شفاء مريم العجوز

قال العلامة المجلسي في ذكر كرامات أميرالمؤمنين عليه السلام : ومنها ما تواترت به الاخبار، ونظموها في الاشعار، وشاع في جميع الأصقاع والأقطار، واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، وكان منها بالقرب من تاريخ الكتابة في سنة اثنين وسبعين بعد الألف من الهجرة، هذه الحادثة، وكيفية تلك الواقعة على ما سمعته من الثقات أنه كان في المشهد الغروي عجوز تسمى مريم و كانت معروفة بالعبادة والتقوى فمرضت مرضاً شديداً وامتد بها المرض حتى صارت مقعدة مزمنة وبقيت كذلك نحو سنتين بحيث اشتهر أمرها في الغري.

ثم إنها لتسع ليال خلون من رجب تضرعت لدفع ضرها إلى الله تعالى واستشفعت بمولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وشكت إليه (عليه السلام) في ذلك ونامت فرأت في منامها ثلاث نسوة دخلنّ إليها وإحداهن كالقمر ليلة البدر نوراً وصفاءاً وقلنّ لها لا تخافي ولا تحزني فإن فرجك يكون ليلة الثاني عشر من الشهر المبارك فانتبهت فرحاً، وقصّت رؤياها على من حضرها، وكانت تنتظر ليلة ثاني عشر رجب فمرت بها ولم تر شيئا، ثم ترقبت ليلة ثاني عشر شعبان فلم تر شيئا أيضاً، فلما كانت ليلة تاسع من شهر رمضان رأت في منامها تلك النسوة بأعيانهن وهنّ يُبَشرنِها فقلن لها: إذا كانت ليلة الثاني عشر من هذا الشهر فامضي إلى روضة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأرسلي إلى فلانة وفلانة وفلانة وسمينّ نسوةً معروفات عندها - وهنّ باقياتٍ إلى حين هذا التحرير- واذهبي بمن معك إليها فلما أصبحت قصت رؤياها وبقيت مسرورة مستبشرة بذلك، إلى أن دخلت تلك الليلة، فأمرت بغسل ثيابها وتطهير جسدها وأرسلت إلى تلك النسوة ودعتهن فأجبن وذهبن بها محمولةً لأنها كانت لا تقدر على المشي، فلما مضى قريب من ربع الليل خرجت واحدة منهن واعتذرت منها وبقيت معها اثنتان وانصرف عنهن جميعُ من حضر الروضة المقدسة، وغلقت الأبواب ولم يبق في الرواق غيرهن، فلما كان وقت السَّحر أرادت صاحبتاها أكل السحور أو شرب التتن فاستحيتا من الضريح المقدس فتركتاها عند الشباك المقابل للضريح المقدس في جانب القبلة وذهبتا إلى الباب الذي يكون خلف الشباك فدخلتا هناك وأغلقتا الباب لحاجتهما فلما رجعتا إليها بعد قضاء وطرهما لم تجداها في الموضع الذي تركتاها ملقاةً فيه فتحيرتا ومضتا يميناً وشمالاً فإذا بها تمشي في نهاية الصحة والاعتدال، فسئلتاها عن حالها وما جرى عليها فأخبرتهما: إنكما لما انصرفتما عني رأيت تلك النسوة اللاتي رأيتهن في المنام اقبلن وحملنني وأدخلنني داخل القبة المنورة وأنا لا أعلم كيف دخلت ومن أين دخلت، فلما قربتُ من الضريح المقدس سمعت صوتاً من القبر يقول: حركنّ المرأة الصالحة وطفن بها ثلاث مراتٍ فطفن بي ثلاث مرات حول القبر ثم سمعت صوتاً آخر أخرجن الصالحة من باب الفرج، فأخرجنني من الجانب الغربي الذي يكون خلف من يصلى بين البابين بحذاء الرأس وخلف الباب شباك يمنع الاستطراق ولم يكن الباب معروفا قبل ذلك بهذا الاسم، قالت: فالآن مضين عني وجئتماني وأنا لا أرى بي شيئا مما كان من المرض والألم والضعف وأنا في غاية الصحة والقوة، فلما كان آخر الليل جاء خازن الحضرة الشريفة وفتح الأبواب فرآهن تمشين بحيث لا يتميز واحدة منهن، وإني سمعت من المولى الصالح التقي مولانا محمد طاهر(1) الذي بيده مفاتيح الروضة المقدسة ومن جماعة كثيرة من الصلحاء الذين كانوا حاضرين في تلك الليلة في الحضرة الشريفة أنهم رأوها في أول الليلة محمولة عند دخولها وفي آخر الليل سائرة أحسن ما يكون عند خروجها.


(1) كان خازن الحرم العلوي في ستة 1072 وكان من علماء عصره وقد رؤيت شهادته على تصديق اجتهاد الميرزا عماد الدين محمد حكيم أبي الخير بن عبد الله البافقي في سنة 1071 وقد نظم الشيخ يوسف الحصري المترجم في نشوة السلافة تلك الكرامة التي ذكرها العلامة المجلسي في أرجوزة تزيد على مائة بيت وقد ذكرها صاحب النشوة في ترجمة الحصري المذكور.

بحار الانوار 97 / 153، اليتيمة الغروية ص 482

طباعة الخبر