روضة الواعظين

للفتال النيسابوري

تأليف

الشيخ العلامة زين المحدثين محمد بن الفتال النيسابوري

الشهيد في سنة 508هـ

من أعلام القرنين

الخامس والسادس الهجريين

 

وضع المقدمة

العلامة الجليل السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حياة المؤلّف والتعريف بالكتاب:

الحمد لله ربّ العالمين، وسلام على عباده الّذين اصطفى محمّد وآله الطاهرين.

ما زالت المكتبة الحيدرية في النجف الأشرف تتحف القرّاء بكلّ سفر جليل وكنز ثمين من آثار السلف الصالح خدمة للدين، وتخليداً لذكرى أعلامنا الماضين. وإحياء لما اندثر أو كاد من آثارهم، وقبل ذلك كلّه طلباً لمرضاة الله تعالى.

وإنّها اليوم لتطالع القرّاء الكرام بكتاب (روضة الواعظين وبصيرة المتعظين) تأليف الشيخ الحافظ الواعظ الشهيد السعيد أبي عليّ الفتال النيسابوري من أعلام القرنين الخامس والسادس الهجريين.

وإنّ في إعادة طبع هذا الكتاب وتيسير نسخته للقرّاء في هذا الوقت لفتة طيبة تقدّر فتشكر، فعسى أن يكون هذا الكتاب وأمثاله من الكتب الإسلامية النافعة مدعاة لتهذيب النفوس وتخليصها من أدران المادّة، فحيا الله الاُستاذ محمّد كاظم الكتبي صاحب المكتبة الحيدرية وشدّ أزره ووفّقه لما يحب ويرضى.

وقد طلب إليَّ أن اُقدّم لهذا الكتاب بما تيسر ليتسنى للقارئ الكريم الوقوف على صفحة ناصعة من تاريخ الفكر المجيد في القرنين الخامس والسادس.

فأجبت وأنا في زحمة من الأعمال، فعذري سلفاً إلى القرّاء إن قصّرت في التقديم، أو أخطأت في التصوير، فإنّ البحث يستدعي إعطاء الفرصة التامّة، ولا فرصة والكتاب تم طبعه وهو بانتظار هذه الوريقات، ومن الله أستمد التوفيق والتسديد انّه ولي ذلك.

 

المؤلّف:

هو الحافظ الواعظ الشهيد السعيد أبو عليّ محمّد بن الحسن بن عليّ بن أحمد ابن عليّ الفتال النيسابوري الفارسي.

والّذي يلاحظ معاجم التراجم يجد الرجل منسوباً إلى أبيه تارة وإلى جدّه عليّ اُخرى وإلى جدّه أحمد بن عليّ ثالثاً، وربّما يظن التعدد خصوصاً إذا وجد التفريق في الوصف والنسبة، كما احتمل ذلك غير واحد، ومن الخير أن ندل القارئ على المعاجم الّتي ذكرته منسوباً إلى أبيه الحسن، فهي: معالم العلماء: 116، ومقدّمة المناقب 1: 13، والمقابيس: 5، وخاتمة المستدرك 3: 492، وإيضاح المكنون 1: 334 و598، والكنى والألقاب 3: 90، وروضات الجنّات: 564 وغيرها.

وأمّا الّتي نسبته إلى جدّه عليّ فهي: فهرست الشيخ منتجب الدين، وإجازة العلاّمة الحلي لبني زهرة، ومقدّمة المناقب أيضاً وغيرها.

وأمّا الّتي نسب فيها إلى جدّه الأعلى أحمد بن عليّ فهي: فهرست الشيخ منتجب الدين أيضاً، ورجال ابن داود: 295، ولسان الميزان لابن حجر 5: 44، وشعب المقال للنراقي: 228، والوجيزة للمجلسي، ومنهج المقال: 280، وتحفة الأحباب: 314، وجامع الرواة 2: 62، وتأسيس الشيعة: 395 وغيرها.

