كفاية الطالب والبيان:

لم يصل إلينا من تآليفه سوى هذين الكتابين، كما أ نّا لا نعلم هل كانت له مؤلّفات اُخرى غيرهما أم لا؟ نعم عثرت على نص ذكره الشيخ البياضي (ت 877 هـ) في كتابه الصراط المستقيم(1) فيه اسم كتاب بغية الطالبين للكنجي الشافعي، وعدّه من الكتب الّتي عثر عليها ونقل عنها، كما ذكره مراراً، ولعلّ أوفى تعريف به ما جاء في قوله: ذكر الشيخ محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي في الجزء الثامن من كتاب بغية الطالبين في مناقب الخلفاء الراشدين... ثمّ ذكر 17 حديثاً صحيحاً على شرط الشيخين البخاري ومسلم ولم يذكراها وذكرها الكنجي في كتابه ونقلها عنه البياضي ثمّ قال: وهذه أخبار اُخر لم يصرّح الكنجي بأ نّهما لم يذكراها وهو في كتابيه ـ كما سبق ـ أثبت لنفسه مقاماً علمياً رفيعاً، كما قرأناه فيهما وترجمناه منهما(2)، والآن نذكر للقاري من اعتمد من الحفّاظ عليهما وأخرج عنهما ومن ذكرهما.

وأوّل من صرّح بالأخذ عنهما وقراءتهما على مصنّفهما هو:

1 ـ الصاحب بهاء الدين أبي الحسن عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي قال: (ونقلت من كتاب كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) تأليف الشيخ الإمام الحافظ عبدالله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي، وقرأته عليه بأربل في مجلسين آخرهما الخميس سادس عشرة جمادى الآخرة من سنة ثمان وأربعين وستمائة، وأجاز لي وخطّه بذلك عندي قراءة عليه)(3).

وقال: (وقد كنت ذكرت في المجلد الأوّل أنّ الشيخ أبا عبدالله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي عمل كتاب كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب وكتاب البيان في أخبار صاحب الزمان، وحملهما إلى الصاحب السعيد تاج الدين محمّد بن نصر بن الصلايا العلوي الحسيني سقى الله عهده صوب العهاد، فقرأنا الكتابين على مصنّفهما المذكور في مجلسين، آخرهما يوم الخميس سادس عشرة جمادى الآخرة من سنة ثمان وأربعين وستمائة بأربل... الخ)(4) ثمّ أخرج عنه.

2 ـ السيّد رضي الدين ابن طاووس الحلي(رحمه الله) (ت 663 هـ) قال:

(فيما نذكره من الكتاب المسمّى كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب، تأليف محدّث الشام صدر الحفّاظ محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي)... الخ ثمّ أخرج عنه(5).

3 ـ نور الدين عليّ بن محمّد بن أحمد المكّي الشهير بإبن الصبّاغ المالكي (ت 855 هـ) قال: (وصنّف الشيخ أبو عبدالله محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي في ذلك ـ أخبار المهدي(عليه السلام) ـ كتاباً سمّاه البيان في أخبار صاحب الزمان) ثمّ أخرج عنه(6).

4 ـ أبو عبدالله محمّد بن أحمد القرطبي في كتابه التذكرة.

5 ـ الشيخ سليمان بن الشيخ إبراهيم المشتهر بـ (بابا خوجه الحسيني البلخي القندوزي) قال في كتابه ينابيع المودّة: (وأورد أبو عبدالله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي صاحب كتاب كفاية الطالب وكتاب البيان في أخبار صاحب الزمان الأحاديث الكثيرة)... الخ ثمّ أخرج عنه(7).

6 ـ الشيخ العلاّمة محمّد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104) في كتابه إثبات الهداة(8) ذكر قراءة الاربلي كتاب البيان على مؤلّفه ثمّ أخرج عنه.

7 ـ السيّد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي من أعلام القرن الثالث عشر قال في كتابه نور الأبصار الّذي أتم تأليفه سنة 1290 (قال الشيخ أبو عبدالله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان... الخ)(9) ثمّ استطرد في سرد إستدلاله على عدم امتناع بقائه(عليه السلام) حياً باقياً بعد غيبته وإلى الآن.

8 ـ الحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي ذكر (البيان في أخبار صاحب الزمان للشيخ أبي عبدالله محمّد بن يوسف الكنجي (ت 658 هـ)(10)، وذكر (كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب للشيخ الحافظ أبي عبدالله محمّد بن يوسف ابن محمّد الكنجي الشافعي (ت 658 هـ)(11) وأشار إليه(12).

9 ـ إسماعيل باشا بن عليّ البغدادي في كتابه هدية العارفين قال: (محمّد بن يوسف الكنجي أبو عبدالله الشافعي (ت 658 هـ) من تصانيفه البيان في أخبار صاحب الزمان، كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب)(13).

10 ـ البحاثة عمر رضا كحالة قال: (محمّد بن يوسف الكنجي «أبو عبدالله» فاضل من آثاره البيان في أخبار صاحب الزمان، كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب، وله شعر)(14).

11 ـ الشريف النسّابة الجليل السيّد عليّ بن الحسن بن شدقم الحسيني (ت 1033) نقل مقالة ابن الصبّاغ المالكي عن البيان ـ هذا ـ (15).

12 ـ العلاّمة الحجّة السيّد صدر الدين الصدر في كتابه (المهدي).

13 ـ الحسين بن أحمد الصنعاني (ت 1221 هـ) بصنعاء في كتابه الروض النضير، وغير هؤلاء ممّن لا تحضرني أسماؤهم فعلا.

 

المهدية في الإسلام وموقف الشيعة منها:

لم يكن من عزمي أن أبحث هذا الموضوع، أو أن أتطرق له بشيء من البيان بعد أن أشبع العلماء هذا الموضوع بحثاً وتحقيقاً في كتب السلف والخلف، فكان من نتيجة ذلك أن أصبحت عقيدة (المهدي) عقيدة ثابتة راسخة عند المسلمين عامة، وكان نظر الشيعة إليها كنظر من سواهم من المسلمين، إلاّ أنّ ذنبهم الوحيد أ نّهم كانوا من أشدّهم تمسكاً بها وأقومهم إعتدالا في اعتناقها.

