المؤلّف :
الميرزا محمّد عليّ بن الميرزا أبو القاسم بن محمّد تقي بن محمّد قاسم الأُردوبادي التبريزي النجفي.
أُردوباد المدينة التي استمدّ لقبه منها تقع على الحدود بين أذربيجان والقفقاز قرب نهر أرس.
ولادته كانت في تبريز في 21 رجب سنة "1312 ه" وبعد ثلاث سنوات من ولادته، اصطحبه والده في رحلته إلى النجف الأشرف حيث المرقد الطاهر للإمام عليّ عليه السلام وحيث الحوزة العلميّة المباركة وكان ذاك سنة "1315 ه" فراح يعاهده تربية وتعليماً: 'كان والده عالماً فقهياً تقيّاً ورعاً، خشناً في ذات اللَّه، أحد مراجع التقليد في آذربيجان وقَفقاسيا، وتوفّي عليهم السلام سنة "1333 ه"' (2)
درس عند جمع من العلماء الكبار فقد حضر في الفقه والاُصول على والده وشيخ الشريعة الأصفهاني وأخذ عن الأخير علمَي الحديث والرجال، كما درس عند الميرزا عليّ ابن الحجّة الشيرازي. ودرس الفلسفة عند الشيخ محمّد حسين الأصفهاني وحظي بدراسة كلّ من علمي الكلام والتفسير على يد الشيخ محمّد جواد البلاغي، ودامت دروسه هذه عند الأساتذة المذكورين لأكثر من عشرين سنة، كانت حصيلتها- وهو صاحب الذكاء الحادّ والاستعداد والنبوغ- أن شهد له بالاجتهاد كلّ من اُستاذه الشيرازي والنائيني والشيخ عبد الكريم الحائري والشيخ محمّد رضا- أبي المجد- الأصفهاني والسيّد حسن الصدر والشيخ محمّد باقر البيرجندي وغيرهم. ونال بعد ذلك مكانة عظيمة في الحوزات العلمية وبين علمائها وأساتذتها، واستجازَ في رواية الحديث أكثر من ستين عالماً من أجلّاء علماء العراق وإيران وسوريا ولبنان وغيرها. وله إجازات متعدّدة ضمّنها طرقاً للحديث وفوائد رجالية وتراجم المشايخ.
له مؤلّفات وآثار قاربت العشرين مؤلّفاً في تفسير القرآن والاُصول وله تقريرات معتبرة لمشايخه، ومنها الدرة الغروية والتحفة العلوية تناول فيها طرق حديث الغدير؛ ومنظومة في واقعة الطف.
كانت وفاته في النجف ليلة الأحد 10 صفر سنة "1380 ه" ودُفن في الصحن الشريف (3).
كتابه هذا: 'فريدٌ في بابه، عزيز في وجود نظائره، غزير في مادته، ضمّنه المؤلف بحثاً استدلالياً معتمداً في ذلك على ما ساقته كتب الفريقين المعتبرة بالأسانيد الصحيحة التي تضمّ بين مبتداها إلى منتهاها شيوخ المحدّثين وثقات الرواة والنسابين الأثبات والمؤرّخين الأعلام ومهرة الفن وصاغة القريض والمحقّقين الخبراء والشعراء المبدعين...'.
كلّ هؤلاء راحوا يثبتون هذه الكرامة وهذا الشرف لتضاف بهذه الفضيلة منقبة اُخرى إلى مناقب سيدنا وإمامنا علي بن أبي طالب وهي أوّل منقبة رافقت ولادته الميمونة. فرح بها المحبّون لهذا البيت الهاشمي العريق في قيمه وشيمه والتزامه والذي يعدّ أرقى البيوت القرشية والعربية وأجلّها وأسماها في وقت أثارت هذه المكرمة ضغائن الآخرين وأعداء الدين فراحوا يبذلون جهودهم لتقويض هذا الخبر وإماتة هذا الذكر بتضعيف رواته.
وقد بوّب الأُردوبادي كتابه هذا تبويباً جميلاً بعناوين هي الأُخرى دقيقة. فعدد صفحاته 137 مع كلمة الناشر وترجمة حياة المؤلف، أما فصوله فهي:
حديث المولد الشريف وتواتره.
حديث الولادة الشريفة مشهور بين الاُمّة.
نبأ الولادة والمحدّثون.
حديث الولادة والنسابون.
حديث الولادة والمؤرّخون.
حديث الولادة والشعراء.
حديث الولادة مجمع عليه.
ثمّ تأتي الفهارس العامة 'الآيات القرانية، والأعلام، والأشعار والأرجاز ثمّ فهرس الموضوعات'.
وكان جميلاً اطراءُ الشيخ العلّامة الأميني صاحب كتاب الغدير: 'شيخنا الأُردوبادي أ لّف في الموضوع كتاباً فخماً، وقد أَغرق نزعاً في التحقيق ولم يبقِ في القوس منزعاً' (4)
المقدمة:
إنّ فضائل علي عليه السلام ومناقبه وصفاته التي تميّز بها ولدت معه ورافقته حتى استشهاده، من ولادته في جوف الكعبة وهي أعظم بيت من بيوت اللَّه سبحانه وتعالى، وكانت هذه الولادة 'إيذاناً بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها' كما يقول عباس محمود العقاد (5)، حتى استشهاده في محراب صلاته في بيت آخر من بيوت اللَّه في مسجد الكوفة، وهي ولادة ثانية له، ولكن هذه المرّة حيث جوار اللَّه سبحانه وتعالى وحيث الحياة الأبدية التي فيها الخلود وحيث الأنبياء والصدّيقون.
الولادة في هذه البقعة المباركة المقدّسة تعدّ أولى مناقبه عليه السلام التي كرّمها اللَّه فيها، والتي لم تنجُ من كيد أعدائه وحقدهم وحسدهم، فراحت جهودهم تتضافر وأقلامهم المأجورة تنشط لتكيد كيدها لهذه الفضيلة، وبما أ نّهم لا يستطيعون نكرانها بالمرّة لشهرتها وتواترها، اختلقوا ولادة اُخرى؛ ولادة حكيم بن حزام في الكعبة، ليصلوا من خلال ذلك إلى أنّ ولادة عليّ لا تعدّ منقبةً يفخر بها أحبّاؤه وأولياؤه، وهي ليست كرامة له، فقد وُلِدَ غيره داخل الكعبة، فلماذا لا نعدّها كرامة أيضاً؟ وعلى فرض أ نّها كرامة له فلم يتفرّد بها؛ لأنّ حكيماً ولد هو الآخر في الكعبة، وبالتالي توهين هذه المنقبة.
وحكيم هذا هو ابن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة (6)
، فهو ابن أخٍ لخديجة بنت خويلد "أُم المؤمنين رضوان اللَّه عليها" ويلتقي بمصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير المتوفى سنة ست وثلاثين ومائتين الذي كان من رواة ولادته في الكعبة إلّا أ نّه تفرّد بإضافة منه "ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد" لمآرب في نفسه، يلتقي به في جدّهم خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرّة.
علماً بأنّ هذه الإضافة لم أجدها عند غيره ممّن رووا ولادة حكيم في الكعبة وكلّهم كانوا في القرن الثالث للهجرة، فهي قصّة ولدت متأخّرة جدّاً ومقطوعة الإسناد وتعاني من ضعف رواتها وشذوذها.
ولم تكن ولادة حكيم معروفة قبل هذه الرواية بل لم تذكر أبداً في المصادر التأريخية ولا الروائية، كما أنّ حكيماً نفسه لم يذكر أنّ ولادته كانت في الكعبة، لا في جاهليته ولا في إسلامه، وهو شرف عظيم كانوا يفتخرون به في الجاهلية ويتمنّونه، فكيف سكت حزام عن ذكر ذلك ولم يشر إليه ولو إشارة بسيطة؟ ولم يكن صاحب مناقب كثيرة حتّى يترك ذكرها كما لم يكن زاهداً فمنعه زهده عن ذكرها. كما لم يذكرها مَن حوله وهو من وجهاء قريش في الجاهلية والإسلام ومن علمائها بالنسب، كما كان جواداً كريماً، وهو بالتالي ليس نكرة حتى يُنسى خبر ولادته في بقعة مباركة، وكان إذا سئل عن ولادته فلم يزد في إجابته عن: ولدتُ قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة، وذلك قبل مولد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بخمس سنين (7)
وكان إسلامه يوم الفتح وقيل: يوم اُحد، وكان من المؤلفة قلوبهم، أعطاه النبيّ صلى الله عليه و آله من غنائم حنين مائة بعير، عاش مائة وعشرين سنة؛ ستّين في الجاهلية وستّين في الإسلام، وتوفي في المدينة سنة أربع وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين (8).
الروايات :
رواه مصعب بن عثمان الذي لم أجد له ترجمة تذكر في تاريخ دمشق ولا في غيره اللّهم إلّا ما ذكره صاحب التبيين في أنساب القرشيين مكتفياً باسمه: مصعب بن عثمان بن عروة بن الزبير وبأ نّه كان عالماً بأخبار قريش (9)
فلا أقلّ من أن حاله مجهول، إن لم يكن من اُولئك الضعفاء الذين أكثر ابن بكار من الرواية عنهم في الجمهرة أشياء منكرة كثيرة خاصّة أنه كان واسطةً بين ابن بكّار وبين عامر بن صالح وعامر هذا هو المعروف بالكذب وأ نّه ليس ثقة كما أنّ عامّة حديثه مسروق وبالتالي فقد يكون مصعب قد تأثّر بأُستاذه عامر، يروي الموضوعات (10)
هذا وأنّ الزبير بن بكار المتوفّى سنة "256 ه" صاحب جمهرة نسب قريش متّهم هو الآخر بالضعف وبأ نّه منكر الحديث ويضعه وهو ما يذكره صاحب كتاب الضعفاء الحافظ أحمد بن علي السليماني (11)
وقال في "ميزان الاعتدال 66:2 ": لا يلتفت إلى قوله. وإن ردّه ابن حجر في التهذيب بقوله: هذا جرح مردود، فلعلّه استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمّد بن الحسن بن زبالة وعمر بن أبي بكر المؤملي وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم، فإن في كتاب 'النسب' عن هؤلاء أشياءً كثيرةً منكرةً (12)
فسواءاً كان الزبير ضعيفاً بنفسه أو ينقل عن هؤلاء الضعفاء في كتابه. فهو بالتالي يفقد الثقة به وبكتابه ولا يعتمد على ما فيه إلّا بعد تمحيص دقيق وجهد كبير.
فإذا عرفنا حال مصعب بن عثمان وصاحب كتاب جمهرة نسب قريش فالرواية بعد ذلك لا يمكن أن تكون محلّ اعتماد.
