طريقة التدريس في حوزة النجف

    لا توجد في الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف ولا في غيرها من الحوزات الدينية للمراحل الثلاثة من الدراسة: المقدمات، السطوح، الخارج صفوف أو حلقات يجبر الطالب على الحضور فيها، وإنّما يترك الأمر إلى الطالب بنفسه، كي يختار اُستاذه حسب ذوقه ووقته ومقدرته العلمية.

    فالطالب اما يشارك غيره من التلاميذ في الحضور على الاُستاذ، أو يطلب من اُستاذ يتعرف عليه لتدريسه لوحده أو لمجموعة من التلاميذ.

    كما لا مانع للتلميذ من مغادرة الحلقة الدراسة أو ترك اُستاذه، إذا لم يستفد من الدرس نتيجة انخفاض المستوى العلمي للاُستاذ أو عدم جدوى اُسلوب تفهيمه وتدريسه، لأن الوقت أغلى من كلّ هذه المجاملات والصداقات والبحث عن اُستاذ آخر.

    وفي كثر من الأحيان يلتحق الطالب بحلقات درس الأساتذة المعروفين في العلم والإفادة، ويشارك مع الآخرين في الدرس من حيث انتهى إليه الاُستاذ حتّى ينتهي من الكتاب ثم يعود ويقرأ ما فاته من الدروس الاُولى على نفس الاُستاذ أو اُستاذ آخر.

     ثم أن طريقة التدريس تكون في شرح عبارة الكتاب المطلوب دراسته من قبل الاُستاذ في مرحلتي المقدمات والسطوح مع بيان وتوضيح وعرض لبعض الأقوال الاُخرى في المسألة أو المناقشات الواردة عليها ثم تطبيق ما شرحه وبيّنه على الكتاب، مع تعيين مرجع الضمائر وتذكير بعض الدقائق البلاغية والبيانية.

     وأما اُستاذ أبحاث الخارج فيهيأ الدرس في الفقه أو الاُصول من عرض الأدلة وبيان المناقشات الواردة عليها وتأييدها أو تفنيدها ثم استخلاص الحكم الشرعي أو الرأي الأصوب والمختار ويفسخ المجال أمام الطلاب الأفاضل لمناقشة الاُستاذ أثناء الدرس وبعده.

     ومن المفروض على الطالب أن يكتب الدرس ويحتفظ به ويراجع بنفسه المصادر ويتأملها ويتمعن فيها وينتهي إلى نتيجة مطمئنة لديه.

كما أن على الاُستاذ توجيه تلاميذه أثناء الدرس بعض الأيام وفي الأوقات المناسبة بالاُمور التالية:

1 ـ التدبر في الدرس ومراجعة الشروح والكتب الاُخرى الّتي تبحث المسألة نفسها لكي تنضج الفكرة لدى الطالب ويستوعب المسألة بكلّ أبعادها.

2 ـ تربية التلاميذ على البحث عن البرهان والدليل والإلتزام بالنتائج الّتي تنتهي إليها الأدلة القاطعة ورفض ما لا برهان عليه ولا تعزيز.

لقد شاع في وسط الحوزات العلمية الدينية الجملة التالية: نحن أبناء الدليل أينما مال نميل.

3 ـ مراجعة الدرس بالكتابة بأن يكتب التلميذ الدرس حسب ما سمعه من الاُستاذ وبالمباحثة مع أنداده وزملائه بأن يعيد أحد الطلاب الدرس لزميله أو زملائه، ويعيد الزميل في اليوم التالي الدرس الآخر وهكذا يتولى كلّ تلميذ شرح درس لزميله أو زملائه وهم يستمعون إلى شرح زميلهم فإن كان الشرح صحيحاً أقروه وإن كان خطأً ناقشوه وبينوا له موضع الخطأ حتّى يستوعب الدرس بصورة صحيحة.

     وقد يختلف الزميلان في فهم المسألة ولا يستطيع كلّ منهم اقناع الآخر فيتحاكمان في اليوم التالي إلى الاُستاذ لمعرفة الحقيقة والصواب.

ومن هذا المنطلق تشيع في الحوزة هذه الجملة (الدرس مرة والتكرار ألف مرّة).

4 ـ التقوى والورع وتهذيب الأخلاق لأنّ تربية النفس أهم من تعلمها لأن السعادة والفلاح في تزكية النفس لا في تعلمها [قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها][1].

والأساتذة يأمرون تلاميذهم بتقوى الله والورع عن محارمه حتّى تتصفى أرواحهم وتتطهر نفوسهم ويكون لمواعظهم ونصائحهم وقع في الآخرين.

 

-----------------------------------------------------------------

[1] سورة الشمس: آية 7.