والتحقيق انّ الرجل واحد، ولكنّ المترجمين اختلفوا في نسبته إلى آبائه لأ نّهم كانوا من الشهرة وذيوع الصيت بالمكان اللائق بهم، حتّى صح أن ينسب إلى كلّ منهم، والنسبة إلى الجدّ الأدنى أو الأعلى أمر شائع في كتب التاريخ والتراجم، ولا يخفى ذلك على من لاحظ تراجم أمثال: ابن طاووس، ابن شهرآشوب، ابن زهرة، ابن معد، ابن حمزة، ابن سعيد وغيرهم.

 

تعريف المعاجم له وثناء الشيوخ عليه:

1 ـ قال تلميذه الوفي الحافظ محمّد بن عليّ بن شهرآشوب السروي:

محمّد بن الحسن الفتال الفارسي النيسابوري، له كتاب التنوير في معاني التفسير، وروضة الواعظين وبصيرة المتعظين(1).

وقال عند ذكر أسانيده لرواية كتب الشيعة فقال: فأمّا أسانيد كتب أصحابنا فأكثرها عن الشيخ أبي جعفر الطوسي حدّثنا بذلك... وحدّثنا أيضاً المنتهى بن أبي زيد بن كيابكي الحسيني الجرجاني، ومحمّد بن الحسن الفتال النيسابوري وجدّي شهرآشوب عنه أيضاً سماعاً وقراءة ومناولة وإجازة بأكثر كتبه ورواياته.

وأمّا أسانيد كتب الشريفين المرتضى والرضي ورواتهما فعن... وعن محمّد ابن عليّ الفتال الفارسي أيضاً عن أبيه الحسن كليهما عن المرتضى، وقد سمع المنتهى والفتال بقراءة أبويهما عليه ـ أي المرتضى ـ (2).

وقال: وحدّثني الفتال بالتنوير في معاني التفسير، وبكتاب روضة الواعظين وبصيرة المتعظين(3).

2 ـ وعدّه معاصره الشيخ الجليل عبدالجليل القزويني في جملة أعلام الطائفة كالشيخ المفيد والطوسي والشريفين وأضرابهم(4) ، ثمّ قال ما ترجمته:

وكلّ منهم كان: مدرّساً، ومتكلّماً، وفقيهاً، وعالماً، ومقرئاً، ومفسراً، ومتديناً وزاهداً(5).

كما أ نّه اعتمد تفسيره (التنوير) ونقل عنه اُسوة بنقله عن تفاسير شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي وأبي عليّ الطبرسي وأبي الفتوح الرازي، ثمّ وصف تفاسيرهم بأ نّها معروفة معتبرة معتمدة.

وقال عند ردّ من رمى الشيعة بالجبر والتشبيه، بعد كلام ذكر فيه تفاسير الشيعة في وقته وعدّ منها تفسير الشيخ أبي جعفر الطوسي، وتفسير الشيخ محمّد الفتال، وتفسير أبي عليّ الطبرسي، وتفسير جمال الدين أبي الفتوح الرازي رحمة الله عليهم، فقال ما ترجمته: وكلّهم كان عالماً خبيراً، وجميعهم علماء اُمناء معتمدين، ولم يكونوا مجبرين، ولا مشبهين، ولا غالين ولا إخباريين ولا حشويين(6).

3 ـ وقال الشيخ منتجب الدين ابن بابويه في الفهرست المطبوع في آخر مجلدات بحار الأنوار: الشيخ محمّد بن عليّ الفتال النيسابوري صاحب التفسير ثقة وأي ثقة، أخبرنا جماعة من الثقاة عنه بتفسيره(7).

وقال أيضاً: الشيخ الشهيد محمّد بن أحمد الفارسي مصنّف كتاب روضة الواعظين(8).