كما أصبح بحث هذا الموضوع من التكرار الّذي لا يزيد المؤمن به إيماناً على إيمانه، ولا المنكر إلاّ تمادياً في غيّه، لكن الأمر الّذي دعاني ـ وأنا اُقدّم إلى الاُمّة الإسلامية كتاباً لعالم شافعي خصّه مؤلّفه بالبحث عن أخبار (المهدي) وما ورد فيه من الأحاديث النبوية الصحيحة، وعرّاه عن جميع ما جاء من طرق الشيعة، ليكون في الحجّة أبلغ ـ أقول: إنّ الّذي دعاني أن أبحث عاجلا هذا الموضوع هو ما تطالعنا به دور النشر بين آونة واُخرى من صحائف سوّدتها أنامل مأجورة وأملتها ضمائر مسعورة، لم تفتأ تتعرض إلى (المهدي) ومنه إلى الشيعة بسوء، وتعد الإعتقاد به من السخف ومن خرافات الشيعة.

وهذه بلية الشيعة من يومهم الأوّل وحتّى العصر الحاضر، فرأيت لزاماً عليَّ أن اُشير عاجلا إلى مصدر هذه العقيدة وتأريخ نشأتها، لنلمّ أنا والقارئ بشيء من تاريخها ومدى صحّتها، وليقف القرّاء على ما تتحمله هذه الطائفة من الشيعة ـ الإثنا عشرية ـ من هضم وضيم في سبيل عقيدتهم من زعانف مأجورين يحملون جنسية المسلمين، ويعيشون على حسابهم وبين أظهرهم، وهم يكيدون لهم كيداً، وليس لهم همّ إلاّ صدع شمل المسلمين وتشتيت كلمتهم.

وليس عليماً بحقيقة حال هذه الشراذم وما يضمرون من سوء ويبيّتون للمسلمين إلاّ الله تعالى، وقى الله المسلمين شرّهم، ونصرهم على من يكيدهم، وردّ اُولئك المنافقين بغيظهم لم ينالوا خيراً، والله على نصر المسلمين لقدير.

أيّها القارئ الكريم، إنّ من مفاخر الاُمم شيوع الثقافة بين أفرادها، وكثرة العلماء فيها، كما أنّ من دواعي فخرها انتشار المعاهد العلمية في ربوعها وكثرة عددها وقدم تأسيسها، إذ جميع ذلك يدل على مجد الاُمّة وثروتها الفكرية، ونضوج العقل بين ساستها وقادتها، ورسوخ قدمها في الحضارة والتمدن، وللاُمّة الإسلامية في هذا المضمار النصيب الوافر وحصّة الأسد كما يقولون.

فتاريخ المسلمين مشرق مشع بأعلام بذّوا الكواكب بأنوار معارفهم من يومهم الأوّل وحتّى اليوم الحاضر.

وتاريخ المسلمين صفحة بيضاء في أخلاقهم السامية وعاداتهم وعقائدهم الإسلامية.

وتاريخ المسلمين طاهر نقي، طهارة لا تدنسها أيادي مأجورة أثيمة، وإن انضوت تحت لواء الإسلام، واندست بين صفوف أهله، فآمنت باللسان ولم تقرّ بالجنان.

فمنيت الاُمّة الإسلامية بشراذم اتخذوا من الدين فخاً ومن العلم وسيلة، وكم يحز في النفس أن يكون بين المسلمين أمثال هؤلاء الشذاذ، يخدعون الأغرار الأطهار، ويكيدون الأبرار الأخيار، فلا يسلم من شرّهم حاضر ولا باد ولا زمان ولا مكان.

وإنّ من المؤسف أن تكون حصّة الأزهر الشريف ـ ذلك المعهد الإسلامي الّذي له من ماضيه المجيد ما يرفع شأنه مدى العصور ـ حصّة وافرة في مختلف أدواره وأطواره، ولست أروم سرد جميع اُولئك الّذين لم يرقبوا في مؤمن إلاًّ ولا ذمّة، فآثارهم السيّئة وصحائفهم السوداء تكفي في التدليل على سوء نيّاتهم، والانطباع عن حقيقة أشخاصهم.

فإنّ منهم من عتم فجر الإسلام بفجره، وضحى به في ضحاه، وقصم ظَهره في ظُهره، وهذا الرجل مهما أردنا أن نظن به الخير ـ لو كان هناك مجال لذلك ـ فهو لا يخلو إمّا أ نّه كان يعمل لحساب أعداء الإسلام على تمزيق شمل المسلمين وتشتيت كلمتهم، وإمّا أ نّه كان هو عدوّاً للمسلمين، وإلاّ فأيّ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر يستسيغ الكذب والإفتراء ويستبيح البهتان وقول الزور، كلّ ذلك لتوسيع الفجوة بين فرق المسلمين وإشاعة البغضاء في نفوسهم.

وكيف يظن به الخير وهو لم يبرح يكيد المسلمين ولم ينفك عن سبابهم في كتبه، ولم يرضه ما اقترفته يده الأثيمة حتّى سمّم أفكار كثير من الشباب ممّن تلمّذ عليه وأخذ عنه، فضربوا على وتيرته وترسموا خطاه حذو النعل بالنعل، فكانوا له خلف سوء في المقال والفعال مع طائفة من المسلمين هم اليوم مائة مليون أو يزيدون، يقرون بالتوحيد والنبوّة، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجون البيت، ويتمسكون بالقرآن ويهتدون بهداه، إلاّ أنّ ذنبهم الوحيد موالاتهم لأهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ومودّتهم لمن أوجب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) مودّته من اُولي القربى.

