بانيقيا

  تسمى النجف الأشرف باسم: ( بانيقيا), قال الحموي: بكسر النون، ناحية من نواحي الكوفة ذكرها في الفتوح, وفي أخبار إبراهيم الخليل (عليه السلام)، خرج من بابل على حمار له ومعه ابن أخيه لوط، يسوق غنماً، ويحمل دلواً على عاتقه حتى نزل بانقيا، وكان طولها إثني عشر فرسخاً. وكانوا يزلزلون في كل ليلة، فلما بات إبراهيم عندهم لم يزلزلوا. فقال لهم شيخ، بات عنده إبراهيم (عليه السلام): والله ما دفع عنكم إلا بشيخ بات عندي فإني رأيته كثير الصلاة، فجاؤوه وعرضوا عليه المقام عندهم، وبذلوا له البذول، فقال: إنما خرجت مهاجراً إلى ربي، وخرج حتى أتى النجف، فلما رآه رجع أدراجه، أي من حيث مضى، فتباشروا وظنوا أنه رغب فيما بذلوا له، فقال لهم: لمن تلك الأرض؟ يعني النجف، قالوا: هي لنا. قال: فتبيعونيها؟ قالوا: هي لك فوالله ما تنبت شيئاً.

فقال: لا أحبها إلا شراء، فدفع إليهم غنيمات كن معه بها. والغنم: يقال لها بالنبطية نقيا. فقال: أكره أن آخذها بغير ثمن، فصنعوا ما صنع أهل بيت المقدس بصاحبهم وهبوا له أرضهم. فلما نزلت بها البركة رجعوا عليه، وذكر إبراهيم عليه السلام: أنه يحشر من ولده من ذلك الموضع سبعون ألف شهيد.

ولما رأى (عليه السلام) غدرهم به تركهم، ومضى نحو مكة في قصة لها طول. وقد ذكرها الأعشى، فقال:

         ****

 فما نيل مصر إذ تسامى عبابه

  ولا بحر بانقيا إذا راح مفعما

         ****
بأجود منه نائلاً إنّ بعضــــــهم

 إذا سئل المعروف صد وجمجما

         ****

وقال أيضاً:

 وقد سرت ما بين بانقيا إلى عدن
 وطال في العجم تكراري وتسياري

         ****

      وقال أبو الحسن أحمد بن يحيى البغدادي البلاذري، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين (279): لما قدم خالد بن الوليد العراق، بعث بشير بن سعد أبا النعمان بن بشير الأنصاري، إلى بانقيا فلقيته خيل الأعاجم عليها فرخبنداذ، فرشقوا من معه بالسهام، وحمل عليهم فهزمهم، وقتل فرخبنداذ، ثم انصرف وبه جراحة انتقضت به، وهو بعين التمر فمات منها. ويقال: أن خالداً ألقى فرخبنداذ بنفسه، وبشير معه. ثم بعث خالد جرير بن عبد الله البجلي إلى أهل بانقيا، فخرج عليه بصبهرى بن صلوبا، فاعتذر إليه من القتال وعرض الصلح فصالحه جرير على ألف درهم وطيلسان. ويقال: أن ابن صلوبا أتى خالداً، فاعتذر إليه وصالحه هذا الصلح.

     وقال: ليس لأحد من أهل السواد عهد إلا لأهل الحيرة، وأليس، وبانقيا، فذلك قالوا: لا يصلح بيع أرض دون الجبل إلا أرض بني صلوبا، وأرض الحيرة، وذكر إسحاق بن بشير ابو حذيفة فيما قرأته، بخط أبي عامر العبدري بإسناده إلى الشعبي، أن خالد بن الوليد، سار من الحيرة حتى نزل بصلوبا، صاحب بانقيا، وسميا، على الف درهم وزن ستة، وكتب لهم كتاباً فهو عندهم إلى اليوم المعروف. قال: فلما نزل بانقيا على شاطئ الفرات قاتلوه ليلة حتى الصباح.

وفي رواية أخرى أن خالداً لما نزل الحيرة، صالح أهلها، ولم يقاتلوا، وقال ضرار بن الأزور الأسدي، يذكر بانقيا وجرحه بها أيام الفتح:

         ****

أرقت ببانقيا ومن يلق مثلما

  لقيت ببانقيا من الجرح يأرق

         ****

     والصواب أنهم قاتلوه فلما رأوا أنه لا طاقة لهم بحربه، طلبوا إليه الصلح، فصالحهم وكتب لهم كتاباً فيه (بسم الله الرحمن الرحيم... هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن بصهبرى، ومنزله بشاطئ الفرات، إنك آمن بأمان الله على حقن دمك في إعطاء الجزية عن نفسك، وجيرتك، وأهل قريتك بانقيا، وسميا، على الف درهم جزية، وقد قبلنا منك ورضي من معي من المسلمين بذلك، فلك ذمة الله وذمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وذمة المسلمين، على ذلك، شهد هشام بن الوليد، وجرير بن عبد الله ابن أبي عوف، وسعيد بن عمرو، وكتب سنة 13، والسلام) ويروى أن ذلك كان سنة 12هـ.

     أما ابن الأثير فقال في حوادث سنة اثنتي عشرة: - ذكر مسير خلاد بن الوليد إلى العراق، وصلح الحيرة – في هذه السنة في المحرّم منها، أرسل أبو بكر خالد بن الوليد، وهو باليمامة يامره بالمسير إلى العراق. وقيل: بل قدم المدينة من اليمامة فسيره أبو بكر إلى العراق، فسار حتى نزل ببانقيا، وبار، وسما، وأليس، وصالحه أهلها. وكان الذي صالحه عليها ابن صلوبا، على عشرة آلاف دينار، سوى حرزة كسرى، وكانت على كل رأس أربعة دراهم، وأخذ منهم الجزية، ثم سار حتى نزل الحيرة فخرج إليه أشرافها مع أياس بن قبيصة الطائي. وكان أميراً عليها بعد النعمان بن المنذر، فدعاهم خالد إلى الإسلام، أو الجزية، أو المحاربة، فاختاروا الجزية فصالحهم على تسعين ألف درهم. فكانت أول جزية أخذت من الفرس في الإسلام هي والقريات التي صالح عليها.

ومهما يكن من أمر فالنصوص التاريخية، والدينية، تدل بصراحة أن بانقيا قرية بالكوفة، والمراد به ظهر الكوفة، وهو الغري.