الدكتور صالح الظالمي ( رحمه الله )

الدكتور صالح الظالمي ( رحمه الله )

الاستاذ الدكتور صالح الظالمي (رحمه الله) 3جمادى1 1428  - 20/5/2007

       بعد افتتاح كلية الفقه عام (1958م) في النجف الأشرف وتخرج منها قلة من الطلبة الأفذاذ عام (1962م) أمثال الدكتور الشيخ أحمد الوائلي والشاعر الكبير السيد مصطفى جمال الدين وغيرهم والذي كانوا عددهم يربوا على الثلاثين وكان من بينهم المرحوم الدكتور صالح الظالمي، ذلك الأستاذ المربي الفاضل صاحب الخلق الرفيع، لقد كان المرحوم له اسلوبه المميز في التدريس وطرح المادة العلمية بصورة بسيطة وسلسلة في محاضراته للطلبة والكل يشهد على ذلك، لذا كانت له مسيرة علمية حافلة بالعطاء والجهد والمثابرة وقد كانت سيرته هذه محط تقدير العلماء والفضلاء، وأثناء لقاءنا مع الأستاذ المرحوم الدكتور صالح الظالمي في  (20/5/2007م) في بيته في النجف الاشرف الذي استمر ثلاث لقاءات مصورة في فترات مختلفة وقد لمسنا فيه البساطة والاريحية بشكل كبير إلى درجة انك تخاله قد فتح لك قلبه بكل صدق واخلاص بدون تكلف وحرج واخذ بالكلام حتى عن خصوصياته وهذا جانب من اللقاء : 

البطاقة الشخصية للدكتور صالح الظالمي؟

        أنا صالح بن الشيخ مهدي بن الشيخ هادي بن الشيخ حمود الظالمي، وهنا لا بد من الإشارة لأمر مهم وهو إن عائلة الظالمي خوالنا ونحن نسبنا إليهم، ولكن جدنا هو الشيخ عباس السلامي، ونحن نرجع إلى بيت السلامي.

        ولدت في النجف الأشرف وفي محلة المشراق، وبطاقتي مسجل فيها من مواليد (1933م) ولكن المقربين لي ذكروا إني من مواليد (1928 أو 1929)، والإنسان ليس بعمره ولكن المهم هو تأُثيره في المجتمع ومدى عطاءه.

بداية الدخول في العلم والتعلم؟

        كان والدي الشيخ مهدي من الأفاضل في النجف وقد كان له درس صباح كل يوم في الحضرة الشريفة ودرس ثان في مقبرة الشيخ كاظم اليزدي وكان من أبرز تلامذته الشاعر محمد سعيد الجواهري وسعد صالح والدكتور المخزومي والسيد محمد تقي بحر العلوم والشيخ علي الصغير، والشيخ عبد المنعم الفرطوسي وغيرهم.

        وتوفي والدي وأنا لم أتجاوز العشر سنوات وفي يوم كنت ألعب مع أطفال المحلة جاء رجل دين وطلب من والدتي أن يأخذني معه إلى مجلس للعلم والأدب، فوافقت والدتي بعد أن عرفته وهو الشيخ علي الصغير الذي كان تلميذاً عند والدي فاصطحبني إلى مجلس والده الشيخ حسين الصغير وكان مجلساً عامراً بالعلم والأدب وكنت أسمع منهم بعض أمور العلم والأدب وتبرع لي أحدهم بكتاب القطر وبدأت الدرس على هذا الكتاب وقد تنازع الشيخ علي الصغير والشيخ عيد المنعم الفرطوسي على تدريسي وفاءاً منهم لوالدي.

        ثم درست عند الشيخ علي زين الدين الذي كان يولي العلم اهتماماً كبيراً وأتذكر يومأً كنت خارجاً في الليل لقضاء حاجة فشاهدني الشيخ علي زين الدين وقال لي يجب أن لا تخرج في الليل أن هذا وقد لمراجعة للدرس ولا يجوز لك الخروج إلا في ليلة الجمعة يوم الاستراحة من الدرس.

