الدكتور محمدحسين الصغير ( حفظه الله )

الدكتور محمدحسين الصغير ( حفظه الله )

فضيلة الدكتور محمدحسين الصغير علم من اعلام النجف الاشرف وصاحب العلمية والعقل الراجح والامكانية المبدعة والحريص على النجف والتشيع وعلى وحدة الاسلام والمجتمع.- ولد في النجف الأشرف 1940 م.
- التحق بالحوزة العلمية في النجف عام 1952 م.
- أكمل دراسته العلمية بالبحث الخارج العالي للإمام الخوئي عام 1975 م.
- أكمل دراسته العليا في جامعة بغداد وجامعة القاهرة وجامعة درهام البريطانية.
- حصل على جائزة الرئيس عبدالناصر للدراسات العليا في جامعة القاهرة عام 1969 م.
- حصل على الدكتوراة في الآداب بدرجة الامتياز ومرتبة الشرف الأولى عام 1979 م.
- حصل على درجة الأستاذية ( البروفيسور ) عام 1988 م.
- مؤسس الدراسات العليا في جامعة الكوفة عام 1988 م.
- حصل على مرتبة ( الأستاذ الأول ) في جامعة الكوفة عام 1993 م.
- حصل على مرتبة ( الأستاذ الأول المتمرس ) عام 2001 م، وهي أرقى درجة تمنحها الجامعات الرصينة في العالم.
- رشح لعدة جوائز عالمية.
- أشرف وناقش أكثر من مئتي رسالة ماجيستير ودكتوراة في الدراسات القرآنية والبلاغية والنقدية.
- أصدر أكثر من خمسين بحثاً علمياً وعشرين مؤلفاً.

التقينا فضيلة الدكتور بعد ترتيب اللقاء معه في بيته وذلك في الرابع من شهر رمضان المبارك سنة 1428 هـ وهنا نورد بعض ما جاء في هذا اللقاء.

النشأة الأدبية والعلمية للدكتور محمد حسين الصغير؟

ولدت في النجف الأشرف في رمضان 1358هـ الموافق 14/10/1939م، وكان بيتنا في محلة العمارة قرب مقام الإمام زين العابدين (عليه السلام) نشأت في بيت والدي الشيخ علي الصغير والذي كان من تلامذة السيد محسن الحكيم وهو من شعراء النجف الاشرف ، نشأت نشأة أدبية بعد أن اجتزت المرحلة الابتدائية سنة 1951م وكنت من الأوائل في الامتحان الوزاري، وقد اعتممت العمة البيضاء في حفل بهيج في دارنا في الأول من شوال 1372هـ وقام آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس) بوضع العمة على رأسي وقد كان حاضر في المناسبة عدد من الشعراء أمثال السيد مصطفى جمال الدين والسيد حسين بحر العلوم وقد ألقى والدي قصيدة كانت لي منهجاً وطريقاً في حياتي العلمية والأدبية والنفسية في مستقبل الأيام وجاء فيها :

بني حسينا والحياة كما ترى 

 

 

 

ورأي الحر في الدهر معيار

فكن مثلاً للعلم والدين والتقى

 

 

 

تقدسك منها الجماهير أحرار

        فكان قوله هذا منهجاً لي في حياتي قدر المستطاع.

التحصيل الحوزوي والتحصيل الأكاديمي للدكتور الصغير؟

        بالنسبة لتحصيلي الحوزوي، فقد درست العربية والمنطق والبلاغة وعلم الفقه وعلم الأصول وحضرت البحث الخارج لآية الله العظمى السيد الخوئي في 1975م، أما دراستي الأكاديمية، فبعد أن أكملت دراستي الأولية في النجف وتخرجت من كلية أصول الدين في بغداد علم 1968م وحصلت على الماجستير في القاهرة عام 1975م والدكتوراه من جامعة لندن عام 1979م وحصلت على درجة الأستاذ المساعد ثم درجة البروفسور عام 1988م ثم على درجة أستاذ أول عام 1993م وفي عام 2002م حصلت على لقب الأستاذ المتمرس وهي أعلى شهادة جامعية في العالم.

أسرة الصغير من العوائل النجفية العريقة فمن أين جاءت هذه التسمية؟

        لقب الصغير جاء من زمن جد والدي الشيخ علي والد الشيخ حسين الصغير، فكان في محفل من محافل العلماء وأثيرت مسألة علمية فقال المتصدي للأمر في ذلك المجلس : الحق كما يقول الشيخ الصغير وكان الشيخ علي صغيراً في السن وقصير القامة، فظل هذا اللقب ملازماً لنا، وأسرة الصغير يرجع نسبها إلى العشيرة الخاقانية وهي عشيرة منتشرة الأطراف في النجف والحلة وكربلاء والبصرة والشامية والمشخاب وغيرها.

