بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة:

كما عودت مؤسسة إحياء التراث الشيعي روادها الكرام على رفدهم بكل طارف وتليد، تجد نفسها الآن ـ وهي تقدم هذا الكتاب ـ قد أقدمت على التعريف بفكرةٍ مهمة وبكاتب مهم ومرموق.

الفكرة تفوق فكرة الدفاع عن مؤمن بل هي تتطرق لمعايير الإيمان والكاتب ليس مجرد كاتب وإنما مجموعة من النشاط المتعدد في مجال الدين والعلم.

وبذلك فقد استقامت هذه المؤسسة على التواصل وفق أهدافها المعلنة وخطها الثابت.

المؤلف:

السيد حسن بن السيد عليّ القبانجي(1) شخصية مرموقة في عالم الفكر فقد عاش مفكراً وكاتباً بعمر طويل، وقد أنتج الكثير من الدراسات، صاهر المرجع الكبير المرحوم المقدس السيد محمّد جواد الطباطبائي التبريزي (قدس سره) وكان عضده في مرجعيته، وهو كشخصية متنوعة الإنتاج يحتاج إلى دراسة طويلة للتعريف به، لا يسعنا القيام بها الآن، ولكن لا بدّ من ذكر بعض الحقائق:

السيد حسن القبانجي خطيب مصقع، وكاتب بارع، ومؤلف وناشر لكتبه بصورة مستمرة طيلة أربعين سنة أو تزيد، عالج الكثير من الأفكار الصعبة بأسلوبه الأدبي الذي يسوق الكلمات إلى الروحانية ويضفي الروحانية إلى الكلمات، ربى زمرة من العلماء والمجاهدين من أبنائه المباركين، استشهد من أبنائه أربعة شموس، وبقي منهم أعلام في فنهم يشار إليهم، استشهد هو أيضاً في سجون الطاغية صدام بعد أن قبض عليه الجلادون في شهر آذار من سنة 1991 ميلادية الموافق لشهر شعبان من سنة 1410هـ عن عمر قارب الثمانين عاماً. ترك من الكتب المطبوعة في حياته:

1 ـ شرح رسالة الحقوق (جزءان).

2 ـ الجواهر الروحية (ثلاثة أجزاء).

3 ـ عليّ والأسس التربوية (جزء واحد).

ومن الكتب المخطوطة (11) كتاباً، تم طبع أربعة كتب بعد شهادته وهي:

1 ـ مسند الإمام عليّ (عليه السلام) (11 جزء).

2 ـ صوت الإمام عليّ (عليه السلام) في نهج البلاغة (جزءان).

3 ـ الدين الإسلامي (جزء واحد). (الجواهر الروحية الجزء الرابع).

4 ـ منية الطالب في حياة أبي طالب (جزء واحد).

اشتهر بحدة ذكاءه ودماثة أخلاقه وكثرة عطاءه وحلاوة لسانه، وانتقاءه للمعاني والألفاظ بما يثير السامعين ويهيج الشجون وتفكير المفكر.

الموضوع:

الموضوع الذي يبحث فيه مؤلفنا الشهيد، يبدو غريباً جداً، حيث إن المسلمين انقسموا في شخص عاصر وناصر وآوى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين من يقول بكفره! وانه في نار جهنم! وبين من يقول انه من خيار المؤمنين وأوائلهم، ومثل هذا الوضع الشاذ لا يكون عبثاً، ما لم يكن هناك داع لهذا الوضع.

أبو طالب عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكافله بعد جده عبد المطلب، أظهر إيمانه بالله وبدعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشهد الشهادتين بما لم يثبت لغيره حيث دونت شهادته في التوحيد والرسالة بأشعار خالدة ومواقف لا تحصل إلاّ من عقائدي صلب ومتحزب للعقيدة يفوق أي مؤمن عادي بها.

فلماذا الإصرار على القول بكفره؟

وما الذي يجنيه من يقول بكفره؟

وهو قد شهد الشهادتين بنصوص صريحة منظومة، وجاهد وصبر على الدين بما لا ينكره إلاّ مكابر يجهل أبسط ما جرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وشيعته، وقدم أولاده فداء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في مواقع خطرة وعرض نفسه وعياله للمحق والخسران المادي والاجتماعي والسياسي في سبيل دعوة النبي محمّد (صلى الله عليه وآله)، وقبل الحصار الجائر وبقي في المحاصَرين (بالفتح) بينما بعض المسلمين الأوائل كانوا ينظرون بحسرة وألم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنهم في الصف المحاصِر (بالكسر) وليس المحاصَر (بالفتح).

هذه القضية فيها بحثان مهمان:

الأوّل: هو إثبات إيمان أبي طالب (عليه السلام).

الثاني: دواعي هذا النفي وأسبابه الحقيقية (ما وراء الخبر).