فمنيت هذه الطائفة من المسلمين ـ بل وعامة المسلمين في الحقيقة ـ بقوّالة منافقين همهم إشاعة البغضاء في النفوس، وصدع الشمل، فقالوا في الشيعة وقالوا ما لم ينزّل به سلطان، واتخذوا من سباب الشيعة وسيلة إلى النيل من أئمّتهم والتطاول على مكانتهم، ممّا يدلّ على بغض ونفاق بحكم ما صحّ عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)«يا عليّ لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق، من أحبك فقد أحبني، ومن أبغضك فقد أبغضني، وحبيبي حبيب الله، وبغيضي بغيض الله، ويل لمن أبغضك بعدي»(16).

وإنّ ممّا نقموا به على الشيعة عقيدتهم في (المهدي) وكأ نّهم هم وحدهم يعتقدون ذلك، أو كأنّ ذلك عاراً عليهم، أو كأنّ اُولئك الشُذّاذ لم يقرّوا لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بنبوّته فيصدّقوه في أقواله الّتي صحت عنه ومنها: «من كذّب بالمهدي فقد كفر»(17).

وإنّا إن عذرنا الأوائل لم نعذر الأواخر الّذين تبوؤوا من الحضارة الصدارة فيما يزعمون، ومنهم الاُستاذ عبدالحسيب طه حميدة، فإنّ هذا الرجل بالرغم من اختصاصه بالأدب لم يلتزم حدوده في كتابه (أدب الشيعة) مع العلم بأ نّه لم يأت بشيء جديد سوى اجتراره لما لفظه ابن خلدون وابن تيمية والزين العراقي وأضرابهم ممّن كان يتحامل على الشيعة في عقيدة (المهدي) وغيرها من عقائدهم الّتي صحت عندهم، ويبهتهم بما يبرؤون منه.

والّذي يقرأ كتاب عبدالحسيب لا يفوته إدراك من أين يستقي وأي نحو يميل، فاُستاذه أحمد أمين ومصادره ابن خلدون والآلوسي وفان فلوتن وحسن إبراهيم، فمن هؤلاء يأخذ عقائد الشيعة، وإلى هؤلاء يستند في بهت الشيعة، وعلى هؤلاء يعتمد في طعن الشيعة.

فحيا الله الثقافة وحيا الأزهر وحيا رجاله، إذا كانت بحوث رجاله من هذا القبيل، وأقوال الخصم هي الدليل.

وإلى القارئ سطوراً من (أدب الشيعة) قالها عبدالحسيب:

قال: إختلطت الدعوة ـ دعوة التشيّع ـ فإذا هي مزيج من أفكار مختلفة، وديانات متعددة، عرفها الإسلام بالفتح، وتشرّبها التشيّع بالبيئة، فرأينا القول بالرجعة وسمعنا مذهب الوصاية(18)... وقال: وإذا هذه العقائد السبئية من رجعة ووصاية وتناسخ وبداء هي اُسس التشيّع وقواعده...(19).

وقال: ومن هذا الوقت ـ بعد مقتل الحسين(عليه السلام) ـ تظهر (التقية) في الجو الشيعي، فتأخذ مكانها في سياستهم وعقيدتهم، وتظهر عقيدة اُخرى تنتج عن غيبة الإمام ورجعته، وتنتج بوجه خاص عن أماني الشيعة في عودة الأمر إليهم، ووجود من ينتقم لهم، فكان حديث المهدي المنتظر الّذي اتخذ أجلّ مكان من عقائد الشيعة وأدبهم...(20).

وقال: ومهما يكن من شيء فلم يكد ينتهي القرن الأوّل من الهجرة إلاّ وقد أثمرت العقائد السبئية ثمرها الكريه، فأصبحت الوصاية والرجعة والمهدية والتقية ونظرية الوراثة ومبدأ النيل من الصحابة هي اُسس التشيّع(21).

وقال: وتكوّن حوله ـ المختار بن أبي عبيد ـ مذهب شيعي جديد كما قلنا ـ يعني الكيسانية ـ انتشرت في ظله عقائد السبئية، من رجعة ووصاية وتناسخ وبداء وإسراف في تقديس عليّ وأبنائه، حتّى زعموا أ نّهم أنبياء... وفي ظل هذا المذهب أيضاً ظهر القول بالمهدي المنتظر(22).

وقال: وأنت إذا نظرت إلى ما تسرب إلى التشيّع من عقائد سبئية أرجعها المؤرّخون إلى الديانات الآسيوية، من رجعة ووصاية وعصمة ومهدية وتناسخ وبداء وتقية وتقديس لعليّ وبنيه، آمنت بأنّ هذا الحزب ـ إن صحّ ما قالوا ـ كان مسترداً لكثير من الديانات الآسيوية من غير شكّ(23).

وقال: فقد زعموا ـ المؤرّخون ـ أ نّه أخذ عن الهندية مبدأ التناسخ، كما أخذ عن البراهمة والمسيحية واليهودية مبادئ حلول الإله في الإنسان، وعن الفارسية الرجعة والوصاية ووراثة الحكم(24).

وقال: وعلى الجملة فقد شرّع ابن سبأ عقيدة الرجعة وبثها في الجو الشيعي فصارت ـ كما يقول ابن جرير : ـ عقيدة من عقائدهم كما صارت أساساً لعقيدة اُخرى ـ عربية فيما نعتقد ـ وهي (المهدية)(25).

وقال: وقال مثله غلاة الإمامية وخصوصاً الإثنا عشرية منهم يزعمون أنّ الثاني عشر من أئمّتهم وهو (محمّد بن الحسن العسكري) ويلقّبونه المهدي دخل في سرداب بداره في الحلة، وتغيّب حين اُعتقل مع اُمّه وغاب هنالك، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا، يشيرون بذلك إلى الحديث الوارد في كتاب الترمذي في المهدي، وهم إلى الآن ينتظرونه لذلك ويسمّونه المنتظر، ويقفون كلّ ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب ـ وقد قدموا مركباً ـ فيهتفون بإسمه ويدعونه للخروج حتّى تشتبك النجوم، ثمّ ينفضّون ويرجئون الأمر إلى الليلة الآتية، وهم على ذلك لهذا العهد(26).

