بئر الامام علي (عليه السلام) في براثا ببغداد

مسجد براثا من المساجد المعروفة في بغداد، ويقع في طريق بينها وبين الكاظمية وقد تحدث عنه الحموي في معجم البلدان ووردت عن أهل البيت (عليهم السلام) روايات من فضله، منها:

1- عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني أنس بن مالك وكان خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لما رجع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قتال أهل النهروان نزل براثا وكان بها راهب في قلايته وكان اسمه الحباب، فلما سمع الراهب الصيحة والعسكر أشرف من قلايته إلى الأرض فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستفظع ذلك، ونزل مبادراً فقال: من هذا؟ ومن رئيس هذا العسكر؟ فقيل له: هذا أمير المؤمنين وقد رجع من قتال أهل النهروان. فجاء الحباب مبادراً يتخطى الناس حتّى وقف على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:

السلام عليك يا أمير المؤمنين حقاً حقاً.

فقال (عليه السلام) له: وما علمك بأني أمير المؤمنين حقّاً حقّاً؟

قال له: بذلك أخبرنا علماؤنا وأحبارنا.

فقال (عليه السلام) له: يا حباب.

فقال له الراهب: وما علمك باسمي؟

فقال (عليه السلام) : أعلمني بذلك حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقال له الحباب: مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنك علي بن أبي طالب وصيه.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) وأين تأوي؟

فقال: أكون في قلاية(1) لي ههنا،

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : بعد يومك هذا لا تسكن فيها، ولكن ابن ههنا مسجداً وسمه باسم فبناه رجل اسمه براثا فسمّى المسجد ببراثا باسم الباني له.

ثم قال (عليه السلام) من أين تشرب يا حباب!

فقال: يا أمير المؤمنين من دجلة ههنا،

قال (عليه السلام) : فلم لا تحفر ههنا عيناً أو بئراً؟

فقال له: يا أمير المؤمنين كلما حفرنا بئراً وجدناها مالحة غير عذبة،

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : أحفر ههنا بئراً فحفر فخرجت عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها، فقعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) فانقلعت عن عين أحلى من الشهد وألذ من الزبد.

فقال (عليه السلام) : يا حباب يكون شربك من هذه العين أما إنه يا حباب ستبنى إلى جنب مسجدك هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها وتعظم البلاء حتّى أنه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام، فإذا عظم بلاؤهم شدوا على مسجدك بفطوة(2) ثم – وابنه بنين ثم وابنه لا يهدمه إلا كافر ثم بيتاً – فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثلاث سنين واحترقت خضرهم وسلط الله عليهم رجلاً من أهل السفح لا يدخل بلداً إلا أهلكه وأهلك أهله ثم ليعد عليهم مرّة أخرى، ثم يأخذهم القحط والغلا ثلاث سنين حتّى يبلغ بهم الجهد ثم يعود عليهم،

ثم يدخل البصرة فلا يدع فيها قائمة إلا سخطها، وأهلكها، وأسخط أهلها، وذلك إذا عمرت الخربة وبني فيها مسجد جامع، فعند ذلك يكون هلاك البصرة، ثم يدخل مدينة بناها الحجاج يقال لها: واسط، فيفعل مثل ذلك ثم يتوجه نحو بغداد، فيدخلها عفوا ثم يلتجئ الناس إلى الكوفة، ولا يكون بلد من الكوفة تشوش الأمر له ثم يخرج هو والذي أدخله بغداد نحو قبري لينبشه فيتلقاهما السفياني فيهزمهما ثم يقتلهما ويوجه جيشاً نحو الكوفة، فيستعبد بعض أهلها، ويجئ رجل من أهل الكوفة فيلجئهم إلى سور فمن لجأ إليها أمن، ويدخل جيش السفياني إلى الكوفة فلا يدعون أحداً إلا قتلوه وإن الرجل منهم ليمر بالدرة المطروحة العظيمة فلا يتعرض لها ويرى الصبي الصغير فيلحقه فيقتله. فعند ذلك يا حباب يتوقع بعدها، هيهات هيهات وأموار عظام وفتن كقطع الليل المظلم فاحفظ عني ما أقول لك يا حباب(3).