أمّا روايته فكما نقلها أيضاً صاحب تاريخ دمشق هي: أخبرنا أبو غالب بن الحسن وأخوه أبو عبد اللَّه يحيى، قالا: أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا أبو طالب المخلّص، أنبأنا أحمد بن سليمان الطوسي، أنبأنا الزبير بن بكّار، حدّثني مصعب بن عثمان، قال: دخلت اُمّ حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش وهي حامل متمّ بحكيم بن حزام، فضربها المخاض في الكعبة فأُتيت بنطع حيث أعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع "قطعة من الجلد" وكان حكيم بن حزام من سادات قريش ووجوهها في الجاهلية (13)
روايتا المستدرك :
الرواية الاُولى: سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب يقول: سمعت أبا أحمد محمّد بن عبد الوهّاب يقول: سمعت علي بن غنام العامري يقول: ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة، دخلت اُمّه الكعبة فمخضت فيها فولدت في البيت(14).
الرواية الثانية: أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن بالعرية، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا مصعب بن عبد اللَّه فذكر نسب حكيم بن حزام وزاد فيه: واُمّه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى، وكانت ولدت حكيماً في الكعبة وهي حامل فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها فحملت في نطع وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد.
هذه العبارة الأخيرة لم ترد في الروايتين السابقتين فهي إضافة منه، وليس هذا غريباً عليه ولم يكن هذا منه بلا قصد ولا هدف فهو يعرف جيّداً ماذا يقصد بهذا النفي 'ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد'، وكيف يعذر وهو يعرف جيّداً تواتر خبر ولادة علي عليه السلام في الكعبة ولم يكن جاهلاً به أو غافلاً عنه. وإنّما هي 'شنشنة أعرفها من أخزم' حقّاً إنّه حقد موروث وبغض مستحكم ضد عليّ عليه السلام توارثته هذه العائلة من يوم الناكثين، يقول الإمام علي عليه السلام: 'وما زال الزبير منّا حتى ولد له عبد اللَّه ابنه'.
فأراد أن ينفي هذه الكرامة لعليّ عليه السلام ولم يرض بأن تبقى الرواية 'ولادة حكيم' كما رواها غيره وإن كانت أيضاً لا تخلو من الضعف والإرسال، فأضاف عليها ما سوّلت له نفسه.
وبعد ذكر الحاكم النيسابوري لها قال: وهَمَ مصعب في الحرف الأخير.
أقول: وقد عرفت حال الرواية وما تعانيه من ضعف وانقطاع.
وقد يفهم من قول الحاكم هذا: 'وهم' أنّ مصعباً أصاب في كلامه الأول حول ولادة حكيم في الكعبة، إلّا أنّ هذا نفاه الحاكم في كلام آخر له في كفاية الطالب للكنجي الشافعي.
ثمّ راح يعزّز بشكل قاطع ردّه هذا بقوله: فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه في جوف الكعبة(15) علماً بأنّ حكيم بن حزام- وكما قلنا- لم يكن شخصاً مجهولاً في الجاهلية وغير معروف في الإسلام مع هذا لم يذكر هذه الفضيلة لنفسه يوماً ولم تُذكر عنه بل ولم يذكرها أحدٌ له على الإطلاق حتّى رواها كلّ من مصعب بن عثمان بن عروة بن الزبير ومصعب بن عبد اللَّه، بعد أكثر من 200 سنة أي في القرن الثالث الهجري.
إنّ أوّل كتاب ذكرت فيه ولادة حكيم هو "جمهرة النسب" لابن الكلبي، والكلبي وإن ورد فيه أ نّه متروك الحديث، وأ نّه غير ثقة وأ نّه يروي العجائب والأخبار التي لا اُصول لها(16) إلّا أ نّه ورد فيه مدح كثير، وأن مبعث ما ذكر من مطاعن واتّهامات أنّ الرجل كان شيعيّاً لا غير.
وأمّا كتابه جمهرة النسب فقد تعرّض لإضافات كثيرة يعود سببها إلى أنّ أبا سعيد السكّري راوي الكتاب لم ينجُ من الاتّهام بأ نّه كان وراءها. فالدكتور ناجي حسن الذي يذكر في مقدّمة تحقيقه لجمهرة النسب: 'لقد وصلتنا جمهرة النسب لابن الكلبي برواية أبي سعيد السكري عن محمّد بن حبيب عن ابن الكلبي، ومع ذلك ظهرت فيه إضافات واضحة وزيادات وتعليقات بيّنة لم ترد في أصل الجمهرة بل أضافها الرواة والنسّاخ. ولا يستبعد أن يكون أبو سعيد السكري هو نفسه الذي قام بهذا العمل حين وجد لديه فيضاً من الأخبار ذات الصلة بالأنساب'(17) أمّا الرواية الاُخرى التي يذكرها النيسابوري فهي عن علي بن عثام العامري كما هو اسمه في سير أعلام النبلاء ويبدو أ نّه حرّف من عثام إلى غنام عند النيسابوري. ولو كانت روايته هذه محل اعتماد لما تغاضى عنها الذهبي في سيره وهو المعروف بموقفه المضاد لمن يذكر مناقب لعليّ عليه السلام. وهذا يكفي في أ نّها من الضعف والهزال ما جعل الذهبي يتجاهلها.
وهناك رواية شاذة ذكرها الأزرقي في أخبار مكّة: حدّثني محمّد بن يحيى، حدّثنا عبد العزيز بن عمران، عن عبد اللَّه بن أبي سليمان عن أبيه أنّ فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى- وهي اُمّ حكيم بن حزام- دخلت الكعبة وهي حامل، فأدركها المخاض فيها، فولدت حكيماً في الكعبة، فحملت في نطع وأُخذ ما تحت مثبرها "موضع الولادة" فغسل عند حوض زمزم، وأخذت ثيابها التي ولدت فيها فجعلت لقىً(18) فأوّلاً: أنّ محمّد بن يحيى كما في كتاب الجرح والتعديل للرازي قال: سألت أبي عنه فقال: كان رجلاً صالحاً وكانت به غفلة، رأيت عنده حديثاً موضوعاً. توفي سنة "243 ه"(19)
أ مّا: عبد العزيز بن عمران فيقول عنه البخاري: إنّه لا يكتب حديثه، منكر الحديث، وقال عنه النسائي: متروك الحديث، وقال عنه الرازي: متروك الحديث، ضعيف الحديث، منكر الحديث جدّاً، وقال محمّد بن يحيى الذهلي النيسابوري: عليّ بدنة إن حدّثت عن عبد العزيز بن عمران حديثاً(20).
هذا مضافاً إلى أن الأزرقي في نفسه محل كلام حيث لم أعثر على شي ء يدلّ على توثيقه وأمامك حياته في كتابه أخبار مكّة.
والمتحصّل من هذا المختصر ومن غيره أنّ رواية ولادة حكيم إن لم نقل بسقوطها فهي غير معتبرة عند كثير من المحدّثين والمؤرّخين، بل نفاها جمع منهم بنفيهم ولادة غير أمير المؤمنين عليه السلام كما سنرى في مضامين هذا الكتاب(21).
فصول الكتاب
حديث المولد الشريف وتواتره
يفتتح المؤلّف حديثه في هذا الباب بمقدّمة قصيرة جميلة تنمّ على قدرة عجيبة في اختيار الألفاظ ودقّتها على المراد.
يقول فيها: 'إنّ المنقب في التاريخ والحديث جدّ عليم بأنّ هذه الفضيلة من الحقائق التي تطابق على إثباتها الرواة، وتطامنت النفوس على اختلاف نزعاتها على الإخبات بها حيث لا يجد الباحث قطّ غميزَة في إسنادها، ولا طعناً في أصلها، ولا مُنتدحاً للكلام على اعتبارها، وتضافر النقل لها وتواترت الأسانيد إليها، وإن وجدَ حولها صَخباً من شذّاذ الناس وطأه بأخمص حجاه، وأهواه إلى هوة البطلان السحيقة'.
بعد هذه المقدّمة راح ينقل الرواية التي تحكي ولادةً اُخرى غير ولادة علي عليه السلام داخل الكعبة. ولادة حكيم بن حزام، التي يرويها مصعب بن عبداللَّه، والتي ما إن يصل النيسابوري إلى الفقرة الثانية فيها '... ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد' وهي من زيادة هذا الراوي حتّى قال: 'وهَم مصعب في الحرف الأخير وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- في جوف الكعبة' (22)
من هذا يتضح أنّ الحاكم وإن لم يناقش الفقرة الأُولى من الرواية "ولادة حكيم في الكعبة" بل سكت عنها مكتفياً بأ نّه وصف مصعباً بالتوهّم إلّا أ نّه نفاها في كلامٍ آتٍ له أثبته الحافظ الكنجي.
أقول: إنّه لم يكن متوهّماً بل يقول ما يعني ويعني ما يقول، إنّه كان قاصداً لمآرب في نفسه كما ذكرنا ذلك في المقدّمة.
ومع هذا فإنّ الشيخ الاُردوبادي راح ينقل الإطراء على الحاكم: والحاكم من أذعن الكلّ بثقته وحفظه وضبطه وتقدّمه في العلم والحديث والرجال والمعاجم طافحة بإطرائه والثناء عليه، والكتب مفعمة بالاحتجاج به والركون إليه، وتآليفه شاهدة بِنُبُوغه وتضلّعه، فناهيك به حاكماً بتواتر الحديث، أي حديث ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الكعبة.
ثمّ نقل نصوصاً اُخرى توافق ما ذكره الحاكم في مستدركه، ومن هذه النصوص:
نصٌّ لشاه ولي اللَّه أحمد بن عبد الرحيم المحدّث الدهلوي وهو والد عبد العزيز الدهلوي مصنّف "التحفة الاثنا عشرية" في الردّ على الشيعة: 'قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علياً في جوف الكعبة، فإنّه وُلِدَ في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ولم يولد فيها أحد سواه قبلَه ولا بعدَه'.
هذا النصّ ورد في كتاب "إزالة الخفاء 251: 2، ط. الهند
ويتضمّن أمرين مهمّين:
تواتر الأخبار بالولادة.
نفيه لأيّة ولادة اُخرى غير ولادة أمير المؤمنين عليه السلام.
وأمّا الحافظ الكنجي الشافعي "ت 658 ه" فقد حمل إلينا في كتابه "كفاية الطالب" الذي ذكره الچلبي في كشف الظنون ونقل عنه ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمّة واحتجّ به ابن حجر قال:
'أخبرنا الحافظ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمود النجار بقراءتي عليه ببغداد، قلت له: قرأت على الصفار بنيسابور: أخبرتني عمّتي عائشة، أخبرنا ابن الشيرازي، أخبرنا الحاكم أبو عبد اللَّه محمّد بن عبد اللَّه الحافظ النيسابوري قال: 'ولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، ليلة الجمعة، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم' (23)
وهو أيضاً نصّ من الحاكم لا ريب فيه على أنّ الولادة تمّت في الكعبة وفيه نفي لأيّة ولادة اُخرى مزعومة كولادة حكيم.