وقال: وقد رأينا أنّ المهدية عقيدة متممة لعقيدة الرجعة، ويحدّثنا الاُستاذ أحمد أمين عن نشأة هذه العقيدة، ثمّ ينقل قوله في ضحى الإسلام(27) وخلاصته: أنّ رؤساء الشيعة الأوّلين لمّا رأوا أنّ الأمر خرج من الشيعة خافوا على جماعتهم من تسرب اليأس إلى نفوسهم، فوضعوا خططاً منها الدعوة السرية للتشيّع، وذلك لا يتم إلاّ بقيام رئيس للشيعة يلتف حوله الناس ولو سراً، ولقبّوه بالخليفة حقّاً، ثمّ تطورت هذه الفكرة إلى حقيقة ثابتة بعد أن كانت رمزاً، فالأوّلون كانوا يرمزون بالمهدي المنتظر إلى حكومة شيعية منتظرة، فجعلها المتأخّرون حقيقة وجعلوا المهدي المنتظر حقيقة.

ثمّ نقل قول الآلوسي في تفسيره(28): (وتأوّل جماعة من الإمامية ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، فوضعت لذلك أخبار المهدي المنتظر بشخصه ووصفه)(29).

وقال: والفكرة ـ فكرة المهدي ـ في ذاتها صحيحة(30).

وقال: والجديد في عقيدة المهدية أ نّها نشأت بعد قتل الحسين بن عليّ(رضي الله عنه)فلم نسمع عنها إلاّ في الأدب الكيساني ـ أدب المختار وشيعته ـ وليس بصحيح أنّ واضعها كيسان مولى عليّ بن أبي طالب، كما يقول الاُستاذ أحمد أمين فكيسان هذا قُتل بصفّين ـ كما قلنا ـ قبل أن تخلق هذه العقيدة ـ المهدية ـ بربع قرن أو يزيد، ولعلّ هذا الزعم جاءه من ترجيحه أنّ مولى (عليّ) هذا هو نواة فرقة الكيسانية ـ وليس كذلك ـ .

ثمّ هي عربية النشأة لا ـ فارسية ـ كما يرى الدكتور حسن إبراهيم وقد اُستعملت أوّلا في معناها اللغوي ـ رجل هداه الله فهو مهدي ـ ثمّ اتخذت معنىً جديداً فصارت لقباً للإمام المنتظر، ثمّ صارت عقيدة الفرق الشيعية جميعها من زيدية، وإمامية، وكيسانية، تطلقها كلّ فرقة على الإمام الّذي تنتظر عودته(31).

هذه سطور من كتابه (أدب الشيعة) تحامل فيها على اُمّة لم يكن ذنبهم إلاّ أن قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا على الطريقة الّتي رسمها القرآن في حدود قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(32) وقوله تعالى: (أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ)(33) وقوله تعالى: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى)(34).

ولكن الرجل كما يقول عن نفسه في مقدّمته تغلبه أزهريته في مناقشته لجمهرة من عقائد الشيعة، فلا يسعه دون أن يحذو حذو اُستاذه في خرق قانون الأدب وحدوده، وإنّي لا اُريد أن أقف معه للحساب عند كلّ قولة زعمها أو فرية بهت بها الشيعة، ولا أروم أن أبحث معه جميع النقاط الّتي زعمها دخيلة في الإسلام وجاء بها صلعاء في سطوره، من رجعة ووصاية وتناسخ وبداء وتقية وعصمة ومهدية وغير ذلك، فإنّ إستيفاء البحث عن جميع ذلك يحتاج إلى زمن أطول من هذه العجالة، وأنا بين يدي تقديم كتاب في المطبعة في طريقه إلى الصدور، ولكن لابدّ لي من وقفة قصيرة معه في الحديث عن (المهدية) كما يقول، وموقف المسلمين والشيعة من هذه الفكرة، الّتي يعترف بأ نّها عربية صحيحة حيناً وينكرها أحياناً، ويزعم أ نّها سبئية ودخيلة في الإسلام، وبحثي عنها إنّما هو بحث عن تاريخها في الإسلام، وهل هي إسلامية صحيحة أعلن بها الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وبشّر بها المسلمين فآمنوا بها؟ أم انّها وليدة نزعات أقوام راموا الحكم فلم يتيسر لهم فمنّوا أتباعهم بها، كما يذكر الأديب صاحب أدب الشيعة؟

فأقول: الباحث عن فكرة المهدي المنتظر في السنّة النبوية يجد الأحاديث فيها متواترة معنى، وتكاد أن تكون كذلك لفظاً، لا يسع المنكر ردّها ولا يحتاج المؤمن بها إلى بحث أسانيدها وتصحيحها لتواترها.

ومع ذلك لابدّ لنا من الإشارة إلى هذه الطائفة من السنّة النبوية، وهي الأخبار الّتي تدلّ بصراحة على ظهور شخص يكون له وجود خارجي يسمّى بالمهدي يملأ الأرض عدلا وقسطاً، وليس كما زعم عبد الحسيب تبعاً لاُستاذه أحمد أمين بأنّ لفظة المهدي اُستعملت في معناها اللغوي ثمّ اتخذت معنى جديداً وصارت عقيدة الفرق الشيعية، وهذه الأحاديث النبوية لو نظرناها من ناحية السند والدلالة لأمكن القول بأ نّها ثلاث طوائف:

1 ـ أحاديث صحيحة السند ظاهرة الدلالة خالية من كلّ ريب، قد نصّ أئمّة الحديث وأكابر الحفّاظ على صحتها أو حسنها، وشهد الحاكم في المستدرك وغيره على صحّة بعضها على شرط الشيخين البخاري ومسلم، ولا شكّ في وجوب الأخذ بهذه الطائفة والعمل بها والإعتقاد بما دلّت عليه.

2 ـ أحاديث غير صحيحة من حيث السند وإن كانت ظاهرة الدلالة، والقواعد المقرّرة توجب الأخذ بها أيضاً، لاعتضادها وانجبارها بالطائفة الاُولى وأخذ المشهور لها، بل الإجماع على مضمونها.