2- وروى جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: صلى بنا علي (عليه السلام) ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة ونحن زهاء مائة ألف رجل فنزل نصراني من صومعته فقال: أين عميد هذا الجيش؟ فقلنا: هذا فأقبل إليه فسلم عليه ثم قال: يا سيدي أنت نبي؟ فقال: لا النبي سيدي قد مات قال: فأنت وصي نبي؟ فقال: نعم ثم قال: أجلس كيف سألت عن هذا؟ قال: إنما بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا وقرأت في الكتب المنزلة أنه لا يصلي في هذا الموضع بذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي وقد جئت أن أسلم فأسلم فخرج معنا إلى الكوفة فقال له علي (عليه السلام) : فمن صلى هاهنا؟ قال: صلى عيسى بن مريم وأمه فقال له علي (عليه السلام) : أفأفيدك من صلى هاهنا؟ قال: نعم قال: الخليل (عليه السلام) (4).

 

3- الحارث الأعور وعمرو بن الحريث وأبو أيوب عن أمير المؤمنين انه لما رجع من وقعة الخوارج نزل يمني السواد فقال له راهب لا ينزل ههنا إلا وصي نبي يقاتل في سبيل الله، فقال علي (عليه السلام) : فأنا سيد الأوصياء وصي سيد الأنبياء، قال: فإذاً أنت أصلع قريش وصي محمد خذ عليَّ الإسلام فإني وجدت في الإنجيل نعتك وأنت تنزل مسجد براثا بيت مريم وأرض عيسى، قال أمير المؤمنين: فاجلس يا حباب، قال: وهذه دلالة أخرى، ثم قال: فانزل يا حباب من هذه الصومعة وابن هذا الدير مسجداً، فبنى حباب الدير مسجداً ولحق أمير المؤمنين إلى الكوفة فلم يزل بها مقيماً حتّى قتل أمير المؤمنين فعاد حباب إلى مسجده ببراثا. وفي رواية أن الراهب قال: قرأت أنه يصلي في هذا إيليا وصي البار قليطا محمد نبي الأميين الخاتم لمن سبقه من أنبياء الله ورسله في كلام كثير فمن أدركه فليتبع النور الذي جاء به ألا وأنه تغرس في آخر الأيام بهذه البقعة شجرة لا يفسد ثمرها. وفي رواية زاذان قال أمير المؤمنين: ومن أين شربك؟ قال: من دجلة، قال: ولم لم تحفر عيناً تشرب منها؟ قال: قد حفرتها وخرجت مالحة، قال: فاحتفر الآن بئراً أخرى، فاحتفر فخرج ماؤها عذباً فقال: يا حباب ليكن شربك من ههنا ولا يزال هذا المسجد معموراً فإذا خربوه وقطعوا نخله حلت بهم أو قال بالناس داهية(5).

4- عن أبي الحسن الحذاء، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ان إلى جانبكم مقبرة يقال لها: براثا، يحشر منها عشرون ومائة ألف شهيد كشهداء بدر(6).

5- عن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء، فقال للناس: انها الزوراء، فسيروا وجنبوا عنها، فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة – إلى أن قال – فلما أتى يمنة السواد، وإذا هو براهب في صومعة له، فقال له: يا راهب انزل هاهنا،

فقال له الراهب: لا تنزل هذه الأرض بجيشك، قال: ولم؟ قال: لأنها لا ينزلها إلا نبي أو وصي نبي بجيشه، يقاتل في سبيل الله عزوجل، هكذا نجد في كتبنا، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنا وصي سيد الأنبياء، وسيد الأوصياء، فقال له الراهب: فأنت إذاً أصلع قريش، ووصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنا ذلك. فنزل الراهب إليه، فقال خذ علي شرائع الإسلام، إني وجدت في الإنجيل نعتك، وانك تنزل أرض براثا بيت مريم، وأرض عيسى (عليه السلام) ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قف ولا تخبرنا بشيء، ثم أتى موضعاً، فقال: الكزوا هذا فلكزه فأتى أمير المؤمنين (عليه السلام) موضعاً فلكزه برجله (عليه السلام) فانبجست عين خرارة، فقال: هذه عين مريم التي أنبعت لها، ثم قال: اكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعاً، فكشف فإذا بصخرة بيضاء، فقال (عليه السلام) : على هذه وضعت مريم عيسى من عاتقها، وصلت هاهنا، فنصب أمير المؤمنين (عليه السلام) الصخرة، وصلى إليها، وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة ثم قال: أرض براثا هذه بيت مريم (عليها السلام) هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء، قال أبو جعفر محمد بن علي (عليها السلام): ولقد وجدنا أنه صلى فيه إبراهيم قبل عيسى (عليهما السلام) (7).