4 ـ وقال الحسن بن داود الحلي: محمّد بن أحمد بن عليّ الفتال النيسابوري المعروف بابن الفارسي أبو عليّ لم جخ(9) متكلم جليل القدر، فقيه، عالم، زاهد، ورع، قتله أبو المحاسن عبدالرزّاق رئيس نيسابور الملقّب بشهاب الإسلام(10).

5 ـ وقال آية الله العلاّمة الحلي في إجازته الكبيرة لبني زهرة وهي مذكورة في آخر مجلدات البحار: ... كتاب روضة الواعظين وتبصرة المتعظين للفقيه أبي عليّ محمّد بن عليّ بن أحمد الفارسي(11).

6 ـ وقال ابن حجر: محمّد بن أحمد بن عليّ الفارسي أبو عليّ الفتال ذكره ابن بابويه في تاريخ الري وقال:

كان من شيوخ الإمامية سمع من المرتضى أبي الحسن المطهّر، وعبدالجبّار بن عبدالله، روى عنه عليّ بن الحسن بن عبدالله النيسابوري، ومات سنة ثمان وخمسمائة(12).

7 ـ وذكره السيّد مصطفى التفريشي في كتابه نقد الرجال، وذكر مقالة ابن داود المتقدّمة، ثمّ عقّب عليها بقوله: ولم أجده في كتب الرجال، خصوصاً في الرجال، أي رجال الشيخ(13).

8 ـ وذكره الميرزا محمّد في رجاله الكبير منهج المقال والوسيط المسمّى (تلخيص الأقوال) وهو مخطوط، ولم يزد على عبارة الشيخ ابن داود في رجاله، وقد سبق أن ذكرناها(14).

9 ـ وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته على الرجال (منهج المقال) في النقد ـ نقد الرجال ـ : لم أجده في كتب الرجال، وفي الوجيزة حكم بحسنه. والظاهر أ نّه ـ الإشتباه ـ من ابن داود.

10 ـ وقال الشيخ أسد الله التستري: الشيخ الشهيد السعيد الفاضل السديد محمّد بن الحسن بن عليّ الفتال الفارسي النيسابوري صاحب روضة الواعظين المعروفة، وكتاب التنوير في معاني التفسير، وقد روى عنه كما صرّح به السروي ـ ابن شهرآشوب ـ الّذي روى عنه بلا واسطة في المناقب(15).

11 ـ وقال الميرزا أبو القاسم النراقي: محمّد بن أحمد بن عليّ الفتال النيسابوري أبو عليّ المعروف بابن الفارسي، ذكره الشيخ(رحمه الله)، وقال ابن داود: انّه متكلّم جليل القدر، فقيه عالم زاهد ورع، قتله أبو المحاسن عبدالرزّاق رئيس نيسابور الملقّب بشهاب الإسلام(16).

12 ـ وذكره المولى محمّد بن عليّ الأردبيلي في جامع الرواة مرتين، مرة بعنوان: محمّد بن أحمد بن عليّ الفتال النيسابوري المعروف بابن الفارسي أبو عليّ ثمّ ذكر ما قاله ابن داود وأضاف إليه تعقيب السيّد التفريشي في نقد الرجال، وكأ نّه جمع بين منهج المقال وجزءاً من تعليقة الوحيد البهبهاني عليه، واُخرى بعنوان: محمّد بن أحمد الفارسي الشيخ الشهيد مصنّف كتاب روضة الواعظين، وحكاه عن فهرست منتجب الدين(17).

13 ـ وذكره الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي في كتابه أمل الآمل ثلاث مرات، تارة بعنوان: الشيخ الشهيد محمّد بن أحمد الفارسي الفتال، ثقة جليل له كتاب روضة الواعظين(18).

واُخرى بعنوان: محمّد بن الحسن الفتال النيسابوري، له التنوير في معاني التفسير، وروضة الواعظين وبصيرة المتعظين، قاله ابن شهرآشوب، وتقدم ابن أحمد الفتال الفارسي(19).

