مقام مشهد رجوع الشمس في بابل

مشهد الشمس أو مردّ الشمس أو ردّ الشمس تسميات متعددة لمكان واحد. لا يبعد إلا بضعة مئات من الأمتار عن منطقة باب الحسين في مركز مدينة الحلة عندها يمكنك أن تطالع من بعيد منارة المقامر والزقورة المألوفة الشكل.

يقع في الشمال الغربي لمدينة الحلة وكذا غربي نهر الحلة بمسافة تقدر بـ (1000) م عن النهر.

ومنهم من أسماه (مرد الشمس) وهي الرواية الأكيدة معتمدين على الرواية التي تقول أن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حينما عاد من واقعة النهروان التي جرح فيها ولده (عمران) وأرثت – شارف على الهلاك – ومات بالقرب من مدينة بابل الأثرية ودفن قربها، وبعد أن عبر قسم من الجيش الفرات وتأخر قسم آخر فاتهم صلاة العصر فسألوا علياً (عليه السلام) أن يدعوا الله ليرد عليهم الشمس كيأدوا ما فاتهم من الصلاة، فاستجاب الله مطلبهم على لسان الإمام علي (عليه السلام) وأدوا صلاتهم جمعاً معه، فلذا أطلق على هذا المقام بمقام ؟؟!!

ومنارة المقام بنيت في العهد السلجوقي والذي تميّز منائره عن العهود الأخرى بقرنصتها – مقرنصة – بقاعدة كبيرة تزغر كلما أرتفع بناء المنارة حتّى تصل لقمتها، وتختلف عن بقية المنائر بعدم وجود باحة للمؤذن بأعلاه كما في المنائر الإسلامية الأخرى، وهذا يعني عدم وجود الدرج الحلزوني الذي ذكر أعلاه والناظر إليها من الداخل يجد أنها تشبه الغرفة المسقفة إلا أن سقفها يرتفع تدريجياً ويزغر وصولاً لقمتها العليا، بزخرفة معمارية جميلة جداً، ويقول الباحثون في المنائر أن منارة مقام مشهد الشمس إحدى ثلاثة منائر لا تزال قائمة لحد الآن، إثنان في بغداد منارة (سهروردي) ومنارة السيدة (زبيدة) ومنارة مقام مشهد الشمس في بابل.

في عهد محافظ بابل (هاشم قدوري) أبان النظام السابق عام 1969م إراد إزالة هذه المنارة بحجة بناء مجمع سكني بالقرب منها إلا أن ذكاء وفطنة مدير بلدية بابل المهندس والفنان المرحوم شوقي جابر شعابث، ووفد رافقه أقنعوا المحافظ بالعدول عن ذلك متخذين من حجة أنها إحدى ثلاثة منائر سلجوقية باقية ذريعة لذلك وكان لهم ما أرادوا، بل أكثر حيث أستحصل المرحوم شوقي جابر موافقة لترميم المنارة وكان له ذلك.

يعتبر هذا المقام واحد من أهم العلامات المميزة في مدينة الحلة (90 كم) إلى الجنوب من بغداد، ويقال أن أمير المؤمنين اختار هذه البقعة لغاية في نفسه وهي لعلمه بأن هذه البقعة كانت معبداً بابلياً لعبادة إله الشمس فأراد الإمام من اختياره هذه البقعة جعلها مكاناً لعبادة الله سبحانه وتعالى.

إن هذا المكان يعتبر من المزارات المقدّسة حيث يقصده الزائرون من جميع انحاء العالم وخاصة من الهند وباكستان وإيران للتبرك والتقرب إلى الله تعالى وله زيارة مخصوصة في آخر أربعاء من صفر الذي يمثل نهاية الأحزان على استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وأخيه العباس (عليه السلام) وصحبه الميامين حيث تأتي إلى هذا المكان أعداد غفيرة من النساء يصل عددهن إلى آلاف النساء مما تضطر السلطات المحلية في المحافظة إلى قطع الطريق فيه هذا اليوم وهذه الزيارة هي جزء من تقاليد موروثة تقوم بموجبها النساء باستبدال ملابسهن السوداء اللواتي اتشحن بها طوال الأشهر الحرم بملابس أخرى ملونة أو يقومن في بعض الأحيان بجلب هذه الملابس معهن تبركاً بصاحب المكان ويطلبن النذور ولا يخلو هذا اليوم أيضاً من نساء أخريات أوفين بنذورهن وحصلن على مرادهن بتوزيع الحلويات والأطعمة على بقية الزوار لتكون دليلاً على تحقيق أمانيهن وقد تتعدى هذه النذور إلى هدايا عينية مثل الساعات والمراوح والسجاد لتكون جزءاً من الأثاث الخاص بالمقام كما يشهد المقام توافد عدد أكبر من الزوار في عيد الغدير خاصة بالنسبة للبعض الذين لا يستطيعون الانضمام إلى أفواج المحتفلين بالغديرية في محافظة النجف.