3 ـ أحاديث فيها الصحيح والضعيف ولكنها مخالفة لعامّة الأحاديث المستفيضة المتواترة واللازم طرحها والإعراض عنها إن لم يمكن تأويلها، مثل ما دلّ على أنّ اسم المهدي (أحمد) أو أنّ اسم أبيه يوافق اسم أب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)(35)أو أ نّه من أولاد الحسن السبط(عليه السلام) فإنّها أحاديث شاذّة قد أعرض عنها المشهور.

أمّا وقد أشرنا إلى حال الأحاديث من حيث السند والدلالة، فلننظر إلى رواتها وهل كانوا من السبئية وضعوها تأييداً لدعوتهم؟ وهل كانوا من الشيعة المتهمين بوضع الحديث، حتّى ذكر الاُستاذ أ نّهم أوّل من فتح باب الوضع والاختلاق في الفضائل؟

لا لا أيّها الاُستاذ لم يكن رواة تلك الأحاديث من اُولئك ولا من هؤلاء، بل كانوا من الأعلام وسادات الصحابة، وكلّهم ممّن لا يسعك إلاّ التسليم لقوله، والاذعان لرأيه وحسبك أنّ منهم:

1 ـ أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام). 2 ـ حبر الاُمة عبدالله بن عباس. 3 ـ اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة. 4 ـ اُمّ المؤمنين عائشة. 5 ـ عبدالله بن مسعود. 6 ـ عبدالله بن عمر. 7 ـ عبدالله بن عمرو بن العاص. 8 ـ سلمان الفارسي. 9 ـ حذيفة بن اليمان. 10 ـ جابر بن عبدالله. 11 ـ أبو أيّوب الأنصاري. 12 ـ أبو سعيد الخدري. 13 ـ أبو هريرة. 14 ـ أبو اُمامة الباهلي. 15 ـ أنس بن مالك. 16 ـ أبو الطفيل. 17 ـ مجمع بن جارية الأنصاري. 18 ـ ثوبان مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). 19 ـ عليّ الهلالي. 20 ـ أبو سليمان راعي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). 21 ـ شهر بن حوشب. 22 ـ عبدالرحمن بن عوف. 23 ـ جابر بن سمرة.

إلى غير هؤلاء ممّن لا سبيل لك إلى القدح في رواياته. كما سيأتي ذكر عثمان بن عفّان، وطلحة بن عبيدالله، وعمّار بن ياسر، وقرة بن أياس المزني، وعبدالله بن الحارث بن جزء، وجابر بن ماجد الصدفي، وعمران بن حصين، فقد ورد ذكر هؤلاء السبعة مضافاً إلى أسماء ثلاثة عشر صحابياً في ضمن جواب رابطة العالم الإسلامي للمسلم الكيني السائل عن عقيدة المهدي، وستأتي صورته في آخر الكتاب.

ولو أردت أن أذكر لك جميع من روى ذلك عنهم من التابعين وتابعي التابعين لطال بنا المقام، واحتجنا إلى زمن أطول من هذه العجالة، وإلى تأليف خاص لذكرهم، إذ هم خلق كثير يعسر إحصاؤهم في مثل هذه السطور.

وإن شاء عبدالحسيب أن يقف على أهمية عقيدة المهدي عند المسلمين، ومدى إيمانهم بصحّة قضيته، فليرجع إلى الصحاح والسنن والمسانيد، ليقف بنفسه على أسماء الحفّاظ الّذين أخرجوا تلك الأحاديث ورووها في كتبهم فصححوا بعضها وناقشوا بعضها بعد التسليم بصحّة أمر المهدي المنتظر، وأكبر الظن أ نّه لو رجع إلى الكتب المعنية بهذا الشأن، واطلع بنفسه على تلك الأرقام الكبيرة من الرواة في كلّ قرن ـ شريطة أن يطلق نفسه من قيود التعصب ويكون حرّاً في بحثه ـ لخرج بنتيجة غير الّتي قالها في (أدب الشيعة).

فإنّ في الإطلاع على أسماء الحفّاظ الّذين عنهم تؤخذ السنّة، وإليهم يرجع المسلمون في الفقه والحديث والتفسير والأدب والتأريخ، وهم الّذين أخرجوا تلك الأحاديث ورووها في كتبهم واعترفوا عن إيمان وعقيدة بالمهدي، لخير دليل على ما قلناه آنفاً من أنّ عقيدة المهدي عقيدة إسلامية بحتة صرح بها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) واعتنقها المسلمون جميعاً، وتفاوتوا في مدى إدراكهم لأمرها وحقيقتها، شأنهم في سائر عقائدهم فكان الشيعة النمط الأوسط إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي في هذا الشأن.

وها أنا اُقدّم قائمة بأسماء اُولئك الحفّاظ المؤمنين بالمهدي ـ على تفاوت بينهم في مراتب الإيمان، واختلاف في مذاهبهم ـ ليظهر للقارئ مدى صدق عبدالحسيب في دعواه في أنّ هذه العقيدة سبئية ودخيلة في الإسلام!! وهم من دون ملاحظة زمانهم أو مراتبهم العلمية:

(1) الترمذي (2) النسائي (3) أبو داود (4) ابن ماجه (5) أحمد بن حنبل إمام المذهب (6) البزّار (7) الطبراني (8) الروياني (9) أبو يعلى (10) ابن أبي شيبة (11) ابن أبي حاتم (12) الحسن بن سفيان (13) ابن مندة (14) الدارقطني (15) البغوي (16) حمّاد الرواجني (17) أبو الحسن السجزي (18) الحربي (19) أبو بكر المقري (20) الخطيب (21) ابن الجوزي (22) ابن جرير (23) أبو عمرو الداني (24) ابن خلّكان (25) القرطبي (26) ابن كثير (27) ابن المغازلي (28) نعيم بن حمّاد (29) ابن أعثم الكوفي (30) أبو الحسن الابري (31) ابن أبي الحديد (32) ابن الأثير (33) ابن حجر العسقلاني (34) ابن عساكر (35) محي الدين بن عربي (36) البيهقي (37) الحاكم النيسابوري (38) الحمويني (39) ابن طلحة الشافعي (40) ابن الصبّاغ المالكي (41) السمهودي (42) الشعراني (43) ابن العربي المالكي (44) الماوردي (45) السيوطي (46) الخوارزمي (47) ابن حجر الهيثمي (48) ابن حيان (49) أبو الشيخ (50) الثعلبي (51) ابن شيرويه الديلمي (52) ابن الأزرق (53) السبط ابن الجوزي (54) ابن منظور الأنصاري (55) الجلال الرومي (56) العطّار النيشابوري (57) الجامي (58) عبدالغافر الفارسي (59) صدر الدين القونوي (60) عبدالرحمن البسطامي (61) عبدالكريم اليماني (62) زيني دحلان (63) البرزنجي (64) الصبان (65) مرتضى الزبيدي (66) ملا عليّ المتقي (67) خواجة (بارسا) (68) إسماعيل حقي (69) الآلوسي (70) القندوزي البلخي (71) الشبلنجي (72) أبو نعيم الاصبهاني (73) والكنجي الشافعي مؤلّف هذا الكتاب وغيرهم ممّن لا اُحصيهم كثرة(36).

وليعلم القارئ الكريم أنّ بين هؤلاء الأعلام من خصّ الموضوع بتأليف كتاب خاص فيه، قال السهيلي في الروض الأنف: والأحاديث الواردة في أمر المهدي كثيرة وقد جمعها أبو بكر بن أبي خيثمة فأكثر(37).

1 ـ كأبي نعيم الاصبهاني (ت 430 هـ) له (مناقب المهدي) و (نعت المهدي) و (الأربعين حديث في المهدي). أدرجها الاربلي في كشف الغمة (ج 3 ـ في أخبار الحجّة(عليه السلام) ـ محذوفة الأسانيد) كما أدرجها المجلسي في البحار (ج 13 ـ في أوّل باب من أبواب النصوص وج 51 ـ 78 ـ 85 الطبعة الحديثة) كما توجد مترجمة بالفارسية في نامه دانشوران ج 2 ـ 711 في ترجمة أبي نعيم.

2 ـ وحمّاد بن يعقوب الرواجني له (أخبار المهدي).

3 ـ وجلال الدين السيوطي له (العرف الوردي في أخبار المهدي) و (علامات المهدي).

4 ـ وابن حجر العسقلاني له (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر).

5 ـ وملاّ عليّ المتقي صاحب كنز العمّال له (البرهان فيما جاء في صاحب الزمان) و (تلخيص البيان في أخبار مهدي آخر الزمان).

6 ـ والكنجي مؤلّف هذا الكتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان).

7 ـ ابن كمال باشا له (تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان).

8 ـ ابن قيم الجوزية له (المهدي).

9 ـ الملاّ عليّ القاري الهندي له (المشرب الوردي في أخبار المهدي).

10 ـ الشيخ يوسف بن يحيى بن عليّ المقدسي السلمي الشافعي له (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر) ونسخة منه في مكتبة السيّد الحكيم العامّة.

11 ـ الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي له (فوائد الفكر في الإمام المنتظر). وله أيضاً (فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر). كما له (مرآة الفكر في المهدي المنتظر).

12 ـ الشيخ مصطفى النكري، له (الهدية الندية للاُمّة المحمّدية فيما جاء في فضل الذات المهدية).

13 ـ السيّد محمّد بن محمّد بن أحمد الحسيني البلبيسي شرحه سنة 1308 له (العطر الدرّي في شرح القطر الشهدي في أوصاف المهدي) كما له أيضاً (القطر الشهدي في أوصاف المهدي).

14 ـ محمّد بن عبدالعزيز بن مانع من علماء نجد في القرن الرابع عشر له (تحديق النظر في أخبار الإمام المنتظر) نسخته في دار الكتب المصرية كما في فهرستها للكتب الّتي اقتنتها من سنة 1936 ـ 1955.

ولعلّ أوّل من خصّ الموضوع بكتاب هو القاضي أبو العنبس محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الكوفي قاضي صيمرة (ت 275 هـ) فله كتاب (صاحب الزمان) ذكره ابن النديم في الفهرست(38)، وترجمه المؤلّف ياقوت في معجم الاُدباء وذكر أ نّه أدرك المعتمد الّذي مات سنة 279(39)، ولعلّ الرجل ممّن أدرك الإمام الحسن العسكري (ت 260 هـ) وكانت ولادة الإمام صاحب الأمر سنة (255 هـ) وعمره يوم وفاة أبيه خمس سنين، فأبو العنبس هو أوّل من ألّف في الموضوع.

ولو أردت أن أذكر اُولئك الّذين خصوا الموضوع أو ناحية خاصة من البحث ضمن كتبهم لطال بنا المقام.

فياهل ترى أنّ جميع هؤلاء الأعلام والسادّة الكرام من صحابة وتابعين وتابعي التابعين ورواة وأئمّة وحفّاظ وأصحاب مسانيد، على إختلاف زمانهم ومكانهم وتفاوت درجاتهم في العلم والضبط وتعدد مذاهبهم ومشاربهم، كانوا من رجال الشيعة فبذروا هذه الفكرة بين أتباعهم بعد اليأس من عودة الحكم إليهم، فمنّوا أتباعهم بعودة الأمر إليهم فوضعوا لهم حديث (المهدي) بشخصه ووصفه؟؟

أيعلم الاُستاذ أنّ اُولئك الأعلام هم رجال الإسلام وقادة المسلمين وأئمّة المذاهب الإسلامية؟

أيعلم أ نّهم هم الّذين رووا حديث المهدي بشخصه ووصفه، وأ نّه من أهل البيت، وأ نّه من ولد فاطمة، ثمّ هو من ولد الحسين، وهو التاسع من ولده، وأنّ إسمه اسم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأ نّه وأ نّه...؟

أيعلم الاُستاذ أنّ عقيدة الشيعة ـ وأعني الاثنى عشرية منهم خاصّة ـ كعقيدة من ذكرنا من أئمّة المسلمين؟

أيعلم الاُستاذ أنّ ما ذكره عنهم من أ نّهم ينتظرونه كلّ ليلة بعد صلاة المغرب على باب السرداب في الحلة كذب وافتراء؟ وهذا العراق وهذه الحلة، ودونه رجال مصر الّذين في العراق من أساتذة وغيرهم، فليسأل منهم صحّة دعواه.

