الصفحة 557
وحسبنا أن نتبصر قوله تعالى: {أفَمَنْ يَهْدِي إلَى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهِدِّي إلا أنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(1) وكتاب الله شاهد على هذه الاُمة، كيف لا وقد جعله النبي (صلى الله عليه وآله) أحد خليفتين له فقال: «إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» وهذا هو حديث الثقلين(2).

وأحاديث الحوض تكفي في التحذير من مغبة الخلاف في استحداث الأحداث، التي أصابت المسلمين بانتكاسة بعد موته (صلى الله عليه وآله) ، فتنازعتهم الأهواء، ولست أدعو إلى تحميل التاريخ ما لا يطيق، ولا إلى تزييف الوقائع، ولكنّي أدعو _ والله شهيد على ما أقول _ أن ننظر إلى ما حلّ بأهل البيت من الفجائع، فنقول الحق من دون تمجيد الخالفين أو التنديد بالمخالفين، ثم لنرجع البصر كرتين، ونراجع الفكر مرتين، لنرى أيّ الفريقين أهدى سبيلاً، ولا نكون إلاّ كفقيه المستنصرية الذي اجتمع بالنقيب ابن طاووس الحسني في مشهد الإمامين الكاظم والجواد (عليهما السلام) فأبصره الحق فاستبصر، وليكن حديثه مسك الختام، فقد ذكره النقيب في كتابه كشف المحجة(3)، قال رحمه الله تعالى يخاطب ولده:

واعلم يا ولدي إنّي كنت في حضرة مولانا الكاظم (عليه السلام) والجواد (عليه السلام) ، فحضر فقيه من المستنصرية كان يتردد عليَّ قبل ذلك اليوم، فلما رأيت وقت حضوره يحتمل المعارضة له في مذهبه، قلت له: يا فلان ما تقول لو انّ فرساً لك ضاعت منك وتوصلت إلى ردها إليَّ، أو فرساً لي ضاعت منّي وتوصلت في ردها إليك، أما كان ذلك حسناً أو واجباً؟

____________

1- يونس: 35.

2- الدر المنثور 2: 285.

3- كشف المحجة: 76.


الصفحة 558
فقال: بلى.

فقلت له: قد ضاع الهوى إمّا منّي وإمّا منك، والمصلحة أن ننصف من أنفسنا، وننظر ممن ضاع الهدى فنرده عليه.

فقال: نعم.

فقلت له: لا أحتج بما ينقله أصحابي لأنّهم متهمون عندك، ولا تحتج بما ينقله أصحابك لأنّهم متهمون عندي أو على عقيدتي، ولكن نحتج بالقرآن، أو بالمجمع عليه من أصحابي وأصحابك، أو بما رواه أصحابي لك، وبما رواه أصحابك لي.

فقال لي: هذا انصاف. فقلت له: ما تقول فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما؟ فقال: حق بغير شك.

فقلت: فهل تعرف أنّ مسلماً روى في صحيحه عن زيد بن أرقم انّه قال ما معناه: انّ النبي (صلى الله عليه وآله) خطبنا في (خم) فقال: أيّها الناس إنّي بشر يوشك أن أدعى فاُجيب، وإنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي(1).

فقال: هذا صحيح.

فقلت: وتعرف انّ مسلماً روى في صحيحه في مسند عائشة أنّها روت عن النبي (صلى الله عليه وآله) انّه لما نزلت آية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(2) فجمع علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، فقال: هؤلاء أهل بيتي(3).

____________

1- صحيح مسلم 7: 122 _ 123, وتفسير ابن كثير 4: 114 في سورة الشورى، وراجع كتاب (علي إمام البررة) 1: 292.

2- الأحزاب: 33.

3- صحيح مسلم 7: 130.


الصفحة 559
فقال: نعم هذا صحيح.

فقلت له: تعرف انّ البخاري ومسلماً رويا في صحيحيهما انّ الأنصار اجتمعت في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، وانّهم ما نفذوا إلى أبي بكر ولا عمر، ولا إلى أحد من المهاجرين، حتى جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة لما بلغهم في اجتماعهم، فقال لهم أبو بكر: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين _ يعني عمر وأبا عبيدة _ فقال عمر: ما اتقدم عليك، فبايعه عمر وبايعه من بايعه من الأنصار، وانّ علياً (عليه السلام) وبني هاشم امتنعوا من المبايعة ستة أشهر(1).

وأنّ البخاري ومسلماً قال _ فيما جمعه الحميدي من صحيحيهما _: وكان لعليّ (عليه السلام) وجه بين الناس في حياة فاطمة (عليها السلام) فلما ماتت فاطمة (عليها السلام) بعد ستة أشهر من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) انصرفت وجوه الناس عن علي (عليه السلام) ، فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه خرج إلى مصالحة أبي بكر(2)!