قال الشاعر محمد العوني من شعراء القرن الرابع الهجري:

وقلت براثا وكان بيتاً لمريم       وذاك ضعيف في الأسانيد اعوج

ولكنه بيت لعيسى بن مريم       وللأنبياء الزهر مثوى ومدرج  

وللأوصياء الطاهرين مقامهم      على غابر الأيام والحقد ابلج      

             بسبعين موصى بعد سبعين مرسل      جباههـــم فيهـــــــا ســــجود تشجج                

وآخرهم فيها صلاة امامنا      علي بذا جاء الحديث المنهج  

براثا مركز تلاقي مسيحي اسلامي

ربما يكون مسجد براثا هو الوحيد في العالم الذي يعانق اسمه وتاريخه المسيحي تاريخ وتراث الإسلام فيشكل وحدة فريدة من نوعها بين الأديان السماوية. فعلى مر الزمن الذي أعقب ظهور الإسلام، تعاقبت على دولة المسلمين امبراطوريات وممالك وحكومات غيّرت وجه التاريخ ومسمياته، ولكن لم تستطع واحدة منها ان تغير اسم جامع براثا الذي شهد بزوغ المسيحية وكان على موعد مع شمس الإسلام.

لذا كان جامع براثا من المزارات المعظمة عند كل من المسيحيين والمسلمين على حد سواء.

وجامع براثا أقدم شاهد على بناء بغداد، فقد سبق بناؤه تأسيس العاصمة العباسية بقرن وثمانية أعوام، يقع على جانب الكرخ، في منطقة العطيفية حالياً(8)، وفي بداية الطريق بين بغداد ومدينة الكاظمية، وتشمخ منارته فارضة على المكان عزلة قدسية، وخلف بوابته التي تعاقبت عليها عوادي الزمن يرقد كهف القديسين وكنوز التراث التي يحمل كل منها قصة زمن لا يشبه غيره. فمن الصخرة السوداء في باحته الواسعة إلى بئره المحاطة بالأسرار يمتد جسر التاريخ بين ظهور المسيحية التي سبقت الإسلام بمئات السنين، بينما تؤرخ لوحة الشهداء ومحراب المصلين زمن الحاضر الذي منح براثا هوية مؤطرة بالحواجز، فصبغ البارود سقوفه وغيّر بعضاً من ملامحه، ومع ذلك لم يتغير اسم براثا.

 

تعد منطقة براثا أقدم معالم بغداد في تاريخ الإسلام قبل تأسيس مدينة السلام (بغداد) بـ(108) سنة، في الماضي يحوي مقبرة، ويقع في بغداد على جانب الكرخ في منطقة العطيفية حالياً في بداية الطريق بين بغداد ومدينة الكاظمية. تبعد براثا حوالي 10 كم عن مركز المدينة إذ كانت ديراً نصرانياً.. وبراثا هو اسم باني الدير ومعنى براثا بالسريانية (ابن العجائب) وفي اللغة العربية تعني (الأرض الرخوة الحمراء).

 

التسمية للجامع المبارك

وردت في عدة روايات في التسمية – منها:

أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر الراهب الذي كان في الدير كون المكان كان ديراً للنصارى أن يبني مسجداً مكان الدير ويسميه باسم بانيه.

ومنها أن كلمة (براثا) تتكون من مقطعين في اللغة السريانية (بر) تعني أرض (اثا) تعني العجائب وبذلك يكون تفسيرها (أرض العجائب).

وأورد أحد الأساتذة تفسيراً آخر هو أن براثا تعني التربة الرخوة الحمراء.

