اصحاب الامام علي (عليه السلام) : ترجمة حياة 1114 صحابيا من اصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام) : ترجمة حياة 1114 صحابيا من اصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)

مكتبة الروضة الحيدرية : 148

تأليف : أصغر ناظم زاده القمي 

تعريب : رحيم حسين مبارك 

طبع عام 1440هـ ـ 2019 م.

عدد الاجزاء : 2 مجلد

 

مقدمة المؤلف 

منذ سنوات مليئة بالخواطر الشيقة الممتعة، كان لي ـ بعون الخالق المتعال ـ توفيق الكتابة والتحقيق في الجوانب المختلفة في الحياة الفردية والسياسية لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام)، وقد نشرتُ من آثار هذا التوفيق والعناية عدّة مؤلفات باللغتين العربية والفارسية. والأثر الذي تطالعونه هو عن الأصحاب الأجلاء لذلك الإمام الهمام (عليه السلام)، وهو ثمرة تعليقات جمّة جرى تصنيفها وتحقيقها خلال سنوات عديدة. وأجد عليّ لزاماً أن أذكر ـ ولو على سبيل الإجمال ـ الباعث على التأليف ومنهج التحقيق ومكانة هذا الأثر.

  1. كان الحافز على إنجاز هذا الأثر هو الفراغ الذي أحسسته في مجال أصحاب أميرالمؤمنين (عليه السلام)، أولئك الأصحاب الذين كان كل واحد منهم نجماً ساطعاً في سماء الإنسانيّة والإسلام. ولم يكن إحساسي هذا إحساساً شخصياً صرفاً، بل كان القرّاء الكرام الناطقون بالفارسيّة المدلّهون بحبّ مولى الموحّدين(عليه السلام) وأصحابه يسألون ـ خلال اللقاءات المختلفة ـ عن مثل هذا الكتاب ويبحثون عنه. ومن هنا عقدتُ العزم على تدوين كتاب ـ ضمن مجموعة التحقيقات حول الإمام (عليه السلام) ـ بالفارسية السلسة ينتفع منه أصحاب الفنّ والاختصاص من جهة، ويستفيد منه عموم الناس من جهة ثانية.
  2. من الجليّ أن سطوع هذه النجوم مستمدّ من نور شمس أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) المشرقة على العالم، التي طبق شعاعها الوجود وأضاء جميع أرجائه، ومن هنا، فليس التعريف بأصحاب أميرالمؤمنين (عليه السلام) هو من أجل معرفة ذلك الإمام الهمام (عليه السلام)، ولا من أجل أن نعدّ ذلك فضيلة له (عليه السلام)، لأنه هو بنفسه منبع جميع الفضائل والكمالات، وإن سطوع أصحابه وأنصاره الأوفياء مستمدّ من نبعه المتدفّق على الدوام. وقد لفتت هذه المسألة أنظار أصحاب الفكر من صدر الإسلام وإلى يومنا هذا، حيث يقول عبد الرحمن بن الحجاج: (كنا في مجلس أبان بن تغلب، فجاء شاب، فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب(عليه السلام) من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي بمَن تبعه مِن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! قال، فقال الرجل: هو ذلك. فقال: واللهِ ما عرفنا فضلهم إلا باتّباعهم إياه)([1]).

ويقول ابن أبي الحديد: (ثم أيّ حاجة لناصري أميرالمؤمنين أن يتكثّروا بخزيمة، وأبي الهيثم، وعمّار وغيرهم! لو أُنصف هذا الرجل ورأوه بالعين الصحيحة، لعلموا أنه لو كان وحده، وحاربه الناسُ كلّهم أجمعون، لكان على الحق، وكانوا على الباطل)([2]).

  1. لم نؤكّد في هذا الأثر على (تولية) الأصحاب، أي أن هدفنا لم يكن التعريف بملامح ولاة أميرالمؤمنين (عليه السلام) وعمّاله فقط، بل التعريف بأصحابه على نحو الإطلاق، سواء كانوا من عمّاله أو لا. ولذلك فإن العناصر والسيرة السياسية والإدارية والوظيفية لم تكن المحور الذي يدور عليه تعريفنا ومناقشتنا لملامح هؤلاء الأصحاب؛ إلا في خصوص تلك الطائفة من الأصحاب التي كان أفرادها من المتميّزين أساساً في الإدارة والسياسة والوظيفة.
  2. نقصد بـ(الأصحاب) في الكتاب الحاضر ثلاث مجموعات من الأفراد: الأولى الأصحاب المؤمنون الصادقون الأوفياء لأميرالمؤمنين (عليه السلام)، الذين أذعنوا لأوامر إمامهم عن عِلم ومحبة، فلم يميزوا في هذا الشأن بين التعب والراحة، والسلامة والمرض، والحرّ والبرد، والسفر والحضَر؛ أما المجموعة الثانية فهم الأفراد الذين كانوا مع أميرالمؤمنين (عليه السلام) فترة من الزمن، ثم انفصلوا عنه لأسباب مختلفة، فاختاروا العُزلة، ثمّ لم يتحرّكوا مع الإمام ولا ضدّه. وأما المجموعة الثالثة فهم الأفراد الذين اشتركوا مع أميرالمؤمنين (عليه السلام) في الحرب والسلم، ثمّ خدعتهم إغراءات الدّنيا بعد مدّة، أو تحجروا في قوقعة الجهل ووساوس الشيطان، فخالفوا إمامهم مخالفة جدية وعلنية؛ وهؤلاء الأفراد في المجموعات الثلاثة من الأبرار والأشرار هم من جيش أميرالمؤمنين (عليه السلام) وأصحابه. ولا يعترينا الشك في أن أصحاب أميرالمؤمنين (عليه السلام) الحقيقيين هم أفراد المجموعة الأولى؛ أما أفراد المجموعتين الأخريين فقد كان لهم نوع من الصحبة، على الرغم من عدم وفائهم ومن نقضهم العهد، ويمكن أن ندعوهم بـ(الأصحاب) بتسامح كبير. وقد كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) في الخطب التي أوردها أواخر حياته الشريفة يتأسّف ويتلهّف تارة على الفراغ الوجوديّ الذي خلّفه أصحابه المحبّون الذين كانت الولاية محور حياتهم، من أمثال مالك الأشتر وعمار بن ياسر وابن التيهان وذي الشهادتين ونظرائهم، وكان يقول (أين عمار ؟ أين ابن التيهان ؟ أين...)([3])، كما أنه (عليه السلام) كان يتألّم تارة أُخرى من فتور وتراخي وضعف إيمان الفئة الباقية من أصحابه من المجموعتين الثانية والثالثة، ويناديهم تارة أُخرى بـ(أشباه الرجال ولا رجال) ([4]) .