لشهاب الدين أبي الثناء السيّد محمود الآلوسي المفسّر ورد في شرحه لعينية العمري حينما قرأ:
أنتَ العليُّ الذي فوقَ العُلا رُفع*** بِبَطْنِ مكّةَ عند البيت إذْ وُضِعا
قال: 'وفي كون الأمير- كرّم اللَّه وجهه- وُلِدَ في البيت، أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة... إلى قوله: ولم يشتهر وضع غيره- كرّم اللَّه وجهه- كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه.
وما أحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين، وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين' (24)
أقول: وحينما وصل إلى بيت آخر من قصيدة العمري نفسها:
وأنت أنت الذي حطّت له قَدَمٌ*** في موضعٍ يدَهُ الرحمنُ قَد وَضعا
وقيل: أحبّ عليه الصلاة والسلام- يعني علياً عليه السلام- أن يكافئ الكعبة حيث ولد في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها، فإنها كما ورد في بعض الآثار كانت تشتكي إلى اللَّه تعالى عبادة الأصنام حولها وتقول: أي ربّ حتى متى تعبد هذه الأصنام حولي؟ واللَّه تعالى يعدها بتطهيرها من ذلك، وإلى هذا المعنى أشار العلّامة السيّد رضا الهندي بقوله:
لما دعاك اللَّهُ قِدماً لأنْ*** تولَدَ في البيتِ فلبّيتهُ
شكرتَه بين قريشٍ بأنْ*** طهّرتَ من أصنامهم بَيتهُ (25)
وبعد ذلك راح المؤلّف ينقل أقوالاً اُخرى لعلماء من الشيعة منهم العلّامة السيّد الحسيني الآملي صاحب كتاب "الكشكول فيما جرى على آل الرسول": 'أ نّه وُلِدَ في الكعبة بالحرم الشريف فلم يسبقه أحد، ولا يلحقه أحد بهذه الكرامة...' (26)
ومنهم العلامّة السيّد هاشم البحراني في "غاية المرام" قال: 'أنّ الروايات التي فيها أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة بلغت حدّ التواتر، وهي معلومة في كتب العامّة والخاصّة' (27)
ومنهم السيّد محمّد الهادي الحسيني في كتابه "أُصول العقائد وجامع الفوائد" حيث قال: 'كان مولده عليه السلام في جوف الكعبة على ما روته الشيعة وأهل السنة' (28)
فهو يريد- والكلام للمؤلّف- أنّ الحديث ممّا تصافقت الأيدي على نقله، وتطامنت النفوس على روايته، وأصفقت الجماهير من الفريقين على إثباته، وذلك الذي نريد إثباته، وبه يثبت التواتر.
خبر الولادة عند من لا يعمل إلّا بالخبر المتواتر :
وبعد كلّ ذلك انتقل المؤلف إلى أنّ هناك بعضاً من العلماء لا يأبه في عمله إلّا بالخبر المتواتر في وقت يعمل فيه جمعٌ منهم بالآحاد.
ومن اُولئك: الشيخ الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان "ت 548 ه" حيث قال في كتابه "إعلام الورى":
'لم يولد قط في بيت اللَّه تعالى مولود سواه لا قبلَه ولا بعدَه، وهذه فضيلة خصّه اللَّه تعالى بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته وإعلاءً لقدرته' (29)
ومن اُولئك: الشريف المرتضى "ت 436 ه" وهو يشرح القصيدة المذهبة للسيّد الحميري، قال:
'وروي أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- ولدته في الكعبة، ولا نظير له في هذه الفضيلة' (30)
وهنا يقول المؤلف:
وليس قصده من إيرادها بلفظ 'روي' إسنادها إلى رواية مجهولة، وإنّما جرى فيها على ديدنه في هذا الكتاب من سرد الحقائق الراهنة مقطوعة عن الأسانيد لشهرتها وتضافر النقل لها وتداولها في الكتب لفتاً للأنظار إليها وإشادة بذكرها على نحو الاختصار، وعلى ذمّة الباحث إخراجها من مظانّها، ولذلك تراه يقول بعد الرواية غير متلكى ء ولا متلعثم: 'ولا نظير له...' كجازمٍ بحقيقتها، مؤمن بصحّتها وتواترها، وإلّا لَلَفَظَها كما هو دأبه في غير واحد من الأحاديث.
والشريف الرضيّ، "ت 406 ه" في كتابه "خصائص الأئمّة" حيث قال: 'ولد عليه السلام بمكة في البيت الحرام لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهو أوّل هاشميّ في الإسلام وُلِدَ من هاشم مرّتين، ولا نعلم مولوداً في الكعبة غيره' (31)
كما حذا حذوهما شيخ الطائفة الطوسي، "ت 460 ه" في "التهذيب" ثالث الكتب الأربعة المعوّل عليها عند الشيعة حيث قال: 'ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة...' (32)
وروى في "مصباح المتهجّد" تأريخ شهر الولادة ومحلّها (33)
ومنهم أيضاً الشيخ المفيد، "ت 413 ه" قال في "الإرشاد": 'ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه سواه، إكراماً له من اللَّه جلّ اسمه له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم' (34).
كما روى في مزاره وشاركه في هذا كلّ من الشهيد في مزاره وابن طاوس في مصباح الزائر ما علّمه الإمام الصادق عليه السلام لمحمّد بن مسلم حين زيارته أمير المؤمنين عليه السلام: 'السلام عليك يا من وُلِدَ في الكعبة أو السلام على المولود في الكعبة' (35)
والشيخ المفيد- والقول للمؤلّف- من عرفته الاُمّة بالنقد والتمحيص وأ نّه كيف كان يردّ الأخبار لأدنى علّة في أسانيدها أو متونها أو يتردّد في مفادها، يعرف ذلك كلّه من سبر كتبه ورسائله ومسائله، أو هل تراه مع ذلك يعدل عن خطته القويمة فيرمي القول على عواهنه بذكر الواهيات على سبيل الجزم بها لا سيّما في كتاب "الإرشاد" الذي قصد فيه إعلاء ذكر آل محمّد صلى الله عليه و آله والتنويه بفضلهم وإمامتهم وتقدّمهم فيها، فهل يذكر فيه إلّا ما هو مسلّم بين الفريقين أو الملأ الشيعي على الأقلّ؟!
وتبع الشيخ المفيد معاصره النسّابة ابن الصوفي (36)
مع السيّد الحميري:
وقد أوشك هذا الفصل على نهايته، ارتأى الشيخ أن يقتطع شيئاً ممّا نظمه السيّد الحميري "ت 179 ه" فيما يخصّ ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة:
ولدته في حرم الإله وأمنهِ*** والبيت حيثُ فناؤه والمسجدُ
بيضاءُ طاهرةُ الثياب كريمةٌ*** طابَتْ وطابَ وليدُها والمولدُ
وله أبيات اُخرى منها:
طِبت كَهلاً وغُلام*** ورَضيعاً وجَنينا
وببَطْنِ البيتِ مولُو*** داً وفي الرَمْلِ دَفينا (37)
وقد عدّ المؤلّف نظم السيّد الحميري هذا أثبت لمفاده من أسانيد متساندة. والسبب في هذا- كما يقول المؤلّف-: هو أنّ السيّد الحميري الذي كان يسير بشعره الركبان في القرن الثاني، والذي راح ينافح الآخرين من أعداء أهل بيت الوحي عليهم السلام وحتّى تكون حجّته قويّة لابدّ له من أن يحاججهم لا بالواهيات ولا بما لا يعرفه الناس أو لا يعترفون به.
وممّا نظمه كلّ من السرخسي:
ولدتْهُ منجبةٌ وكان وِلادُه*** في جوف كعبة أفضل الأكنان
والشفهيني:
أم هل ترى في العالمين بأسرهم*** بَشَراً سواه ببيتِ مكّة يولَدُ؟
ويختم هذا الفصل بقول ثقة الإسلام النوري: 'إنّ هذه الفضيلة الباهرة جاءت في أخبار غير محصورة، ومنصوص بها في كلمات العلماء وفي ضمن الخطب والأشعار...'.
وهنا يقول المؤلّف: ومهما حملنا قوله إنّها: 'جاءت في أخبار غير محصورة' على المبالغة، فإن أقل مراتبه أن تكون متواترة.
حديث الولادة الشريفة مشهور بين الاُمّة :
تحت هذا العنوان كتب سماحته:
إنّ أيسر ما يسع الباحث إثباته هو شهرةُ هذه النبأ العظيم بنصوص أئمّة الحديث بذلك من ناحية، وبتداول ذكره في الكتب من ناحية اُخرى، وبالتسالم على روايته واطراد أسانيده من جهة ثالثة. ولها شواهد أُخرى لعلّك تقف عليها في غضون هذه الرسالة إن شاء اللَّه.
ثمّ راح يذكر أقوال كبار علماء الحديث، نكتفي بأسمائهم وكتبهم وبعض أقوالهم، لننتقل بعد ذلك إلى روايات الولادة المباركة للإمام علي عليه السلام:
العلّامة المجلسي في جلاء العيون: 'إنّ ولادته عليه السلام في البيت، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، مشهورة بين المحدّثين والمؤرّخين من الخاصة والعامة' (38)
المولى محمود بن محمّد باقر في تحفة السلاطين: 'إنّ حديث ولادته عليه السلام في البيت يوم انشقّ جداره لفاطمة بنت أسد فدخلته، مشهور كالشمس في رائعة النهار' (39)
السلطان محمّد بن تاج الدين في تحفة المجالس: 'إنّ القريب إلى الصواب أ نّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة' وذكر بعض أخبارها. ثمّ قال: 'وفي الأخبار أ نّه لم يكن شرف الولادة في البيت لأي أحد قبلَه ولا بعدَه' (40)
الشيخ العاملي الأصبهاني "ت 1100 ه" في ضياء العالمين: 'إنّ الولادة في البيت كانت مشهورة في الصدر الأول، بحيث لم يكن إنكارها مع أ نّهم- يعني أهل الخلاف- أنكروها أيضاً أخيراً' (41)
هذا، وإنّ هذه الشهرة في الأخبار لا يبارحها التواتر في الأسانيد.