وذهب البعض إلى أن هذا المكان كان قبل الإسلام صومعة للسيد المسيح (عليه السلام) وفيه بيت مريم العذراء (عليها السلام) وأرض عيسى (عليه السلام) ، حيث قيل إنّ العذراء (عليها السلام) أتت هذا المكان عندما خرجت من بيت المقدس حاملة سيدنا عيسى (عليه السلام) وقد أشار كتاب الله العزيز إلى ذلك في الآية 22 من سورة مريم (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا)، وصلى فيه ابراهيم الخليل (عليه السلام) والنبي عيسى (عليه السلام) والنبي دانيال (عليه السلام) .

لقد توجهت الأنظار وزاد الاهتمام بمسجد براثا أول الأمر سنة 239 هـ، وصار من مساجد بغداد المشهورة ثم هدم بأمر المقتدر العباسي حتّى سوي بالأرض وعُفي رسمه، خوفاً من تجمع الناس فيه ومعارضتهم للحكم العباسي، ومكث خراباً حتّى سنة 328 هـ، عندما أعيد بناؤه وتم توسيعه وسقف بالساج المنقوش في زمن الراضي بالله العباسي... وفي عهد المتقي بالله سقطت صاعقة على بغداد، فأصيب الجامع بأضرار فأمر الخليفة بنقل المنبر الذي بناه هارون الرشيد، من جامع المنصور إلى مسجد براثا وبقي فيه حتّى سنة 656 هـ ، عندما خرجت بغداد على يد المغول.

ويُنسَب إلى براثا – والحديث ما زال للحَمَوي – أبو شُعَيب البُراثي العابد، كان أوّلَ مَن سكن براثا في كوخٍ يتعبّد فيه، فمرّت بكوخه جاريةٌ مِن أبناء الكُتّاب الكبار، وأبناء الدنيا كانت رُبِييَت في القصور، فنظرت إلى أبي شعيب فاستحسنت حاله وما كان عليه، فصارت كالأسير له، فجاءت إليه وقالت: أريد أن أكون لك خادمة، فقال لها: إن أردتِ ذلك فتجرّدي عمّا أنتِ فيه حتّى تصلُحي لما أردتِ. فتجرّدت عن كل ما تملكه، ولبست لبسة النسّاك وحَضَرَته، فتزوّجها، فلمّا دخلت الكوخ رأت قطعة خِصافٍ كانت في مجلس أبي شعيب تقيه من النّدى، فقالت: ما أنا مُقيمةٌ عندك حتّى تُخرج ما تحتك؛ لأنّي سمعتُك تقول: إنّ الأرض تقول: يا ابن آدم، تجعل بيني وبينك حجاباً وأنت غداً في بطني! فرماها أبو شعيب، ومكثت عند سنين يتعبّدان أحسن عبادة، وتُوفّيا على ذلك.

وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية، ويسموه أهل بغداد والعراقيون (المنطكة) مرّ بها علي بن أبي طالب (عليه السلام) لقتال الحرورية الخوارج بالنهروان وصلّى في موضع من الجانب المذكور، وتعرّض هذا المسجد عدّة مرّات للهدم، لاجتماع قوم من الشيعة فيه، هدمه الراضي بالله حتّى سوّى به الأرض، ثم أمر (بجكم الماكاني) أمير الأمراء ببغداد بإعادة بنائه. كانت مدرسة الكوفة تزدهر بمختلف النشاطات العلمية عندما كانت بغداد عاصمة الخلافة، ولمّا دبّ الضعف في السلطة العباسية وصارت السلطة بيد البويهيين تنفّس علماء الشيعة في أكثر مناطق العراق، فأُسست مدرسة رابعة للشيعة في العاصمة أنجبت شخصيات مرموقة تفتخر بها الإنسانية نظير: الشيخ المفيد (336 – 413 هـ) تلك الشخصية الفذّة الذي اعترف المؤالف والمخالف بعلمه، وذكائه، وزهده، وتقواه، وكان شيخ أساتذة الكلام في عصره الذي شهد قمة الجدل الفكري والعقائدي بين المدارس الفكرية المختلفة، وكان.. عظيم الشأن رفيع المنزلة، له كرسي للتدريس في مسجد براثا في بغداد، يقصده العلماء والعوام للاستزادة من علمه، وله أكثر من (200) مصنّف في مختلف العلوم. السيد المرتضى علم الهدى (355 – 436هـ)، قال عنه الثعالبي في يتيمته (1: 53) قد انتهت الرئاسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم. وأشرف المساجد المسجد الحرام والصلاة فيه بمائة ألف، ثم مسجد النبي، والصلاة فيه بعشرة آلاف، وفي كل من المسجد الأقصى في الشام ومسجد الكوفة بألف، وفي مسجد الجامع بمائة، وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين، وفي مسجد السوق باثنتي عشرة، ومن المساجد المحثوث على الصلاة فيها مسجد براثا ببغداد، ومسجد المباهلة، ومسجد الفتح، ومسجد قبا وهذه في المدينة، وفي المنزل واحدة. وكان الشيعة يقيمون صلاة الجمعة حتّى أواسط القرن الخامس الهجري وخاصة في مسجد براثا في بغداد.