إن من يريد الخوض في القضيتين عليه أن يعيد تشكيل الصورة التاريخية بشكل متناسق ويقرأ الأحداث بطريقة ذكية، لعدم تبرير هذه القضية الشاذة من دون معرفة الإطار الذي تتحرك فيه هذه القضية. فهي إحدى القضايا التي توجب أن نعيد قراءة التاريخ الإسلامي قبل الهجرة وبعدها بشكل مركّز يستطيع أن يمنحنا التفسير المعقول لهذا الشذوذ الواضح. فإن الاختلاف في إيمان رجل أو عدم عمقه في الإيمان بل حتّى نفاقه ليس عجباً، لكون ذلك مما يقتضيه طبع الإنسان، ولكن الاختلاف في إيمان أو كفر رجل بطرفي تضاد شديدين لا يمكن أن يكون مجرد قول في شخصية تاريخية، وإنما لأن الموضوع يتعلق بأهداف سياسية ومذهبية فهو مدار تقييم على أساس معياري والمعيار هنا معقد وخليط بين السياسة والدين والمقام الرسمي والاجتماعي.

ولهذا فقد تعددت الكتب في طرح هذه القضية لإثبات وجهة النظر ولم يكن الكتاب المثبتون لإيمان أبي طالب من الشيعة فقط، بل تعدى ذلك لمؤلفين من علماء السنة، حتّى بدت القضية ليست قضية بين السنة والشيعة كما يحاول الأمويون وأتباعهم تصوير ذلك، بل هي قضية اختلاف بين منهج الإسلام وبين منهج بني أمية السياسي. ولهذا انبرى علماء لهم وزنهم من أهل السنة للتصدي لهذه القضية بروح إسلاميّة رافضة للتوجّه الأموي في تزييف التاريخ والتراث الإسلامي وتزييف الحالة الفقهية في توصيف المؤمنين الأوائل.

كما إن المؤلفين الشيعة تعددت ردودهم وأذواقهم في هذه القضية ليبينوا أن قضية تكفير أبي طالب (عليه السلام) لم تكن حقيقية وإنما هي قضية مفتعلة، خالية من الدليل، وكلٌ عرض الموضوع من زاويته.

الكتاب:

أسلوب الكتاب أدبي سردي بلغة محببة وجذابة أشبه بتشكيل سيناريو قصصي مستند للتأريخ وللمصادر المعروفة، وهو يستعمل لغة إيحائية حيث أن القارئ حين يبحر في سرده التاريخي كقصة محبوكة السرد، فإذا بالكتاب يضعنا تماماً على (العلة والسبب) لهذه الدعوى الشائكة، بسرد متسلسل بشكل منطقي، ليجعلنا نستنتج بدون عناء من داخل أنفسنا الأسباب والدوافع لهذه التهمة واستمرارها، وحين يصل القارئ في الكتاب إلى فصل (سر التشكيك في إيمان أبي طالب (عليه السلام)) يجده قد تقدم على أدلة إيمان أبي طالب بخلاف سيرة الكتب الأخرى، ويكتشف أن جميع الكلام السابق هو لبيان سبب هذه الهجمة على الرجل، وتشخيص عناصر الصراع الحقيقي، الذي انتقل من شكل عدوين ظاهرين (إسلام وكفر) (محمّد (صلى الله عليه وآله) وصحابته ضد أبي سفيان وجماعته) إلى عدوين مبهمين (مسلم ومسلم) (اللصيق بالنبي محمّد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعته ضد معاوية بن أبي سفيان وحزبه) هذا النزاع الذي لا يمكن تقييمه ما لم يعرف الموقف الحقيقي من أبي طالب؟ الذي ناصر النبي (صلى الله عليه وآله) وفوت الفرص للقضاء على الإسلام ونبيه من قِبل قادة المشركين: (أبي جهل وأبي سفيان وزوجه هند بنت ـ القائد المهم الآخر في سلسلة قيادات الشرك ـ عتبة ووالدة معاوية بطل المعركة الغامضة) وغيرهم من عتاة قريش. فهنا تصبح الصورة أكثر وضوحاً.

فالكتاب يركز على مسألة في غاية الأهمية من بحث الموضوعين الآنفين وهما تحقيق إيمان أبي طالب (عليه السلام) والثاني بيان سبب الحملة عليه، حيث ركّز على إظهار: أن السرد التاريخي والبرهان العلمي على إيمانه، إنما هو مساق لبيان (السبب) وراء هذه الحملة وجذورها العقائدية والنفسية، والموضوع بهذا الشكل يفسّر الكثير مما حدث بناءاً على هذه القاعدة، من انقسامات في المسلمين، قائمة على أساس قضية إخفاء إسلام أبي طالب (عليه السلام) وأسبابها. في كل ما جرى في الإسلام من نكبات دينية وعقائدية وإنسانية وأخلاقية مسخت صورة الإسلام. حيث يظهر أن القضية ذات ترابط منطقي في الأحداث لبقاء الأسباب والشخصيات نفسها من دون تغيير في الواقع، إلاّ انسلاخ المهزومين ليتحولوا إلى هازمين من داخل الدين الذي اضطروا إليه.