وانظر العلّامة الحلّي "ت 726 ه" في كشف الحق وكشف اليقين (42)
والاربلي "ت 692 ه" في كشف الغمّة حيث قال: 'ولم يولد في البيت أحد سواه قبلَه ولا بعدَه، وهي فضيلة خصّه اللَّه بها إجلالاً له وإعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته' (43)
ومثله الشيخ ابن الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين.
والحافظ ابن شهر آشوب المازندراني "ت 588 ه" في مناقبه وبعد أن روى أحاديث الولادة (44)
العلّامة العاملي في الصراط المستقيم ذاكراً اُرجوزة السيّد الحسيني:
ومولدُ الوصيّ أيضاً في الحرم*** بكعبة اللَّه العليّ ذي الكرم (45)
العلّامة الطبرسي الآملي في تحفة الأبرار (46).
القاضي السعيد الشهيد سنة "1019 ه" التستري حين طفق ينازل ويناضل القاضي روزبهان من علماء المعقول والمنقول، حنفي الفروع أشعري الاُصول، في إحقاق الحق حيث قال: 'إنّ الفضيلة والكرامة في أنّ باب الكعبة كان مقفلاً، ولمّا ظهر آثار وضع الحمل على فاطمة بنت أسد- رضي اللَّه عنها- عند الطواف خارج الكعبة انفتح لها الباب بإذن اللَّه تعالى، وهتف بها هاتف بالدخول.
كما عقّب التستري على مسألة ولادة حكيم قائلاً: 'وعلى تقدير صحّة تولّد حكيم بن حزام قبل الإسلام في وسط بيت اللَّه الحرام فإنّما كان بحسب الاتفاق كما يتّفق بسقوط الطفل من المرأة، والعجل من البقرة في الطريق وغيره، على أنّ الكلام في تشرّف الكعبة بولادته فيها، لا في تشرّفه بولادته في الكعبة' (47).
أبو الحسن المالكي في "الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة" يذهب المذهب نفسه في ولادة حكيم: فبعد أن يذكر ولادة عليّ في جوف الكعبة قال: 'وأ مّا حكيم بن حزام فولدته اُمّه في الكعبة اتفاقاً لا قصداً'.
وقد أصفق في هذا الكلام معه البحّاثة عبد الرحمن الصفوري الشافعي في نزهة المجالس (48).
بعد هذا فإنّ كتباً كهذه 'المتينة المبنية على الحجاج والنضال لا سيما كتب العلّامة والقاضي التستري وابن البطريق لم يتوخّ مؤرخوها- والكلام ما زال للشيخ المؤلف- سرد الوقائع التاريخية من أينما حصلت، وإنّما قصدوا فيها إلزام الخصوم بالحجج النيّرة، فهل يمكنهم إذن أن يسترسلوا بإيراد ما توسّع بنقله القالة من دون تثبّت؟
لا، ولكن شريعة الحقّ والدين تلزمهم بإثبات الشائع الذائع المتلقّى عند الفريقين بالقبول المشهور نقله، الثابت إسناده بحيث لا يدع للمتعنت وليجةً إلى إنكاره، وإلّا لعاد ما يذكره ثلماً في بيانه، وفتّاً في عضد برهانه، فمن الواجب إذن أن يكون هذا الجواب ممّا يخضع له الخصم ولا يتقاعس عن الإخبات به الأولياء لمكان شهرة النقل له'.
روايات الولادة المباركة :
وهنا راح الشيخ المؤلّف يذكر بعض روايات الباب، نذكر بعضها ونكتفي بمصادر الاُخرى.
روى الوزير السعيد الإربلي في "كشف الغمّة" عن كتاب "بشارة المصطفى" مرفوعاً إلى يزيد بن قَعنب، قال:
كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطلب رضى الله عنه وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلقُ فقالت: يا ربّ، إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني إلّا ما يسرت عليَّ ولادتي.
قال يزيد بن قَعْنَب: فرأيتُ البيت قد انشقّ عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، وعادَ إلى حاله، والتزقَ الحائط، فرُمْنا أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك من أمر اللَّه عزّ وجل، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (49).
ورواها ابن الفتّال في "روضة الواعظين" وفي "كشف اليقين" للعلّامة الحلّي، و "كشف الحق" عن "بشارة المصطفى" وفي "الإرشاد" لأبي محمّد الحسن الديلمي عن البشارة أيضاً مثله (50).
وروى مختصراً منه محمّد صالح الترمذي في مناقبه (51).
ورواه مع بعض التغيير الشيخ الصدوق "ت 381 ه" في "الأمالي" و "علل الشرائع" و "معاني الأخبار" (52).
ورواه الشيخ الطوسي في "أماليه" عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن ابن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أيّوب، عن عمر بن الحسن القاضي، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن أبي حبيبة، عن سفيان بن عيينة، عن الزُهْري، عن عائشة.
وعن محمّد بن أحمد بن شاذان، عن سهل بن أحمد، عن أحمد بن عمر الربيعي، عن زكريا بن يحيى، عن أبي داود، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس ابن مالك، عن العباس بن عبد المطلب.
قال الشيخ: وحدّثني إبراهيم بن عليّ، بإسناده عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام، عن آبائه عليهم السلام قال:
كان العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى، بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء.
رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا.
وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام.
قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ.
قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمةٌ وعليّ على يديها.
وفي "المناقب" لابن شهر آشوب روايتان: رواية شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن العباس بن عبد المطلب؛ و رواية الحسن بن محبوب، عن الصادق عليه السلام، والحديث مختصر: أ نّه انفتح البيت من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، ثمّ عادت الفتحة والتصقت، وبقيت فيه ثلاثة أيّام.
عن يزيد بن قعنب؛ وجابر الأنصاري: وهو المعروف بحديث الراهب المثرم بن دعيب: فلمّا قربت ولادته أتت فاطمة إلى بيت اللَّه وقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك، فانفتح البيت ودخلت فيه فإذا هي بحوّاء، ومريم، وآسية، واُمّ موسى، وغيرهنّ، فصنعن مثل ما صنعن برسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقت ولادته.
وحديث الراهب رواه ابن الفتّال في "روضة الواعظين" على وجه هو أبسط من هاتين الروايتين المفصّلتين (53) كما ذكره غيره (54).
وفي هذه المصادر وفي غيرها روايات مفصّلة أيضاً حول الولادة المباركة (55).
وقد نظم مضامينها صاحب الوسائل الحرّ العاملي "ت 1104 ه" اُرجوزةً نذكر بيتين منها:
مولدُهُ بمكّة قد عُرف*** في داخل الكعبة زيدتْ شرفا
على رُخامة هناك حمر*** معروفة زادت بذاك قدرا (56)
والمشهور بين الخاصّة والعامة أ نّه وُلِدَ بين العمودين على البلاطة الحمراء.
وذكر العالم الشكوئي "ت 1330 ه" في كتابه "مصباح الحرمين" في وداع الكعبة اُموراً، منها 'الصلاة بين الاسطوانتين على الرّخامة الحمراء، وهي على رواية بعض العلماء محل ولادة أمير المؤمنين عليه السلام كما مرّ في فصل المستجار...' (57)
وقال الشيخ أحمد بن الحسن الحرّ في "الدرّ المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك" في الفصل الرابع، في ذكر أمير المؤمنين علي عليه السلام: ولادته في الكعبة في البيت على الحجر.
إذن فحديث ولادته عليه السلام أمر مشهور وروايته متواترة عند الفريقين.
نبأ الولادة والمحدّثون :
حتّى يصل سماحة الشيخ إلى المراد من المحدّثين راح يميّز بين المحدّثين الذين يصفهم بأ نّهم سذّج، لم يجيدوا إلّا نقل الأساطير أو قول بسيط مثل: 'حدّثني فلان' فيحشد أساطير وأقوالاً بعيداً عن التفقّه في مغزى الحديث والتبصّر في مؤداه....
يميّز بين هذا النوع من الذين يطلق عليهم أ نّهم المحدّثون وبين نوع آخر اُولئك هم أئمّة الحديث ومهرة فنّه النياقد، الذين- كما يعبّر الشيخ عنهم- لا يروقهم رمي القول على عواهنه، فلا يؤمنون بالمنقول إلّا بعد التفرّغ من أمر إسناده والتثبّت فيه والتروّي في متنه، حذار مخالفته لمعقول أو مصادمته لشي ء من الاُصول، وبالتالي فإنّ هذا المحدّث هو الحبر الناقد الضليع في العلم الذي ضرب فراغاً في أوقاته للتبصّر في هذا الفنّ، والإحاطة به من أطرافه. فهو محدّث وهو فقيه وهو مفسّر حين يتحرّى مغازي آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبآتها وهو فنيّ إذا عطف النظر على أيٍّ من العلوم.
وهذا هو المحدّث الذي يقصده سماحته ويريده وذكر لهذا مصاديق كالسيّد المرتضى والسيّد الرضيّ والشيخ الطوسي، وقبلهم الصدوق وبعدهم ابن شهر آشوب وابن الفتّال والعلّامة الحلّي وابن البطريق، ومن أهل السنّة كالحاكم وغيره.
وقفة قصيرة مع ابن أبي الحديد :
يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج: واختلف في مولد علي عليه السلام أين كان؟ فكثير من الشيعة يزعمون أ نّه وُلِدَ في الكعبة، والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في الكعبة حكيم بن حزام (58)
كيف يصحّ هذا والحاكم النيسابوري من أئمّة الحديث يقول: '... وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- في جوف الكعبة'.
وما قاله المحدّث الدهلوي بتواتره، وقول الآلوسي: 'إنّه أمرٌ مشهورٌ في الدنيا' وغيرهم من المحدّثين كما أسلفنا وكما هو آتٍ؟!
اللهمّ إلّا أن يقصد ابن أبي الحديد بالمحدّثين اُولئك الذين وصفهم الشيخ بالسذّج. لا مهرة الحديث وأئمّته.
وهذا العلّامة المحدّث أبو الفتح الكراجكي قال في "كنز الفوائد" بعد أن ذكر أحاديث في مقدّمة الولادة من خبر الكاهن ورؤيا فاطمة بنت أسد وتعبير الكاهن لها ما لفظه: 'وفي الحديث أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- دخلت الكعبة على ما جرت به عادتها، فصادف دخولها وقت ولادتها فولدت أمير المؤمنين عليه السلام داخلها' (59).
وممّن يذكر خبر الولادة المباركة كلّ من الشيخ أبو الفوارس في كتاب "الأربعين" والرواية التي يذكرها بسندها الطويل المضطرب إلى ميثم التمّار وفيها عدّة مناقب للإمام منها الولادة في الحرم (60).
والفقيه ابن المغازلي المالكي في مناقبه الذي يذكر حديث الولادة مرفوعاً إلى علي بن الحسين عليهماالسلام.