 

أهم المعالم الأثرية الموجودة في المسجد

يضم جامع براثا في الوقت الحاضر مسجداً كبيراً في أعلاه مئذنتان بنيتا سنة 1375 هـ ومكتبة قديمة وحرم للصلاة مع صحن واسع وبئر تدعى (ببئر علي بن أبي طالب) التي أحيطت بسياج وباب يفتح للزائرين الراغبين بالتبرك بمياهه، ومن أهم معالمه:

أولاً: الحجارة البيضاء.

وهي الحجارة التي يحكى أن مريم (عليها السلام) وضعت عليها عيسى (عليه السلام) من على عاتقها. وتحمل الحجارة نقوشاً جميلة محفورة تعود لما قبل الإسلام، وتؤكد قدم الموضع. وقد نقرت على جانبي النقش بالخط النافر أسماء المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) وهذا الحجر المبارك النفيس من الآثار الباقية للمعبد القديم والمسجد الجامع العتيق، وهو من الذخائر النفيسة والشواهد المباركة والآثار المهمة.

وفي الواقع يحتوي المسجد على صخرتين شهيرتين تسمى الأولى صخرة التنطيق وهي صخرة سوداء ملساء في وجهها العلوي تجويف بسيط يوضع فيه الماء ومن ثم يشرب ويذكر الناس بأنها تساعد في تحسين قدرة القدرة على الكلام لمن يعاني مشاكل في النطق والاستشفاء ببركة الماء الذي في الصخرة.

هنا وضعت مريم (الصخرة الثانية) بعد أن نبع الماء وشرب القوم وتوضئوا للصلاة – كما في الرواية المتقدمة – أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى موقع قريب وقال لأصحابه: (احفروا ها هنا سبعة أذرع).. فعندما حفروا وجدوا قطعة من حجارة بيضاء تعود في قدمها إلى ما قبل الإسلام، فقال (عليه السلام) : (هاهنا وضعت مريم عيسى) أي على تلك الصخرة البيضاء وهذا ما يدلل على قدم جامع براثا وقدسيته.

وهذه القطعة من الرخام الأبيض التي تعد من أنفس الذخائر المتحفية والقطع الأثرية، لم تزل موجودة حتّى يومنا ويقصدها كل داخل إلى المسجد للدعاء عندها والتبرك باستلامها. وقد نقش على جوانبها بخط بارز آية الكرسي وأسماء المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام).

 

ثانياً: بئر أمير المؤمنين (عليه السلام)

وهي البئر التي حفرت بأمر الإمام علي (عليه السلام) عندما نزل في موضع براثا، حين قال الإمام، أحفر ها هنا بئراً، فحفر فخرجت عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها، فقلعها الإمام فانفلقت عين ماء ثم قال: اكشفوا ههنا على سبعة عشر ذراعاً، فكشفوا فإذا صخرة بيضاء، فنصب أمير المؤمنين الصخرة وصلى عليها وأقام أربعة أيام مع جيشه قبل عودته إلى الكوفة... وقد اندثرت البئر خلال العهود الماضية ثم كشف عنها قبل عدة سنوات وأحيطت بقية زجاجية للحفاظ عليها والتبرك بمائها العذب.