* * *

مؤسسة إحياء التراث الشيعي تعتقد أن الكتاب قد وُفِق في تجهيز هذه الحقيقة في ذهن القارئ وفتح آفاقه لفهم تاريخ النبوة الابتدائي، ومن ثم تاريخ الخلافات اللاحقة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي لم تكن بعيدة في شخصياتها وأفكارها عن الحرب التي كانت في بداية الدعوة في العهد المكّي.

وبهذا فإن الكتاب حوّل قضية إيمان أبي طالب إلى بُعد إسلامي في تفسير التأريخ الإسلامي الأوّل، واللاحق له، بالتسلسل المنطقي، وإلى بُعد إسلامي أصيل في تقييم الأحداث التي جرت على الإسلام، بشكل ذكي حيث كانت قضية أبي طالب محّركاً فاعلاً في تفسير الأحداث التي تلت تلك الفترات.

تأمل مؤسسة إحياء التراث الشيعي أن يحرك هذا البعد في تناول التاريخ الإسلامي ضمير الأمّة الإسلاميّة لصحوة تصحيحية للأفكار في تحديد وظيفة الشخصيات المتصارعة في بداية الإسلام.

ومَنْ منها تصارع في سبيل الله؟

ومَنْ منها تصارع ضد الله؟

وعلى ماذا كان صراعها؟

مدير المؤسسة

السيد محمّد القبانجي

(1) اسم مهنة مأخوذة من كلمة القبان وهو الميزان الكبير، وهي مهنة مهمة في معايرة أثقال الغلال وتعيين حقوق المزارعين، وهي مهنة محترمة في وسط وجنوب العراق لما لها من أهمية، فكان صاحب القبان يحدد طبيعة رزق الناس وحجم إنتاجهم، وعنده سر العرض والطلب في البضائع، لما يتجمع لديه من وفرة وجدب في الإنتاج الزراعي.

مباحث الكتاب :

 مقدمة المؤسسة

المؤلف

الموضوع

هذه القضية فيها بحثان مهمان

الكتاب

■  مقدمة المؤلف

دوافع التأليف

■  ترجمة أبي طالب (ع)

ولادة أبي طالب

رؤيا عبد المطلب

نشأته (ع)

زواجه (ع)

فاطمة بنت أسد

أخت عليّ (ع) أم هاني

كفالة أبي طالب للنبي (ص)

كرامة لأبي طالب (ع)

استسقاء أبي طالب ببركة النبي (ص)

نزول المطر ببركة النبي (ص)

■   مقام أبي طالب في قريش

كفالته للنبي (ص)

التجارة مع خديجة (عليها السلام)

خطبة خديجة (عليها السلام)

نزول الوحي على النبي (ص)

■  بداية الدعوة وموقف أبي طالب (ع)

دعوة النبي (ص) لعشيرته

معاهدة قريش

نموذج من حماية أبي طالب (ع) للنبي (ص)

■   دفاع أبي طالب عن المسلمين

أبو طالب ينفذ وصية أبيه

وصية أبي طالب

حزن النبي (ص) لفقد عمّه

هجرة النبي (ص) من مكّة

مؤامرة قريش لقتل النبي (ص)

■  سرّ التشكيك في إسلام أبي طالب (ع)

تاريخ تولّد النزاع

معاوية يسنّ سب عليّ (ع)

وضع الحديث تقرباً لمعاوية

■   الدليل على إيمان أبي طالب من كتب العامة

صحيح البخاري في الميزان

نماذج من شعره تدل على إسلامه

أمرُ أبي طالب أولاده باتباع الرسول (ص)

أمره (ع) حمزة بالدفاع عن بيضة الإسلام

أبو طالب (ع) يمدح النجاشي

إقرار أبي طالب بالتوحيد لله

■  إجماع أهل البيت ? على إسلام أبي طالب

معرفة الإيمان

الاعذار المانعة من اظهار الإيمان

أبيات للسيد عليّ خان في مدح أبي طالب

■  نقض تفسير الآيات التي يستدل بها المكفرة لأبي طالب

الدليل الأوّل: رواية سعيد بن المسيب

انحراف سعيد بن المسيب عن عليّ

شأن نزولها

معارضتها بما هو أصح منها سنداً وأقرب اعتباراً

الدليل الثاني: قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)

سبب نزوله

الدليل الثالث: قوله تعالى: (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ)

الدليل الرابع: رفضه النبي (ص) دعوته للإسلام

الدليل الخامس: حديث الضحضاح

الدليل السادس: اعتراف عليّ (ع) بضلال أبيه

النقاش في سند الحديث

الدليل السابع: عدم وراثة عليّ (ع) وجعفر من أبيهم

الدليل الثامن: لم ينقل انه صلى

■   بحث في معنى الضحضاح وتفرعاته

شخصية المغيرة بن شعبة

■  توقف بن أبي الحديد في إيمان أبي طالب

رد على المعتزلي ابن أبي الحديد

 شعر أبي طالب دليل على إيمانه

■  كلمة الختام وفيها تحامل القوم على أبي طالب

■  مصادر التأليف والتحقيق