ولذلك فإننا حين نستخدم كلمة (الأصحاب) في شأن الأفراد المنتسبين إلى حكومة أميرالمؤمنين (عليه السلام) وفي دائرة أمره ونهيه ـ بما فيهم قويّ الإيمان وضعيفه ـ فقد يرد السؤال التالي: ما هو النفع الحاصل من ترجمة الأفراد ذوي الإيمان الضعيف، أو الذين أصبحوا فيما بعد من أعداء أميرالمؤمنين (عليه السلام) وخصومه؟ والإجابة هي: أولاً: أن التعرّف على عاقبة هؤلاء الأفراد مدعاة للاعتبار، أي أن على المؤمنين أن ينتبهوا لئلا ينزلقوا في مسيرتهم فيغترّوا ببعض أعمالهم الحسنة، فتأسرهم شباك الشيطان وأحابيله. وثانياً: انّ نقد وتحليل حكومة أميرالمؤمنين(عليه السلام) أمرٌ متعذّر من دون التعرّف على ملامح المجموعتين الأخيرتين؛ حتى أن فهم بعض من خطبه ورسائله في نهج البلاغة أمرٌ مرهون بمعرفة هؤلاء الأفراد. وقد يسأل البعض: أيمكن أساساً تسمية مثل هؤلاء الأفراد بـ(الأصحاب)؟ ونقول بأن قصدنا من (الصحابي) في هذا الكتاب مجموع الأفراد الذين كانوا قرب الإمام (عليه السلام)، وكانوا في معرض خطابه وعتابه، أو مدحه وثنائه، والذين قُدّر لهم أن يكونوا ضمن جيشه وعمّاله والمحيطين به.

  1. كان منهجي التحقيقي في إثراء هذا الكتاب هو أن أشرع في بداية العمل وبالتدريج في إعداد فهرس طويل من أصحاب أميرالمؤمنين (عليه السلام) ممّن ارتبطوا به بنوع من الارتباط، مع الأخذ بنظر الاعتبار خلال ترجمة أحوالهم النقاط التالية: الاسم واللقب والكُنية؛ تاريخ الولادة والوفاة أو الشهادة؛ اسم الأب والأم والعشيرة؛ المحيط الذي نشأوا فيه؛ الخصائص العلمية والأدبية؛ السموّ (أو الانحطاط) الأخلاقي والسياسي؛ ميزان الطاعة (أو التمرّد) عن وعي وإدراك؛ السبق في الإسلام؛ الاشتراك في الحروب والغزوات وما شابهها. مع الرجوع في التعرّف على هذه المعايير إلى المصادر الأصيلة القديمة وإلى مجموعة معتبرة من كتب الرجال والحديث والتاريخ التي يمكن الرجوع إليها في بحث أمثال هذه الأمور. وقد واجهت في هذا البحث والتدقيق أقوالاً متناقضة في خصوص بعض الأفراد، جعلت الوصول إلى رأي صائب ونظرة سديدة في هذا الخصوص مرهونة بمراجعة وتفحّص الأقوال المختلفة والمصادر المتنوّعة.
  2. جرى التطرّق في هذا الكتاب إلى بعض الشخصيات السلبية في التاريخ، من أمثال ابن ملجم، شمر بن ذي الجوشن، الأشعث وأمثالهم في زمرة أصحاب أميرالمؤمنين (عليه السلام)، وهو أمر يخالف الرغبة القلبية للمؤلّف، لكنه التزم به على أساس السياق التاريخي المتّبع في كتب التاريخ المعتبرة، وحفظاً للأمانة العلمية .
  3. ووفقاً لكتب الرجال والتاريخ والسيرة، فقد فتحنا فصلاً في نهاية هذا الكتاب باسم النساء اللاتي كنّ في عداد أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، ذكّرنا فيه بوفاء هؤلاء النسوة للإمام (عليه السلام) ومواقفهنّ مع معاوية عند لقائهنّ به، وتجليلهنّ وتمجيدهنّ لشخص الإمام أمام معاوية.
  4. تكرّر في هذا الكتاب ذِكر بعض الموارد، من قبيل: (الأركان الأربعة)، (شرطة الخميس)، (التابعين)، (السبّ والتبرّي)، (المولى)، و(زيارة الناحية المقدّسة)، ممّا يستلزم توضيحه للقراء الكرام، حرصاً على اجتناب التوضيح المكرّر لهذه المصطلحات...

 


 ([1]) رجال النجاشي: ص9؛ نقلاً عن (أمان الأمة من الضلال والاختلاف): ص25 .

 ([2]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 516.

 ([3]) أنظر: نهج البلاغة، الخطبة 182 .

 ([4]) نفس المصدر، الخطبة 27.