ذكريات الدكتور محمد حسين الصغير عن بعض العلماء؟

        لي ذكريات كثيرة عن العلماء ولكني أحب أن أذكر آية الله العظمى الشيخ محمد رضا آل ياسين (قدس) الذي كان النموذج الأعلى والقدوة الكافية وقد وصفته في كتابي (أساطين المرجعية العليا في النجف الشرف) بقديس العلماء لما كان يملكه من خلق رفيع وتواضع وكان يمثل الأنبياء والصالحين في تواضعهم وهيبتهم، وقد توفي (رحمه الله) في عام 1370هـ في شهر رجب في داره بالكوفة ونقل إلى النجف الأشرف وغلقت المدارس والأسواق وحضر ممثلو الملك والبلاط، وقد أقيمت الفاتحة على روحه الطاهرة لمدة (40) يوماً في مسجد الهندي وقد كانت وفاته مهرجاناً لشعراء النجف وكانت هناك قصائد مشهورة مثل قصيدة الشيخ الشاعر عبد المنعم الفرطوسي، وكذلك والدي الذي كان مطلعها:

حملوك فاتحة الكتاب فكبروا

 

ونعـوك ياسيـــــن الهـــدى

حملوك قربان على أعناقهم

 

للــه فــــيـه تضــرعوا واســتـغـفروا

فسألت هل هذا الإمام المرتضى

 

في النعش أم حامي الشريعة جعفر

قالوا الرضا فذهلت مما راعنِ

 

أنني بأرواح الملائـكة اعـــــثرُ

حديث عن المجالس الأدبية والعلمية في النجف الأشرف؟

كانت المجالس الأدبية وما زالت حافلة بأهل العلم والإيمان والمعرفة، فأتذكر مجلس جدي الشيخ حسين الصغير والذي كان أحد تلامذة المرجع الديني الأعلى السيد كاظم اليزدي (قدس) فقد كان يضم هذا المجلس طبقة المراجع جميعاً في تلك الفترة فقد كان السيد آية الله محمود الحكيم  وآية الله السيد محسن الحكيم وآية الله محمد حسين كاشف الغطاء والسيد الحمامي وغيرهم الكثير فكان جملة من علماء العصر المقدسين الذي طلقوا الدنيا وكان هدفهم العلم الخالص لله تعالى فقد كانت هذه المدارس مجالس بحق فقد كان شعار طلبة العلوم الدينية في الحوزة هو (خبز الشعير وماء البير ومجاورة الأمير) فقد كانت الحالة المادية ضعيفة جداً لا يمكن أن يتصورها أحد وهذا التنعم الموجود في هذا اليوم كان لا يحلم به أحد ، وتوفي جدي (رحمه الله) سنة 1950 واستمر المجلس بوالدي وأعمامي.

تحظى المرجعية الدينية في النجف الاشرف بأحترام كبير في العالم الاسلامي على مختلف قومياته ومذاهبه.. ما هو دورها الريادي ؟

للمرجعية العليا دور كبير في الحفاظ على وحدة المسلمين من خلال مواقفها المعتدلة فلقد كانت وما زالت تدعو إلى وحدة المسلمين ورص الصفوف، فأتذكر في أيام مرجعية آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قده) جاء إلى النجف وفد علماء السنة يضم الشيخ عبد العزيز البدري وهيئة علماء بغداد وطلبوا من السيد الحكيم أن يبعث برسالة إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر ليوقف حكم الإعدام الذي صدر بحق سيد قطب صاحب كتاب (في ظلال القرآن) وبالفعل أرسل السيد الحكيم(قده) رسالة إلى الرئيس المصري لإلغاء الحكم او تخفيفه وحملت الرسالة إلى مصر ولكنها وصلت إلى الرئيس المصري بعد تنفيذ حكم الإعدام، وكتب جمال عبد الناصر إلى السيد الحكيم يعتذر لتنفيذ الحكم وقال أن الرسالة لو وصلت إليه قبل التنفيذ لما نفذ الحكم، فكان تأثير المرجعية كبيرا في العالم الإسلامي وما نشهده اليوم من احترام الجميع لها وباختلاف قومياتهم ومشاربهم خير دليل على ذلك.