ولا يمكن رؤية البئر المغطاة بغطاء زجاجي مقفل إلا بعد نزول سلم صغير، ويشرف القائمون على خدمة المسجد على فتح البئر والعناية بها وتزويد الراغبين من الزوار بالماء للتبرك به.

الذي حفره الإمام علي بعد رفع الصخرة الذي لا يزال ماثلاً داخل المقام ولا يزال الناس إلى يومنا يستشفون به وبالصخرة ذاتها حيث يتم جلب كمية منه توضع على حفرة في الصخرة ثم يشربها المريض للتبرك ولا سيما الأطفال لسبعة أسابيع وقسم يكتفي بمرّة واحدة من الذين يتأخر نطقهم. ويؤكد أحد الخدمة المقام إنه حدثت الكثير من المعجزات بقدرة الله تعالى والتي نطق فيها الأطفال بطلاقة ولباقة شديدة بعد أن كانوا يعجزون عن الكلام. وربما لهذا السبب سميت منطقة جامع براثا بـ(المنطكة) أي بسبب الصخرة المنطقة. بينما يوعز (أبو علي) أحد سكان العطيفية اسم المنطكة الذي يطلقه البغداديون عليها إلى كون الإمام علي (عليه السلام) تمنطق في مسجد براثا أي ارتدى نطاق الحرب باتجاه النهروان.

 

ثالثاً: الحجارة السوداء المنقورة

وهي حجارة سوداء تقع أمام البئر مباشرة، وعادة ما يجتمع الكثير من الزوار حولها، وتسمى بالحجارة السوداء أو (المنطكة) فيها نقرة والناس يعتقدون بأن الماء المصبوب في نقرة هذا الحجر إذا ما سقي به طفل يشكو من صعوبة النطق فإنه بعد ذلك سينطق بإذن الله تعالى وتحل عقدة لسانه بحسب اعتقادهم.

اعمار المسجد

وفي الأخبار أنه صلى في براثا سبعون من الأنبياء والأوصياء منهم إبراهيم وعيسى ودانيال ويوشع وإلياس وأمير المؤمنين (سلام الله عليهم أجمعين)، وأن فيه قبر أحد أنبياء الله، وأنه يحشر في هذا المكان عشرون ألف ومائة شهيد.

وشهد المسجد على امتداد التاريخ عدة عمليات توسيع ولعل أهمها تشييد مئذنتين في أعلى المسجد سنة 1375 هـ واستمرت أعمال البناء والتجديد حتّى الوقت الراهن، تضم منطقة براثا مكتبة قديمة وحرم للصلاة مع صحن واسع وبئر يعرف باسم بئر الإمام علي ومقبرة قديمة.

وتضمنت أرض براثا رفات العديد من رجالات عصرنا وعظماء بلادنا أمثال المؤرخ والاديب الشهير المرحوم الدكتور طه باقر والأستاذ الناقد المعروف المرحوم الدكتور علي جواد طاهر والأستاذ اللغوي القدير المرحوم الدكتور مصطفى جواد وعالم الاجتماع الكبير المرحوم الدكتور علي الوردي وآخرين.

والمسجد اليوم معروف، يقع في طريق بغداد – الكاظمية، مقابل المنطقة المعروفة بـالعُطَيفيّة، وهو من المساجد القديمة. كتب الخطيب البغدادي بعد ذكر خبر هدم المسجد: ومكث خراباً إلى سنة 328 هجرية، فأمر الأمير (بجكم الماكاني) بإعادة بنائه وتوسعته وإحكامه، فبُني بالجص والآجر وسُقّف بالساج المنقوش، ووسّع فيه ببعض ما يليه ممّا ابتيع له من أملاك الناس. وكان الناس يأتونه للصلاة فيه والتبرك به، ثم أمر المتّقي بالله أن يُنصَب منبر فيه. ولم يزل على هذا إلى أن خُرِّبت بغداد سنة 451 هجرية.