 

تاريخ تشيد المقام ووصفه

يبلغ تاريخ هذا الأثر المعماري حوالي 950 سنة حيث تم بناؤه على الطراز السلجوقي بهندسة معمارية بديعة على شكل زقورة يبلغ ارتفاعها حوالي 25 متراً وهي بذلك لا تختلف في طرازها عن الزقورة الموجودة في مقام نبي الله ذي الكفل في منطقة الكفل في الطريق المؤدي إلى مدينة النجف الأشرف أو عن زقورة مرقد الست زبيدة في جانب الكرخ من بغداد لذا لا يستبعد أن الثلاثة بنيت في وقت واحد.

يتكون المقام من الداخل من قاعة كبيرة سقفت حديثاً كانت في السابق حديقة دائرية الشكل يقال أنها المكان الذي توضأ فيه الإمام علي (عليه السلام) كما تحيط بهذه القاعة ستة أواوين يفضي إحداهما من ناحية اليسار إلى باب جانبية والأخرى إلى قاعة رئيسية مساحتها 49 متراً ترتفع إلى الأعلى بارتفاع الزقورة حتّى تضيق في النهاية وهنا بإمكانك أن تلاحظ الهندسة المميزة التي بنيت بها الزقورة من الداخل والتي بنيت بنوع خاص من الطابوق مزدانة بشبابيك للإضاءة والتهوية هناك أيضاً المحراب الذي صلى فيه الإمام.

أما على يسار المقام وفي مكان مواجه نوعاً ما لباب المقام الرئيسية هناك البئر يقال انه البئر الذي حفره الإمام وتوضأ منه حيث جرت العادة أن يقوم الناس بحفر الآبار في المكان الذي ينزلون فيه وهذا البئر يشبه إلى حد كبير البئر الذي يقع في مرقد عمران بن علي عليهما السلام الواقع في آثار بابل على بعد ميل واحد تقريباً من قرية الجمجمة وهو ليس ببعيد عن شط الفرات وكذلك يشبه البئر الذي وجد في مسجد براثا في بغداد والذي أظهره للوجود الإمام علي (عليه السلام) وصلى في المسجد مع أصحابه، إلا أن هذا البئر لم يبق من ملامحه أي أثر، دفن في عهد النظام السابق ووضع فيه أنقاض الطابوق الحجري الذي رممت به الزقورة عندما انهار جزء منها عام 1972 نتيجة الزمن والقدم حيث تم إعادة ترميمها في ذلك الوقت إلا أن إعادة الإعمار لم تفلح في ردم الشرخ الكبير الذي بدا واضحاً في أحد جدران الزقورة من الداخل إضافة إلى لمسات التجديد التي بدت واضحة على أرضية وجدران المقام التي غلفت بالسيراميك بعد أن كانت ملطخة بالحناء والتي تمثل صورة واضحة لنذور النساء في هذا المكان حيث جاد بعمليات التجديد هذه وعلى التوالي عدد من أهل الخير.

ثمة باب صغير في المقام يؤدي إلى مسجد ومقام الإمام علي وهو مصلى للرجال كان يسمى بمسجد الصاعدية.

 

معبد وثني تحول إلى مسجد للتوحيد والعبادة

ورد في كتاب فقهاء الفيحاء ان هذا المكان له قدسية قبل الإسلام وبعده فإن الملك البابلي نبوخذ نصر هو الذي أقام هذا المشهد إكراماً لإله الشمس (شمش) لتمارس فيها الطقوس الدينية وشاءت العناية الربانية أن يكون محل تقديس الشمس موضعاً لتقديس خالق الشمس في مشهد الشمس على يد أمير المؤمنين وليس إنكارها إلا لدى من ينكر معاجز الأنبياء كانشقاق القمر وينفي كرامة الأولياء.