كنت مقربا لعدد من المرجعيات الدينية.. كيف تعاملتم مع هذا الامر ؟

        المرجع لا يفرض عليه رأي، فهو يستشير ويشاور إلى أن يصل إلى نتيجة تكون لله فيها رضا، وحتى في زمن الأئمة (عليه السلام) كان ذلك متبعا، فقد دخل ابن عباس عندما تولى أمير المؤمنين (عليه السلام) الخلافة فخاطبه في معاوية وقال له:( يا أمير المؤمنين ولِّه شهراً واعزله دهراً)، وبعد مدة راجعه ابن عباس، قال له: ما صنعت يا أمير المؤمنين فقال له (عليه السلام) يا ابن عباس عليك أن تشير وعليّ أن ادير.

        وهكذا هو ديدن العلماء وفي مرجعية السيد محسن الحكيم كنا مجموعة من الشباب المثقف والملتزم فقد كان يستمع لنا وينصت لنا بقوة ويستشيرنا، فالمرجع لا يخضع لأحد ولا حتى لأصعب الظروف، فالمرجعية تشاور وتحاور وتسمع الأفكار وتتفهم القضايا ولكن الرأي الأخير يبقى لها وفق مصالح البلاد والعباد.

لمدينة النجف الاشرف دور فكري وحضاري بارز في العالم الإسلامي، كيف تقرؤون هذه العبارة..؟

        تعتبر النجف الأشرف حاضرة العالم الإسلامي ومصدر للإشعاع الفكري والثقافي وهي من مراكز الفكر الإسلامي، بما قدمته من انجازات علمية مبكرة في حقول الشريعة الإسلامية فهي تدرٍّس الفقه المقارن والتفسير المقارن وتدرٍّس الأدب العربي وعلوم اللغة العربية، فالنجف تعتبر الوريث الشرعي لحضارة الكوفة الغراء والكوفة الوريث الشرعي لحضارة المناذرة التي كثر فيها العمران وازدهر بها التنظيم العمراني والزراعة.

        وعندما اتخذ الإمام علي (عليه السلام) الكوفة عاصمة للخلافة الإسلامية في 22 رجب 36هـ بدأت ثورة علمية هائلة بما أبداه من معارف وعلوم وسيرة عطرة فلا شك أن علم الفلسفة والفلسفة الإلهية والكونية وعلم الشريعة الإسلامية مدين له، وقد فتق الإمام (عليه السلام) البلاغة العربية وكان نهج البلاغة خير دليل، أما الشجاعة فهو بطل الإسلام الأول بلا منازع وأما علم النحو فإن الإمام (عليه السلام) قد وضع أسسه وفكرته ومنه تشكلت مدرسة البصرة والكوفة النحوية..

وصل حديثنا إلى الإمام علي (عليه السلام) فما هو دوره في عملية جمع القرآن وحفظه؟

        لقد كان اهتمام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقرآن اهتماماً بالغاً فدعى المسلمين لتفسيره والنهل من نميره وتدوين آثاره وقراءته قراءة صحيحة لا لبس فيها وكتابته ورسمه، وبفضل الله تعالى أصبح المصحف الموجود بين يدي المسلمين كافة محفوظاً من الضياع والتزوير وكان للإمام الدور الأكبر في ذلك.

فقد أقيمت في مصر لجنة طباعة المصحف في القاهرة عام 1340هـ بعد وصول مطبعة بولاق في القاهرة وقرروا طبع القرآن الكريم فتباحثوا بأي اللغات نطبع فقالوا نطبعها بلغة الحرمين لأنها مهبط الوحي فقيل ان بلاد الحرمين هو مهبط جميع المسلمين في لغاتهم المتعددة. ومعنى هذا أن لغتهم غير سليمة، فقالوا نجعلها بلغة أهل الشام فقالوا أن الشام قريبة من الروم والبيزنطيين وقد تأثر العرب من لهجاتهم فقالوا نطبعها بلغة أبو عمر العلاء والبصريين، فقالوا أن البصرة ملتقى الخليج والهجرة من الهند والسند وقد اختلطت لغاتهم. فقرروا أن يطبع القرآن الكريم بقراءة أهل الكوفة  لأنها البلد العربي الوحيد التي لم تختلط بلغة الأعاجم ولحد الآن.

فدون القرآن الكريم وطبع برواية حفص بن سليمان الكوفي لقراءة عاصم بن أبي النجد الكوفي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله عن جبرائيل (عليه السلام) عن الله تعالى وهذا من أدلة القرآن الكريم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الإعجازية وسلامة الذكر أن يطبع المصحف الشريف بالعالم العربي والإسلامي بقراءة علي بن أبي طالب عليه السلام.