وكتب الشيخ المجلسي: هذا المجسد الآن موجود، وهو قريب من وسط الطريق من بغداد إلى مشهد الكاظمين (عليهما السلام) ويستحب الصلاة وطلب الحوائج فيه.. قال الشهيد رحمه الله في الذكرى: ومن المساجد الشريفة مسجد براثا في غربي بغداد، وهو باقٍ إلى الآن، رأيته وصلّيت فيه.

كما كتب الشيخ عباس القمي: وهذا المسجد الشريف في زماننا باقٍ، وقد صلّيت فيه مراراً.

حوادث المسجد المعاصر والاعمار

قال ياقوت الحموي: براثا محلّة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محوّل، وكان لها جامع مفرد تصلّي فيه الشيعة وقد خُرِّب عن آخره. وقال ياقوت:

وفي سنة 329 هجرية فُرغ من جامع براثا وأُقيمت فيه الخطبة، وكان قبلُ مسجداً يجتمع فيه قوم من الشيعة (وذكر تهمةً) فكبسه الراضي بالله وأخذ من وجده فيه وحبسهم، وهدم الجامع حتّى سوّى به الأرض. وأنهى الشيعة خبره إلى (بَجْكم الماكاني) أمير أمراء بغداد، فأمر بإعادة بنائه وتوسيعه وإحكامه، ولم تزل الصلاة تقام فيه إلى بعد الخمسين وأربعمائة هجرية، ثم تعطّلت.

عن ابن عمر قال: هدم المنافقون مسجد بالمدينة ليلاً، فاستعظم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تنكروا ذلك، فإن هذا المسجد يعمر، ولكن إذا هدم مسجد براثا بطل الحج.

قيل له: وأين مسجد براثا هذا؟

قال: في غربي الزوراء من أرض العراق، صلّى فيه سبعون نبيّاً ووصيّاً، وآخر من يصلّي فيه هذا، واشار بيده إلى مولانا علي بن أبي طالب.

قال السليلي مصنّف كتاب الفتن: فرأيت مسجد براثا وقد هدمه الحنبليون وحفروا قبوراً فيه، وأخذوا أقواماً قد حفر لهم قبور، فغلبوا أهل الميّت ودفنوهم فيه، إرادة تعطيل المسجد، وتصييره مقبرة، وكان فيه نخل فقُطع، وأُحرقت جذوعه وسقوفه، وذلك في سنة (312 هـ) فعُطل من سنته الحج، وقد كان خرج سليمان بن الحسن (يعني القرمطي) في أول هذه السنة، فقطع على الحاج وقتلهم، وعطّل الحاج، ووقع الثلج في بغداد، فاحترق نخلهم من البرد، فهلك فأخبرني مولاي ناقد ان أبا عمرو قاضي بغداد قال له: احترق لي بقرية على ثلاثة فراسخ من بغداد يقال لها صرصر مائة ألف نخلة. قال السليلي: فأي شيء أحسن؟ وأي أمر أوضح من هذا(9).

 

ويعرف قديماً بـ(جامع المنطقة) ويعرف أيضاً بـ(مشهد العتيقة).

 تأسيس الجامع

أما تأسيسه فإن براثا من القرى العامرة قبل تأسيس بغداد، ولذا تعتبر من المواقع التاريخية والتراثية وقد استفاد من ذلك المهتمين بدراسة المواقع في بغداد لتحديد بعض معالمها. وقد أسس هذا المسجد في سنة (37 هـ - 654م).

وقد جرت على المسجد الكثير من عمليات التعمير والتجديد منها:

ما تم عام (1070 هـ - 1659م).

وفي (1352 هـ - 1933م) تم تجديد المسجد أيضاً. تصدى بعض الأخيار عام (1375 هـ - 1955م) إلى تعمير المسجد وبناء منارته.

وأخيراً أقدم المؤمنون على إصلاحات أساسية في هذا المسجد، وقد وضعت المخططات لتوسعته وإعادة بنائه من جديد، وتبلغ مساحة براثا الجامع والمدفن والحديقة في السابق أضعاف ما هو عليه الآن، أما مساحته الحالية فتصل إلى حوالي (4000) متر مربع.

قبل الاعمار الحالي تم اعمار المسجد في الستينات من القرن الماضي على عهد السيد محسن الحكيم قدس سره وبإشراف مباشر من المرحوم الشيخ علي الصغير.