وأبو عبد اللَّه الشافعي الكنجي الحافظ "ت 658 ه" في كفاية الطالب الذي ذكر رواية الولادة لعليّ عليه السلام بسندها عن جابر بن عبد اللَّه (61)
حديث الولادة والنسّابون :
انظراً للأهميّة الكبيرة التي يمتاز بها النسّابون في معرفة فنّهم 'النسب وأخباره' نرى شيخنا قد أفرد لهم باباً خاصّاً في هذه المسألة مبيّناً مدى أهمية خبرتهم ووظيفتهم في هذا الموضوع، متعرّضاً لبعض أقوالهم في خصوص ولادة الإمام علي عليه السلام. فنصوصهم فيها من الحجج القويمة على إثباتها، ولهم قضاء فصل فيها وحكم عدل.
ومن هؤلاء النسّابة:
العمري في "المجدي": وولدت- يعني فاطمة بنت أسد- عليّاً عليه السلام في الكعبة، وما وُلِدَ قبله أحد فيها (62).
جمال الدين الداودي الحسني "ت 828 ه" في "عمدة الطالب": ذكر أنّ الولادة كانت في الكعبة، ونفى أن يكون أحد وُلِدَ في البيت سواه قبله وبعده، إكراماً له من اللَّه عزّ وجل (63)
العلامة السيّد محمّد الحسيني النجفي في "المشجّر الكشاف لأُصول السادة الأشراف": وُلِدَ علي بمكّة ثمّ قال: 'ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه الحرام سواه'.
ومثلهم النسّابة أبو عبد اللَّه الراضي صاحب "مناهل الضرب في أنساب العرب".
وهناك اُرجوزة للنسّابة أبي صالح النباطيّ النجفي "ت 1183 ه":
مولدُه الجمعةُ يومَ السابعِ*** في شهر شَعبان ببيت الصانعِ
حديث الولادة والمؤرّخون :
إن السابر زُبر التأريخ وحوادثه يجد هذا الحديث- والكلام للشيخ- من أثبت ما تعرّض له مؤلّفوها، وقد أثبتوه مخبتين به، مذعنين بحقيقته، ومنهم من نصّ بصحّته عندهم جميعاً.
وقد اختار الشيخ من هؤلاء المؤرّخين جمعاً وصفهم بالبراعة في فنّهم وقدرتهم على الوقوف على المختلف فيه والمتّفق عليه. وإن تعرّضت بحوث هذا الكتاب لمثل أقوال هؤلاء المؤرّخين أو بما يربو عليها أو يقاربها، ومع هذا نقرأ لبعضهم:
المؤرّخ محمّد خاوند شاه في "روضة الصفا"، قال: 'كانت ولادته عليه السلام في رواية يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، وكان ميلاده عليه السلام في جوف الكعبة، فإنّ اُمّه كانت تطوف بالبيت، أو أنّ المشيئة الإلهية أجاءتها إلى فنائه، وكانت في أوّل الطلق، فكانت ولادته فيها، ولم تتح هذه السعادة لأيّ أحد منذ بدء الخليقة إلى الغاية. وإن لصحّة هذا الخبر بين المؤرّخين المتحفّظين على الفضائل صيتاً لا تشوبه شبهة، وتجاوز عن أن يصحبه الشكّ والترديد' (64)
والرجل مع ذلك- كما يقول الشيخ- يصافق مَن تقدّمه على أ نّها ممّا اختصّ بها أمير المؤمنين عليه السلام ولا يشاركه فيها أيّ أحد.
ولا ريب في ذلك غير أنّ أعداء آل البيت النبوي افتعلوا حديث حكيم بن حزام فتّاً في عضد هذه الفضيلة، لكن المنقّبين من الفريقين لم يأبهوا به، وبذلك تعرف قيمة ما هملج به القاضي روزبهان من أنّ ذلك مشهور بين الشيعة ولم يصحّحه علماء التاريخ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حزام ولد في الكعبة ولم يولد فيه غيره... إلى آخره.
وستجد نصوص التاريخ بذلك، وعرفت ردّ الحاكم النيسابوري على من حصر ولادة البيت بحكيم، وذكر تواتر النقل بولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيه.
ومرّ أيضاً رواية أساطين أهل السنّة، ولذلك ما يتلوه:
المسعودي وهو الحجّة عند الفريقين يقول في "مروج الذهب" عند ذكر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام مثبتاً هذه الحقيقة، جازماً بها من غير ترديد، قال: 'وكان مولده في الكعبة' (65)
وقد احتجّ بكتابه هذا الموافق والمخالف وهو من المصادر الموثوقة وقد راعى فيه- والقول للمولف- جانب التقيّة بما يسعه، بتأليفه على نسق كتب أهل السنّة وما يرتضونه من رواياتهم، حتّى حسبه بعض من لم يرَ من كتبه غيره أ نّه منهم.
فهل من السائغ إذن أن يذكر في كتاب هذا شأنه غير الثابت المتسالم عليه عند الاُمّة جمعاء، لا سيّما في مثل المقام الذي يكثر فيه بطبع الحال ورطات القالة؟
وذكر في كتابه الآخر "إثبات الوصية":
'وروي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت، فجاءها المخاض وهي في الطواف، فلمّا اشتدّ بها دخلت الكعبة، فولدته في جوف البيت، وما وُلِدَ في الكعبة قبلَه ولا بعدَه غيره' (66)
و "إثبات الوصيّة" من أنفس كتب الإمامية، وليس من الجائز أن يحتجّ ويتبجّح فيه بما لا يقرّ به الخصم، ولا تذعن به اُمّته، ثمّ يقول بكلّ صراحة: 'وما ولد...' وبمشهد منه ومسمع ما تحذلقوا به من أمر حكيم بن حزام!! غير أنّ المؤرّخ لا يقيم له وزناً.
وذكر حمد اللَّه المستوفي "ت 750 ه" في "تاريخ گزيده": 'أنّ مولده عليه السلام كان سنة ثلاثين من عام الفيل، وكان في الكعبة حيث كانت اُمّه في الطواف فبان عليها أثر الطَلق، فأشارت إلى البيت ووضعته في جوفه' (67)
محمّد بن طلحة الشافعي في "مطالب السؤول" وقيل: 'ولد في الكعبة، البيت الحرام' (68)
ولا نكترث بإسناد ولادة البيت إلى القيل، بعد قول الحاكم بتواترها، وقول الآلوسي باشتهارها في الدنيا.
المؤرّخ نشانجيّ في "مرآة الكائنات": 'أ نّه عليه السلام وُلِدَ ولرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلاثون سنة، كانت اُمّه فاطمة زائرة البيت فولدته فيه لحكمة للَّه سبحانه فيه، ولم يرزق هذا غيره وغير حكيم بن حزام'. (69) حيث عدّ ولادته عليه السلام من حكم اللَّه سبحانه.
عبد الحميد خان الدهلوي في "سير الخلفاء" نقل عن غير واحد من المؤرّخين، أ نّه 'ولد في مكّة المكرّمة، ولم يتولّد أحد قبله في حصار البيت...' (70)
المؤرّخ والمحدّث القمي في "تاريخ قم" سنة "378 ه": 'إنّ ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة...' (71).
وقال السيّد علي جلال الحسيني المؤرّخ المصريّ في كتابه "الحسين عليه السلام": 'أ نّه |الإمام عليّ عليه السلام| وُلِدَ بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل...' (72)
أحمد الغفاري القزويني من مؤرّخي القرن العاشر ذكر في "تاريخ نگارستان" أ نّه عليه السلام وُلِدَ في جوف الكعبة (73)
المؤرّخ الشروانيّ ذكر أ نّه عليه السلام وُلِدَ في جوف الكعبة وأنّ غيره لم يولد هناك (74)
الكاشفي ذكر حديث بن قعنب في "روضة الشهداء" عن "بشارة المصطفى".
الإمام البناكتي أ نّه 'لم يولد أحد قبلَه ولا بعدَه في البيت'. (75)
عبد المسيح الأنطاكي صاحب مجلّة "العمران" المصرية، ونحن نقتبس طاقة من خمسة آلاف بيت نظمها في حياة أمير المؤمنين عليه السلام:
في رَحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت*** أنوارُ طفل وضاءت في مَغانيها
واستبشرَ الناسُ في زاهي ولادته*** قالوا: السُّعودُ له لابدَّ لاقيها
قالوا ابنُ مَن؟ فأُجيبوا إنّه ولدٌ*** من نسل هاشم من أسمى ذَراريها
هنّوا أبا طالبِ الجوّاد والدَهُ*** والأُمَّ فاطمةٌ هُبُّوا نُهنّيها
إنّ الرضيعَ الذي شام (76) الضياء ببي***ـــتِ اللَّه عزّتُهُ لا عزَّ يَحكيها
أ مّا الوليدُ فلاقى الأرض مُبتسم*** فما رغا رَهَباً ما كان خاشيها
وعام مولده العام الذي بدأت*** بشائرُ الوحي تأتي من أعاليها
فيه الحجارةُ والأشجار قد هتفت*** للمُصطفى وهو رائيها وصاغيها
وإذ درى المصطفى فيه ولادةَ مو*** لانا العَليّ غدا بالبُشر يُطريها
وباتَ مُستبشراً بالطفلِ قال به*** لنا من النِعَمِ الزَهراء ضافيها
ثمّ راح الأنطاكي يقول: 'كانت ولادة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين في العام الثلاثين لولادة المصطفى- عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام- على ما حقّق المحقّقون، فتكون ولادته الشريفة حول سنة ستة مائة وواحد مسيحيّة، ومن بشائر سعده- عليه صلوات اللَّه- أ نّه وُلِدَ في الكعبة كرّمها اللَّه، ولدته اُمّه فيها فاستبشر بذلك أبوه وعمومته.
وعند ولادته الشريفة- والكلام ما زال للناظم الأنطاكي- دعته اُمّه: حيدرة، ومعنى هذه الكلمة: الأسد، فكأ نّها أرادت أن تسمّيه باسم أبيها، فلمّا وقعَ نظرُ أبيه أبي طالب عليه توسّم بملامحه العلاء، ودعاه عليّاً. وقد صدّقت الأيّام فراسته، فكان عليه صلوات اللَّه عليّاً في الدنيا والآخرة.
