العتبة العلوية المقدسة
سلسلة في رحاب نهج البلاغة (21)
اعداد مكتبة الروضة الحيدرية
تحقيق محمد عبده
اعداد و مراجعة السيد هاشم الميلاني
مقدمة المكتبة
الشيخ محمد الحسين بن علي بن محمد رضا بن موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ; ولد عام 1295هـ 1877م في النجف الأشرف وتربى في أسرة العلم والعمل أسرة كاشف الغطاء العريقة، فبدأ بتعلّم القرآن وهو في الخامسة من عمره فختمه في سنة وبضعة أشهر، ومن بعده دخل المكتب وكان آنذاك في حجرة من حجر الصحن العلوي، وبدأ بالتقليد والعمل بالرسالة العملية وهو ابن سبع سنين، وبدأ بنظم الشعر في الثانية عشرة من عمره.
حضر عند كبار الأدباء والعلماء وأخذ عنهم إلى أن صار آية في العلم والأدب والإرشاد والتوجيه، ومن أهم أعماله ; حضور مؤتمر القدس وإمامة الجماعة في المسجد الأقصى بحضور عشرات الآلاف من المشاركين ثم بعد الصلاة قام فيهم خطيباً وخطب فيهم زهاء ساعتين.
له عشرات الكتب والمؤلفات النافعة المطبوعة والمخطوطة، زائداً تعليقات وحواشي نافعة على هوامش الكتب.
كان الشيخ كاشف الغطاء إلى جانب اهتمامه بالفقه والأصول والحكمة، مهتماً بالأدب والشعر، يقول في «عقود حياتي» عندما يتكلّم عن العقد الثاني: «وفي هذا الدور تولعت بمطالعة كتب الأدب وحفظ الأشعار، وجمع الدواوين، وإدمان مطالعة المجاميع... ومعاشرة مشاهير الأدباء وكبار الشعراء كالسيد العلامة الحبوبي، والسيد جعفر الحلي، والشيخ جواد شبيب...»([1])، ومن جرّاء ذلك حصلت له ملكة أدبية جيدة، ومعرفة بأساليب كبار الشعراء ومصادر معرفتهم، وعلى سبيل المثال يقول السيد عبدالزهراء الخطيب ;: «انّي تشرّفت ذات يوم بمجلس الإمام كاشف الغطاء ;، وجرى ذكر المتنبي فأظهر أحد الجالسين إعجابه بما في شعره من الحكم والأمثال، فقال الشيخ ;: انّ المتنبي كثيراً ما يصول على حكم الأئمة : وخصوصاً حكم أميرالمؤمنين (ع) فينظمها في شعره. ثم قال ;: خذ مثلاً المتنبي يقول:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد *** ذا عفة فلعلّة لا يظلم
قال: أخذه من قول علي (ع): «الظلم من كوامن النفوس، القوّة تبديه والضعف يخفيه»([1]).
كان ; يدعو إلى الاهتمام بالثقلين: القرآن والعترة، إذ انّ القرآن هو دستور الحياة، أما العترة فهي ترجمان القرآن، ومن أبرز تجليات العترة نهج البلاغة والصحيفة السجادية، أما بالنسبة لنهج البلاغة يقول الشيخ كاشف الغطاء ;: «دونك هذا نهج البلاغة، وما أسبغه في ذلك وأساغه، فتصفّح صحايفه، وتعرّف معارفه، واقصد مقاصده، وقف مواقفه»([2]).
أما بالنسبة إلى الصحيفة السجادية فيقول ;: «وما أدري هل لاحَظَتْكَ السعادة بالفوز بصحيفة السجادية المعروفة عند أهل البيت بزبور آل محمد (ص) التي هي ثانية ذلك النهج بل الوحيدة النسج، التي يوشك أن لا تجد نظيرها في كلام المخلوق بعلوّ مضامينها، وشرف أساليبها وأفانينها، ولا يكاد يقاربها أو يساويها، إلّا ما كان من شجرة معاليها ومعدن لئاليها، وما قد تولّد من بيت أمها وأبيها، وقد فاتت حدّ العجب والإعجاب، بما اشتملت عليه من أعالي البلاغة في بيان كنه العبودية وأسرار ربوبية ربّ الأرباب»([3]).
كان له; إلمام خاص وعناية مخصوصة بخطب أميرالمؤمنين(ع) وكلماته الشريفة([4])، ولذا قام ; بمراجعة دقيقة لنهج البلاغة بتحقيق محمد عبده تصحيحاً وإعراباً وتعليقاً على هامش نسخته الخاصّة، ولم يحبّذ لنفسه أن يقوم بشرح جديد لنهج البلاغة بل كان يرى نفسه دون ذلك، وقد نُقل عنه أنّه كان يقول: «انّي مع إلمامي الشديد بالأدب العربي، وتوغّلي في النكات الأدبية، والمعاني الدقيقة لا أقدر على شرح كلماته (ع) كما هو حقها ويليق بها، فإنّ كلامه (ع) فوق كلام المخلوق دون كلام الخالق، ولا أتمكّن من بيان بعض معاني ونكات كلماته (ع) بغير البيان الذي ذكره»([5]).
لذا نراه ; اكتفى بالتعليقات المختصرة على نهج البلاغة وعلى هامش نسخته الخاصة، وكانت تدور هذه التعليقات ـ بعد إعراب الكتاب ـ حول: تصحيح الأخطاء المطبعية، بعض الاستدراكات على محمد عبده، بعض اختلاف النسخ وتصويب بعض الألفاظ التي لم ترد في نسخة محمد عبده، وشرح بعض الكلمات مع الإشارة إلى أخطاء محمد عبده اللغوية.
كما لا يفوته أن يشير إلى بعض الاستنباطات التاريخية من كلام الإمام (ع) كما في تعليقته على الخطبة رقم 102 والتي يقول فيها أميرالمؤمنين (ع): «فويل لك يا بصرة عند ذلك من جيش من نقم الله لا رهج له ولا حس» قال محمد عبده: يشير إلى فتنه صاحب الزنج، وقال الشيخ كاشف الغطاء ;: ويحتمل أن يشير بها سلام الله عليه إلى ما وقع في عصرنا هذا سنة 1333 من محنة البصرة وامتلاك الانكليز لها، فإنّ بعض الفقرات قد تنطبق على تلك الرزية، والله أعلم.
إلى غير ذلك من فوائد لغوية وتحقيقية، لذا آثرنا نشر أكثر هذه التعليقات ضمن «سلسلة في رحاب نهج البلاغة» ولم نترك سوى بعض التعليقات الجزئية جداً، وذلك تعميماً للفائدة وإحياء لهذا الأثر القيّم، ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل لنجل المرحوم وهو الوجيه الشيخ شريف كاشف الغطاء، وكذلك ابنه البار الشيخ أمير كاشف الغطاء حيث سمحا بتصوير النسخة المحفوظة عندهم برقم تصنيف 91 التسلسل 6171 وإخراجها بهذا الشكل.
([1]) مائة شاهد وشاهد لعبدالزهراء الخطيب: 10.
([2]) الدين الإسلامي لكاشف الغطاء 1: 320.
([3]) م. ن 1: 322.
([4]) مقدمة السيد محمد علي القاضي لكتاب جنّة المأوى لكاشف الغطاء: 51.
([5]) مقدمة السيد محمد علي القاضي لكتاب جنة المأوى: 51 ـ 52.
([1]) عقود حياتي: 31، 38.