السيد احمد الاشكوري ( حفظه الله )

السيد احمد الاشكوري ( حفظه الله )

سماحة العلامة المحقق السيد أحمد الأشكوري (دامت بركاته) 6 ربيع الثاني 1429 -  13/4/2008

كان لنا لقاء مع سماحة السيد أحمد الأشكوري الذي كان في زيارة إلى مرقد الامام علي (عليه السلام)، سيما وهو أول من قام بفهرسة المخطوطات الموجودة في خزانة المرقد الشريف في بداية سبعينيات القرن الماضي، وبعد أن التقيناه في دار ضيافة الامام داخل الصحن الحيدري الشريف، طلبنا منه إجراء اللقاء، وقد لمسنا من هذا الرجل الالتزام والدقة والصبر وقلّة الكلام، فعمله وجهده هو الذي يتكلم بدلاً عنه، وقد كان هذا اللقاء في مرقد الامام علي (عليه السلام) قصيراً بسبب ارتباطه بأعمال أُخرى ثم كان لنا لقاء آخر في منزله في مدينة قم المقدسة وهذا بعض ما جاء فيه :

محطات عن السيرة العلمية للسيد الأشكوري؟

أوّل ما بدأت الدراسة في المقدمات على يد والدي السيد علي الأشكوري، ثم درست عند الشيخ نورالدين الكازولتي، ثم عند الشيخ محمد الرشتي، بعدها درست النحو والمعاني والبيان وكتاب المعالم عند الشيخ محمد علي الأفغاني.

حدثت لي مشكلة خاصة بي في سن الـ(17) فقررت الذهاب إلى بغداد ـ الكاظمية، وقررت الاعتماد على نفسي، فبدأت أعمل في المكتبات حيث بقيت لمدة (4) سنوات، إلى أن أصبحت صاحب محل وحصلت على مال وفير، لكني فكرت هل ان الله سبحانه وتعالى خلقنا لنأكل ونعمل وننام فقط! أم لهدف أسمى وأجلّ؟ فقررت العودة إلى النجف الأشرف والاستمرار في الدرس والتحصيل الحوزوي.

لماذا التخصص بالمخطوطات؟

عندما تعلّمت القراءة والكتابة وبدأت أكتب، كان خطي جميلاً، والكل يثني عليه، فكنت اهتمّ بمعرفة الخط وتحسينه وصوره، وعند ذهابي إلى بغداد قررت العمل لاعتمد على جهدي ولا أحتاج إلى أحد، فبدأت بكتابة ما يطلب مني من مؤلفات أو تصحيحها بأجر، وهكذا بدأت نية الاهتمام بالمخطوطات، وحتى عندما عدت إلى النجف كنت أعمل في هذا المجال لكبار المحققين والمؤلفين وإنجاز ما يطلبونه مني؛ لكي اعتمد على جهدي وعملي دون الاعتماد على الراتب الحوزوي، هذا من ناحية.

ومن ناحية أُخرى، أرى إنه يجب على طالب العلم أن يتخصص بموضوع معين لكي يبرز فيه ويبدع، وحسب ما يرى في نفسه من قابلية،  فالدرس الحوزوي كباقي العلوم، وكل علم فيه تخصص، فلماذا لا يكون الطالب الحوزوي متخصصاً أيضاً، لكي يبدع في هذا العمل أو ذاك، فليس كل الطلبة سيصلون إلى درجة الاجتهاد.

مشروع إقامة مركز لإحياء التراث الاسلامي، كيف بدأتم؟ وما هو الهدف لإقامة مثل هذا الصرح العلمي؟

في الحقيقة لقد عملت في البحث والتحقيق لفترة طويلة وأدركت مشكلة المحققين والباحثين وما يعانوه في سبيل الحصول على المصادر، ولاسيما الخطية منها، وفي إحدى المرات حضرت مؤتمراً في مشهد وطلبوا مني إلقاء كلمة بعنوان (الكتاب والمكتبة في الثقافة الإسلامية)، وتطرّقت حينها لمشاكل المحققين والباحثين، وكيف يمكن حلها، وذكرتُ حينها أنّ أحد الحلول تكم في أنّ الكتب غير المحققة يصار إلى تصويرها في داخل وخارج إيران وفي مركز خاص، لكي يحصل المحققين على ضالتهم، وبعد انتهاء المؤتمر كنا جالسين مع السيد جواد الشهرستاني والمحقق السيد عبدالعزيز الطباطبائي، قالوا: إنّ هذه النقطة التي أثرتها مهمة ويجب عليك أن تتولّى تحقيقها بما لديك من خبرة ومعرفة في ذلك، والدعم المالي سيكون مفتوحاً لك من قبل السيد جواد الشهرستاني.

بالفعل، وقبل (12) سنة بدأنا بالعمل والتصوير بنطاق ضيّق، ثم توسّعنا شيئاً فشيئاً، وبما أنّنا دائماً في سفر، لذا فنحن نأخذ أجهزة حديثة وكاملة كي نستفيد منها أينما وجدت المخطوطات.

وبحمد الله تعالى، بلغت المصورات حتى وقتنا هذا (50) ألف نسخة مصوّرة، وهو رقم خيالي ضمن مركز إحياء التراث الإسلامي.

بالإضافة إلى التصوير، كانت تُعرض علينا في بعض الأحيان مخطوطات للبيع، فارتأينا أن نشتري النسخ الأصلية منها، وبدأنا بالشراء، وفي ظرف (10) سنوات جمعنا (11) ألف نسخة.