وعام وُلِدَ سيّدنا أمير المؤمنين- عليه صلوات اللَّه- هو العام المبارك الذي بدى ء فيه برسول اللَّه صلى الله عليه و آله فأخذ يسمعُ الهُتاف من الأحجار والأشجار ومن السماء، وكشف عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً. وفي هذا العام ابتدأ بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حِراء، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتيمّنُ بذلك العام وبولادة سيّدنا عليّ- عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام- وكان يسمّيه: سنة الخير، وسنة البركة. وقال المصطفى صلى الله عليه و آله لأهله عندما بلغته بشرى ولادة المرتضى: 'لقد وُلِدَ لنا الليلة مولودٌ، يفتحُ اللَّه علينا به أبواباً كثيرةً من النعمة والرحمة'. وكان قوله هذا أوّل نُبوّته، فإنّ المرتضى- عليه صلوات اللَّه- كان ناصره، والحامي عنه، وكاشف الغمّاء عن وجهه، وبسيفه ثبت الإسلامُ، ورسخت دعائمُه وتمهّدت قواعدُه'. (77)
وقد ضمّن قصيدته كلّ ذلك وغيره من حياة الإمام عليه السلام.
العلّامة السيّد محمّد الطباطبائي في الرسالة الموضوعة لتأريخ مواليد أئمّة الدين عليهم السلام ووفياتهم: أ نّه عليه السلام 'ولد بمكّة في جوف الكعبة، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه أحد فيه سواه، إكراماً له من اللَّه جلّ اسمه بذلك...'.
السيّد أبو جعفر الحسيني في شرح قصيدة أبي فراس الحمداني، تعيين يوم ولادته بالجمعة... ومحلّها بالكعبة (78).
قال الكفعمي في "المصباح": '... وُلِدَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة...' (79).
شيخ الإسلام الزنوزيّ في "بحر العلوم": 'أنّ محلّ ولادته عليه السلام الكعبة'.
النخجوانيّ في "تجارب السلف في تواريخ الخلفاء ووزرائهم"، فرغ منه سنة "724 ه": 'أنّ علياً عليه السلام وُلِدَ في الكعبة، وسمّاه النبيّ صلى الله عليه و آله علياً، وكنّاه بأبي تراب' (80).
قال الحلبيّ في سيرته "إنسان العيون": 'إنّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة...'.
ثمّ قال: 'وقيل، الذي وُلِدَ في الكعبة حكيم بن حزام، قال بعضهم: لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة، لكن في "النور" حكيم بن حزام ولد في الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأ مّا ما روي أنّ عليّاً عليه السلام ولد فيها، فضعيف عند العلماء' (81)
وأنت تجد من سياق العبارة- وهذا القول للشيخ- أنّ المعتمد عند الرجل هو ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة، ولذلك ذكرها أوّلاً مرسلاً إيّاها إرسال المسلّم، ثمّ عزا ولادة حكيم بن حزام فيها إلى القيل إيعازاً إلى وهنه، ولذلك أردفه بجواب البعض عنه، لكنّه وجد لصاحب "النور" كلمة لم يرقه الإغضاء عنها بما هو مؤرّخ، أخذ على عاتقه إثبات المقول في كلّ باب، وإذ لم يجد جواباً عنها لغيره لم يشفعها به، واكتفى هو بما ذكرناه من اعتماده على حديث الولادة عن أن يردّ كلمة الرجل، لأ نّه مؤرّخ لا مُنقّب.
وقفة مع صاحب كتاب النور
ويكفينا تفنيداً لقول صاحب النور نصوص علماء أهل السنّة في ذلك، ورواياتهم، كنصّ الحاكم والمحدّث الدهلويّ بتواتر حديثه، وقول الآلوسيّ: 'إنّه أمر مشهور في الدنيا'.
ثمّ واصل شيخنا كلامه: وأيّ عالم يردّ المتواتر، أو يعدوه أمر مشهور ثبوته في الدنيا فيضعّفه حتّى يقول الرجل بمل ء فيه: 'إنّه ضعيف عند العلماء'؟
وإن تعجب فعجب إثباته ولادة حكيم التي لم يستقم إسنادها، ولا اعترف بها مخالفوه واُمم من موافقيه، وعلى فرض وقوعها فقد ذكرنا في غير مورد من هذه الرسالة وذكر الصفوريّ الشافعيّ: 'أ نّها من الصدف التي لا تثبت فضيلة ولا تخرق عادة'.
ثمّ تضعيفه ولادة أمير المؤمنين التي أخبت بها أئمّة الحديث، وأثبتها نقلة التاريخ، وطفحت بها كتب الأنساب، ونظمتها الشعراء، وقال بها العلماء، وفيهم من ينفي أن يكون لغيره- صلوات اللَّه عليه- مولد في البيت، وهو ما ورد عن الحاكم: 'ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه الحرام سواه'. وما عن البدخشيّ قوله: 'ولم يولد في البيت أحد سواه، قبلَه ولا بعدَه، وهي فضيلة خصّه اللَّه بها'. وقد مرّ ما عن أبي داود البناكتي. وكلمة ابن الصبّاغ المالكيّ السابقة: 'ولم يولد في البيت الحرام قبلَه أحد سواه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالى بها إجلالاً له، وإعلاءً لمرتبته، وإظهاراً لتكرمته'. وقول الدهلوي في "سير الخلفاء": أ نّه 'لم يتولّد أحد قبله في حصار البيت'. والآلوسيّ في أوليّات هذه الرسالة: 'ولم يشتهر وضعُ غيره كرّم اللَّه وجهه،كما اشتهر وضعه' يوعزإلى وهن حديث حكيم، وانحياز الشهرة عنه. وقول الدهلويّ في "إزالة الخفاء": 'ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبلَه ولا بعدَه'.
هذه كلمات بعض مهرة الفنّ وأئمّة النقل، وهنا يقول الشيخ: فلو كان يُقام لولادة حكيم في البيت وزن عند هؤلاء لما أطلقوا القول بمل ء الأفواه أنّ تلك خاصّة لأمير المؤمنين عليه السلام لا يشاركه فيها أحد، مع وقوفهم على أمر حكيم، وفيهم من أورد خبر ولادة حكيم في كتابه لكنّه غير آبهٍ به.
وقفة مع الدياربكري :
ويقرب من هذه الهملجة ما جاء به الديار بكري في "تاريخ الخميس" قال: 'ولد بمكّة بعد عام الفيل بسبع سنين، ويقال: كانت ولادته في داخل الكعبة ولم يثبت' (82)
ولم يترك الشيخ المؤلّف هذا العزم دون جواب فيقول:
وليت شعري بماذا تثبت الحقائق التاريخية؟ أبالوحي، أم بأخبار الأنبياء، وهتاف الكتب السماوية، أم أنّ المرجع فيها الرجل والرجلان من النَقَلَة والرواة؟ وهل التزم الدياربكري في كتابه بأكثر من هذا؟ فما بال هذه الحقيقة التي هَتفت بها المئات والاُلوف، وأثبتتها طبقات الناس جيلاً بعد جيل لم تثبت عنده، وثبتت لديه هَفوات التاريخ، التي لو أحصيتها لخرجت عن وضع الرسالة؟
ثمّ ما بال الدياربكري يعتمد على "شواهد النبوّة" كلّما نقل عنه، ولا يرتضيه في خصوص المقام؟
ثمّ ما باله يغضّ الطرف عن غلطه الشائن من أنّ ولادته عليه السلام كانت بعد عام الفيل بسبع سنين، لكنّه يردّ حديث ولادة البيت بعدم الثبوت؟
أنا أدري لماذا، وأنت تدري، وقبلنا الديار بكري يدري.
حديث الولادة والشعراء :
وللشعر والشعراء قصب السبق في إثبات هذه الفضيلة للإمام عليه السلام وقد بلغت من الشهرة حتى لم تدع مجالاً لإنكارها أو التشكيك فيها.
وهنا يبدأ المؤلّف هذا الفصل وقبل أن يذكر القصيدة وقائلها، بمقدّمة جميلة جدّاً لا يسعنا تجاوزها أو اختصارها فهو يقول:
عرفت أن الحديث بلغ من الشهرة والثبوت بحيث لا يسع أيّ مُعنت إنكاره؛ ولذلك احتجّ به فريق كبير من المحقّقين في كتب الإمامة، وأرسله إرسال المسلّمات جموع من نياقد فنّ الحديث في باب الفضائل، وتبجّح به زُرافات من حملة العلم ونقّاده في مؤلّفاتهم، وهنالك لفيف لا يستهان بعدّتهم، ولا يغمز في شي ء من تثبّتهم وضبطهم من صيارفة القول، وصاغة القريض، وزبناء الشعر، بين عالم ضليع، وأديب بارع، وشاعر مبدع، تصدّوا لإثبات هذه الفضيلة في ما أفرغوه في بوتقة النظم، أو حاكوه على نول الحقيقة، فسار ذكرها مع الركبان وانتشر نشرها مع مهبّ الريح، كما مرّ عن الحميري والسرخسي والشفهيني والحرّ العاملي والافتوني وغيرهم.
ثمّ أخذ يذكر آخرين إتماماً لما ذكره سابقاً.
حديث الولادة مجمع عليه :
بهذا العنوان صدّر الباحث الفصل الأخير من كتابه القيم هذا، بعد أن أثبت في فصوله السابقة حديث الولادة عند الفريقين وأنه حديث مشهور عندهم حيث أعاد قول الآلوسي 'إنّه أمر مشهور في الدنيا'، وأنّه 'من المناقب المتسالم عليها التي لا يفتقر ناقلها إلى كتاب' كما ذكر ذلك السيّد حيدر الآملي، وأنّ روايته مسندة عند الفريقين مصفقين على نقله وهو ما عرفناه عن ابن اللوحيّ. وأنّ العلّامة النوري ترقّى أكثر مصرّحاً بأنّ تلك الفضيلة لا يبعد كونها من ضروريّات مذهب الإماميّة، وأنها جاءت في أخبار غير محصورة وفي كلمات العلماء وفي الخطب والأشعار في جميع الأعصار، وهو إجماع الشيعة عليه كما نقل ذلك صاحب 'مدينة المعاجز' عمّا ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه، وفي مناقب المعصومين أنه إجماع أهل البيت عليهم السلام.
ثمّ ذكر أقوال بعض علماء الشيعة حيث أرسلوا ولادته عليه السلام في الكعبة إرسال المسلّمات نافين عنه أيّة شبهة وارتجاف، ومنهم العلّامة قطب الدين اللاهجي في كتابه "محبوب القلوب" فبعد أن نصّ على أنّ ولادته عليه السلام تمّت داخل الكعبة يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب قبل الهجرة بثلاثة وعشرين عاماً. قال: 'ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه' مبيّناً أ نّها 'فضيلة خصّة اللَّه تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته'.
ويقرب من هذا أقوال كلّ من السيّد عباس الموسوي المكّي في رحلته "نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس" والسيّد نعمة اللَّه الموسوي الجزائري "ت 1112 ه" في "الأنوار النعمانيّة" ونظام الدين الساوجي في تكملة الجامع العبّاسي لبهاء الدين العاملي ناصّاً أنّ 'ولادته في جوف الكعبة'.
