محراب الامام علي (عليه السلام) في مسجد الكوفة

في أحد زوايا مسجد الكوفة يشاهد الداخل إلى المسجد بناءاً فخماً يختلف عن بقية مقامات المسجد، انه مقام الإمام علي (عليه السلام) في مسجد الكوفة، يتوجّه المؤمنون إليه بإنكسار ووجوم حيث لا يتمالكون عنده منع دموع الحسرة من التساقط، وهم يتلون الزيارة، وكان تلك الحادثة المروّعة حين هوت يد الخارجي الشقي عبد الرحمان بن ملجم بالسيف على رأسه الشريف وهو ساجد يصلي الفجر، قريبة عهد منهم... .

هذا المقام الذي يقع بإزاء الجدار القبلي للمسجد يشتمل على بيت للصلاة يتصدره محراب أقيم محل المحراب الأصلي، مزيّن بالقاشاني الملون كتب في أعلاه: هذا مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). ويعدّ هذا المحراب من أجلّ المحاريب التي يضمها مسجد الكوفة وعلى يمينه بوابه برونزية مذهّبة ذات نقوش مفرغة بها زخارف جميلة بالقاشاني الملون، وفي أعلاها آية: (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) وقوله (عليه السلام): (فزت ورب الكعبة)، وعلى يمين المحراب منبر مشيد من الرخام الملون.

ومقام محراب أمير المؤمنين (عليه السلام) أوسع مقامات المسجد، كان يصلي فيه الإمام (عليه السلام) وفيه استشهد (عليه السلام) ومن هنا سمي بالمقام لأنه (عليه السلام) كان يقيم صلاته فيه، وكان بجنب المحراب باب يمر إلى قصر الإمارة التي لا تزال إطلالة ماثلة اليوم وينتهي إلى بيت الإمام (عليه السلام) وهو قريب من دار الإمارة على بعد 85 متراً.

حين تدخل هذا المكان الطاهر المقدس وأنت تفتح نافذة للزمن الهجري لابد لك أن تستعيد في ذاكرة التواريخ الكبيرة شهادة المرتضى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في محراب الوجد الإلهي وهو يختم الوجود المحدود بالوجود الازلي عند الله والدم يسيل من جبهته الشريفة التي لم تسجد لغير الله قط لينال بذلك منزلة الشهادة وليستبشر بالفوز في محراب صلاته وكأنك تسمع صوتاً مدوياً في الآفاق يمزق صمت المكان يقول (فزت ورب الكعبة) إذن أنك في محراب الإمام علي (عليه السلام) في مسجد الكوفة الذي ظل شاهداً على السيرة الوضاءة والمعاني السامية والسجايا الحسنة وكرم الأخلاق لهذا الإمام البار والتقي.

تقول مصادر التاريخ إن الإمام علي (عليه السلام) حين نقل سفر الخلافة من المدينة المنورة إلى الكوفة بعد واقعة الجمل سنة 36 هـ، جعل مسجد الكوفة مركزاً للخلافة وموطناً للفكر ومدرسة للعلوم والفقه واتخذ من هذا المحراب الذي يقع في الضلع الجنوبي للمسجد مكاناً للتعبد يصلي به ويجتمع فيه العلماء والأخيار، وقد ألقى فيه علومه ومعارفه وقضى فيه بين الناس وأسمعهم خطبه البليغة التي ضمها كتاب (نهج البلاغة) والتي عدت من روائع الأدب العربي ومن معجزات اللسان وبدائع العقل البشري.

 

المحراب والرحالة

وذكره ابن بطوطة في ذكر المسجد قائلاً: ومحراب محلق بأعواد الساج مرتفع وهو محراب أمير المؤمنين، وهنالك ضربة الشقي ابن ملجم والناس يقصدونه للصلاة به، وفي الزاوية من آخر هذا البلاط مسجد صغير محلق عليه أيضاً بأعواد الساج يذكر أنه الموضع الذي فار منه التنور حين طوفان نوح (عليه السلام)، محراب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكوفة.

فيما يقول الرحالة الكبير ابن جبير عن هذا المحراب بعد أن دخل الكوفة يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر محرم سنة 580 هـ (على الجانب الأيمن من القبلة محراب معلق بأعواد الساج مرتفع عن صحن البلاط كأنه مسجد صغير وهو محراب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفي ذلك الموضع ضربة الشقي اللعين عبد الرحمن بن ملجم بالسيف فالناس يصلون فيه باكين داعين).

