارسي شيخ بهائي) وهو مطبوع بطهران سنة 1316 شمسي، ومهدي توحيدي پور، له كتاب (كليات أشعار فارسي وموش وگربه شيخ بهائي).

ليس كلّ آراء اُولئك الكتاب الخاصة حرية بالقبول ولا كلّ عرضهم بمقبول، لذلك رأيت وأنا اُقدم لكتاب من كتب الشيخ البهائي(رحمه الله) بل هو أشهرها أن اُقدّم كشفاً بتلك المصادر وتنويعها، تنويراً للقارئ بقيمتها، وتيسيراً لمن أراد البحث عنه مفصلا ثانياً إن شاء الله.

فالمصادر الّتي رجعت إليها أو اطلعت على ما فيها حين كتابة هذا البحث يمكنني أن أُقسمها من حيث التدوين الزمني ـ وعليه يكون التقييم ـ إلى أربعة أقسام، وفي ضوء التقييم الآتي سينال كلّ قسم نصيبه من الاعتبار:

أوّلا: مصادر كتبها الشيخ البهائي(رحمه الله) لنفسه، وأعني تلك الذاتية الّتي تبدو كومضات نور تدعو إلى متابعة البحث عنه في مصادره والّتي يجدها الباحث في ثنايا مؤلّفات الشيخ وبين آثاره، وكذلك بعض آثار والده، وقد أمدّتنا جميعها بمعلومات قيّمة، تعتبر عناصر أساسية لها قيمتها في البحث.

ثانياً: مصادر كتبت في عصره في القرن الحادي عشر بأقلام تلامذته، ومعاصريه وهي:

1 ـ رسالة في أحوال البهائي لتلميذه المولى مظفّر عليّ، وقد سبقت الإشارة إليها.

2 ـ شرح الفقيه (الشرح العربي) للمولى محمّد تقي المجلسي (ت 1070 هـ) وهو تلميذ المترجم له، ومن المقرّبين لديه.

3 ـ بعض إجازات السيّد عز الدين الحسين بن السيّد حيدر الكركي العاملي، وهو من تلاميذ المترجم له المختصين به، وقد صحبه مدّة أربعين سنة.

4 ـ نقد الرجال، للسيّد مير مصطفى التفريشي وقد فرغ منه سنة 1015 وهو من تلاميذ المترجم له.

5 ـ نظام الأقوال في أحوال الرجال لمحمّد بن حسين الساوجي كان حياً سنة 1032 وهو من تلاميذ المترجم له.

6 ـ تاريخ عالم آراى عباسي، لاسكندر ميرزا المنشي، وهو من مؤرّخي الدولة الصفوية، وكان معاصراً للبهائي إذ كان حياً سنة 1038.

7 ـ قول الرضي يوسف بن أبي اللطف المقدسي (ت 1006 هـ) وكان معاصراً للبهائي، وقد اجتمع به في القدس وقرأ عليه شيئاً من الهيئة والهندسة.

8 ـ سانحات دمى القصر في مطارحات بني العصر، لأبي المعالي الطالوي (ت 1014 هـ) .

9 ـ الكواكب السيّارة، لمحمّد بن محمّد الغزي (ت 1061 هـ).

10 ـ كشف الظنون، لحاجي خليفة كاتب چلبي (ت 1067 هـ).

11 ـ ريحانة الألباء، للشهاب أحمد بن محمّد الخفاجي (ت 1069 هـ).

12 ـ خبايا الزوايا، له أيضاً.

13 ـ معادن الذهب في الأعيان المشرّفة بهم حلب، لأبي الوفاء العرضي (ت 1071 هـ).

14 ـ ذكرى حبيب ـ وهو على منوال ريحانة الشهاب الخفاجي ـ ليوسف بن عبدالله البديعي الدمشقي (ت 1073 هـ).

15 ـ تنبيهات المنجمين لمحمّد قاسم بن مظفّر عليّ، فرغ منه سنة 1024 واُلحق به بعد ذلك التاريخ حتّى سنة 1030.

ثالثاً: مصادر كتبت بعد عصره في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وهي:

1 ـ جامع الرواة: لمحمّد بن عليّ الأردبيلي (ت 1101 هـ).

2 ـ أمل الآمل: لمحمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 هـ).

3 ـ الإجازات: لمحمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (ت 1111 هـ).

4 ـ خلاصة الأثر: لمحمّد أمين المحبي (ت 1111 هـ).

5 ـ نفحة الريحانة: له أيضاً.

6 ـ نسمة السحر: ليوسف بن يحيى اليماني (ت 1121 هـ) مخطوط.

7 ـ سلافة العصر: لعليّ بن أحمد المدني الشيرازي (ت 1125 هـ).

8 ـ الحدائق الندية: له أيضاً.

9 ـ رياض العلماء: للميرزا عبدالله الأفندي (ت 1130 هـ).

10 ـ خزانة الخيال: لمحمّد مؤمن الشيرازي، فرغ منه سنة 1130.

11 ـ شرح قصيدة المترجم له ـ الفوز والأمان ـ لأحمد المنيني (ت 1172 هـ).

12 ـ نزهة الجليس: للسيّد عباس المكي (ت 1180 هـ).

13 ـ لؤلؤة البحرين: للشيخ يوسف البحراني (ت 1186 هـ).

14 ـ الدرّة البهية: للشيخ مرزوق بن محمّد بن عبدالله البحراني، ألّفه سنة 1214 (مخطوط).

15 ـ مقابس الأنوار: للشيخ أسد الله التستري (ت 1234 هـ).

16 ـ حديقة الأفراح: لأحمد الأنصاري الشرواني (ت 1250 ـ 56 هـ).