الدراسة الأكاديمية للأستاذ صالح الظالمي

          عند افتتاح كلية الفقه عام (1958م)، فكانت تضم خيرة الأساتذة من العلماء الأفاضل وكان القبول في الدورة الأولى تم بعد إجراء اختبار ومقابلة لأولاد العلماء والأفاضل وبعض الشباب الملتزمين والمهتمين بالعلم والأدب وكان عدد (34 أو 35) وقد كنت أحدهم، وأجري لنا الاختبار والمقابلة ، فقبلنا في كلية الفقه في دورتها الأولى وكان معي السيد مصطفى جمال الدين (صديقي ورفيق دربي) والدكتور أحمد الوائلي وغيرهم من الشخصيات العلمية الرصينة وقد تخرجنا من هذه الدورة عام (1962).

أبرز أساتذة الدكتور صالح الظالمي؟

        بسبب دراستي الحوزوية في البداية ودراستي الأكاديمية أصبح لدي أساتذة حوزويين وأساتذة أكادميين ومن أبرز أساتذتي الحوزويين هو الشيخ علي الصغير (والد الدكتور محمد حسين الصغير) والشيخ جلال الدين الصغير والشيخ حميد الصغير.

وكان أستاذي في المنطق الشيخ محمد رضا العامري وقد كان هذا الشيخ الجليل شخصية مؤثرة جداً في نفسي لما يحمله من علم وتقوى وزهد، ودرست البلاغة عند الشيخ علي زين الدين وقد حضرت قليلاً عند بحث السيد الخوئي.

        أما أساتذتي في الأكادميين فالشيخ محمد رضا المظفر والذي كان قدوة لنا لما يحمله من أفكار متفتحة وعلم ومعرفة والسيد محمد تقي الحكيم والسيد محمد تقي الإيرواني.

الحصول على شهادة الماجستير  والدكتوراه؟

        بعد تخرجي من كلية الفقه انشغلت بالتدريس وبعض الأمور العائلية التي أعاقتني عن تكملة الدراسة وسنحت لي الفرصة للحصول على شهادة الماجستير في عام (1972) في القاهرة ولظرف معين لم استطع السفر إلى القاهرة إلا في عام (1974) وأكملت بحثي في رسالة الماجستير المرسوم (المشقق بين النجاة والأصوليين) عام (1976هـ) وكان موضوعاً جديد وقد اعترض عليه بعض الأساتذة في القاهرة لكن تمكنت من إثبات بحثي من الناحية العلمية فأذعنوا لذلك وحصلت على شهادة الماجستير.   

        وبعد عودتي حاولت دراسة الدكتوراه فلم أحصل على فرصة بسبب شرط العمر الذي وضع زمن النظام السابق وبقيت أدرس في كلية الفقه وحصلت على درجة مدرس وبعدها أستاذ مدرس ثم أستاذ مساعد، وفي منتصف تسعينات القرن الماضي صدر قرار قبول الأعمار الكبيرة لدراسة الدكتوراه فتقدمت برسالتي الموسومة (الجملة العربية بين النحاة والأصوليين) وتحت إشراف الدكتور عبد الحسين الفتلي ونلت شهادة الدكتوراه عام (1997) ولكني كنت قد حصلت على جميع الدرجات الدراسية قبل شهادة الدكتوراه وقد جاءت هذه الشهادة متأخرة ولكنه حق حصلت عليه.