ويشير إلى هذا المحراب مؤرخ الكوفة السيد حسون البراقي يقول: (يوجد رواق طويل يمتد على طول هذا الضلع وفيه محراب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو محاط بجدران وسقف ونقوش وشباك نحاسي وكتابة بالكاشي وله منبر أثري وقد مرت عليه عدة تعميرات)(1).

فيما يصفه المؤرخ الدكتور حسين أمين بقوله (يعد هذا المحراب أجمل المحاريب التي ضمها مسجد الكوفة وعلى يمين المحراب بوابة برونزية ذات نقوش مفرغة حولها زخارف جميلة بالقاشاني الملون وعلى يمين البوابة البرونزية منبر مشيد من الرخام.

 

 

مراحل اعمار مقام محراب أمير المؤمنين

هذا المحراب يتعاهده المؤمنون بالتبرك، ففي سنة 1971م / 1388 هجرية تم نصب شباك فضي جديد لمقام أمير المؤمنين في مسجد الكوفة المعظم. وكان هذا الشباك من اماني ومقررات العالم السيد محسن الحكيم رحمه الله وقد نفذ تلك الأماني نجله الأكبر حجة الإسلام السيد يوسف الحكيم في عام 1391 هـ وضع في أصفهان في غضون ستة أشهر(2).

وقد قام سلطان البهرة بنصب الشباك من عليه. وتضمن توسيع مساحته من (140) متراً مربعاً إلى ثلاثة آلاف متراً مربعاً وتغليف سقوفه بالصاج ودلكه وأرضيته بالرخام وتزيين أروقته بالآيات القرآنية والأقوال المأثورة لأمير المؤمنين بالذهب والفضة والياقوت بالإضافة إلى طلي شباك المحراب بالذهب الخالص المغلف بالزجاج ونصب أجهزة التبريد والإنارة وعمل بوابة فخمة للمحراب من الصاج المطعم وتزيين السقوف بالثريات والقناديل وإنشاء خدمات ملحقة بالمحراب بالقرب من بوابته الرئيسة وأعمال أخرى، وخلاصة القول فالبناء الجديد بأجمعه يعد تحفة معمارية أبدعت فيه أنامل مشهود لها بالإبداع سيكون محط فخر المسلمين في العالم.

ففي سنة 1973 م تبرع الدكتور محمد برهان الدين زعيم طائفة البهرة بشباك فضي مزخرف ومطلي بالذهب ومزين بالنقوش والآيات القرآنية وقد كتب على قطعة دائرية فيه عبارة (فزت ورب الكعبة)، وهي الكلمة التي قالها أمير المؤمنين (عليه السلام) عند ضرب ابن ملجم له عند الصلاة وقد رصفت عبارة أخرى بأحجار كريمة صغيرة جداً ظهرت بمظهر جميل رائع والواح مستطيلة طول الواحدة حوالي (20) سم وعرضها (3)سم مطلية بالذهب كتب على الأولى الحديث الشريف: يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة والثانية أسم المتبرع الدكتور محمد برهان الدين والثالثة تأريخ هذه التعميرات

وقطعة صغيرة على شكل قرص دائري كتب عليه (محمد وعلي) كما كتب عبارات داخل المقام الداخلي بالمرمر الأبيض والزخارف الذهبية البارزة المغلفة بالزجاج وقد كتب في أعلاه الآية الكريمة: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ)، وثم أفتتح هذا التعمير من قبل الدكتور من قبل الدكتور أحمد عبد الستار الجواري وزير التربية آنذاك مساء يوم 9/ 5/ 1974 حيث أقيم احتفال ديني كبير في مسجد الكوفة، أفتتح بآيات من القرآن الكريم تلاها به الدكتور محمد برهان الدين، ثم ألقى رئيس الجامعة باللغة العربية، ثم القى الدكتور محمد برهان الدين كلمته التي ذكر فيها فضائل الإمام وكراماته وجهاده للإسلام ثم القى الدكتور الجواري كلمته وبعد ذلك أختتم الحفل محافظ كربلاء عبد الرزاق الحبوبي بكلمته بالمناسبة.

وقد رفع الستار عن الشباك الفضي المزخرف بالواح مطلية بالذهب المطعم ببعض الأحجار كذلك وضع حجر الأساس لتغليف جدران مقام الإمام علي (عليه السلام) بالمرمر الاخضر الهندي وكان الحضور رئيس ديوان الأوقاف عبد الرزاق إسماعيل الفياض وعبد اللطيف ياسين عبد القادر، معاون رئيس ديوان الأوقاف للشؤون الإدارية ومدير العتبات المقدّسة آنذاك.