17 ـ تكملة الرجال: للشيخ عبدالنبيّ الكاظمي (ت 1256 هـ).

18 ـ رياض العارفين: لرضا قلي هدايت (ت 1288 هـ).

19 ـ مجمع الفصحاء: له أيضاً.

20 ـ الروضة البهية في الطرق الشفيعية: لمحمّد شفيع الموسوي.

رابعاً: مصادر أصحاب القرن الرابع عشر، وهي كثيرة، وبلغات متعددة، ونشير إلى ما اطلعنا عليه في تلك اللغات:

 

أ) مصادر باللغة العربية:

1 ـ الحصون المنيعة: للشيخ عليّ كاشف الغطاء (ت 1352 هـ).

2 ـ خاتمة مستدرك الوسائل: للمحدّث النوري (ت 1320 هـ).

3 ـ تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الإسلام: للسيّد حسن الصدر (ت 1354 هـ).

4 ـ تكملة أمل الآمل: له أيضاً.

5 ـ مجمع الاجازات للشيخ محمّد باقر الأصفهاني (أغا نجفي) ألّفه حدود سنة 1320 (مخطوط).

6 ـ تنقيح المقال: للشيخ عبدالله المامقاني (ت 1351 هـ).

7 ـ الكنى والألقاب: للشيخ عباس القمي (ت 1359 هـ).

8 ـ سفينة البحار: له أيضاً.

9 ـ هدية الأحباب: له أيضاً.

10 ـ الفوائد الرضوية: له أيضاً.

11 ـ أعيان الشيعة: للسيّد محسن الأمين (ت 1371 هـ).

12 ـ طبقات أعلام الشيعة: للشيخ أغا بزرك الطهراني (ت 1389 هـ).

13 ـ الذريعة: له أيضاً.

14 ـ مصفى المقال: له أيضاً.

15 ـ الغدير: للشيخ عبدالحسين الأميني (ت 1390 هـ).

16 ـ آثار الشيعة الإمامية: للشيخ عبدالعزيز الجواهري.

17 ـ الأعلام: لخير الدين الزركلي.

18 ـ القاموس الإسلامي: لأحمد عطية الله.

19 ـ معجم المؤلّفين: لعمر رضا كحالة.

20 ـ فلاسفة الشيعة: للشيخ عبدالله نعمة.

21 ـ تاريخ جباع: لعليّ مروة.

22 ـ الحركة الفكرية والأدبية: لمحمّد كاظم مكي.

23 ـ أعلام العرب: لعبدالصاحب الدجيلي.

24 ـ الكشّاف: لأسعد طلس.

25 ـ المستدرك على الكشّاف: لعبدالله الجبوري.

26 ـ تاريخ علم الفلك: لعبّاس العزاوي.

27 ـ المهدية في الإسلام: لسعد محمّد حسن المصري.

28 ـ تراث العرب العلمي: لقدري حافظ طوقان.

29 ـ هدية العارفين: إسماعيل باشا البغدادي.

30 ـ ايضاح المكنون: له أيضاً.

31 ـ فهرس المؤلّفين بالظاهرية بدمشق.

32 ـ فهرس المكتبة الخديوية بمصر.

33 ـ فهرست المكتبة البلدية بمصر.

34 ـ فهرست المكتبة الأزهرية بمصر.

35 ـ فهرست دار الكتب المصرية بمصر.

36 ـ فهرست مخطوطات الموصل.

37 ـ معجم المطبوعات العربية (سركيس).

38 ـ دائرة المعارف: للبستاني.

39 ـ تاريخ آداب اللغة العربية: لجرجي زيدان.

40 ـ تاريخ طوس أو المشهد الرضوي: لمحمّد مهدي العلوي.

41 ـ معجم المطبوعات العربية والمعربة: ليوسف اليان سركيس.

 

ب) مصادر باللغة الفارسية:

1 ـ منتخب التواريخ: لمحمّد هاشم الخراساني (ت 1352 هـ).

2 ـ طرائق الحقائق: لميرزا معصوم الشيرازي (ت 1344 هـ).

3 ـ لباب الألقاب: لملاّ حبيب الله الشريف الكاشاني (ت 1340 هـ).

4 ـ قصص العلماء: لمحمّد بن سليمان التنكابني (ت 1302 هـ).

5 ـ أحوال وأشعار فارسي شيخ بهائي: سعيد نفيسي.

6 ـ كليات أشعار فارسي شيخ بهائي: مهدي توحيدي پور.

7 ـ دائرة المعارف يا مجموعه إطلاعات عمومي: عبدالحسين سعيديان.

8 ـ دائرة المعارف يا فرهنك دانش وهنر: پرويز أسدي زاده، وآخرين.

10 ـ فهرست مؤلّفين كتب چابي خانبابا مشار.

11 ـ فهرست كتابخانه آستان قدس.

12 ـ فهرست كتابخانه مجلس شوراي ملي.

13 ـ فهرست كتابخانه مدرسه عالي سپهسالار.

14 ـ فهرست اهدائي كتابخانه مشكوة به كتابخانه دانشگاه تهران.

15 ـ فهرست كتب مدرسه فاضليه.

16 ـ مزارات خراسان: كاظم مدير شانه چي.

17 ـ بهشت شرق: حسين بن عليّ أكبر مغاني.

18 ـ فردوس التواريخ: للبسطامي (ت 1309 هـ).

19 ـ مطلع الشمس: تأليف اعتماد السلطنة.

 

ج) مصادر باللغة التركية:

1 ـ قاموس الأعلام: شمس الدين محمّد سامي.