وقد نال جامع براثا حصته من الأحداث التي عصفت بالعراق في السنوات الأخيرة حيث تعرض لعمليتين إرهابيتين في العام 2006 أثناء صلاة الجمعة باحزمة ناسفة وسيارات مفخخة ما أدى إلى استشهاد العشرات وإصابة المئات. وبرغم هول ما حدث، لم يتوقف البناء والاعمار في الجامع، حيث تم توسيعه ليتسع إلى 30 ألف مصل، ولا سيما بعد زيادة عدد الزوار والمصلين في الأعياد فاضيف حرم النساء وحرم الزهراء وحرم الحسنيين. تبلغ مساحة براثا الجامع والمدفن والحديقة في السابق أضعاف ما هو عليه الآن، أما مساحته الحالية فتصل إلى حوالي (4000) متر مربع، وقد وضعت المخططات لتوسعته وإعادة بنائه من جديد على وفق شكل هندسي حديث روعي فيه بقاء الروح التاريخية وبهاء الهيبة القدسية ليظل كما كان على مر التاريخ محط أنظار السياح الأجانب والزائرين المتعبدين والدارسين لتطور العمران الإسلامي.

 

إثنا عشر فضيلة لمسجد براثا

في كتاب (هدية الزائر) في فضل هذا المسجد الشريف وقلنا هناك إنّ لهذا المسجد كما يبدو من مجموع هذه الأحاديث فضائل عديدة تكفي إحداها لو حازها مسجد من المساجد أن تُشد إليه الرحال وتطوى المراحل ابتغاء رضوان الله بالصلاة فيه والدعاء.

الأولى: إن الله تعالى أقرّ أن لا ينزله بجيشه إلّا نبي أو وصي نبي.

الثانية: إنه بيت مريم.

الثالثة: إنه أرض عيسى (عليه السلام) .

الرابعة: إن فيه العين التي نبعت لمريم.

الخامسة: إن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، أبان تلك العين بإعجازه.

السادسة: أن فيه صخرة بيضاء مباركة عليها وضعت مريم عيسى (عليه السلام) من عاتقها.

السابعة: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كشف باعجازه عن تلك الصخرة فنصبها إلى القبلة وصلى إليها.

الثامنة: صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) وابنيه الحسن المجتبى وسيد الشهداء (عليه السلام) فيه.

التاسعة: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أقام هناك أربعة أيام.

العاشرة: إنه صلى فيه الأنبياء لا سيما النبي خليل الرحمن (عليه السلام) .

الحادية عشرة: إن هناك قبر نبي من الأنبياء ولعلّه يوشع (عليه السلام) فقد قال الشيخ رحمة الله عليه أن قبره في الفسحة المقابلة لمسجد براثا.

الثانية عشرة: إن فيه قد ردت الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام) .


(1) القَلّايةُ عنْدَ النّصارَى، مُعَرّب كَلاذَةَ، وهي مِن بُيوتِ عِبادَاتِهم. تاج العروس من جواهر القاموس ج39 ص 345.

(2) الفطو: السوق الشديد.

(3) بحار الأنوار ج52/ ص 218.

(4) تهذيب الأحكام ج3 ص 264، من لا يحضره الفقيه ج1 ص 232.

(5) مناقب آل أبي طالب ج2 ص 100.

(6) كامل الزيارات ص 546.

(7) مستدرك الوسائل ج3 ص 429.

(8) عرفت بهذا الاسم منذ مطلع العصر العثماني حينما اقتطعت السلطات العثمانية هذه الأرض للسيد عطيفة بن رضاء الدين الحسيني المتوفى سنة (924هـ). منطقة العطيفية في بغداد هي منطقة سكنية في جانب الكرخ وهي الموضع التي بنى فيها أبو جعفر المنصور مدينته المدورة وشكلت نواة لبغداد الحديثة. العطيفية ليست مركز المدينة الحالية ولكنها مجاورة للمركز. وتشتهر مدينة العطيفية بجامعها الشهير براثا الذي يعتبر مركزاً من أهم المراكز الدينية والاجتماعية في الوقت الحاضر.

(9) الملاحم والفتن: 260، ح 379.