وفي سنة 1363 هـ جدد محراب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بنفقة التاجر النجفي المرحوم محسن شلاش وأولاده عبود ومحمد وكان من جملة مراحل الإعمار منبر أمير المؤمنين (عليه السلام) في المحراب وقد أرخ هذا الشيخ علي البازي قائلاً:

   ذا منبر لأمير المؤمنين علـــي      على المساكين شأو بالجلال علي

عليه عظه أعطى الذي رشد      كالآي تتلى بنهج الإمام علي

قد شاده محسن من بأسمه شهدت      آثاره بأبتذال المــــــال والعمــل

        ووســـــعا ولداه بعد روضته      فأصبحــت في العلا نار على جبل

فسوف يجزي من الرحمن مكرمة      ومـــن علـــى يلاقي بغيبة الأمل

     للمسلمين بمســــعاه بناه وذا      أرخ (لهم منبر ينتمي لخير ولي)

ومن جملة الاعمار الذي يطالعنا في سبعينيات القرن الماضي نجد أن المسجد قد لقي رعاية. فبكلفة (130 مليون دينا) قامت الأجهزة الفنية المختصة في وزارة الأوقاف صيانة سور مسجد الكوفة بجهاته الأربع وإعادة بناءه وفق التصميم الذي بني عليه بالطابوق المطلي المنجور وتطبيق الازارة بالمرمر الايطالي وبكلفة مالية كبيرة قدرت بـ(500 مليون دينار) تم إعادة بناء وتوسيع محراب الإمام علي (عليه السلام) وجعل مساحته أكثر من (1000 م2) وإعادة بناءه وفق التصاميم القديمة التي كان عليها المسجد قديماً وإعادة تغليفه بالطابوق الفرش الموصلي.

وفي هذه سنة 1997 تم إكمال توسعة وإعمار محراب أمير المؤمنين (عليه السلام) وذلك ببذل طائفة البهرة الداودية وسلطانهم وكانت هذه العمارة قد صممت وفق ريازة إسلامية متقدمة وثم في هذه المرحلة من الإعمار، توسيع المحراب من مساحته (140م) إلى ثلاثة آلاف متر مربع وتغليف سقوفه بالعاج ودلكه وأرضيته بالرخام وتلوين أروقته بالآيات القرآنية والأقوال المأثورة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالذهب الخالص المغلف بالزجاج ونصب أجهزة التبريد والإنارة، وعمل بوابة فخمة للمحراب من العاج المطعم وتزين السقوف بالثريات والقناديل وإنشاء خدمات ملحقة بالمحراب بالقرب من بوابته الرئيسية وأفرزت هذه المرحلة من الإعمار عن فتح فرع مكتبة الإمام الحكيم العامة في المسجد بعد أن كانت مغلفة ومبنية بالآجر وتم سحب ما تبقى من كتبها وتفرقت حيث لا يعلم أحد مصيرها وقيل أنها أرسلت إلى مكتبة الإمام الحكيم العامة وما صح الخبر وتوزعت بين الحرق والنهب والاهداء الغير مشروع.

وقد كتبت على جدران المحراب بالذهب آيات من منظومات لسيف الدين طاهر إمام البهرة منها موشحة يقول في مطلعها:

  يا ســــيد الشهداء      خامس أهل الكساء

علي عظيم البلاء      نالك في كربلاء

طول الزمان يعاني      وآ لهفتنا يا حسبنا

                    يا سيد الشهداء              

 

ومنها أبيات من قصيدته:

     يا إمام الحق مولانا الحسين      صفوة الله وصفوة المعطفين

يا حسين بن علي المرتضى      أنت والله إليَّ قرّة عينين

 