2 ـ لغات تاريخي وجغرافي: أحمد رفعت.

3 ـ سفينة الشعراء: سليمان فهيم ط استانبول 1259، وذكره بعنوان بهاء الدين آملي 338 ـ 340.

 

د) مصادر بلغات ألمانية، فرنسية، انجليزية:

نظراً لشهرة الشيخ البهائي(رحمه الله)، والّتي جاوزت الشرق إلى الغرب فقد عكف بعض المستشرقين على بعض مؤلّفاته، خصوصاً ما كان منها في الرياضيات والاسطرلاب، فتدارسوها وطبعوها مع تعليقات بلغاتهم الأجنبية كما ذكره بعضهم في بحوثهم عن آداب اللغات الشرقية، فقد ذكره:

1 ـ المستشرق الألماني بروكلمان في كتابه تاريخ الآداب العربية في الملحق الأوّل للجزء الثالث.

2 ـ المستشرق العلاّمة سمث في كتابه تاريخ الرياضيات، وأطرى كثيراً تفسيره لكلمتي الجبر والمقابلة في كتاب خلاصة الحساب.

3 ـ المستشرق ويليان براون في كتابه تاريخ أدبيات ايران(25).

4 ـ الرحالة الفرنسي ژان شاردن في رحلته في وصف أصفهان ومحلاتها.

5 ـ دائرة المعارف الإسلامية (بالانجليزية).

إلى غير ذلك من المصادر الّتي لم أطلع عليها، أو على النقل عنها.

ونظرة فاحصة على قائمة المصادر جميعاً، والّتي تربو على مائة مصدر، نجد أولاها بالاعتبار هو ما كان من القسم الأوّل، ويأتي بعده ما جاء في القسم الثاني، وليس في القسم الثالث شيء أصيل يعتد به، وإنّما جميع ما فيه ترديد لما جاء في القسمين الأولين، ولكن المفيد في هذا القسم انّه حفظ لنا نصوصاً ضائعة من مصادر القسمين الأولين.

أمّا القسم الرابع فقد عنى بعض أصحاب المصادر فيه بالبحث عن الشيخ البهائي وآثاره مستندين إلى ما ورد في القسمين الثاني والثالث، قليل منهم من راجع القسم الأوّل واستند إليه، على انّه ليس كلّما جاء في هذا القسم خال عن المناقشة إذ لا تخلو بعض مصادره من الملاحظات، نتيجة استفادة أصحابها الشخصية، فكانت جملة من أحكامهم اعتباطاً.

وعلى الرغم ممّا عني به بعض المعاصرين من تخصيص كتابة أو مقالة بالبحث عن حياة الشيخ البهائي ودراسة آثاره، فانّه هو الآخر لم يسلم من المؤاخذة، ولا يجمل بي التصريح بأسمائهم تفادياً من التعريض بهم، عفا الله عنّا وعنهم، ولم يحملني أمر المعاصرين على التشكيك في روايات السابقين كما يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي في أمر معاصريه:

نظرت لأمر الحاضرين فرابني *** فكيف بأمر الغابرين أصدق

ولكنّي نظرت إلى استدلال بعض المتقدمين فضلا عن المعاصرين ونقدهم من حيث نظر الآخر:

ظنوا فقالوا والصحيح بعكسه *** والعذر فيهم انّهم لم يعلموا

لم يثن عزمي أ نّني متأخر *** عن عصرهم وزمانهم متقدم

 

أدوار تاريخية في اطار الجدول الزمني:

بعد دراسة لتاريخ الشيخ البهائي(رحمه الله) في مختلف المصادر، تحصل لديَّ انّ تاريخه(رحمه الله) يمكن أن نقسمه إلى خمسة أدوار، مجموعها يشكل وحدة متماسكة الأطراف، متسلسلة الحلقات، منذ ولادته سنة 953 وحتّى وفاته في سنة 1030، أو سنة 1031.

وتلك الأدوار هي:

1 ـ دور الطفولة: ويبدأ منذ ولادته وحتّى نشأته الاُولى في جبع وينتهي بهجرة أبيه إلى ايران.

2 ـ دور النشأة والتكامل: ويبدأ منذ هجرته مع أبيه إلى ايران في حدود سنة 960 وينتهي بهجرة أبيه إلى هراة في حدود سنة 974 هـ.

3 ـ دور الاستقلال الذاتي: ويبدأ منذ هجرة أبيه إلى هراة، وينتهي باضطراب الأمن الداخلي في ايران بعد وفاة الشاه طهماسب سنة 984.

4 ـ دور العزلة والسياحة: ويبدأ بنهاية الدور السابق، وينتهي ببداية الدور الآتي، وسيأتي الحديث عن تحديد هذا الدور.

5 ـ دور العودة إلى معترك الحياة وممارسة العمل، ويبدأ منذ سنة 1005، وينتهي بوفاته سنة 1030، أو سنة 1031 هـ.

وهذا التقسيم الخاطف ليس إلاّ تحديداً لمراحل التاريخ الّذي برزت فيه معالم شخصية البهائي في سلوكيها العلمي والعملي.

وحيث انّ لكلّ دور من الأدوار الخمسة ـ عدا الرابع ـ بداية معلومة ونهاية محدودة إلاّ الدور الرابع الّذي لم يحدده المؤرّخون تحديداً تاماً، ومن حدده منهم فقد أغرق نزعاً في تحديده إذ قال انّ مدّته ثلاثون سنة، وهذا زمن طويل، لم نجد فترة في الجدول الزمني لتاريخ البهائي(رحمه الله) تسع ذلك التحديد.

