حروب الامام علي عليه السلام
تعد معركة الجمل المعركة الأولى التي خاضها الإمام عليه السلام إبّان فترة حكمه مع الناكثين- أَهلُ الجمل، لنكثهم بيعتهم- [1] طلحة و الزبير وأتباعهم، في جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين هـجرية.[2]
يقول الطبري: ولما دخلت سنة ست وثلاثين فرق علي عماله على الأمصار[3] وكان طلحة والزبير قد طمعا قبل ذلك بالخلافة وبعد إجتماع الناس على أمير المؤمنين عليه السلام ومبايعته حاولا الحصول على منصب من المناصب المهمة في الدولة، وقد أشار الطبري إلى هذه القضية قائلاً: وسأل طلحة والزبير أن يؤمرهما على الكوفة و البصرة [4] فلم يستجب لهما الإمام عليه السلام لكونهما من المتهمين بقتل عثمان – بل كان من أشد المؤلبين عليه والمتهمين بقتله في المدينة- من جهة وهناك من هو أكفأ منهما من جهة أخرى،[5] من هنا قررا الالتحاق بـعائشة التي هي الأخرى من أشد المؤلبين والمحرضين على قتل عثمان، وكانت ترى الثوار المحاصرين لعثمان طالبي حق وقد إسترجعت – كما يقول الطبري - حينما بلغها قتل عثمان للمصريين، لكنها– والقول للطبري أيضاً- لما بلغها قتل عثمان واجتماع الناس على علي، قالت: ردوني إن عثمان قتل مظلوماً، فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام.[6] وكانت عائشة شديدة الكره والضغن لعلي، ومن هنا سايرت طلحة والزبير في حربهما لعلي عليه السلام[7] فجهّزوا جيشاً مؤلّفاً من ثلاثة آلاف مقاتل كما يذهب إلى ذلك بعض المؤرخين، وساروا به نحو البصرة.[8] وحملت عائشة على جمل يقال له عسكر.[9] وتحرَّك موكب الناكثين بقيادة عائشة وطلحة والزبير وبلغوا البصرة، وعامل الإمام عليها الصحابي عثمان بن حنيف الأنصاري، فمنعهم من الدخول، ثُمَّ توادعوا الا يحدثوا حدثاً حتى يقدم عليٌّ عليه السلام.[10]
ولما نزل أمير المؤمنين عليه السلام حاول حقن الدماء من خلال الحوار مع قادة الناكثين، وقد أشار الطبري إلى ذلك بقوله: فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعلي عليه السلام: هذا الزبير...وطلحة، فخرج إليهما علي عليه السلام، فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم، فقال علي عليه السلام: لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلا و رجالاً، إن كنتما أعددتما عند الله عذراً فاتقيا الله سبحانه، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوه أنكاثاً، ألم أكن أخاكما في دينكما، تحرمان دمي وأحرم دماءكما! فهل من حدث أحلّ لكما دمي؟...
الا أن مساعي الإمامي لم تنجح في إيقاف الحرب حيث نشبت الحرب بعد أن قتل أصحاب الجمل أحد جنود الإمام.[11] وقال اليعقوبي في تاريخه مشيراً إلى هذه القضية: وخرج طلحة و الزبير فيمن معهما، فوقفوا على مصافهم، فأرسل إليهم علي عليه السلام: ما تطلبون وما تريدون؟ قالوا: نطلب بدم عثمان! قال علي عليه السلام: لعن الله قتلة عثمان! واصطف أصحاب علي عليه السلام، فقال لهم: لا ترموا بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف... أعذروا. فرمى رجل من عسكر القوم بسهم، فقتل رجلاً من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، فأتي به إليه، فقال: اللهم اشهد، ثم رمى آخر، فقتل رجلاً من أصحاب علي عليه السلام، فقال: اللهم اشهد، ثم رمى رجل آخر، فأصاب عبد الله بن بديل ابن ورقاء الخزاعي فقتله، فأتى به أخوه عبد الرحمن يحمله، فقال علي عليه السلام: اللهم اشهد، ثم كانت الحرب.[12] وكان الزبير قد انسحب من المعركة قبل ذلك بعدما ذكّره الإمام عليه السلام بحديث رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إلاّ أنّه قتل بعد انسحابه على يد عمرو بن جرموز[13] وكانت الحرب أربع ساعات من النهار، روي أنه قتل في ذلك اليوم نيف وثلاثون ألفاً. ثم نادى منادي علي عليه السلام: ألا لا يجهز على جريح، ولا يتبع مولّ، ولا يطعن في وجه مدبر، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. ثم أمّن الأسود والأحمر.[14] ولما وضعت الحرب أوزارها جاء علي عليه السلام لعائشة، فقال: ألم تنهي عن هذا المسير؟ فقالت: يا ابن أبي طالب! قدرت فاسجح! فقال: أخرجي إلى المدينة، وارجعي إلى بيتك الذي أمرك رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم أن تقرّي فيه. قالت: أفعل. فوجه معها سبعين امرأة من عبد القيس في ثياب الرجال، حتى وافوا بها المدينة.[15]
(معركة صفين)