المحراب ومحراب النافلة

ذكر العلامة المجلس اختلافاً في تحديد مكان المحراب اثناء بحثه في قبلة مسجد الكوفة قال: فائدة: قال شيخنا الفاضل الكامل السيد السند البارع التقي، أمير شرف الدين علي الشولستاني الساكن في مشهد الغري حياً وميتاً قدس الله روحه في بعض فوائده: لا يخفى أنه إنما تعلم الكعبة وجهتها بمحراب المعصوم (إذا علم أن بناءه بنصب المعصوم) وأمره (عليه السلام) في زمانه أو في زمان غيره، لكنه (عليه السلام) صلى إليه من غير تيامن وتياسر، وعلى هذا أمر مسجد الكوفة مشكل، إذ بناؤه كان قبل زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) والحائط القبلي، والمحراب المشهور بمحراب أمير المؤمنين (عليه السلام) ليسا موافقين لجعل الجدي خلف المنكب الأيمن، بل فيهما تيامن بحيث يصير الجدي قدام المنكب الأيمن، وكنت في هذا متأملاً ومتحيراً وأيد تحيري بأنهما كانا عكس ضريحه المقدس، فإنه كان فيه تياسر كثير ، ووقت عمارته بأمر السلطان الأعظم شاه صفي قدس الله روحه وقلت للمعمار: غيره إلى التيامن، فغيره، ومع هذا فيه تياسر في الجملة ومخالف لمحراب مسجد الكوفة، وحملته على أنه كان بناه غير المعصوم من القائلين بالتياسر، وكنت في الروضة المقدّسة متيامناً وفي الكوفة متياسراً، لأنه نقل أنه صلى في مسجدها ولم ينقل أنه (عليه السلام) صلى باستقامة من غير تيامن وتياسر، وكان في وسط الحائط المذكور محراب كبير متروك العبادة عنده غير مشهور بمحراب أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا بمحراب أحد من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ، ولما صار المسجد خراباً وتهدمت الأسطوانات الكائنة فيه واختفى فرشه الأصلي بالأحجار والتراب، أراد الوزير الكبير ميرزا تقي الدين محمد رحمه الله تنظيف المسجد من الكثافات الواقعة فيه وعمارة الجانب القبلي من المسجد ورفع التراب والأحجار المرمية في صحنه إلى الفرش الأصلي، ونظف وسوى دكتين في الجهتين الشرقية والغربية.

فظهر أن المحراب والباب المشهورين بمحرابه وبابه (عليه السلام) (ما) كانا متصلين بالفرش الأصلي، بل كانا مرتفعين عنه قريباً من ذراعين، والمحراب المتروك الذي كان في وسط الحائط القبلي كان متصلاً وواصلاً إليه.

وظهر أيضاً باب كبير قريب منه واصل إليه، وكانت عند الحائط القبلي من أوله إلى آخره أسطوانات وصفات، وبنى الوزير الأمجد عمارته عليها.

وعند ذلك المحراب كانت صفة كبيرة قدر صفتين من أطرافها لم يكن بينها أثر أسطوانات، ولما صار هذا المحراب الكبير عتيقاً كثيفاً أمر الوزير وجهه ليبيضوه، فقعلوا فإذا تحت الكثافة المقلوعة أنه بيضوه ثلاث مرات وحمروه كذلك، وفي كل مرتبة بياض وحمرة أمالوه إلى اليسار، فتحير الأمير في ذلك فأحضرني وأرانيه وكان معه جمع كثير من العلماء والعقلاء الأخيار وكانوا متحيرين متفكرين في الوجه.

فخطر ببالي: أن ذلك المحراب كان محراب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان يصلي إليه لوصوله إلى الفرش الأصلي، ولوقوعه في صفة كبيرة يجتمع فيها العلماء والأخيار خلف الإمام (عليه السلام) ولذلك كان الباب بابه (عليه السلام) الذي يجيء من البيت إلى المسجد منه لاتصاله بالفرش، ولما كان الجدار قديماً وكان ذلك المحراب فيه ولم يكن موافقاً للجهة شرعاً تياسر (عليه السلام) وبعده المسلمون حرفوا وأمالوا البياض والحمرة إلى التياسر، ليعلم الناس أنه (عليه السلام) تياسر فيه، وحمروه وليعلموا أنه (عليه السلام) قتل عنده.

وكان تكرار البياض والحمرة لتكرار الاندراس والكثافة، ولما خرب المسجد واندرست الأسطوانات والصفات، واختفى الفرش الأصلي وحدث فرش آخر، أحدث بعض الناس ذلك المحراب الصغير وفتح باباً صغيراً قريباً منه على السطح الجديد واشتهر بمحرابه وبابه (عليه السلام) ، وعرضت على الوزير والحضار، فكلهم صدقوني (وقبلوا مني)(3) وصلوا الصلاة المقررة والمعهودة عند محرابه (عليه السلام) (عنده) وقرأوا الدعاء المشهور قراءته بعد الصلاة عنده وتياسروا في الصلاة على ما رأوا في المحراب، وأمر الوزير بزينته زائداً على زينة سائر المحاريب، وتساهل المعمار فيها فحدث ما حدث في العراق، وبقي على ما كان عليه كسائر المحاريب، والسلام على من اتبع الهدى.