لهذا رأيت من الخير عرض ذلك الجدول مسبقاً بين يدي القرّاء، فانّه الّذي أعانني على معرفة كثير من الحقائق، وسلط الأضواء على كثير من الأساطير الّتي حشرت في تاريخ ذلك العالم العملاق.

 

اليوم

الشهر

السنة

البلد

الحادثة

17

ذي الحجة

953

بعلبك

كانت ولادة الشيخ البهائي.

15

رمضان

954

 

كتب الشيخ الشهيد الثاني مقابلته مع الحسين بن عبدالصمد، فهرست الطوسي.

 

 

958

كربلا

كتب والد البهائي في الحائر الحسيني بلاغاً بقراءة بعض تلامذته شرحه لألفية الشهيد وهو غير شرحه الآخر الّذي فرغ منه في هراة سنة 981.

 

 

حدود 960

 

هاجر والد البهائي إلى ايران ومعه 960 عياله وأتباعه.

 

 

965

 

شهادة الشهيد الثاني وقد أرّخ وفاته البهائي في بيت شعر.

3

صفر

966

قزوين

ولادة عبدالصمد أخ البهائي.

 

 

966

قزوين

أتم البهائي كتابة رسالة الواجبات العلمية والعملية لأبيه.

 

 

967

قزوين

كتب والد البهائي عن لسان الشاه طهماسب جواباً إلى السلطان سليمان العثماني.

 

 

967

 

أجاز والد البهائي لعلاءالدين الحسني الحسيني الخيروي.

 

 

968

 

كتب والد البهائي عن لسان الشاه طهماسب.

 

 

968

 

فرغ والد البهائي من رسالته في حال الإمام(عليه السلام) زمن الغيبة.

10

ج1

969

 

نهاية سماع والد البهائي قراءة مؤلفه وصول الأخيار من بعض تلامذته.

13

ج1

969

 

نهاية سماع والد البهائي قراءة رجال ابن داود الحلي.

15

ج1

969

 

نهاية سماع والد البهائي قراءة دراية الحديث للشهيد الثاني.

 

 

969

قزوين

نهاية كتابة البهائي كتاب اشكال التأسيس لقاضي زادة الرومي.

 

 

970

 

نهاية مقابلة والد البهائي عيون أخبار الرضا(عليه السلام).

19

ج1

971

المشهد الرضوي

اجازة والد البهائي لرشيد الدين الرضوي إبراهيم الأصفهاني.

2

رجب

971

المشهد الرضوي

اجازة والد البهائي لولديه البهائي الرضوي وعبدالصمد.

2

رجب

971

المشهد الرضوي

سماع البهائي من أبيه الحديث في الرضوي دراهم.

7

شوال

975

 

أتم البهائي الفوائد الصمدية باسم أخيه عبدالصمد.

 

 

975

هراة

رأى كتاباً ضخماً اسمه (كلدس)(26).

 

 

976

هراة

توفيت زوجة والد البهائي خديجة بنت الحاج عليّ وحملت إلى خراسان.

 

 

979

قزوين

كتب البهائي إلى والده وهو بهراة رسالة شعرية.

 

 

981

قزوين

كتب البهائي إلى والده وهو بهراة رسالة شعرية ثانية.

 

أواخر محرم

981

هراة

أتم والدالبهائي شرحه الآخر محرم لألفية الشهيد والنسخة بخطّه في المكتبة الرضوية برقم 272 فقه خطي.

 

رجب

983

 

اجازة والد البهائي للمير محمّد باقر الداماد.

18

شوال

983

النجف

اجازة والدالبهائي للشيخ حسن صاحب المعالم في الحرم العلوي.

19

ذي الحجة

983

مكة

إجازة والد البهائي للسيّد حسن الشدقمي وأولاده الثلاثة وبنته اُم الحسنين.

 

 

983

مكة

جواب والدالبهائي عن أحوال الشهيد الثاني.

10

صفر

984

قزوين

وفاة الشاه طهماسب.

8

ربيع الأول

984

البحرين

وفاة والد البهائي.

 

 

984

 

بدء الاضطرابات في المملكة الايرانية.

23

رمضان

985

 

وفاة الشاه إسماعيل بن طهماسب.

 

 

985

 

تولي خدابنده (محمّد) بن طهماسب وقد كتب باسمه رسالة في مقدار الكر.

 

 

988

تبريز

كان البهائي هناك وكان بها قحط عظيم.

 

 

990

اصفهان

أنهى شرح الچغميني.

20

رجب

991

اصفهان

كتب في آخر رباعية له بخطه في مجموعة جده الجباعي أيّام العزم على التوجه إلى بيت الله الحرام.

 

 

992

في طريق الحج

كتب ثلاث رباعيات له على ظهر الحجّ كتاب الذكر في النجوم.

 

 

992

 

زار البهائي قبة الشافعي بمصر.

 

 

992

مصر

كان البهائي مشغولا بكتابة الكشكول.

5

رمضان

992

وان

كان البهائي هناك وهي من نواحي تفليس أيّام المعاودة من مكّة المكرمة.

20

صفر

993

تبريز

أنشأ البهائي أبيات شعر قالها سحر يوم الجمعة.

13

صفر

995

اصفهان

فرغ البهائي من تأليف كتابه الأربعين.

9

ربيع1

995

سباهان

قرأ على البهائي أخوه عبدالصمد كتابه الأربعين فأجازه البهائي روايته.

 

 

996

 

استولى الشاه عباس على اُمور المملكة تماماً.

 

 

997

 

أجاز البهائي تلميذه كمال الدين شاه مير الحسيني على نسخة من أربعينه بخط المجاز.

 

شعبان

998

اصفهان

اصفهان اجازة البهائي لملك حسين بن ملك عليّ التبريزي.