وهي المعركة الثانية من المعارك التي وقعت إبّان حكم الإمام عليه السلام مع القاسطين (معاوية وجنده)[16] في شهر صفر سنة سبع وثلاثين للهجرة في بلاد الشام على شاطئ الفرات في منطقة يقال لها صفين، وقد انتهت بالتحكيم في شهر رمضان من سنة ثمان وثلاثين للهجرة.[17]وقد أكد المؤرخون أن معاوية بن أبي سفيان لم يقدم للخليفة الثالث عثمان أي معونة أو دعم يفك عنه حصار الثوار له بالرغم من مناشدة عثمان له وطلبه ذلك منه أكثر من مرّة، إلاّ أنّه وبعد قتله حاول استغلال قتله كذريعة - أمام الشاميين - لتحقيق مآربه والتمسك بحكم الشام، ومن هنا أخذ ينشر بين الشاميين فكرة الدفاع عن عثمان وأنّه سيطالب بثأر عثمان، ويدعي أن علياً قد قصّر في المطالبة بدم عثمان، بل إنّه عليه السلام وراء قتل الخليفة عثمان. ومن هنا إمتنع عن البيعة ولم يستجب للرسائل التي أرسلها الإمام عليه السلام له طالباً منه الدخول فيما دخل فيه الناس، ولمّا لم يجد ما يؤكد تهمته للإمام عليه السلام طلب منه تسليم قتلة عثمان ليقتص منهم، وبعد أن فشلت كل المحاولات السلمية مع معاوية وبعد أن تناهى إلى الإمام عليه السلام بأن معاوية يعدّ العدّة للحرب، جهّز عليه السلام جيشه فالتقى الجيشان في منطقة صفين، ومع اصطفاف الجيشين بذل الإمام عليه السلام قصارى جهده لحقن دماء المسلمين إلاّ أن جهوده لم تثمر فنشبت الحرب بين الفريقين في السنة السابعة والثلاثين من الهجرة.[18]
ولمّا عضّت الحرب القوم وقرب أصحاب علي عليه السلام من الفتح قال عمرو بن العاص لمعاوية: ها هنا حيلة توجب الاختلاف بينهم والفرقة، وذاك أن علياً وأصحابه أصحاب ورع و دين فإذا أصبحنا رفعنا المصاحف وقلنا: بيننا وبينكم كتاب الله. فلما أصبحوا رفعوا المصاحف وقالوا: بيننا وبينكم كتاب الله، الله الله في البقية. واستقبلوا علي بن أبي طالب عليه السلام بالمصاحف، فقال علي عليه السلام: والله ما الكتاب يريدون، وإن هذا منهم لمكيدة، فاتقوا الله عباد الله، وامضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، إنّهم والله ما رفعوها ليعملوا بها وما رفعوها إلاّ خديعة ووهنا ومكيدة لكم. فتفرق عند ذلك أصحابه عليه السلام واختلف قولهم. [19] ثم كتب الإمام عليه السلام- مضطراً- في جواب رسالة معاوية: ثم إنّك قد دعوتني إلى حكم القرآن، ولقد علمتُ أنك لست من أهل القرآن، ولست حكمه تريد. والله المستعان. وقد أجبنا القرآن إلى حكمه، ولسنا إياك أجبنا.[20]
فرضي الفريقان جميعا بالحكمين، فاختار أهل الشام عمرو بن العاص، وقال الأشعث بن قيس والذين صاروا خوارج بعد ذلك: إننا قد رضينا بـأبي موسى الأشعري، فقال علي عليه السلام: فإنه ليس لي برضا وأنا أجعل الأشتر حكماً، فقال الأشعث: وهل سعّر الأرض علينا إلاّ الأشتر!. ثم رشح عليه السلام عبد الله بن عباس للتحكيم، فقال الأشعث و من معه: لا والله لا يحكم فينا مضريان أبداً حتى تقوم الساعة! و لكن يكون رجل من مضر و رجل من اليمن. فقال علي عليه السلام: وقد أبيتم إلاّ أبا موسى؟ قالوا: نعم. قال: فاصنعوا ما أردتم.[21] إلاّ أن واقعة التحكيم إنتهى بخديعة أبي موسى الاشعري من قبل عمرو بن العاص الذي حكم بتثبيت معاوية بعد أن سبقه الأشعري لعزل علي عليه السلام.[22].
معركة النهروان (المارقين)
ما إن إنتهت قضية التحكيم المعروفة التي شابها نوع من الخيانة حتى خرجت الخوارج على الإمام عليه السلام – وهم الذين كانوا قد ألجأوه إلى التحكيم قبل ذلك - وقالوا: لم حكمت الرجال؟ لا حكم إلا لله. وهم المارقة الذين اجتمعوا بـالنهروان.[23] وتمادى المارقون بنشر الفساد في مناطقهم، فنهبوا واغتالوا وتعاطوا كثيراً من الموبقات كان على رأسها قتل عبد الله بن الخباب بن الأرت- وهو من خيرة الصحابة- وبقروا- أي شقوا- بطن زوجته وهي حامل،[24] وجعلوا يتعرّضون الناس ويذيعون الذعر، فأرسل إليهم أمير المؤمنين عليه السلام يسألهم عن هذا الفساد. وبعد أن فشلت جميع المساعي بما فيها مسعى عبد الله بن عباس الذي أرسله الإمام عليه السلام إليهم ليستعلم رأيهم ويحاورهم في سبب خروجهم وقتلهم للمسلمين، ذهب عليه السلام إليهم بنفسه وبعد حوار طويل تمكن عليه السلام من إقناع الكثير من الخوارج بالعدول عن رأيهم والانسحاب من الساحة، إلاّ أن طائفة كبيرة منهم تقدّر بأربعة آلاف بقيت مصرة على غيّها وعنادها، ولمّا لم يجد عليه السلام عندهم حجّة يركن إليها، ولم يرجعوا عن غيهم اضطر لمواجهتهم، وانتهت المعركة بهزيمة نكراء لجيش الخوارج حيث لم يبق منهم – حسب الوثائق التأريخية - إلاّ تسعة، ولم يقتل من جيش الإمام إلاّ سبعة أو تسعة.[25]