فقال: هذا صحيح.

فقلت له: ما تقول في بيعة تخلف عنها أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين قال عنهم انّهم الخلف من بعده وكتاب الله جل جلاله، وقال (صلى الله عليه وآله) فيهم: اُذكركم الله في أهل بيتي، وقال عنهم انّهم الذين نزلت فيهم آية الطهارة، وانّهم ما تأخروا مدة يسيرة حتى يقال انّهم تأخروا لبعض الاشتغال، وإنّما كان التأخر للطعن في خلافة أبي بكر بغير إشكال في مدة ستة أشهر، ولو كان الإنسان تأخر عن غضب برد غضبه، أو عن شبهة زالت شبهته بدون هذه المدة، وانّه ما صالح أبا بكر على مقتضى حديث البخاري ومسلم إلاّ لما ماتت فاطمة (عليهما السلام) ورأي انصراف وجوه الناس عنه خرج عند ذلك إلى المصالحة، وهذه صورة حال تدل على انّه ما بايع

____________

1- راجع ما ذكره البخاري ومسلم في النصوص التي مر ذكرها عنهما.

2- تقدم ذلك عن البخاري وغيره, راجع النصوص التي مرت آنفاً.


الصفحة 560
مختاراً، وانّ البخاري ومسلماً رويا في هذا الحديث، انّه ما بايع أحد من بني هاشم حتى بايع علي (عليه السلام)!

فقال: ما اقدم على الطعن في شيء قد عمله السلف والصحابة.

فقلت له: فهذا القرآن يشهد بأنّهم عملوا في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يرجى ويخاف، والوحي ينزل عليه بأسرارهم في حال الخوف وفي حال الأمن وحال الصحة والإيثار عليه ما لا يقدروا أن يجحدوا الطعن عليهم به، وإذا جاز منهم في حياته وهو يرجى ويخاف، فقد صاروا أقرب إلى مخالفته بعد وفاته، وقد انقطع الرجاء والخوف منه وزال الوحي عنه.

فقال: في أيّ موضع من القرآن؟

فقلت: قال الله جل جلاله في مخالفتهم في الخوف: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }(1) فروى أصحاب التواريخ انّه لم يبق معه إلاّ ثمانية أنفس، علي، والعباس، والفضل، وربيعة، وأبو سفيان ابنا الحارث بن عبدالمطلب، واُسامة بن زيد، وعبيدة بن اُم أيمن، وروي أيمن بن اُم أيمن(2).

وقال الله جل جلاله في مخالفتهم له في الأمن: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}(3).

فذكر جماعة من المؤرخين انّه كان يخطب يوم الجمعة، فبلغهم أنّ جمالاً جاءت لبعض الصحابة من مزينة، فسارعوا إلى مشاهدتها وتركوه قائماً، وما كان

____________

1- التوبة: 25.

2- راجع كتاب علي إمام البررة 3: 190.

3- الجمعة: 11.


الصفحة 561
عند الجمال شيء يرجون الانتفاع به، فما ظنّك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها ورياستها؟

وقال الله تعالى في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله: { وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(1).

ولو كانوا معذورين في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله: { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } وقد عرفت في صحيحي مسلم والبخاري معارضتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غنيمة هوازن لما اُعطي المؤلّفة قلوبهم أكثر منهم(2).

ومعارضتهم له لما عفا عن أهل مكة، وتركه تغيير الكعبة واعادتها إلى ما كانت في زمن إبراهيم (عليه السلام) خوفاً من معارضتهم له(3) ، ومعارضتهم له لما خطب في تنزيه صفوان بن المعطل لما قذف عائشة، وانّه ما قدر أن يتم الخطبة(4) ، أتعرف هذا جميعه في صحيحي مسلم والبخاري؟

فقال: هذا صحيح.

فقلت: وقال الله جل جلاله في ايثارهم عليه القليل من الدنيا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}(5) وقد عرفت انّهم امتنعوا من مناجاته ومحادثته لأجل التصدق برغيف وما دونه، حتى تصدّق علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه

____________

1- آل عمران: 159.

2- راجع سيرة ابن هشام 2: 499.

3- المصدر نفسه 2: 300 _ 301.

4- المصدر نفسه.

5- المجادلة: 12.


الصفحة 562
فيها، ثم نسخت الآية بعد أن صارت عاراً عليهم، وفضيحة إلى يوم القيامة بقوله جل جلاله: {ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}(1).

فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي الله جل جلاله وبين يدي رسوله (صلى الله عليه وآله) ، وقال لك: كيف جاز لك أن تقلد قوماً في عملهم وفعلهم وقد عرفت منهم مثل هذه الاُمور الهائلة، فأيّ عذر وأيّ حجة تبقى لك عند الله وعند رسوله في تقليدهم، فبهت وحار حيرة عظيمة.

فقلت له: أما تعرف في صحيحي البخاري ومسلم في مسند جابر بن سمرة وغيره انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال في عدة أحاديث: «لا يزال هذا الدين عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(2).

وفي بعض أحاديثه عليه وآله السلام من الصحيحين: «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش»(3).

وأمثال هذه الألفاظ كلها تتضمن هذا العدد الاثني عشر، فهل تعرف في الإسلام فرقة تعتقد هذا العدد غير الإمامية الاثني عشرية، فإن كانت هذه أحاديث صحيحة كما شرطت على نفسك في تصحيح ما نقله البخاري ومسلم، فهذه مصححة لعقيدة الإمامية، وشاهد بصدق ما رواه سلفهم، وإن كانت كذباً فلأيّ حال رويتموها في صحاحكم؟

فقال: ما أصنع بما رواه البخاري ومسلم من تزكيته أبي بكر وعمر وعثمان، وتزكية تابعهم؟

____________

1- المجادلة: 13.

2- صحيح مسلم, باب الناس تبع لقريش, ومسند أحمد 5: 98، وفتح الباري 13: 211.

3- صحيح مسلم كتاب الامارة, وفتح الباري 13: 211.


الصفحة 563
فقلت له: أنت تعرف انّني شرطت عليك أن لا تحتج عليَّ بما ينفرد به أصحابك، وأنت أعرف انّ الإنسان ولو كان من أعظم أهل العدالة بمهما شهد من الاُمور مما يقبل فيه شهادة أمثاله قبلت شهادته، والبخاري ومسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم، فشهادتهم شهادة بعقيدة نفوسهم، ونصرة لرياستهم ومنزلتهم.

فقال: والله ما بيني وبين الحق عداوة، ما هذا إلاّ واضح لا شبهة فيه، وأنا أتوب إلى الله تعالى بما كنت عليه من الاعتقاد....

قال السيد النقيب: فلما فرغ من شرط التوبة إذا رجل من ورائي قد أكبّ على يدي يقبّلها ويبكي، فقلت من أنت؟ فقال: ما عليك اسمي، فاجتهدت به حتى قلت: فأنت الآن صديق أو صاحب حق، فكيف يحسن لي أن لا أعرف صديقي وصاحب حق عليَّ لاُكافيه، فامتنع من تعريف اسمه، فسألت الفقيه الذي في المستنصرية فقال: هذا فلان ابن فلان من فقهاء النظامية، سهوت عن اسمه الآن.

وبهذا أنهى السيد ابن طاووس كلامه، فرحمة الله عليه وأعلا مقامه.


*  *  *


الصفحة 564

دمعة ولاء حمراء على المحسن حبيب الزهراء (عليها السلام)


(للمحسن السقط) حقٌ لو توفّيه (فالمحسن السبط) مظلوم لتبكيه
ميلاده كان رزءاً حين نذكره للمصطفى جدّهِ حقاً نعزّيه
فابن البتولة لا ذكرى تقامُ له ورزؤه رزؤها مذ أُثكلت فيه
مولى هو الفذ في الدنيا بأجمعها فلا شبيه له فيها يوازيه
في أشهر الحمل ستاً نيّفت فعلت على السنين جهاداً حيث ترويه
من يومه بان وجه الزيف في صُحفٍ تُملى وتُتلى كما يرويه راويه
لولا رزيّته في يوم هجمتهم لم يعرف الناس مولى من أعاديه

*  *  *  *  *

إيهاً بني لُحمة التاريخ نوّلها نيل الولاة وأيديكم تسدّيه
ماذا جرى رحلة المختار مبدؤها أين انتهت؟ آخر الأنباء تحكيه
فقلتمُ غاب صحبٌ عن جنازته فأين راحوا؟ ولم غابوا؟ لنرويه
تصاهلت زمرُ الأطماع في زجل لخدمة الحكم تشويهاً بتمويه
وكان للأصفر الرنّان رنّته عجينة الفكر مطبوعاً بتشويه
فربّما حَدَثٌ قد جاء مبتراً لموقف الحق عن عمدٍ ليطويه
قالوا بنو قيلة ضمّت سقيفتهم عناصر الشر إذ سعداً تناحيه
فأسرع النفر الثالوث مقتنصاً طيرَ الشواهين ما اصطادت لتلقيه