27

شعبان

998

كوشك زرود من بلاد فارس

اجازة البهائي (الاُولى) لمحمّد بن زرود من بلاد يوسف البحراني العسكري.

 

شوال

998

 

اجازة البهائي لنور الدين عليّ ابن الحائك (الحاسب) البحراني.

1

ربيع1

999

 

اجازة البهائي (الثانية) لمحمّد بن يوسف البحراني العسكري.

 

 

999

المشهد

أوقف نسخة من كتابه الأربعين، كتبت سنة 995 سنة تأليفه.

غرة

ربيع2

1000

 

اجازة البهائي (الثالثة) لمحمّد بن يوسف البحراني العسكري.

 

 

1001

قزوين

أرسل البهائي أبياتاً إلى السيّد حيدر رحمة الله النجفي.

 

ج2

1002

اصفهان

اجازة لكمال الدين حسين بن حيدر العاملي الحسيني المبسوطة على ظهر قواعد العلاّمة الفقهية.

16

ج2

1003

الكاظمية

اجازة البهائي في الحرم لحسين بن حيدر الكركي كلّ ما اشتمل عليه كتاب الفقيه.

7

ج2

1003

الكاظمية

اجازته أيضاً للكركي المذكور بعيون أخبار الرضا(عليه السلام)وانشاده ثلاثة أبيات.

أوائل

ج2

1003

الكاظمية

أتم البهائي الحديقة الهلالية وكان ابتداؤه فيها بقزوين.

 

 

1004

 

أتم لغز القانون كما في نسخة كتابتها سنة 1050 في مكتبة مجلس الأعيان الايراني ضمن مجموعة 278.

 

 

1005

خراسان

أوقف قرآنا كوفياً على المشهد الرضوي بأمر الشاه عباس.

 

 

1005

 

صمم الشاه عباس على استبدال قزوين بأصبهان عاصمة له.

18

شوال

1007

خراسان

أتم البهائي القسم الأوّل من الحبل المتين.

 

 

1007

خراسان

أجاز البهائي تلميذه حاج بابا القزويني إجازة كتبها له على ظهر الحبل المتين.

 

ذي القعدة

1007

خراسان

أنشأالبهائي أبياتاً بالفارسية في حب العزلة.

 

ذي الحجة

1007

خراسان

أجاز لصدر الدين محمّد التبريزي كما في مجموعة 231 بمكتبة مجلس الأعيان الايراني.

 

محرم

1008

 

أنشأ أبياتاً عند رجوعه من زيارة المشهد الرضوي.

 

 

1008

 

اجازة البهائي لكمال الدين شاهمير الحسيني.

 

 

1008

 

أوقف البهائي القرآن المنسوب خطّه إلى الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بأمر الشاه عباس.

 

 

1008

 

أوقف البهائي القرآن المنسوب خطّه إلى الإمام الحسن(عليه السلام) بأمر الشاه عباس.

 

 

1008

خراسان

أوقف البهائي القرآن المنسوب خطّه إلى الإمام الصادق(عليه السلام) بأمر الشاه عباس.

 

 

1008

خراسان

أوقف البهائي قرآناً كوفياً بأمر الشاه عباس.

 

محرم

1008

في الطريق

في الطريق قال أبياتاً عند عودته من خراسان.

 

محرم

1009

 

زار الشاه عباس مشهد الرضا ماشياً على قدميه من اصفهان.

 

 

1009

في الطريق

في الطريق كان البهائي مع الشاه عباس في المشهد حينما كان الشاه يقوم ببعض الخدمات فأنشأ البهائي بيتين على البديهة.

 

 

1009

في الطريق

في الطريق أوقف البهائي قرآنين كوفيين بأمر الشاه عباس على العتبة.

أواخر

ربيع2

1010

قرية حوالي سمنان

قرية حدّث البهائي تلميذه الكركي حوالي سمنان بحديث الجبن والجوز المسلسل.

أواسط

صفر

1012

اصفهان

أجاز البهائي لعليّ بن أحمد النباطي.

17

ربيع1

1012

خراسان

فرغ البهائي من الاثنى عشرية الصلاتية.

 

ربيع2

 

 

أجاز البهائي للسيّد أحمد بن زين الدين العاملي.

 

ج1

 

 

أتم البهائي حواشيه على الاثنى عشرية للعاملي وسمى تلك الأيام بأيام العزلة المباركة.

 

ج1

 

 

اجازة البهائي لعليّ بن أحمد النباطي على ظهر شرح الاثنى عشرية للعاملي.

 

 

1013

 

أجاب البهائي عن مسائل زين الدين الشدقمي.

7

رمضان

1013

 

اجازة البهائي لعليّ بن الحسيني التفريشي.

7

ربيع2

1014

نخجوان

أتم تلميذ البهائي محمّد أمين القاري عدة رسائل لشيخه البهائي منها رسالته في معرفة القبلة، وحاشية على تفسير البيضاوي، والرسالة الحريرية، ورسالة في قصر الصلاة في الأماكن الأربعة ونسخها كلّها في شهر ربيع الثاني، وقد أتم المؤلّف رسالته في قصر الصلاة لأيام الارتحال إلى زيارة المزار الفائض بالنور الموسوم بشاه طور (عليه وعلى آبائه السلام إلى يوم النشور) وقرأ عليه الاثنى عشرية وأجازه بخطه عليها وصورة الإجازة في ريحانة الأدب 2: 383.

 

 

1014

 

ذهب الشاه عباس إلى كنجة لقتال الروم وتم له الفتح سنة 1015.