وثالثاً بعنوان: الشيخ محمّد بن عليّ الفتال النيسابوري صاحب التفسير، ثقة وأي ثقة أخبرنا جماعة من الثقاة عنه بتفسيره، قاله منتجب الدين.

14 ـ وذكره الرجالي الشيخ أبو عليّ الحائري في كتابه منتهى المقال في ترجمته كلام الميرزا محمّد في رجاله منهج المقال، وهو عين كلام ابن داود، وكلام الوحيد البهبهاني في التعليقة عليه، وزاد عليهما بقوله: أقول في مجموعة الشيخ الشهيد محمّد بن أحمد الفارسي صاحب كتاب روضة الواعظين، فلاحظ وتأمّل(20).

15 ـ وقال العلاّمة المجلسي في الوجيزة ملحقاً بآخر خلاصة الأقوال للعلاّمة الحلي طبع ايران: محمّد بن أحمد بن عليّ الفتال النيسابوري حسن(21).

واستعرض في مقدّمة كتابه الجليل (بحار الأنوار) عند ذكر مصادر كتابه ومنها كتاب (روضة الواعظين) الصحيح في نسبة الكتاب إلى مؤلّفه ـ المترجم له ـ.

واستعرض كلام كلّ من: ابن شهرآشوب، ومنتجب الدين، وابن داود، وتعقب على ابن داود دعوى ذكر المترجم له في رجال الشيخ في باب من لم يرو عنهم(عليهم السلام)، وختم كلامه بقوله: وعليّ أي حال يظهر ممّا نقلنا جلالة المؤلّف، وإن كتابه كان من الكتب المشهورة.

16 ـ وذكره السيّد محمّد باقر الخوانساري في روضات الجنّات، وأطال الكلام في ترجمته بنقل ما قاله المتقدّمون من الأعلام في حقّه، وناقش من ذهب إلى التعدد بما لا يسع المقام نقله بطوله، فمن شاء فليراجع(22).

17 ـ وقال خاتمة المحدّثين الميرزا حسين النوري في خاتمة كتابه مستدرك الوسائل: الشيخ الشهيد السعيد العالم النبيل أبو عليّ محمّد بن الحسن بن عليّ بن أحمد بن عليّ الحافظ الواعظ الفارسي النيسابوري، المدعو تارة بالفتال، واُخرى بابن الفارسي، والمنسوب إلى أبيه الحسن مرّة، وإلى جدّه عليّ ثانية، وإلى جدّه أحمد ثالثة، والكلّ تعبر عن شخص واحد كما يظهر بالتأمّل في عبارة ابن شهرآشوب في المناقب، وصرّح به أيضاً صاحب البحار وغيره من العلماء النقّاد الأبرار، وهو مؤلّف كتاب روضة الواعظين، وكتاب التنوير في التفسير... ثمّ ذكر ما قاله منتجب الدين في فهرسته، وعبارة ابن داود في رجاله، ثمّ قال: روى عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، وعن أبيه الحسن بن عليّ، وعن السيّد المرتضى، صرّح بذلك في المناقب(23).

18 ـ وقال المحدّث الشيخ عباس القمي: الفتال: هو الشيخ الأجل الشهيد السعيد أبو عليّ محمّد بن الحسن بن عليّ بن أحمد النيسابوري، المعروف بابن الفارسي الحافظ الواعظ صاحب كتاب روضة الواعظين، والتنوير في التفسير، كان من علماء المائة السادسة، ومن مشايخ ابن شهرآشوب، يروي عن الشيخ الطوسي، وعن أبيه الحسن بن عليّ، وعن السيّد المرتضى رضي الله تعالى عنه، ثمّ ذكر ما قاله ابن داود في حقّه وعقّبه بتفسير لفظ الفتال وأ نّه من أسماء البلبل، ولعلّه لقّب به لطلاقة في لسانه في الخطابة والوعظ، وعذوبة في لهجته ورقّة في ألفاظه(24).