أما عن تاريخ المكان وعودة أصوله إلى زمن نبوخذ نصر والحضارة البابلية فقد ذكر الدكتور الباحث د. سعد الحداد عضو هيئة الإحياء والتحديث الحضاري في محافظة بابل عن هذا المكان فقال:

تاريخياً هذا المشهد المقدس كان معبداً وثنياً لإله الشمس بناه نبوخذ نصر وهو والد الملك البابلي نبوخذ نصر وعند مجيء الإسلام تحول هذا المعبد المقدس من معبد وثني إلى معبد يوحد فيه الله وحظي هذا المكان بكرامة رد الشمس على أشهر الروايات على يد الإمام علي (عليه السلام) عند رجوعه من معركة صفين عام 37 هجرية.

أن التقاطع الذي يقطع الشك باليقين عن هذه المعلومات هو آثار تاريخية توجد خلف مقام رد الشمس لم يتم التنقيب عنها لحد الآن لأسباب تتعلق بأن سعر المتر الواحد عند التنقيب يبلغ 50 مليون دينار، في البداية صدمنا بهذا الرقم إلا إنني اعتقد الآن أنه مبلغ يستحق المجازفة.

أما الزقورة فهي متأخرة البناء وليس لها علاقة بالمكان الذي نتحدث عنه ولكن هناك ما يتحدث عنه كبار السن عن وجود آثار تاريخية في أساس هذا المقام وهي بدون شك تعود إلى زمن بوختنصر.

وأضاف الأستاذ الحداد انه كان للمهندس والشاعر والخطاط المرحوم شوقي جابر المهمة الأصعب في التصدي لمحاولات هدم هذه القبة وهذا المقام إبان النظام السابق بحجة أنها توشك على الإنهيار وتعريض حياة المواطنين للخطر حيث اقنع المسؤولين آنذاك بأن هذا الأثر سلجوقي تركي وليس فارسياً كما كان يشاع عنه لذلك كان له الأثر الكبير ليس في الحفاظ عليه فقط بل بإعادة ترميمه.

كما أكد أن هيئة الأحياء والتحديث الحضاري قدمت مشروعاً لصيانة وبناء مشروع متكامل لمشهد الشمس يشمل قاعات وبارك وطوارم اضافة السياج الخارجي وقد قدم هذا المشروع إلى مجلس الوزراء وتمت الموافقة عليه.

رجوع الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام) مطلقاً

مر ذكر مسجد رد الشمس في المدينة المنورة وقد قال الشيخ المفيد في الإرشاد: إن الشمس ردت لأمير المؤمنين (عليه السلام) مرتين: المرة الأولى ذكرناها آنفاً في الصفحة السابقة عن أسماء بنت عميس، وأما الثانية: فقد وقعت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد الإمام (عليه السلام) أن يعبر الفرات ببابل الحلة.

تشير المصادر التاريخية ومنها ما يذكره الشيخ المفيد قدس سره المتوفى سنة 413 هـ انه قال لما أراد الإمام علي (عليه السلام) ان يعبر الفرات انشغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم ورحالهم وصلى (عليه السلام) بنفسه بطائفة صلاة العصر فلم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس ففاتت الصلاة كثيراً منهم فتكلموا في ذلك فلما سمع كلامهم فيه سأل الله تعالى رد الشمس ليجمع كافة أصحابه على صلاة العصر في وقتها فدعا الله تعالى في رد الشمس عليه وكانت في الأفق على الحال الذي تكون عليها وقت العصر فلما سلم القوم غابت الشمس فسمع لها وجيب شديد هال الناس فأكثروا من التسبيح والتهليل والاستغفار والحمد لله على النعمة التي ظهرت فيهم وسار خبر ذلك في الآفاق وانتشر ذكره في الناس.

وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام): أنه قال لأبي بصير: (ردت له مرّة عندنا بالمدينة، ومرّتين عندكم بالعراق)(1).

وأما الحسن البصري فيدّعي: أن الشمس قد ردت، أو حبست لعلي (عليه السلام) مرّات كثيرة قد تزيد على العشرين، فقد قال: (إن الشمس ردت عليه مراراً: منها: الذي رواه سلمان. ويوم البساط ويوم الخندق ويوم حنين، ويوم خيبر ويوم قرقيسيا ويوم براثا ويوم الغاضرية ويوم النهروان ويوم بيعة الرضوان ويوم صفين وفي النجف وفي بني مازر وبوادي العقيق وبعد أُحد. وروى الكليني: أنها رجعت بمسجد الفضيخ من المدينة، مرّة بكراع الغميم. ومرّة بعد وفاته ببابل وفي منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي بدر وفي مشربة أم إبراهيم، قرب مسجد الفضيخ(2).