أيعلم القرّاء أنّ اعتراف ما يزيد على سبعين حافظاً، من حفّاظ السنّة صراحة وبالملازمة بالمهدي الموعود، وأ نّه من أهل البيت وهو الّذي يملأ الأرض عدلا، يكفي في تصفية حساب عبدالحسيب في هذه العجالة، ويغنينا عن التدليل على مدى أمانته وصدقه في كتابه (أدب الشيعة) حتّى خرج بالنتائج ـ بعد التتبع والبحث طبعاً!!! ـ الّتي ليس وراءها حقيقة فيما يظن فأصحر بها شوهاء متحمّلا وزرها والمسؤولية عنها فقال:

(واختلطت الدعوة (يعني دعوة التشيّع) فإذا هي مزيج من أفكار مختلفة وديانات متعددة عرفها الإسلام بالفتح وتشرّبها التشيّع بالبيئة).

(وعلى الجملة فقد شرع ابن سبأ عقيدة الرجعة وبثها في الجو الشيعي فصارت ـ كما يقول ابن جرير ـ عقيدة من عقائدهم كما صارت أساساً لعقيدة اُخرى ـ عربية فيما نعتقد ـ وهي (المهدية).

(ومهما يكن من شيء فلم يكد ينتهي القرن الأوّل من الهجرة إلاّ وقد أثمرت العقائد السبئية ثمرها الكريه فأصبحت الوصاية والرجعة والمهدية والتقية ... الخ).

(والجديد في عقيدة المهدي أ نّها نشأت بعد قتل الحسين بن عليّ... الخ).

وختاماً في الردّ على عبدالحسيب وأضرابه ممّن يطعنون في عقيدة المهدي عند الشيعة، أثبت لهم ما صدر عن رابطة العالم الإسلامي في ذلك:

 

المكرم أبو محمّد شوس المحترم

طندى ـ كينيا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

إشارة إلى خطابكم المؤرخ في 31 مايو 1976 م المتضمّن استفساركم عن موعد ظهور المهدي وفي أيّ مكان يقيم.

نفيدكم بأنّنا نرفق لكم مع خطابنا إليكم ما جاء في مسألة المهدي المنتظر، وقد قام بكتابته فضيلة الشيخ محمّد المنتصر الكتاني وأقرته اللجنة المكونة من أصحاب الفضيلة الشيخ صالح بن عثيمين وفضيلة الشيخ أحمد محمّد جمال وفضيلة الشيخ أحمد عليّ وفضيلة الشيخ عبدالله خياط.

وقد دعم الفتوى بما ورد من أحاديث المهدي عن الرسول(صلى الله عليه وسلم) وبما ذكره ابن تيمية في المنهاج بصحة الاعتقاد وابن القيم في المنار، وإن شاء الله تعالى ستجدون في الكتابة طلبكم وما ينفعكم في مسألة المهدي أنتم ومن كان على مثلكم آملين لكم التوفيق والسداد.

وتقبلوا تحياتنا

الأمين العام

محمّد صالح القزاز

الأمانة العامة الموقرة

بعد التحية:

جواباً عمّا يسأل عنه المسلم الكيني في شأن المهدي المنتظر عن موعد ظهوره وعن المكان الّذي يظهر منه وعن ما يطمئنه عن المهدي(عليه السلام).

هو محمّد بن عبدالله الحسني العلوي الفاطمي المهدي الموعود المنتظر موعد خروجه في آخر الزمان وهو من علامات الساعة الكبرى يخرج من المغرب ويبايع له في الحجاز في مكة المكرمة بين الركن والمقام ـ بين باب الكعبة المشرفة والحجر الأسود عند الملتزم ـ .

يظهر عند فساد الزمان وانتشار الكفر وظلم الناس يملأ الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً يحكم العالم كلّه وتخضع له الرقاب بالاقناع تارة وبالحرب أُخرى.

وسيملك الأرض سبع سنين وينزل عيسى(عليه السلام) من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه ليساعده على قتله بباب لدّ بأرض فلسطين.

وهو آخر الخلفاء الراشدين الاثنى عشر الّذين أخبر عنهم النبيّ صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح. وأحاديث المهدي واردة عن الكثير من الصحابة يرفعونها إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، ومنهم:

عثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، وطلحة بن عبيدالله، وعبدالرحمن بن عوف، وعبدالله بن عباس، وعمّار بن ياسر، وعبدالله بن مسعود، وأبو سعيد الخدري، وثوبان، وقرة بن أياس المزني وعبدالله بن الحارث بن جزء، وأبو هريرة، وحذيفة بن اليمان، وجابر بن عبدالله، وأبو أُمامة، وجابر بن ماجد الصدفي وعبدالله بن عمر، وأنس بن مالك، وعمران بن حصين، واُمّ سلمة.

هؤلاء عشرون فمنهم من وقفت عليهم وغيرهم كثير وهناك آثار عن الصحابة صرحت بالمهدي، من أقوالهم كثيرة جداً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد فيها.

أحاديث هؤلاء الصحابة الّتي رفعوها إلى النبيّ(صلى الله عليه وسلم) والّتي قالوها من أقوالهم استناداً على ما قاله رسول الله صلوات الله وسلامه عليه رواها الكثير من دواوين الإسلام وأُمهات الحديث النبوي من السنن والمعاجم والمسانيد ومنها:

سنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن عمرو الداني، ومسانيد أحمد، وابن يعلى، والبزار، وصحيح الحاكم، ومعاجم الطبراني الكبير والوسيط، والروياني، والدارقطني في الافراد، وأبو نعيم في أخبار المهدي، والخطيب في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق وغيرها.