وقال في تحفة الأحباب: محمّد بن أحمد بن عليّ الفتال النيسابوري، صاحب روضة الواعظين، من العلماء جليل القدر، كان متكلّماً فقيهاً زاهداً ورعاً، قتله أبو المحاسن عبدالرزّاق رئيس نيسابور الملقّب بشهاب الإسلام(25).

19 ـ وذكره الحجة الشيخ أغا بزرك الطهراني دام ظله في الذريعة(26) عند ذكر كتابه التنوير وعند ذكر كتابه روضة الواعظين، وأشار في كلّ منهما إلى أ نّه غير الفتال الّذي ترجمه الشيخ منتجب الدين في فهرسته(27) بعنوان: محمّد بن عليّ الفتال النيسابوري ثقة وأي ثقة. وأصرّ الشيخ أغا بزرك على التعدّد، مع أنّ التحقيق ما ذهب إليه الشيخ المجلسي، وصاحب الروضات، والشيخ النوري من اتحاد المعنون، وإن اختلفت العناوين المعبّر بها عنه كما يظهر ذلك لمن تأمّل في مقدّمة المناقب لابن شهرآشوب.

20 ـ وذكره الحجة السيّد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة وذكر مقالة ابن داود في حقّه، ثمّ ذكر كتاب روضة الواعظين، ثمّ قال: وهذا الشيخ من شيوخ الشيعة في المائة الخامسة في طبقة ابن الشيخ... الخ(28).

وخلاصة القول في حقّ المترجم له: انّه شيخ جليل من شيوخ الشيعة وأعلام الطائفة، وكان مدرّساً متكلّماً فقيهاً عالماً مقرئاً مفسّراً متديناً زاهداً، من العلماء الاُمناء المعتمدين كما وصفه معاصره الشيخ عبدالجليل القزويني.

وثقة أي ثقة جليل القدر فقيهاً عالماً زاهداً، ورعاً كما وصفه الشيخان منتجب الدين وابن داود، وأطبق القول المتأخّرون على وصفه بذلك تبعاً لهما.

 

شيوخه وتلاميذه:

ظهر ممّا سبق أن المترجم له روى عن سيّد الطائفة الشريف المرتضى (ت 436 هـ )، وسمع أباه الحسن بن عليّ يقرأ على الشريف أيضاً.

وروى عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 هـ) .

وروى عن أبيه الشيخ الحسن بن عليّ الفتال.

وروى عن عبدالجبّار بن عبدالله، والمرتضى أبي الحسن المطهّر، كما في لسان الميزان.

وسمع منه الحافظ محمّد بن عليّ شهرآشوب المازندراني (ت 588 هـ) وعليّ ابن الحسن بن عبدالله النيسابوري.

والمستفاد من جميع ذلك انّ المترجم له كان بالعراق برهة من عمره مع أبيه، حيث كانت بغداد محط أكابر العلماء وجامعة الإسلام، فسمع من أعلام الطائفة بها وروى عنهم، وكان ذلك قبل سنة (436 هـ)، وهي سنة وفاة الشريف المرتضى(رحمه الله)، وبقى بها إلى أن سمع الحافظ ابن شهرآشوب المولود في حدود سنة (489 هـ) تقريباً.

ومع الأسف الشديد انّ التاريخ لم يوفّه حقّه، لذلك جهلنا كثيراً من جوانب حياته، فلم نعرف عن ولادته، ولا نشأته، ولا دراسته شيئاً، وحتّى ما ذكره مترجموه كان بايجاز وإجمال، ومن ذلك أمر شهادته وأسبابها، فقد ذكر بعضهم أ نّه قتله أبو المحاسن عبدالرزّاق شهاب الإسلام حاكم نيسابور ولأي سبب قتل؟ ومتى كان ذلك؟ هذا ما سكت عنه التاريخ، فلم يبق إلاّ الحدس والتخمين.