 

صفر

1015

كنجة

أتم البهائي كتابه مفتاح الفلاح.

 

 

1015

 

أتم البهائي وجيزة الدراية.

14

ذي القعدة

1015

قم

أتم كتاب الطهارة من مشرق الشمسين.

 

 

1015

قم

أجاز البهائي لصفي الدين محمّد القمي.

 

 

1016

اصفهان

أجاز البهائي للسيّد ماجد البحراني.

 

رجب

1016

اصفهان

كان أبو البحر الخطي الشاعر عند البهائي بداره وقد أنشده قصيدة في مدحه.

 

 

1016

خراسان

كتب ورقة أوقاف أملاك الشاه عباس على العتبة الرضوية.

20

شوال

1017

يزد

أتم محمّد أمين القاري نسخ (نان وحلوا) لاُستاذه البهائي.

 

 

1017

سلطانية

كان البهائي مع الشاه عباس في سفره إلى مراغه للاصطياف.

 

 

1018

 

أجاز السيّد أحمد بن زين العابدين العاملي.

12

محرم

1018

يزد

أتم البهائي كتابه زبدة الاُصول.

أواخر

شعبان

1019

 

فرغ من الاثنى عشرية الصومية، ونقلها إلى البياض سنة 1020 وقد كتبها بعد الاثنى عشرية الصلاتية، والحجية.

أواخر العشر الاُول

محرم

1019

قراباغ

كتب اجازة للحاج حسينا على ظهر نسخة من الزبدة كتبها المجاز (4: 398 نسخه هاى خطي).

 

صفر

1020

 

أتم رسالته في القبلة.

 

شوال

1020

 

أجاز للشيخ لطف الله العاملي الاصفهاني.

 

ذي الحجة

1020

 

أجاز لمحمّد رضا البسطامي كتبها له على ظهر الحبل المتين.

 

 

1020

 

أجاز للسيّد حسين بن حيدر الكركي كتبها له في آخر إرشاد العلاّمة.

 

 

1021

خراسان

أتم لغز الزبدة وأرّخها بقوله (رضوية) وأوقف نسخة من كتابه مشرق الشمسين على المكتبة الرضوية.

 

 

1021

 

أجاز لمعين الدين محمّد أشرف الحسيني كتبها على ظهر مفتاح الفلاح.

 

 

1021

 

كتب بلاغاً بالسماع على نسخة من التحصيل.

 

ج1

1022

 

أجاز للرويدشتي المعروف بشريفا.

 

شوال

1022

اصفهان

قرظ البهائي ترجمة تلميذه ابن خاتون العاملي لكتابه الأربعين.

 

 

1025

 

أجاز للسيّد إبراهيم قوام الدين الحسني الحسيني.

 

 

1025

 

أجاز للشيخ يحيى اللاهيجي.

 

 

1025

اصفهان

بناء الحمّام المعروف (بحمّام الشيخ) في أصفهان لأ نّه من تصميم البهائي.

16

ج2

1029

اصفهان

أجاز لمحمّد بن عليّ بن خاتون العاملي كتبها له على ظهر نسخة من النجاشي.

أوائل

ربيع2

1030

 

أجاز لحسن عليّ بن عبدالله التستري.

 

 

1030

 

أجاز للأمير شرف الدين حسين كتبها له في ذيل اجازة والده له.

 

رجب

1030

 

أجاز لمحمّد بن هاشم بن أحمد بن عصام الدين الأنكاني كتبها له على ظهر الاثنى عشريات الخمس الّتي هي بخط المجاز.

 

 

1030

 

أجاز لمحمّد رضا البسطامي وكتبها له على نسخة من الحبل المتين له.

 

 

1030

 

وفاته على قول.

 

 

1031

 

وفاته على قول آخر.

 

دور الطفولة:

تحدر الشيخ البهائي(رحمه الله) من اُسرة علمية عريقة في الولاء والمحبة لأهل البيت(عليهم السلام)، كما هي عريقة في العلم والفضيلة، وهي ترتفع بنسبها إلى الحارث بن عبدالله التابعي الشهير (ت 65 هـ)، وكان الحارث من أولياء أميرالمؤمنين(عليه السلام)، ومخلصي أصحابه، وحضر معه الجمل وصفّين وهو من قبيلة همدان العربية المشهورة، وهمدان حي من اليمن، وقد مدحهم الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) في صفّين ـ حينما ثبتوا وقد فرّ الناس، فعمدوا إلى أغماد سيوفهم فكسروها وعقلوا أنفسهم وبركوا للقتل ـ فقال(عليه السلام):

لهمدان أخلاق ودين يزينها *** وبأس إذا لاقوا وحسن كلام

فلو كنت بوّاباً على باب جنّة *** لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وقد أشار أبو البحر الخطي إلى ذلك في مدحه شيخنا البهائي في قصيدته الرائية المسمّاة (روح الجنان) والّتي عارض بها رائية البهائي (وسيلة الفوز والأمان) بقوله:

فيا بن الاُولى أثنى الوصي عليهم *** بما ليس تثني وجهه يد انكار

بصفّين إذ لم يلف من أوليائه *** وقد عض ناب للوغى غير فرار

وأبصر منهم حين حرب تهافتوا *** على الموت اسراع الفراش إلى النار

سراعاً إلى داعي الحروب يرونها *** على شربها الاعمار منهل اعمار

أطاروا غمود البيض واتكلوا على *** مفارق قوم فارقوا الحقّ فجار

وأرسوا وقد لاثوا على الركب الحبي *** بروكاً كهدي أبركوه لجزار

فقال وقد طابت هنالك نفسه *** رضىً وأقروا عينه أي إقرار

(فلو كنت بوّاباً على باب جنّة) *** كما أفصحت عنه صحيحات آثار

وقد صرح البهائي في كتابه الكشكول(27) بنسبته إلى الحارث الهمداني، فقال: جد جامع الكتاب، كما أنّ أباه وجده الأعلى وبعض اُسرته كانوا يصرّحون بانتسابهم إليه أيضاً، فيكتبون (الحارثي)(28).