أما رواة الحديث رد الشمس: قد روي هذا الحديث عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)  فراجع مصادر الشيعة الأبرار مثل البحار، وغيره.. وروي أيضاً عن ثلاثة عشر صحابياً، إثنا عشر منهم وردت روايتهم في مصادر أهل السنة، وهم: أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)، وأسماء بنت عميس، وأبو هريرة، وأبو ذر، وأم هانئ، وعبد خير، وأم سلمة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وسلمان، وأنس، وأبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (3).

ينقل عن الحسني عن كتاب (الإشارات إلى معرفة الزيارات إلى معرفة الزيارات) لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي المتوفى في حلب عام 611 هجرية المطبوع في دمشق سنة 1953 قوله إن في مدينة الحلة مشهد الشمس (يقال ردت لحزقيال النبي (عليه السلام) ويقال ليوشع بن نون (عليه السلام) وقيل لعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

رجوع الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام) في بابل وردت به عدة روايات في أكثر من طريق تتحد في المضمون وتختلف في اللفظ منها:

عن الفضيل بن يسار عن الباقر عن أبيه عن جده الحسين بن علي (صلوات الله عليهم) قال: لما رجع أمير المؤمنين عليه الصلاة من قتال أهل النهروان أخذ على النهروانات وأعمال العراق ولم يكن يومئذ بنيت بغداد، فلما وافى ناحية براثا صلى بالناس الظهر ورحلوا ودخلوا في أرض بابل وقد وجبت صلاة العصر، فصاح المسلمون: يا أمير المؤمنين هذا وقت العصر قد دخل.

 

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هذه أرض مخسوف بها وقد خسف الله بها ثلاثاً وعليه تمام الرابعة ولا يحل لوصي أن يصلي فيها فمن أراد منكم أن يصلي فليصل، فقال المنافقون: نعم هو لا يصلي ويقتل من يصلي، يعنون أهل النهروان، قال جويرية بن مسهر العبدي: فتبعته في مائة فارس وقلت:

والله لا أصلي أو يصلي هو ولأقلدنه صلاتي اليوم، قال: وسار أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) إلى أن قطع أرض بابل وتدلت الشمس للغروب ثم غابت وأحمر الأفق قال: فالتفت إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا جويرية هات الماء فقدمت إليه الأداوة فتوضأ ثم قال: أذن يا جويرية.

فقلت: يا أمير المؤمنين ما وجب العشاء بعد، فقال (عليه السلام): أذن للعصر، فقلت في نفسي: أذن العصر وقد غربت الشمس ولكن علي الطاعة، فأذنت فقال لي: أقم ففعلت وإذ أنا في الإقامة إذ تحركت شفتاه بكلام كأنه منطق الخطاطيف لم أفهم ما هو، فرجعت الشمس بصرير عظيم حتّى وقفت في مركزها من العصر، فقام (عليه السلام) وكبر وصلى وصلينا وراءه فلما فرغ من صلاته وقعت كأنها سراج في طست وغابت واشتبكت النجوم فالتفت وقال: أذن أذان العشاء يا ضعيف اليقين(4).


(1) الهداية الكبرى: ص12.

(2) البحار ج41 ص 173 و174، عن مناقب آل أبي طالب ج1 ص 359.

(3) تجد هذه الروايات في كتاب مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 96، وميزان الاعتدال ج3 ص170، ومشكل الآثار ج2 ص8، وج4 ص 388 – 390، وكفاية الطالب ص 381 – 388، وفتح الملك العلي ص 16، والرياض النضرة ص 179 و180، والبداية والنهاية ج6 ص 77 – 87، والمناقب للخوارزمي ص 306 – 307ن ولسان الميزان ج5 ص 76 و140 و301، كنزر العمال ج12 ص 349، وج11 ص 524 وج13 ص 152، والشفاء لعياض ج1 ص 284، وينابيع المودة للقندوزي ص 138، وتذكرة الخواص ص 49، ونزل الأبرار ص 76.

(4) عيون المعجزات: 2 ط. النجف، ومدينة المعاجز: 1/ 195. من لا يحضره الفقيه: 1/ 204/ ح611. المجلسي في البحار: 33/ 440/ ح647. الثاقب في المناقب 253/ فصل 6/ ح1. الإرشاد: 1/ 346. إعلام الورى: 1/ 351.