هل تتذكرون موقفا جميلا من المواقف التي مررتم بها ؟

لي ذكريات جميلة و رائعة ، واخرى حزينة و مرعبة ، ومن الذكريات الجميلة ، في عام 1962 م. دعاني سماحة الشيخ الاستاذ محمد رضا المظفر وطلب مني نظم قصيدة في ميلاد الامام الحسين (ع) ، وقرأتها في جامع الهندي وكانت قصيدة رائعة ذكرتها في ديواني الشعري.
منهم ابرز اساتذة الدكتور صالح الظالمي ؟
بسبب تنوع دراستي بين الدراسة الحوزوية و الاكادمية اصبح لدي اساتذة حوزويون و اساتذة اكادميون ومن ابرز اساتذتي الحوزويين ، الشيخ حميد الصغير و الشيخ علي الصغير(والد الدكتور محمدحسين الصغير والشيخ جلال الدين الصغير) وكان استاذي في المنطق الشيخ محمدرضا العامري وقد كان هذا الشيخ الجليل ذوشخصية  مؤثرة جدا في نفسي لما يحمله من علم و تقوى وزهد ، ودرست البلاغة عن الشيخ علي زين الدين وقد حضرت قليلا عند بحث السيد الخوئي.
أما من اساتذتي الاكادميين فهو الشيخ محمدرضا المظفر الذي كان قدوة لنا لما يحمله من افكار متفتحة وعلم ومعرفة فضلا عن السيد محمدتقي الحكيم والسيد محمدتقي الايرواني.
كيف تصف لنا المشهد الثقافي و الادبي في النجف الاشرف  في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي؟
كنا مجموعة من الشباب المثقف والواعي و المحب للأدب نجتمع بعد الدراسة مع الشيخ سلمان الخاقاني الذي كان له الفضل علينا للتعرف على الثقافات وتطور الادب في مناطق العالم المختلفة والدول العربية بصورة خاصة من خلال حصوله على المجلات و الاصدارات العربية ونقلها الينا ، وكنا نتاوب فيما بيننا على قراءتها وخصوصا مع السيد مصطفى جمال الدين، وبدأنا بنظم القصائد الشعرية والمقالات الادبية وكان اكثرنا نظما للشعر هو السيد مصطفى جمال الدين رحمه الله وأصبحت اجتماعتنا دورية في بيت الشيخ سلمان الخاقاني ، وفي هذا الجو الادبي تكونت اسرة الادب الحي التي كانت تضم مجموعة من الشخصيات الادبية مثل القائمقام حسن الجواد ،والسيد محمد بحرالعلوم ،والسيد حسين بحرالعلوم ، وشكلنا نحن اسرة الادب المحتضر ، وكان في بيت الشيخ محمد الخليلي تعقد ندوات ادبية تدعى لها اسرة الادب الحي واسرة الادب المحتضر ليكون السجال الادبي و الشعري على اشده ، وبعد انظمامنا الى الرابطة الادبية التي اخذت على عاتقها جمع الادباء البارزين والشباب تحت مظلة واحدة متخصصة بالادب واستمرت هذه الرابطة الى قيام اتحاد الادباء عام 1977م الذي اراد النظام البعثي جعله صوتا ناطقا له فانسحبت انا والسيد مصطفى جمال الدين وآخرون من الاتحاد.
تنقلتم بين التأليف و التدريس وكتابة الشعر : ماحصيلة الدكتور الظالمي من ذلك؟
في بداية حياتي الادبية كتبت الكثير من المقالات الادبية ، وكثير من القصائد الشعرية ، وقد ألفت كتاب ( من هنا وهناك ) حيث كتبت فيه مقالات متعددة حول اشخاص ومواقف معينة ، وايضا لي ديوان شعر مطبوع اسميته (دروب الضباب )طبع عام 1976 م ، بالاضافة الى ذلك كان طبع اطروحة الماجستير ككتاب بعنوان ( المشتق بين النحاة و الاصوليين )  ، وكذلك طباعة رسالة الدكتوراه ( تطور الجملة العربية بين النحاة و الاصوليين ) وكتاب ( اعراب الجملة الاستفهامية ) فكان كتاب فريد من نوعه ، حيث تم اعراب الجملة الاستفهامية و الصيغة الشرطية بشكل جديد.
مادور النجف و الحوزة العلمية في المدرسة اللغوية و النحوية ؟
في الحقيقة كان ومازال للنجف دور كبير في رفد المدرسة اللغوية و النحوية العربية ، وقد لمست هذا واضحا خلال دراستي في مصر ، فكانوا في القاهرة يكنون للاسترآبادي الكثير من التبجيل و الاحترام لدوره اللغوي وكتابه ( شرح الكافية ) وهو من خريجي الحوزة العلمية في النجف الاشرف حيث اثبت ان للنجف بصورة خاصة والشتيع لصورة عامة دور مهم في النحو واللغة ، وكان كتابي ( المشتق بين النحاة و الاصوليين ) قد اثار جدلا واسعا هناك ، وكذلك كتاب ( تطور الجملة العربية بين النحاة و الاصوليين ) فقد طرحتها بشكل جديد لم يطرحها احد قبلي فتحدثت من ناحية الدلالة ، أما النحويون فكانوا يتحدثون من ناحية الشكل فكان موضوع غريب ولطيف ولم يتم الخوض فيه لمئات السنين.