 

شهادته(رحمه الله):

قلنا: إنّ المؤرّخين لم يذكروا أسباب شهادة المترجم له، ومتى كانت؟ وكلّ ما ذكروه أنّ قاتله هو عبدالرزّاق شهاب الإسلام رئيس نيسابور.

وإنا إذا رجعنا إلى تاريخ عبدالرزّاق يمكننا أن نعرف السبب الداعي إلى قتله المترجم له(رحمه الله)، فمن هو عبدالرزّاق؟

ذكر زامباور في معجم الأنساب والاُسر الحاكمة: إنّ أبا المحاسن عبدالرزّاق شهاب الإسلام وزير سنجر، من سنة 513 ـ 515 هـ وفيها توفي(29).

وذكره في وزراء سنجر فقال: شهاب الإسلام أبو المحاسن عبدالرزّاق عبدالله ابن محمّد ابن الفقيه ـ ابن أخي نظام الملك ـ سنة وزارته (513 هـ )(30).

وأمّا ناصر الدين المنشي الكرماني (725 هـ) فيقول ما ترجمته: الوزير شهاب الإسلام عبدالرزّاق بن إسحاق الطوسي. كان ابن أخ الوزير نظام الملك، وكان من قروم الأئمّة يومئذ وفحول العلماء المشاهير، اشتغل في أيّام صباه وريعان شبابه بتحقيق أحكام الشرع، وتدقيق رموز وإشارات الأحاديث النبوية، وصرف شرخ شبابه بشرح جواب المشكلات، وإزالة الشبهات، أمر السلطان سنجر ـ السلجوقي ـ بنقله من المدرسة والمحراب إلى سرير الوزارة، واُعطي مقاليد الاُمور، فتبدل عمّا كان عليه من زي النسك والورع إلى كثير من الصفات المذمومة والأفعال القبيحة، كالبخل وشرب الخمر إلى أن توفي مشوه السمعة ممقوتاً(31).

وقال سيف الدين العقيلي من أعلام القرن التاسع في كتابه آثار الوزراء: شهاب الإسلام عبدالرزّاق وزّر للسلطان سنجر السلجوقي بعد عزل ابن عمّه صدر الدين ابن فخر الدين بن نظام الملك.

قال السلطان سنجر عند إجتماعه في مرو بالوزير معين الدين أبي نصر أحمد الكاشي أ نّه رأى من وزيره شهاب الإسلام من سوء السيرة وخبث السريرة ما لا ينبغي صدوره من السوقة فضلا عن أصحاب الدرس والفتوى والعمائم والتقوى.

وقال السلطان أيضاً: أغمضت عمّا شاهدت منه كلّه إلى أن توفي.

وورد في حبيب السير: شهاب الإسلام عبدالرزّاق الطوسي من أقارب خواجه نظام الملك، استوزره السلطان سنجر السلجوقي بعدما ظهرت خيانات كثيرة من صدر الدين بن فخر الدين بن خواجه نظام الملك، فتمرّد وطغى وسرق الخزانة إلى أن أمر السلطان بقتله، واستوزر من بعده شهاب الإسلام، هذا وكان في أوّل أمره يشتغل بطلب العلم، فلمّا وزّر طغى وتعجرف وشرب الخمر متجاهراً بذلك. انتهى(32).

بقي هنا أمر لابدّ من التنبيه عليه هو: إنّ ابن حجر في لسان الميزان ذكر انّ المترجم له مات سنة (508 هـ)، وهذا لا يتفق مع سني وزارة عبدالرزّاق المذكور، اللّهمّ إلاّ أن يكون عبدالرزّاق أفتى بقتله يوم كان حليف المحراب وذلك قبل أيام حكومته، وإن كان الظاهر من عبارة ابن داود أ نّه قتله وهو رئيس نيسابور، فلاحظ.