قلت: انّه تحدر من اُسرة عريقة في الولاء وعريقة في العلم، وذكرت ما يثبت رسوخ قدمها في الولاء منذ جدها الحارث(رضي الله عنه).

أمّا عن العلم فقد ذكر في تاريخ أجداده المشرق غير واحد ممّن أخذ بأكناف الفضل، وطنب في سوح العلم، وأوّل من عرفت من أجداده وقد وصف بالمشيخة هو الشيخ إسماعيل، ثمّ ابنه الشيخ الصالح اللويزاني، ثمّ ابنه الشيخ محمّد، ثمّ ابنه الشيخ بدر الدين الحسن، ثمّ ابنه الشيخ زين الدين عليّ (ت 861 هـ)، وهذا هو أوّل أجداده الّذين وقفت على رواية الأعلام عنه، والثناء عليه.

فقد أطراه الشيخ عليّ بن محمّد بن عليّ بن محلى في اجازته لولده زين الدين المذكور محمّد بن عليّ الجباعي بقوله: الشيخ العلاّمة زين الدنيا والدين وشرف الإسلام والمسلمين.

كما أطراه ولده الآخر إبراهيم الشهير بالكفعمي (ت 905 هـ) بقوله: الفقيه الأعظم الورع.

فالرجل من الأعلام وفقهاء الإسلام، وعنده يلتقي نسب شيخنا البهائي بالشيخ الكفعمي صاحب المصباح والبلد الأمين وغيرها، فانّ الشيخ زين الدين عليّ المذكور أعقب خمسة ذكور وهم:

1 ـ الشيخ جمال الدين أحمد.

2 ـ الشيخ شرف الدين.

3 ـ الشيخ رضي الدين.

4 ـ الشيخ تقي الدين إبراهيم الكفعمي.

5 ـ الشيخ شمس الدين محمّد الجباعي، وهو جد والد البهائي، وهو صاحب المجاميع الّتي نقل عن بعضها الشيخ المجلسي في إجازات البحار، وكانت بعض تلك المجاميع قد وصلت إلى الشيخ البهائي(رحمه الله)، فصحح بخطّه بعض الألغاز، وكتب رباعيتين له وصدرها بقوله: (لكاتب الأحرف بهاء الدين العاملي) وكتب في آخر الثانية ما لفظه:

(في تاريخ العشرين من رجب المرجب، سنة احدى وتسعين وتسعمائة في اصفهان أيّام العزم على التوجه إلى بيت الله الحرام) وقد نقل عن تلك المجاميع في الكشكول مكرراً.

وقد أثنى الشهيد الثاني على الشيخ الجباعي في إجازته لوالد البهائي، الحسين بن عبدالصمد ووصفه بالشيخ الإمام(29) كما اطراه المحقق الكركي بقوله: قدوة الأجلاء في العالمين، ووصفه حفيده البهائي والمجلسي بقوليهما: صاحب الكرامات(30).

وقد توفّي الشيخ شمس الدين محمّد بن عليّ الجباعي سنة (886 هـ) وأعقب ثلاثة أولاد، وهم:

1 ـ الشيخ أبو المكارم هبة الله المولود سنة 858 .

2 ـ الشيخ زهرة، وخلف ولدين هما: أبو المحاسن محمّد المولود سنة 862 ولأبي المحاسن ولد اسمه شرف الدين، وقد كتب بخطّه في مجموعة جده الجباعي الّتي وصلت بعده إلى البهائي فكتب فيها بخطّه ما ذكرناه: (كتبه بيده شرف الدين ابن محمّد بن زهرة الجبعي سنة أربع وأربعين وتسعمائة).

والشيخ عليّ بن زهرة وهو من تلاميذ الشهيد الثاني وقد رافقه إلى مصر وتوفي بها سنة 942.

3 ـ الشيخ أبو تراب عبدالصمد المولود سنة 855 وهو كما وصفه الشهيد الثاني في إجازته لولده الحسين بن عبدالصمد ـ والد البهائي ـ الشيخ الصالح العالم التقي المتفنن خلاصة الأخيار... وقد توفّي سنة 935 وأعقب أربعة بنين وبنتاً واحدة، والذكور هم:

1 ـ الشيخ نور الدين أبو القاسم عليّ المولود سنة 898 وكان عالماً فاضلا فقيهاً محدّثاً يروي عن الشهيد الثاني، وقد أجازه بالمشهد الغروي سنة 935 في شهر رجب.

2 ـ الشيخ محمّد المولود سنة 903 والمتوفّى سنة 952.

3 ـ الحاج زين العابدين المولود سنة 909 والمتوفّى سنة 965 وله ابن اسمه الشيخ تقي الدين ولد سنة 920 ؟(31) وتوفّي سنة 972.

4 ـ الشيخ حسين بن عبدالصمد، والد الشيخ البهائي ولد سنة 918 (وكان عالماً فاضلا مطلعاً على التواريخ ماهراً في اللغات، مستحضراً للنوادر والأمثال، وكان ممّن جدد قراءة كتب الأحاديث ببلاد العجم، له مؤلفات جليلة ورسالات جميلة)(32) وتوفّي سنة 984 وأعقب ولدين وبنتين وهم:

1 ـ أبو الفضائل محمّد بهاء الدين، وهو شيخنا المترجم له.