إلى هنا كلام العلامة شرف الدين الشولستاني رحمه الله (4).قال المجلسي: وجدت محاريب العراق وأبنيتها مختلفة غاية الاختلاف وأقربها إلى (القواعد) الرياضية قبلة حائر الحسين (عليه السلام)، ولكنها أيضاً منحرفة عن نصف النهار أقل مما تقتضيه القواعد بقليل، وأما ضريح أمير المؤمنين (عليه السلام) وضريح الكاظمين (عليهما السلام)، فهما على نصف النهار من غير انحراف بين، وضريح العسكريين (عليهما السلام) منحرف عن يسار نصف النهار قريباً من عشرين درجة، ومحراب مسجد الكوفة منحرف عن يمين نصف النهار نحواً من أربعين درجة وهو قريب من قبلة أصفهان، وليس على ما ذكره السيد رحمه الله من كون الجدي قدام المنكب.
 

وإلا لكان قريباً من المغرب، وانحراف الكوفة بحسب القواعد الرياضية اثنتا عشرة درجة عن يمين نصف النهار، وانحراف بغداد قريب منه، وانحراف سر من رأى قريب من ثماني درجات من جهة اليمين، وقبلة مسجد السهلة قريب من القواعد، فظهر مما ذكرنا أن روضة أمير المؤمنين (عليه السلام) أقرب إلى القواعد من محراب مسجد الكوفة(5)، ولعل هذه الاختلاف مبنية على التوسعة في أمر القبلة، ولا يبعد أن يكون الامر بالتياسر لأهل العراق لكون المحاريب المشهورة المبنية فيها في زمان خلفاء الجور، لا سيما المسجد الأعظم على هذا الوجه ولم يمكنهم إظهار خطأ هؤلاء، فأمروا شيعتهم بالتياسر عن تلك المحاريب وعللوها بما عللوا به تقية، لئلا يشتهر منهم الحكم بخطأ من مضى من خلفاء الجور. إلى هنا كلام المجلسي أخذنا منه موضع الحاجة(6).

أعمال محراب أمير المؤمنين (عليه السلام)

ولهذا المحراب أعمال للزائر ذكرها الشيخ عباس القمي في المفاتيح قال: ثم صل في المكان الذي ضرب فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ركعتين كل ركعة بالفاتحة وسورة من السور فإذا سلمت وسبحت فقل: يا مَنْ أَظْهَرَ الْجَميلَ وَسَتَرَ الْقَبيحَ، .. الدعاء.

 

 


(1) قال البراقي: إن ابن بطوطة شاهد آثار كثيرة، وفي زماننا هذا ليس لها عين ولا أثر، ويظهر من كلامه في محراب أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه المحراب الموجود الآن الذي بجنبه المنبر المبني بالجص والحجارة. وبقوله: في الزاوية من آخر هذا البلاط، يشير إلى الزاية الغربية، وهي الآن حجرة كبيرة، فعلى كلامه يكون منها فار التنور. ويظهر من قوله: في ظهره خارج المسجد بيت يزعمون أنه بيت نوح (عليه السلام)، أن بيت نوح ملاصق للزاوية الغربية ويتصل بالباب الذي ذكرنا أنه مقام نوح (عليه السلام) الذي بجنب المنبر، وهو الباب الذي يدخل منه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد. وأما متعبد إدريس، فليس له اليوم عين ولا أثر. وأما الفضاء الذي ذكره المتصل بالجدار القبلي من المسجد الذي نجرت فيه السفينة، فهو هذا الفضاء الموجود ما بين بيت أمير المؤمنين وبيت نوح الذي هو ملاصق للحائط القبلي.

(2) مراقد المعارف 2/ 314 الهامش.

(3) في نسخة: (وقبلوني).

(4) بحار الأنوار: 97/ 431 - 432.

(5) بعد أن تطورت أجهزة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، تم التأكد من أن قبلة مسجد الكوفة مستقيمة باتجاه الجدار القبلي بخلاف ما أشار الشيخ وظهر ذلك جلياً في يوم تعامد الشمس على الكعبة عند الفحص. بخلاف محراب مرقد الإمام علي (عليه السلام) الذي أظهر الكشف أخيراً انحرافه قليلاً إلى جهة اليمين.

(6) بحار الأنوار: 97/ 433.