وورد في تاريخ نيسابور، تلخيص الخليفة النيسابوري نقلا عن خطّ الخواجة قطب الدين، في أسماء الّذين لهم قبور معلومة بنيسابور ما ترجمته: الشيخ محمّد الفتال(رحمه الله) وتربته في قبلى مقبرة (حيرة) بنيسابور(33).

 

مؤلّفاته:

لم نعثر في المعاجم المؤلّفة لذكر آثار الأعلام وفي غيرها على سوى هذين المؤلّفين:

1 ـ التنوير في معاني التفسير.

2 ـ روضة الواعظين وبصيرة المتعظين.

أمّا الأوّل فقد كان من الكتب المعتبرة عند الشيعة، وفي عداد تفاسيرهم المعتمد عليها، وقد ذكره غير مرّة الشيخ الجليل عبدالجليل القزويني ـ معاصر المترجم له ـ في كتابه النقض، وحكى عنه وأطراه كثيراً، كما وقد رواه الحافظ ابن شهرآشوب عن مؤلّفه كما في مقدّمة المناقب.

وأمّا روضة الواعظين، وهو هذا الكتاب الّذي نحن نقدّمه للقرّاء بكلّ احترام، فهو من كتب الأخلاق والآداب، ذكر مؤلّفه في مقدّمته السبب الداعي لتأليفه فقال:

فانّي كنت في عنفوان شبابي قد اتفقت لي مجالس وعرضت محافل والناس يسألونني عن اُصول الديانات والفروع عنها في المقامات، فأجبتهم عنها بجواب يكفيهم ومقال يشفيهم، فحاولوا منّي بالكلام في التذكير والزهد والمواعظ والزواجر والحكم والآداب، فرجعت إلى كتب أصحابنا فما وجدت لهم كتاباً يشتمل على هذه المطلوبات، ويدور على جمل هذه المذكورات إلاّ متبترات في كتبهم وتفريقات في زبرهم، فهممت أن أجمع كتاباً يشتمل على بعض كلام الله تعالى، ويدور على محاسن أخبار النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويحتوي على جواهر كلام الأئمّة(عليهم السلام) واُبوّبه أبواباً ومجالس، وأضع كلّ جنس موضعه، فانّه لم يسبقني إليه أحد من أصحابنا إلى تأليف مثل هذا الكتاب، فكان التعب به أكثر والنصب أعم وأكثر، وأنا إن شاء الله أفتتح لكلّ مجلس منها بكلام الله تعالى ثمّ بآثار النبيّ والأئمّة(عليهم السلام) محذوفة الأسانيد، فانّ الأسانيد لا طائل فيها إذا كان الخبر شائعاً ذائعاً ووقعت تسميته بـ (روضة الواعظين وبصيرة المتعظين).

ثمّ حذّر المؤلّف القرّاء من التسرع في الحكم استناداً على ورود بعض الأخبار الّتي يقتضي ظاهرها مذهب الحشو والإختلاط، ودعا إلى التأمّل والتفكّر والرجوع إلى من يعرف تأويلها، وأكّد ذلك في الخاتمة أيضاً وختم ذلك بقوله:

(فإنّي لم أذكر شيئاً في هذا الكتاب من الخبر والأثر الّذي يقتضي ظاهره مذهب الحشو حتّى كنت عالماً لمعناه قبل إيراده، لكن لم أذكر معناه لئلاّ يطول به الكتاب، فينبغي أن لا يعتقد أحد انّي كنت حشوياً ومخلطاً، فإنّي رجل محقق والحمد لله ربّ العالمين).

ومراده بقوله إنّي رجل محقق، أي ممّن يعتمد الحقّ ـ الإمامة ـ ويقول به.