وفي مزار 'أبواب الجنان وبشائر الرضوان' أرسله إرسال المسلم الشيخ خضر العفكاوي النجفي "ت 1255 ه".
ومن ذلك ما ذهب إليه العلّامة الشريف الشيرواني في كتابه 'الشهاب الثاقب' قائلاً: 'إنّه وُلِدَ في مكّة ببيت اللَّه الحرام' معقباً ذلك بقوله: 'ولم يولد فيه قطّ سواه لا قبلَه ولا بعدَه' مخالفاً بذلك غيره من أنّ ولادته يوم 13 رجب ناسباً ولادته يوم الجمعة إلى القيل.
وفي 'تقويم المحسنين' أثبت الفيض الكاشاني "ت 1091 ه" في حوادث رجب: وُلِدَ علي بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة وللنبيّ صلى الله عليه و آله يومئذ ثمان وعشرون سنة. وقد ماثله في ذلك الشيخ أبو محمّد الديلمي في "إرشاده" ذاكراً أ نّها من فضائله عليه السلام الجمّة المخصوصة به.
وقد ماثلهم في ذلك أيضاً صاحب "منهاج البراعة" في شرح نهج البلاغة السيّد حبيب اللَّه الموسوي الخوئي بقوله: 'وقد خصّه اللَّه بهذه الفضيلة على سائر الأنام، ولم يولد في البيت أحد قبلَه ولا بعدَه...'.
ونهج منهجهم أيضاً العلّامة السيّد حيدر الكاظمي "ت 1265 ه" في كتابه "عمدة الزائر"، ناقلاً رواية ذكرها الشيخ في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام: كانت ولادته يوم الأحد لسبع خلون من شعبان، وكان بين مولده ومولد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلاثون سنة، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في بيت اللَّه الحرام سواه إكراماً له وتعظيماً له من اللَّه تعالى بذلك وإجلالاً لمحلّه.
ويقول السيّد مهدي القزويني "ت 1300 ه" في "فلك النجاة": 'ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب، وروي سابع شعبان، والأوّل أشهر بعد مولد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بثلاثين سنة، في الكعبة البيت الحرام...'.
وأمّا السيّد محسن الأعرجي فقد نسب ولادته في شعبان إلى القيل ذاكراً حديث يزيد بن قعنَب الذي ذكره الصدوق.
وهنا يقول شيخنا عن السيّد الأعرجي: 'وهذا العالم البحاثة النيقد وجد خلافاً في شهر الولادة فأوعز إليه، لكنّه لم يجد في حديث البيت أي ترديد، فلم ينبس عنه ببنت شفّة، ولو كان مثله يجد شيئاً لما آثر تركه؛ وهو ذلك الصريح الشديد في البحث'.
وهكذا كلّ من الشيخين عبد النبيّ الجزائري في "حاوي الأقوال" والشيخ أبو علي الرجالي في "منتهى المقال" وهما من أعلام الدين وقد أخبتا بها ولصحتها.
وفي الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية للسيد علي خان المدني الشيرازي "ت 1210 ه"، قد أذعن بحقيقة وحقيّة ما نقله عن "الفصول المهمة" لنور الدين علي الصبّاغ المكّي المالكي "ت 855 ه"، 'ولد عليّ عليه السلام بمكة المشرّفة بداخل البيت الحرام، ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته'.
وفي عقائد الشيعة لعلي أصغر البروجردي الذي ذكر فيه بأنّ مولده عليه السلام في وسط البيت ضحى الجمعة بعد ثلاثين عاماً من ولادة النبيّ الأعظم.
بعد هذا كلّه يعلن المؤلّف عن اكتفائه بهذه النماذج قائلاً: ولعلّها جمعاء كقطر من بحر بالنسبة إلى ما يجده السابر لكتب علمائنا.
علماء أهل السنّة :
ثمّ راح يعلن إصفاق علماء أهل السنّة ومحدّثيهم وعرفائهم معنا في إثبات هذه المأثرة الفاضلة، وعدّ هذا من أجلى الحقائق وأثبتها.
فكلام الحاكم في مستدركه وحكمه بتواتر النقل به، وما نقله الحافظ الكنجي الشافعي عنه ذلك وما حكم بتواتره المحدّث الدهلوي وقد وافقهم الآلوسي بما نصّه ب 'أنّ ذلك مشهور في الدنيا' ومثله ما ورد عن الصفوري الشافعي وفي 'تاريخ گزيده' لحمد اللَّه المستوفي، و "مطالب السؤول" لابن طلحة الشافعي و "مرآة الكائنات" لنشانجي زاده و "سير الخلفاء" للدهلوي المعاصر وكتاب "الحسين" للسيد علي جلال الحسيني، وعبد الباقي أفندي العمري والمولى الرومي، ومعين الدين الجشتي وعبد الرحمن الجامي في شعرهم والأمير محمّد صالح الترمذي في مناقبه.
ثمّ بعد كلّ هذا أخذ شيخنا أيضاً ينقل بعض أسماء العامّة ممّن لم يمتاروا في صحّة خبر الولادة بل فسّروه خاضعين لأمره كما يصفهم بذلك شيخنا، فنور الدين الصبّاغ المكي المالكي "ت 855 ه" في "الفصول المهمّة" قال صريحاً: 'ولد علي عليه السلام بمكّة المشرّفة بداخل البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللَّه الأصمّ رجب الفرد، سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته' (83)
وقد نقل هذه العبارة كلّ من الصفوري الشافعي في "نزهة المجالس" (84)
والسيّد علي خان المدني في "الحدائق الندية" (85)
والشبلنجي الشافعي في "نور الأبصار" والسمهودي في "جواهر العقدين" وبرهان الدين الحلبي في "إنسان العيون"، وما ذكره السبط ابن الجوزي في "تذكرة خواصّ الاُمّة" هو: 'روي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ عليه السلام فضربها الطلق، ففتح لها باب الكعبة، فدخلت فوضعته فيها، وكذا حكيم بن حزام ولدته اُمّه فيها'.
وهنا راح يفرّق بين الولادة المزعومة لحكيم بن حزام داخل الكعبة وبين ولادة عليّ عليه السلام داخل الكعبة فيقول:
إن ولادة حكيم فيها، على تقدير صحّتها- والكلام للمؤلّف- من جملة الصدف والاتّفاقات غير القصديّة، فليس فيها فضل ما غير تلويث البيت بالمخاض، ويجب تطهيره. وأين هذه من ولادة أمير المؤمنين عليه السلام الذي فُتح لاُمّه الباب، كما في عبارة السبط نفسه "ففتح لها باب الكعبة فدخلت فيها"، ولم يُفتح لغيرها بالرغم من جهدهم في ذلك كما سبق في أحاديث كثيرة، أو انشقّ لها جدار البيت فدخلته كما في أحاديث الشيعة، ولا يعدو ذلك أن يكون الأمر إلهيّاً قصد به التنويه بشرف المولود المبارك الذي شرَّف البيت بولادته فيه!
وهناك حديث طويل أخرجه أبو نعيم الحافظ يبدو أ نّه في فضل فاطمة بنت أسد أو في فضل ولادة علي داخل الكعبة إلّا أ نّهم قالوا: 'في إسناده رَوح بن صلاح ضعّفه ابن عديّ فلذلك لم نذكره'.
وروح هذا في الوقت الذي ضعّفه ابن عدي فإنّ ابن حبّان ذكره في الثقات كما أنّ الحاكم قال عنه: ثقة مأمون (86).
كما أنّ نقل ابن الجوزي حديث الولادة المباركة لعليّ عليه السلام داخل الكعبة بصيغة المجهول 'روي' لم يكن به- والكلام للشيخ- أيّ إيعاز إلى الوهن فيه بعدما عرفنا أنّ المعهود من ابن الجوزي في غير مورد من هذا الكتاب من إرداف الحديث بنقده أو تعميمه أو حذفه رأساً لضعفه، وإنّما جاء به كذلك لتكثر طرقه الموجب للإطناب إذا تصدّى لسردها، ولشهرته المغني عن ذكر الأسانيد، وإنّما الغرض الإشارة إلى إحدى المسلّمات بأوجز بيان.
ومثل السبط ابن الجوزي مثل السيّد ابن طاوس "ت 664 ه" في كتابه 'الإقبال' حيث كان يذكر رواية ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة بصيغة المبني للمجهول فكان يقول: روي أن يوم ثالث عشر رجب كان مولد مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة (87)
والمتحصل من ذلك كلّه أنّ الولادة محل إجماعهم وتأريخها محل خلافهم.
وقفة المؤلّف مع الكازروني :
قال أحمد بن منصور الكازروني في "مفتاح الفتوح": ولدت فاطمة عليّاً عليه السلام في الكعبة، ونقل عنها أ نّها كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم وعليّ في بطنها لم يمكّنها؛ ولذا يقال عند ذكر اسمه: 'كرّم اللَّه وجهه، أي كرّم اللَّه وجهه عن أن يسجد لصنم'.
وهنا يقول الشيخ: أنا لا أُحاول تصديق الرجل في كل ما يقول غير ما أتيت به من كلامه شاهداً لموضوع الرسالة، فإنّي لا اُصافقه على أنّ فاطمة كانت تسجد للصنم، وإن كان ابنها أكبر وازع عن عبادة الأوثان، ولو كنت اُجوّز لها تلكم الاُسطورة، لما عداني اليقين بما ذكره من أمر جنينها. لكنّي اعتقد أنّ كون الإمام سلام اللَّه عليه في بطنها حملاً، وتقدير كونها حاملاً له عليه السلام من اللَّه سبحانه منذ الأزل، كان عاصماً لها عن عبادة الأصنام كبرهان الربّ "العصمة" المانع يوسف عن الزنا، وهذا هو الذي نعتقده في آباء النبيّ والأئمة عليهم وعليه السلام واُمهاتهم، فهم مبرّؤون عمّا يصمهم في دين أو دنيا.
ثمّ قال: إنّا لا نقيم لهاتيك الرواية الساقطة وزناً، وإن وافق راويها في إخراجها ابن حجر في "الصواعق" ولقد أُسرَّ ناقلها حَسواً في ارتغاء يزيد وقيعة في اُمّ الإمام كما تحامل على أبيه المقدّس فحكم بكفره لأمر دبِّر بليل، فصبّها في قالب الفضيلة له وتلقّاها الغير في غير ما رويّة، انتهى.
أما عبد الرحمن الجامي في "شواهد النبوّة" (88)
فقد أسند حديث ولادة الإمام علي عليه السلام إلى بعضهم. وإن خلط الحابل بالنابل- كما يقول عنه المؤلف- وجاء بعثرات لا تقال حول تاريخ الولادة مخالفة للضرورة والإجماع، إلّا أنّ المهمّ في كلامه هو إسناد حديث الولادة.