الصفحة 565

وقد جرى ما جرى والكلّ يعلمه علم اليقين بلا زيف وترويه
إنّ الأولى أسرعوا عافوا نبيّهمُ لم يحضروا الغسل لا دفناً يواريه
من ذا تولّى؟ لذا قالت روايتكم ما كان غير أبي السبطين يكفيه
قلتم عليٌ وأهلوه به اضطلعوا نفسي فداء عليٍ ثم أهليه
ما بارحوا حجرة طابت معالمُها وطاب تربٌ أجنّ المصطفى فيه
وخيّم الحزنُ في الأجواء جلّله خوف الغزاة لبيت مَن يحاميه؟
إذ أضمروا الحقد في غلواء أنفسهم أنّى عليٌّ له المختار يعليه
منذ الغدير فقد جاشت مراجلهم واستضعفوا حيدراً مذ غاب حاميه
شاهت وجوههم رغماً معاطسهم لولا الوصية مَن يقوى يدانيه

*  *  *  *  *

يا (محسن السقط) في الدنيا ونرثيه أنت (المحسَّن) في الأخرى نرجّيه
حدّث فديتك مظلوماً أفدّيه سِفر الشهادة بدءاً أنت ترويه
ياثالثاً شرف الأسباط سابقها سبق الشهادة جلّى في معاليه
ياأولاً لضحايا العُنف أسّسه حكمُ الأولى لم تزل تترى تواليه
يامنية العمر عند الأم ترقبه كيما تهدهده مهداً تناغيه
فصرت أول مظلوم قضيت وقد نلت الشهادة حملاً شُلّ جانيه
حدث فديتك بعض النثّ تبديه ليكشف الزيف ما التاريخ يطويه
ماذا لقيت من الأصحاب حين أتوا صحابةٌ ظلمت جَداً ذراريه
جاءت لبيتكمُ تغلي مراجلُها وألقت الجزلَ عند الباب توريه
خابت ظنون بني الأحقاد إذ حسبت بجمرة الحقدِ نور الله تطفيه
وجاوزوا الحدّ ضرب الطهر سوط جفا وعصرَها لَمصابٌ أنت تدريه
فأسقطتك على الترباء من وَجَلٍ بزحم قنفذ ياويلي مَواليه
يابن البتولة والجلى تؤرّقها قد هدّ حملُك من صبرٍ رواسيه


الصفحة 566

عمرٌ من الحمل ماتمت كواملُه فأسقطته لدى الأعتاب تلقيه
كانت تؤمّل أن يبقى ليؤنسها في وحشة الليل إذ يبكي تناغيه
كانت ترجّى بك الزهراء مؤنسها فخاب ظنٌ وكان الحزنُ تاليه

*  *  *  *  *

ياثاوياً جَدَثاً ضاعت معالمه في تربة البيت ربّ البيت يدريه
إن ضاع قبرك في الأجداث إنّ له من قلب كل وليّ مشهداً فيه
واسيت أمَك فيما قد ألمّ بها حتى بقبرك إذ تخفى مغانيه
روحي فداك فأين القبر ضمكما بيتٌ فقدّس ربّ العرش ثاويه
نفتّ أكبادنا حزناً ليومكمُ ماقيمة الدمع طوفاناً ونذريه
تلكم قلوبٌ تلظّت في محبتكم تُجنّ حبّكمُ طوراً وتبديه

*  *  *  *  *

ياسيدي وعزائي اليوم منصرفٌ للخمسة الصيد إذ كلاً نعزّيه
للمصطفى جدكم نزجي العزاء أسىً والمرتضى أبداً في الفضل تاليه
نفس النبي بآيٍ أنزلت فيه من ذا يقاس به فضلاً يوازيه
وأنزل الوحيُ هاروناً له شبهاً سماكمُ باسم ابناه لما فيه
فشابه الغدر وصفاً في صحابته قوم ابن عمران إذ خانوه في التيه
ثمّ العزاء لطهر كنت تؤنسها حملاً خفيفاً وجلّ الخطبُ ما فيه
بعدُ العزاء لسبطي أحمد فهما كانا الشقيقين في اسم وتشبيه

*  *  *  *  *

ياسادتي وحديث السقط ترويه مصادرٌ لجلجت عمداً بتمويه
كم حاول القومُ إنكاراً لمحسننا تخال غاشية الأضواء تخفيه
تسهّموه بأقوال لهم نُجمت عن سرّ فعل لأشياخ الجفا فيه
فأنكروا ذكره طوراً برمّته ودمدموا مثل مخبولٍ ومعتوه
وقال قومٌ فذا قدمات في صِغرٍ أنّى؟ وكيف؟ بذا ضاعت معانيه