وقد توهم بعضهم فنسب الكتاب إلى الشيخ المفيد(رحمه الله) وردّه كثير من المحققين ونبهوا على غلط النسبة، وقبل ذلك كلّه قول تلميذه الشيخ الحافظ محمّد بن عليّ ابن شهرآشوب راوي هذا الكتاب وسابقه عن مؤلّفه كما صرّح بذلك في مقدّمة المناقب.

وكتابنا هذا في جزءين خص المؤلّف الجزء الأوّل ـ وهو يشتمل على ثلاثين مجلساً يتخللها بعض الأبواب والفصول ـ بذكر ماهية العقول والعلوم والنظر ووجوب معرفة الله تعالى وفساد التقليد في ذلك، والكلام في صفات الباري وخلق الأفعال والقضاء والقدر والعدل والتوحيد والنبوّة والبعثة ومعجزات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وتاريخه، ثمّ الإمامة وما يتعلّق بها، وتاريخ الأئمّة(عليهم السلام) من أميرالمؤمنين(عليه السلام) إلى الحسن العسكري(عليه السلام) مع تاريخ الزهراء(عليها السلام).

أمّا الجزء الثاني فيزيد على سبعين مجلساً، أتم في أوّله الكلام في تاريخ الحجّة عجل الله فرجه وإمامته، ثمّ ذكر في باقي مجالسه مناقب آل محمّد وفضائل بعض الأعلام، ثمّ استعرض ذكر بعض الأحكام والأزمان والأماكن، وحتّى القبور والقيامة والصراط والميزان والجنّة والنار وغيرها.

وقد طبع هذا الكتاب في ايران مكرراً، وهذه الطبعة الّتي تقدّمها المكتبة الحيدرية في النجف هي أحدث الطبعات.

(وَآخِرُ دَعْوَانا أنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ)

محمّد مهدي السيّد حسن

الموسوي الخرسان

25 رجب سنة 1386 هـ

النجف الأشرف

(1) معالم العلماء: 116 طبعة الحيدرية.

(2) مقدّمة كتاب المناقب 1: 13.

(3) مقدّمة كتاب المناقب 1: 14.

(4 و 5) كتاب النقض: 51.

(6) كتاب النقض: 304.

(7 و 8) الفهرست 26: 11 و13.

(9) هذا رمز لمن لم يرو عنهم(عليهم السلام) في رجال الشيخ الطوسي وهو آخر الأبواب فيه، وقد تعقب ابن داود كثير من الأعلام على هذه النسبة لخلو رجال الشيخ الطوسي عن ذكره، ومنهم السيّد التفريشي في نقد الرجال، والوحيد البهبهاني، والشيخ المجلسي وغيرهم، وانتصر له مكابراً في الدعوى صاحب الروضات بزعم خلو نسخ القوم من ذكره، ولم يذكره لنا أ نّه رأى نسخة من رجال الشيخ فيها ذكر الرجل فلاحظ.

(10) رجال الحلي: 295 طبع ايران.

(11) البحار ج 26 الطبعة الحجرية.

(12) لسان الميزان 5: 44.

(13) نقد الرجال: 289.

(14) منهج المقال: 280.

(15) مقابس الأنوار: 5.

(16) شعب المقال: 228.

(17) جامع الرواة 2: 62.

(18) أمل الآمل: 496.

(19) أمل الآمل: 500.

(20) منتهى المقال: 258.

(21) الوجيزة: 162.

(22) روضات الجنّات: 564 ـ 567.

(23) خاتمة مستدرك الوسائل 3: 492.

(24) الكنى والألقاب 3: 9 طبع النجف الأشرف .

(25) تحفة الأحباب: 314.

(26) الذريعة 4: 469.

(27) الفهرست: 11.

(28) تأسيس الشيعة: 395.

(29) معجم الأنساب والاُسر الحاكمة 2: 336.

(30) نفس المصدر 2: 339.

(31) نسائم الأسحار من لطائم الأخبار: 58.

(32) حبيب السير 2: 513 طبع ايران.

(33) تاريخ نيسابور: 152.