وما قاله الشيخ عبد الحق بن سيف الدين المحدّث الدهلوي في "مدارج النبوّة"، وقالوا: 'إنّ ولادته كانت في جوف الكعبة' (89)
وأمّا حديث الولادة الذي رواه يزيد بن قعنب فقد ذكره الأمير محمّد صالح الكشفي الترمذي الأكبر آبادي في كتابه "المناقب" بأسانيد متكرّرة، وقد أرسله إرسال المسلّم في كتابه المذكور، ونقل أيضاً في كتابه هذا قول أبي داود البناكتي: 'لم يحظ أحد قبل الإمام عليه السلام ولا بعده بشرف الولادة في البيت' (90)
وصدر الدين أحمد البردواني وهو من متأخّري علماء السنّة في "روائح المصطفى" قال: 'كانت ولادته عليه السلام في جوف الكعبة...' (91)
وشاه محمّد حسن الجشني في كتاب "آئينه تصوّف" قال: إنّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة.
وميرزا محمّد بن رستم البدخشي قال في "مفتاح النجا في مناقب آل العبا":...ولم يولد في البيت الحرام أحد سواه، قبلَه ولا بعدَه، وهي فضيلة خصّه اللَّه بها.
وأمّا العلّامة الشيخ الشنقيطي المدرّس بالأزهر في "كفاية الطالب لمناقب عليّ بن أبي طالب" وهو شديد التحرّز من أحاديث الروافض المكذوبة كما يزعم؛ لأن الإمام عليه السلام في غنى عنها كما يرى الشنقيطي لكثرة ما ثبت في السنة من أحاديث فضائله، أرسله إرسال المسلّم أن من مناقبه- كرّم اللَّه وجهه- أ نّه ولد في داخل الكعبة، ولم يعرف ذلك لأحد غيره إلّا حكيم بن حزام رضى الله عنه.
وقد أوضحنا القول في هذه الولادة الأخيرة المزعومة في المقدّمة وفي متون هذا الكتاب فلا نعيد.
وقفة أخيرة :
ويفرد المؤلّف ختام فصله الأخير من كتابه القيّم، بمناقشة مختصرة لما قاله الشيخ علي القاري في "شرح الشفا" بعد أن قال في حكيم بن حزام: 'ولا يعرف أحد وُلِدَ في الكعبة غيره على الأشهر' ما نصّه: 'وفي "مستدرك الحاكم" أنّ علي بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- أيضاً وُلِدَ في داخل الكعبة' (92)
فيقول الشيخ المؤلف بعد ذكره لما قاله القاري:
ليت القاري لم يسحب ذيل أمانته على كلمة الحاكم الموجودة في "المستدرك" وليته ذكر قوله: تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين في جوف الكعبة.
ثمّ واصل الشيخ ردّه بقوله: ليت! وهل ينفع شيئاً ليتُ؟ عذرته، فهو حين رمى القول على عواهنه في ولادة حكيم بن حزام بإسناده إلى الأشهر المستخرج من علبة مخيلته لم يكن يسعه المصارحة بأنّ خلافه ممّا تواترت به الأخبار، فلا أقلّ من التكافؤ بأن يكون كلّ منهما مشهوراً. فكان الأحفظ لسمعته والأستر لِمَيْنِهِ: أن يمسخ كلمة الإمام الحاكم إلى رأيت، وكان من المحتمل القريب أن لا يناقشه أحد الحساب، لكن الحقيقة لابدّ وأن تبرز نفسها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ مقال طبع في مجلة "ميقات الحج" العدد 168:14-208.
2 ـ اُنظر أعيان الشيعة 410:2.
3 ـ لاحظ ترجمته المفصّلة وترجمة مشايخه في كتابه 'السبيل الجدد إلى حلقات السند' المطبوع في مجلّة 'علوم الحديث' العدد الثاني.
4 ـ كتاب الغدير 37:6.
5 ـ المجموعة الكاملة 35:2.
6 ـ تاريخ دمشق 93:15.
7 ـ تاريخ دمشق 98:15.
8 ـ تاريخ دمشق 95:15.
9 ـ التبيين في أنساب القرشيين: 266.
10 ـ تهذيب الكمال 46:14، وسير أعلام النبلاء 429:4.
11 ـ اُنظر سير أعلام النبلاء 314:12، وتهذيب التهذيب 313:3، وميزان الاعتدال 66:2.
12 ـ انظرها في سير أعلام النبلاء 314:12.
13 ـ تاريخ دمشق 98:15.
14 المستدرك 549:3 /6041 /1639.
15 ـ المستدرك 550:3 /6044 /1642
16 ـ اُنظر سير أعلام النبلاء والأنساب وجمهرة النسب.
17 مقدّمة جمهرة النسب.
18 أخبار مكة "للأزرقي" 174:1.
19 تذكرة الحفّاظ 501:2، والجرح والتعديل 124/8، وسير أعلام النبلاء 96:12.
20 التاريخ الكبير 29:6، والتاريخ الصغير 234:2، والجرح والتعديل 390:5، وتاريخ بغداد 441:10، وتهذيب التهذيب 351:6، وميزان الاعتدال 632:2].
21 من المصادر التي اعتمدتها في هذه المقدمة المختصرة مقالة قيّمة ونافعة للأُستاذ شاكر شبع "الولادة في الكعبة المعظّمة" نشرت في مجلة تراثنا العدد 26، وطبعت في هذه المجموعة برقم "5"].
22 ـ المستدرك 483:3.
23 ـ كفاية الطالب: 407، وانظر الغدير "للشيخ الأميني" 22:6.
24 ـ الغدير "للشيخ الأميني" 22:6.
25 ـ انظر الغدير 22:6-23.
26 ـ الكشكول: 189.
27 ـ غاية المرام: 13.
28 ـ اُصول العقائد: 165 مترجماً من الفارسية وملخصاً.
29 ـ اعلام الورى: 153.
30 ـ شرح القصيدة المذهبة: 51.
31 ـ خصائص الأئمة: 39.
32 ـ التهذيب 19:6 كتاب المزار.
33 ـ مصباح المتهجد: 741 و 754.
34 ـ الإرشاد: 90، والمقنعة: 72، ومسار الشيعة: 35.
35 ـ انظر الإقبال: 608، ومصباح الزائر: 106، والمزار الكبير: 267، والبحار 374:100.
36 ـ انظر المجدي: 11.
37 ـ انظر المناقب "لابن شهر آشوب" 175:2-176، وروضة الواعظين: 81، وأعيان الشيعة 324:1.
38 ـ جلاء العيون 232:1، فارسي.
39 ـ تحفة السلاطين: 2، فارسي.
40 ـ تحفة المجالس: 64، فارسي.
41 ـ ضياء العالمين: 2.
42 ـ نهج الحق وكشف الصدق: 232، وكشف اليقين: 5.
43 ـ كشف الغمّة 59:1.
44 ـ مناقب ابن شهر آشوب 175:2.
45 ـ الصراط المستقيم 215:2.
46 ـ تحفة الأبرار، ب 4، ف 2.
47 ـ انظر إحقاق الحقّ.
48 ـ الفصول المهمة: 30، وأيضاً نزهة المجالس 204:2.
49 ـ كشف الغمّة 60:1، وبشارةالمصطفى: 7.
50 ـ إرشاد القلوب: 211.
51 ـ مناقب مرتضوي: 87، ط. بومباي، 1321 ه.
52 ـ الأمالي 9:114، وعلل الشرائع 3:1 و 135، ومعاني الأخبار 10:62.
53 ـ روضة الواعظين: 81- 77.
54 ـ الفضائل "لشاذان بن جبرئيل": 54، وجامع الأخبار: 15.
55 ـ علل الشرائع 135:3، ومعاني الأخبار 62:10، وأمالي الصدوق 114:9، وأمالي الطوسي 317:2، ومناقب ابن شهر آشوب 172:2، وروضة الواعظين: 77.
56 ـ منظومة في تواريخ المعصومين عليهم السلام، مخطوطة.
57 ـ مصباح الحرمين: 194.
58 ـ شرح نهج البلاغة 14:1.
59 ـ كنز الفوائد 255:1.
60 ـ الأربعون حديثاً، مخطوط، ونوادر المعجزات: 10، واليقين: 73، وفضائل ابن شاذان: 2.
61 ـ كفاية الطالب: 405.
62 ـ المجدي: 11.
63 ـ عمدة الطالب: 58.
64 ـ روضة الصفا، مترجماً من الفارسية وملخصاً.
65 ـ مروج الذهب 349:2.
66 ـ إثبات الوصية: 111.
67 ـ تاريخ گزيده "فارسي": 192 مترجماً وملخصاً.
68 ـ مطالب السؤول: 11.
69 ـ مرآة الكائنات 383:1.
70 ـ سير الخلفاء: 208 مترجماً من الهندية وملخّصاً.
71 ـ تاريخ قم: 191.
72 ـ كتاب الحسين عليه السلام 16:1.
73 ـ تاريخ نگارستان: 10، وانظر بشأنه كشف الظنون 1976:2، والذريعة 308:24.
74 ـ روضة الصفا الجزء العاشر مترجماً من الفارسية وملخّصاً كتاب جاماسب: 51.
75 ـ روضة الشهداء: 146.
76 ـ شام: تطلع، انظر 'لسان العرب- شيم- 329:12. '
77 ـ القصيدة العلوية: 61، وهذه القصيدة تشتمل على 5595 بيتاً، وانظر الذريعة 120:17، والأعلام "للزركلي" 297:4.
78 ـ شرح الشافية: 15.
79 ـ مصباح الكفعمي: 512.
80 ـ تجارب السلف: 37، ط. طهران، سنة 1313 ش، مترجماً من الفارسية.
81 ـ إنسان العيون 165:1.
82 ـ تاريخ الخميس 307:2.
83 ـ انظر الفصول المهمة: 30.
84 ـ نزهة المجالس 204:2.
85 ـ الحدائق الندية: 10.
86 ـ انظر العسقلاني في لسان الميزان 465:2.
87 ـ الإقبال: 655.
88 ـ شواهد النبوّة: 198.
89 ـ مدارج النبوّة 531:2 مترجماً من الفارسية.
90 ـ مناقب مرتضوي: 87، ط. بومباي، سنة 1321 ه، مترجماً من الفارسية.
91 ـ روائح المصطفى: 10، ط. كابنور، سنة 1302 ه، مترجماً من الفارسية.
92 ـ كفاية الطالب: 25 و 37، وشرح الشفا 151:1، والمستدرك 483:3.