وقد خص المهدي بالتأليف أبو نعيم في أخبار المهدي، وابن حجر الهيتمي في القول المختصر في علامات المهدي المنتظر والشوكاني في التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح، وإدريس الحوالي المغربي في تأليفه المهدي وأبو العباس ابن عبدالمؤمن المغربي في كتابه الوهم المكنون في الرد على ابن خلدون.

وآخر من قرأت له عن المهدي بحثاً مستفيضاً مدير الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في مجلة الجامعة في أكثر من عدد. وقد نص على انّ أحاديث المهدي انّها متواترة جمع من الأعلام قديماً وحديثاً، منهم: السخاوي في فتح المغيث ومحمّد بن أحمد السفاريني في شرح العقيدة، وأبو الحسن الآبري في مناقب الشافعي، وابن تيمية في فتاواه، والسيوطي في الحاوي، وإدريس الحوالي المغربي في تأليف له عن المهدي، والشوكاني في التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح، ومحمّد بن جعفر الكتاني في نظم المتناثر في الحديث المتواتر، وأبو العباس بن عبد المؤمن المغربي في الوهم المكون من كلام ابن خلدون رحمهم الله، وحاول ابن خلدون في مقدمته أن يطعن في أحاديث المهدي محتجاً بحديث موضوع لا أصل له عند ابن ماجة: لا مهدي إلاّ عيسى، ولكن ردّ عليه الأئمّة والعلماء، وانّه ليس من علماء الشريعة وانّه قال باطلا من القول وزوراً.

وخصه بالردّ شيخنا ابن عبدالمؤمن بكتاب مطبوع متداول في المشرق والمغرب منذ أكثر من ثلاثين سنة، ونص الحفاظ والمحدثون على انّ أحاديث المهدي فيها الصحيح والحسن ومجموعها متواتر مقطوع بتواتره وصحته. وانّ الاعتقاد بخروج المهدي واجب وانّه من عقائد أهل السنّة والجماعة ولا ينكره إلاّ جاهل بالسنّة ومبتدع في العقيدة. والله يهدي إلى الحقّ ويهدي السبيل.

مدير ادارة المجمع الفقهي الإسلامي

محمّد المنتصر الكتاني

* * *

وكم وددت ان أتوسع في البحث في هذا الموضوع وأذكر من الأدلّة ما فيه مقنعاً للمتردد، ليخرج من البحث على يقين من أنّ المسلمين جميعاً يعتقدون (بالمهدي) إنّما التفاوت في النعوت والصفات ووجوده الخارجي الفعلي، فمنهم من يثبت له جميع ذلك، ومنهم من يقول سيكون بعد ذلك من هو بتلك الصفة، والأحاديث في ذلك بعد ملاحظتها جميعها تثبت صحّة قول الفريق الأوّل وفيها ما يكفي في ردّ الفريق الثاني، ومن شاء الإطلاع على أكثر من ذلك فعليه بمراجعة الكتب المعنية بهذا الشأن.

ومنها هذا الكتاب الّذي نحن بين يديه (البيان) فقد جعله مؤلّفه الكنجي (25) باباً، أثبت خلالها شخصه ووصفه، واستدلّ في آخر الأبواب على جواز كون المهدي حيّاً باقياً منذ غيبته، وانّا إذ نقدّم هذا الكتاب إلى القرّاء لا نتحمل مسؤولية آراء المؤلّف وأحكامه الخاصّة، فله رأيه وهو المسؤول عنها، وربّما أشرنا إلى بعضها في الهامش إن شاء الله.

وختاماً اُودّع القارئ ولعلّي ألتقي به مرّة اُخرى فأعود إلى هذا الحديث بإسهاب، ومن الله تعالى أستمد العون وهو الموفّق للصواب.

 

محمّد مهدي الخرسان

النجف الأشرف

6 صفر الخير 1382 هـ

(1) الصراط المستقيم 1: 4.

(2) نفس المصدر 3: 232.

(3) كشف الغمة: 31 ط ايران سنة 1294.

(4) كشف الغمة: 324 ط ايران سنة 1294.

(5) اليقين: 162 الباب الثالث والستون بعد المائة ط النجف .

(6) الفصول المهمّة: 275.

(7) ينابيع المودّة: 47 ط اختر سنة 1301 اسلامبول و3: 166 ط بيروت.

(8) إثبات الهداة 7: 194.

(9) نور الأبصار: 154 ط مصر سنة 1356.

(10) كشف الظنون 1: 263 ط المعارف باستانبول.

(11) كشف الظنون 2: 1497 .

(12) كشف الظنون 2: 1647 .

(13) هدية العارفين 2: 127.

(14) معجم المؤلّفين 2: 134.

(15) زهرة المقول: 68.

(16) عليّ إمام البررة 1: 93.

(17) الحاوي للفتاوي للسيوطي 2: 161.

(18) أدب الشيعة: 10.

(19) أدب الشيعة: 13.

(20) أدب الشيعة: 14.

(21) أدب الشيعة: 16.

(22) أدب الشيعة: 41.

(23) أدب الشيعة: 75.

(24) أدب الشيعة: 76.

(25) أدب الشيعة: 92.

(26) أدب الشيعة: 94.

(27) ضحى الإسلام 3: 241 بتصرف.

(28) تفسير المنار 6: 216.

(29) أدب الشيعة: 100.

(30) أدب الشيعة: 101.

(31) أدب الشيعة: 102.

(32) الحشر: 7.

(33) النساء: 59.

(34) الشورى: 23.

(35) يجد القارئ تحقيقاً لهذا القسم من الأحاديث ضمن كتاب البيان جمع الكنجي فيه فأوعى.

(36) لقد كان من عزمي أن اُشير إلى مواضع تخريجهم لأحاديث المهدي(عليه السلام) ولكن ضيق المجال دعاني إلى الاختصار، ولعلي اُوفق فأكتب في ذلك رسالة خاصة إن شاء الله.

(37) الروض الأنف 1: 160.

(38) الفهرست: 223.

(39) معجم الاُدباء 18: 8.