أيضاً كانت تعرض علينا بعض الوثائق التاريخية، كذلك بدأنا بشراء تلك الوثائق، ويوجد لدينا الآن أكثر من (7) ألاف وثيقة مهمة تخصّ التاريخ السياسي في إيران في زمن الصفوية والقاجارية.

في بداية العمل كنّا في مكان صغير جداً، وبعد توسّع العمل احتجنا إلى مكان أكبر، والآن ـ وبفضل الله تعالى ـ تمّ إنشاء بناية مساحتها ألف متر ذات أربعة طوابق، أي أربعة ألاف متر مربع، ولدينا قاعة للمحققين، فهذا المركز يوفّر للمحققين الكثير من الوسائل الخاصة بالباحثين، وتوجد في ضمن المركز قاعة كبيرة ولطيفة وهي خاصة بالمحققين، وتوجد في هذه القاعة الكتب المطبوعة والمصادر الأم، على حسب المواضيع، أمام كل موضوع منضدة وكرسي وحاسبة، والمخزن مفتوح للمحققين، وفيه كتب مختلفة، قرابة (10) آلاف كتاب، والمخزن يحوي (80) ألف كتاب. في الطابق الأرضي (السرداب) يوجد قاعة لإلقاء المحاضرات، وبعدها مكان خاص للطعام.

الشيء المهم الذي فعلناه هو إنشاء متحف لوسائل التحرير القديمة، من بداية صنع الورق  إلى نهاية التجليد، وهي معروضة، بالإضافة إلى القطع اليدوية والثمينة، هذه الأشياء تعرض بالمتحف، ويوجد جناح خاص بالمطبوعات الحجرية القديمة، وهناك كتب للدراسة  الحوزوية متوفرة ومطبوعات حجرية مطبوعة سابقاً في مصر والهند و إيران.

وقد بلغت المخطوطات والمطبوعات الحجرية حتى الآن أكثر من (7) آلاف كتاب حجري مطبوع، وعملنا أيضاً على فهرسة للمخطوطات في (8) مجلدات وهي فهارس خاصة بالمركز، وأربع مجلدات عربية وفهرس للمصورات بعدد ستة مجلدات.

لدينا مشروع الزخرفة، وقمنا بطبع بعض الأعمال لخطّاطين ماهرين، وهذا يحتاج أموالاً كثيرة، الشيء المهم بالمركز هو توفير ما يحتاجه المحقق والباحث، فمثلاً اذا طلب المحقق صورة كتاب، إمّا من النسخ المصورة أو المخطوطات، فيتم تصويرها وتسليمه إياه بأسرع وقت، وبعض الأحيان يتم الاتصال بالهاتف ويطلب النسخة التي يحتاجها، ونحن نبعثها له، ولا نسأله من هو وهل لديك توثيق، والإعمال التي تنجز هذه الموارد إمّا من الدولة أو المرجعية، أو من التبرعات، وهذه كلّها من الناس، ويجب أن تكون في خدمة الناس، قبل (3) سنوات تسلّمنا كتاب شكر من مكتبة المجلس النيابي يذكرون فيه بأنّ مركزنا من أحسن المراكز الإيرانية في خدمة المحققين.

نعم، والعمل جار منذ عدة سنوات على إنشاء (مركز إحياء التراث الإسلامي)، حيث جمع في المركز لحد الآن أكثر من (16000) ألف مخطوطة، وتصوير (50000) آلاف مخطوطة أخرى، وجمع أكثر من (8000) آلاف كتاب حجري من أمهات الكتب، بالإضافة إلى جمع أكثر من (7000) وثيقة تاريخية. والعمل جارٍ على فتح عدّة فروع لهذا المركز، حيث سيتم افتتاح الفرع الأول في النجف الأشرف، والعمل متواصل لإنجازه، وكذلك فرع آخر في بيروت، وفرع ثالث في إسلام آباد، وكل هذه المواضيع ستكون في خدمة الباحثين والمحقّقين بطريقة علمية حديثة وبدون جهد.

هذا المشروع منظّم وكبير ويحتاج إلى تمويل عالٍ، فمن أين لكم هذا التمويل؟

سماحة آية الله السيد علي السيستاني متكفّل بتمويل المشروع كما أسلفنا، انّ هذا المشروع أو المركز هو مشروع ومركز عالمي، ولا يخدم طائفة معينة، بل هو لكلّ المسلمين، بل ولغير المسلمين.

خلال رحلاتكم إلى المكتبات الأوروبية واطلاعكم عليها، كيف تقيّمون الفرق بينها وبين مكتباتنا؟

الحق يقال: إنّ المكتبات الأوربية متطوّرة جداً؛ إذ تقدم خدمات جليلة للمواطنين، والذين يعملون فيها على درجة كبيرة من التعلّم والفهم. وقد لاحظت عنايتهم الكبيرة والفائقة بالمخطوطات، عكس مكتباتنا الإسلامية التي تفتقر إلى هذا الشيء.

ولاحظت الدعم المادي اللامحدود للمكتبات بصورة عامة والمخطوطات بصورة خاصة.

كلمة أخيرة؟

أتكلم بمجال تخصصي وهو يجب على من يكنز هذه المخطوطات أن يظهرها للمحقّقين والباحثين بصورة مبسطة وسهلة ويسيرة؛ لأنّ المخطوطات ليست مجرد آثار، أو أنّ قيمتها تنحصر بالقيمة المادية الكبيرة، بل هي قبل كل شيء ثروة علمية، حيث أفنى العلماء أعمارهم في تأليفها، ومن المؤكد أنهم أرادوا لها الانتشار واطلاع الأجيال عليها، لا أن تحفظ وتكنز.