2 ـ أبو تراب عبدالصمد ـ سمي جده ـ ولد سنة 966 بقزوين.

3 ـ بنت... ولدت ليلة الاثنين 3 صفر سنة 950.

4 ـ اُم أيمن سلمى، ولدت بعد نصف الليل 16 محرم سنة 955.

ويظهر ممّا سجّله الحسين بن عبدالصمد المذكور في تاريخ مواليد ذرّيته انّ احدى بنتيه زوّجها من علوي فولدت له ولداً اسمه السيّد محمّد، أرّخ الحسين ولادة سبطه بعد ولادة ابنه عبدالصمد بقوله: وابن اُخته السيّد محمّد(33) ولد ليلة السبت 18 صفر من السنة المذكورة ـ أي سنة 966 ـ (34).

والشيخ أبو تراب عبدالصمد ـ أخ البهائي ـ كان عالماً فاضلا سمع من أخيه البهائي كتابه الأربعين بعد تأليفه بستة عشر يوماً، وكتب له أخوه اجازة في آخر نسخة بخطّ عليّ بن عليّ السباهاني بتاريخ 9 ربيع الأوّل سنة 995 بسباهان، وله حواشي على أربعين أخيه، وقد كتب أخوه الفوائد الصمدية في النحو باسمه، توفّي عبدالصمد في سنة 1020 في طريق الحجّ فنقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن فيه، وأعقب ولدين هما:

1 ـ الحسين بن عبدالصمد ـ الصغير ـ وهو الّذي كتب بخطّه على كتاب أربعين عمه ما ميّز به حواشي أبيه من ايضاحات عمه، وتاريخ ما كتبه في 25 ج 1 سنة 1052 بهراة.

ولم تزل أعقاب الشيخ حسين هذا بهراة وعاملة من حملة العلم وأرباب الفضل والكمال، ومن ذرّيته آل مروة العامليون(35).

2 ـ الشيخ أحمد، ولم أقف على شيء من ترجمته، وقد ورد ذكره في حديث للسيّد حسين بن حيدر العاملي تلميذ الشيخ البهائي وانّه يروي عنه اجازة(36).

(1) كتابه 1: 2.

(2) الكتاب 2: 369.

(3) هامش تعريف القدماء لأبي العلاء: 186.

(4) كشف الظنون: 1629.

(5) معجم المطبوعات ليوسف اليان سركيس: 284.

(6) نهر الذهب 1: 425.

(7) والأبيات بمجموعها في ديوان الشريف الرضي 1: 169 بتفاوت وزيادة فليراجع.

(8) تاريخه 2: 481.

(9) الزخرف: 28.

(10) تاريخه 2: 183.

(11) نهر الذهب 1: 80 .

(12) اعلام النبلاء 5: 12.

(13) أعيان العصر: نسخة مصورّة.

(14) الديوان وتاريخ المعرة: 185، وروضة المناظر بهامش ابن الأثير 12: 175.

(15) اعلام النبلاء 5: 10.

(16) وقد ذكرها في تاريخه 2: 501.

(17) فوات الوفيات 2: 232.

(18) النجوم الزاهرة 10: 240.

(19) نهر الذهب 1: 418.

(20) اعلام النبلاء 5: 13.

(21) تاريخ معرة النعمان 2: 230.

(22) البهائي: نسبة إلى بهاء، وهو ملخص من بهاء الدين، وهو تخلص للناظم على اصطلاح شعراء العجم وجماعة من المتأخّرين، فانّهم يكنّون عن أنفسهم باسم غير الاسم الخاص بهم في أشعارهم، وربّما نسبوا أنفسهم إلى ألقابهم المعلومة، كما فعل الناظم هنا ـ البهائي ـ ويسمّون ذلك بالتخلص وهو مشهور عنهم، كما لقّب نفسه سعدالدين الشيرازي بسعدي، وصاحب المثنوي برومي، والملاّ فتح الله الشوشتري بوفائي، وصاحب الشاهنامة بفردوسي وغيرهم بغيرها (عن منن الرحمن 2: 245).

(23) تاريخ جباع: 123.

(24) شرح المنيني على قصيدة الفوز والأمان، الكشكول: 387 طبع مصر سنة 1329.

(25) تاريخ أدبيات ايران 4: 8 و426.

(26) الكشكول 3: 44.

(27) الكشكول 2: 207.

(28) وهذا يدفع ما ذكر في كتاب نسمة السحر انّ البهائي من ولد سعيد بن قيس الهمداني صاحب الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام)، ولتعطف هذه الدعوى على الدعوى الاُخرى فيه أيضاً وهي أكثر غرابة، وذلك انّ البهائي أصبهاني المولد؟؟

(29) إجازات البحار: 85 .

(30) نفس المصدر: 148 ـ 149.

(31) رياض العلماء (مخطوط) وحكاه عنه أيضاً في أعيان الشيعة 26: 258.

(32) نظام الأقوال للساوجي (مخطوط).

(33) ولعلّ هذا السيّد هو زين العابدين الحسيني الّذي تمم الباب السادس في المزار من الجامع العبّاسي وصرّح في أوّله انّه ابن اُخت البهائي وتلميذه المجاز منه، راجع الذريعة 5: 63 أو هو أخ هذا السيّد فلاحظ.

(34) رياض العلماء (مخطوط) في ترجمة الحسين بن عبدالصمد.

(35) أعيان الشيعة 26: 259.

(36) إجازات البحار: 136 وأظن انّ ذلك من سهو القلم لتقدم طبقة السيّد على الشيخ أحمد المذكور فلاحظ.